السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسعد الله أيامكم بمناسبة مولد خاتم الانبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ،
شيخنا الغالي كلنا يعلم بأن امير المؤمنين عليه السلام كان زاهدا ً وكان يلبس الثياب المرقعة وكان يأكل القليل من الطعام ، فلماذا لم يقتدي بقية الأئمة عليهم السلام وسائر علماؤنا به ؟
هذا ولكم مني كل الشكر والتقدير
أخوك / أبو علي
باسمه جلت أسماؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ومن الذي قال بأن أئمتنا (صلوات الله عليهم) وعلماءنا (رضوان الله عليهم) لم يقتدوا به في زهده وتقشّفه؟! فها هي سيرة آل محمد وسيرة أصحابهم وعلمائهم تشهد على ذلك إلى اليوم، ودونك بيوت المراجع الأتقياء واذهب لترى أحوالهم!
لقد كان لإمامنا الشيرازي الراحل (قدس الله نفسه) نعال واحد يرقِّعه بنفسه كلما انفتق! ولطالما دعاه ذووه وتلامذته إلى أن يستبدله بنعال آخر ولو من أرخص الأثمان إلا أنه لم يكن منه سوى الرفض القاطع، فلم يجدوا بُدّاً من أن يستبدلوه ذات يوم عمداً بأن يأخذوا النعال البالي ويضعون مكانه آخر جديدا حتى يضطر السيد إلى انتعال هذا الجديد، وهكذا كان إلا أنه (قدس سره) عندما همّ بالخروج ولم يجد نعاله فإنه مشى حافيا ورفض أن ينتعل هذا النعال الجديد مع أنه كان من أرخص ما في السوق! فما كان ممن حوله إلا أن أعادوا القديم إليه وظل معه إلى آخر يوم من حياته يرقِّعه بيده! وإذا كانت عندك مجلة (المنبر) فإن فيها في إحدى أعدادها صورة ذلك النعال بعينه!
هذا ليس سوى نموذج صغير من النماذج التي لا تعدّ ولا تُحصى من زهد مراجعنا وعلمائنا، فكيف بأئمتنا المعصومين صلوات الله عليهم! إنّ ذلك فوق أن نتخيّله أصلا!
نعم.. قد تتبدّل بعض ظروف الزمان بحيث يتغيّر مفهوم الزهد، فإنه ليس الزهد أن لا تملك شيئا، لكن الزهد أن لا يملكك الشيء، كما ورد في الحديث الشريف. ولهذا لعلّك تجد أن بعض علمائنا يلبس ثيابا غير مرقّعة إلا أن ذلك لا يخالف الزهد، وإنما هو من باب موافقة ظروف الزمان ومن باب إظهار عزة المؤمنين.
لمّا دخل كامل بن إبراهيم المدني على إمامنا العسكري (صلوات الله عليه) وجده يلبس ثيابا بيضاء ناعمة! فقال في نفسه: ”وليّ الله وحجّته يلبس الناعم من الثياب ويأمرنا نحن بمواساة الإخوان وينهانا عن لبس مثله“! فتبّسم الإمام (عليه السلام) وحسر عن ذراعيه فإذا ثوب خشن أسود كان قد لبسه في الباطن على جلده! فقال: ”هذا لله وهذا لكم“! أي هذا الثوب الخشن الداخلي لبسته لله تعالى زُهدا، أما هذا الثوب الناعم الخارجي فلبسته لكم. (كتاب الغيبة للشيخ الطوسي عليه الرحمة ص247).
ويروي المخالفون عن سفيان الثوري قال: ”دخلت على جعفر بن محمد وعليه جبة خز وكساء خز دُخاني، فقلت: يابن رسول الله؛ ليس هذا من لباس آبائك! قال: كانوا على قدر إقتار الزمان، وهذا زمان قد أسبل عزاليه. ثم حسر عن جبة صوف تحت! وقال: يا ثوري؛ لبسنا هذا لله وهذا لكم، فما كان لله أخفيناه ما كان لكم أبديناه“. (تذكرة الحفاظ للذهبي ج1 ص167).
فلا تجعل تقييمك للناس على ما يبدو منهم في الظاهر فحسب، فإنك لا تدري ما وراءه.
زادك الله وإيانا بصيرة. والسلام..
التاسع والعشرون من ربيع الأول لسنة 1429 من الهجرة النبوية الشريفة