باسمه تعالى
بعد التحية والسلام نتمنى ان تجيبونا على موضوعنا هذا.
سمعت في احد المحاظرات الاسلامية لاحد الخطباء الحسينين كلاما يقول فيه ما مضمونه ( ان الله انعم على الانسان بان نقله من عالم الاوجود الى عالم الوجود ) وبعد ان سمعت ذلكم المقطع من كلامه تبادر الى ذهني هذا السؤال : وهو لماذا وجود الانسان وما هي رسالته في الحياة وتذكرت في هذه اللحظه قول الحكيم في محكم كتابه الكريم (( وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون)) فسألت نفسي هل الله عز وجل محتاجا لعبادة الانسان الجواب كلا اذا لماذا خلقه اليس ليعبده بدليل قوله تعالى في الاية الانفة الذكر وهكذا سأل نفس السؤال واجيب نفس الجواب والبيضة من الدجاجة والدجاجة من البيضة وهلم جرى.
والمشكلة ان هذا الامر قد جلب الوبال علي فقد دخل الوسواس الى صدري وتغلغل الشيطان في عقلي واصبحت وامسيت في شك من جدوى وجودي كأنسان اقول اكان من الافظل ( واستغفر الله من هذا القول) ان اكون لا شي بدل ان اكون انسان لي شعور واحاسيس اكان من الافضل ان لا امر بتلك الايام والليالي من لحظة وجودي ودخولي الى عالم الدنيا الى الى هذه اللحظة والى ما ساكون عليه اذا قدر الله عز وجل لي البقاء في هذه الحياة الدنيا.
اكان من الافضل ان لا امر بتلك المأسي والمصاعب التي عانيت منها طول حياتي ومدة عمري .
واعود واقول اكان من الافضل ان لل يكون لي وجود في هذه الدنيا.
وقد حالولت مرارا ان ابعد هذه الافكار عن راسي فلم استطع بل بدات تزداد عندي يوما بعد يوم وحتى وصل الوسواس في نفسي ان اقول في اثناء صلاتي لماذا اصلي ( اللهم استغفرك واتوب اليك) .
واقول قد يكون حالي هذا بسبب اعمالا عملتها لا ترضي الباري عز وجل وان موقفي هذا كموقف مغتصبي الخلافة كالخليفة الاول الذي سجل له التاريخ قوله : (( ليتني كنت كبش اهلي يسمنوني ما بدا لهم حتى اذا كنت اسمن ما يكون زارهم بعض من يحبون فجعلوا بعضي شواء وقطعوني قديدا ثم اكلوني واخرجوني عذرة ولم اكن بشرا وغيرها من الاقول كقوله (( ليت امي لم تلدني ليتني كنت تبنة في لبنة )).
وقد بشر الله عباده في الحياة الدنيا والاخرة بالمنزلة العظيمة فكيف يتمنى الشيخان وانا ان لا نكون بشرا فضله الله على كل مخلوقاته .
ولكن هنالكم فرقا بين قولي وقولهم فهم قالوا هذا الكلام لما فعلوه من ظلم بحق اهل البيت ( عليهم السلام) فقد بدت لهم سيات ما عملوا اما انا اقول هذا الكلام لاسالة وافكار وردت في ذهني وقلبي وكما نعلم انه لا سلطان على القلب .
وقد عرضت هذا الامر على بعض اصدقائي وعلى بعض المثقفين دينيا اذا صح التعبير فقال لي احدهم بان هنالك شياطين من الانس وانت واحدا منهم فلما قلت له لماذا تقول هذا الكلام قال لان هذا هو تفكير الشاطين واحدهم يقول لي بان هذا تفكير المجانين والاخر ينصحني بان ابعد هذه الافكار عن راسي ويقول غيرهم بان ما يجري في عقولنا من تهيؤات وافكار غير مالوفة يجب ان لا نبوح بها لكي لا نصبح مجانين لا المجنون هو من يحلق بافكارة وتهيؤاته بين الناس بدون مراعاة لشعورهم وبدون خجل وحياه وخوف من ردة فعلهم.
وقد اجبت احدهم بان حالي حال الملائكة الذين قالوا للباري عز وجل لماذا يجعل في الارض من يسفك الدماء ومع سؤالهم هذا لم يغضب عليهم الباري عز وجل بل اجابهم بانه يعلم ما لا يعلمون كما ورد في القران الكريم .
وكما ترون اني لا اجد اي جواب يشفي غليلي في هذا الكلام.
وها انا اضع سؤالي بين اياديكم الشريفة املا ان تكرمونا بالجابة عليها والتعليق واتمنى ات تعذروني على الجمل غير المتناسقة والاخطاء اللغوية وغيرها من الاخطاء .
ودمتم سالمين.
ملاحظة : اتمنى ان ترشدوني الى كتب ومحاظرات تناولت موضوعي وتسأولاتي هذه عسى ان اجد فيها ما يريحني واجد فيها اجوبة عما يختلج في صدري من تسأولات.
المخلص
حسنين المحمداوي
العراق _ ميسان
باسمه تقدست أسماؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
هوّن على نفسك يا أخانا ولا تبالغ في وصف تساؤلاتك بالوساوس أو تتهم نفسك بالجنون والعياذ بالله، فإنها تساؤلات مشروعة وكل ما كان ينقصك هو الرجوع إلى آل محمد (صلوات الله عليهم) والاطلاع على إجاباتهم الشافية لتزول عنك الحيرة.
وأوّل ما ينبغي أن تدركه هو أن قوله تعالى: ”وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ“ (الذاريات: 57) إنما هو في مقام بيان الوظيفة العملية للجن والإنس، تلك الوظيفة التي تكون سببا لتحقق الغاية من الخلق، وهي غاية أعظم وأجلّ، وتتمثل في أن يحظى العبد برحمة الله تبارك وتعالى.
تأمّل في قوله تعالى: ”إِلاَّ مَن رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ“ (هود: 120) تتجلى لك تلك الغاية العظيمة. إنها (الرحمة) التي لأجلها خلقنا الله تعالى، تلك الرحمة التي أوجبها الله تعالى على نفسه، فقال عزّ من قائل: ”كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ“ (الأنعام: 55) وهي تلك الرحمة التي قرن الله تعالى اسمه الخاص بها في افتتاح كل سورة من سور كتابه في وصفيْن عظيميْن قائلا: ”بسم الله الرحمن الرحيم“!
إذن؛ فالآية الأولى في مقام بيان (الوظيفة) أما الثانية ففي مقام بيان (الغاية)، فلا تخلط بينهما، والتفت إلى أن الوظيفة العبادية موصلة لتلك الغاية الرحمانية، وهكذا علّمنا إمامنا الصادق (صلوات الله عليه) إذ قال: ”خلقهم ليفعلوا ما يستوجبون به رحمته فيرحمهم“. (بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج5 ص314).
ثم إن هذا الذي ينبغي فعله من عبادات وأعمال لكي يستوجب المخلوق رحمة الخالق إنما يرجع في الحقيقة لأمر واحد هو السعي لمعرفة الله تعالى، وذلك ما أرشدنا إليه إمامنا سيد الشهداء الحسين بن علي (صلوات الله عليهما) - وهو المذبوح في معرفة الله على رمضاء كربلاء - إذ قال: ”أيها الناس! إن الله عز وجل ذكْرُه ما خلق العباد إلا ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه. فقال له رجل: يابن رسول الله؛ بأبي أنت وأمي؛ فما معرفة الله؟ قال: معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته“ (بحار الأنوار ج23 ص83).
أما تلك الرحمة الإلهية التي أوجبها الله تعالى على نفسه لعباده؛ فتتمثّل في جملة ما تتمثل به في نعيم الأبد، وذلك قول إمامنا الصادق صلوات الله عليه: ”ما خلقهم ليجلب منهم منفعة ولا ليدفع بهم مضرة، بل خلقهم لينفعهم ويوصلهم إلى نعيم الأبد“. (البحار ج5 ص313) ومنه تعرف أن الله تعالى ليس محتاجاً إلى عبادة خلقه له، فهو غني عن عبادتهم، غير أنه أوجبها عليهم ليستحقوا بذلك رحمته ورضوانه ونعيم الأبد، وكان ذلك من علمه وحكمته وتدبيره، وقد جاء زنديق للإمام الصادق (عليه السلام) فقال له: ”لأي علة خلق الله الخلق وهو غير محتاج إليهم ولا مضطر إلى خلقهم ولا يليق به العبث بنا“؟ فأجابه الإمام عليه السلام: ”خلقهم لإظهار حكمته وإنفاذ علمه وإمضاء تدبيره“ (البحار ج10 ص167).
غير أن الله تعالى لمّا كان حكيما عادلا؛ ما كان من الحكمة ولا العدل أن يخلق خلقاً يوصلهم إلى رحمته ورضوانه ونعيم الأبد بالجبر والقهر، لأن الإنسان إذا كان مجبورا على الطاعة فإنه لا يستحق المثوبة، وكذا لو كان مجبورا على المعصية فإنه لا يستحق العقوبة. ولذا وجب أن يكون مختاراً، فإن اختار الطاعة وصل إلى نعيم الأبد واستحق رحمة الله، وإن اختار المعصية وصل إلى جحيم الأبد واستحق عقاب الله.
فلا بدّ إذن من ترك الإنسان مختاراً، وإذ ذاك فلا بدّ من أن يتعرض المؤمن المطيع إلى المحن والبلايا لأن جلّها من صنع الكافر العاصي، فالكافر يظلم المؤمن، والعاصي يؤذي المطيع، وهكذا لا يكون للمؤمن أن يعترض على قضاء الله وقدره فيقول مثلا: ”إلهي لمَ تركتَ صدّاماً ليخرّب بلادي ويهلك الحرث والنسل ويظلمني ويضطهدني“؟! فإنه لو لم يتركه لكان ذلك جبراً، وقد شاء الله أن يجعله مختاراً لئلا تكون له حجة على الله يوم القيامة، فيعذبه بما صنع واكتسب من الآثام، أما المؤمن الذي تعرّض لهذا الظلم فله من الله التعويض والمثوبة.
وعليه فلا تقل: ”ألم يكن من الأفضل أن لا أُخلق فلا أتعرض لهذه المآسي“؟! فإن جوابك ما مرّ من قوله تعالى عن الرحمة التي تنتظرك، مضافاً إلى قوله تعالى: ”أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ“؟! (العنكبوت: 3).
أما إذا كانت الشدّة من الله تعالى لا من غيره، فإنها تكون اختباراً للمؤمن وتطهيرا له من ذنوبه وإيقاظا له من غفلته وإصلاحا لشؤونه وإيجاباً لرحمته، بأن يدفعه إلى التضرّع والعبادة أكثر فأكثر، وذلك قوله عز من قائل: ”فَاَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَآءِ وَالضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ“ (الأنعام: 43).
وعلى أية حال فإنك لو أمعنت النظر لعلمت أنه لا بدّ أن يكون ثمة (مربوب) وإلا لم يكن (للرب) معنى! فكيف تتصوّر أن لا يخلق الله تعالى خلقه؟!
إن نعيم الأبد وجنة الخلد بانتظارك وبانتظار كل إنسان، وما هي إلا لحظات - طالت أم قصرت - وتُغمض عيوننا عن هذه الدار لننتقل إلى تلك الدار الآخرة، وحينها سنرى ما نراه من ملكوت الله تعالى فنستحقر ما كنا نتمناه ونسعى لأجله في الدنيا كما نستهزئ بأنفسنا لأننا حين نتعرّض إلى شيء من الشدّة والبأس - مهما عَظُما - كنا نقول لأنفسنا: ”ليتنا لم نُخلق“! حيث لا قياس بين ما نحن فيه من نعيم الأبد وما تعرّضنا له من (مآسي) في الدار الفانية قد ولّت وزالت إلى غير رجعة!
فهنيئا لنا جميعا الجنة، بتوحيد الله تعالى والإيمان بنبوة نبيه الخاتم وولاية أوليائه الأطهار من آل محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، والبراءة من أعدائهم.
ومع هذه النعمة العظيمة.. فخير لنا أن نكون من أن لا نكون!
هذا ولو أردتَ يا أخانا الكريم أن تقف على شيء من الحقائق الغيبية الملكوتية، وتعاينها بنفسك، وتشخص ببصرك ويتناهى سمعك نحو اكتشاف العالم العلوي بما فيه من جنة ونار، وملائكة تصعد وتنزل، فإن بإمكانك ذلك بشرط أن تقوّي قلبك وتوطّن نفسك على تحمّل ما سوف تراه وتسمعه، لأن الأمر فوق طاقة أغلب الناس.
هذا شهر رمضان على الأبواب، وفيه فرصة عظيمة لذلك إن اغتنمتها وقمت بهذا العمل الذي نخبرك به لتغيّر كل ما في حياتك جذرياً! إذ ستُدرك عظمة الخالق سبحانه ولن يكون لك همّ سواه! وستزول من قلبك كل حيرة ويرتفع معها كل شك!
إن هذا العمل هو ما أبلغنا به إمامنا الصادق (عليه السلام) إذ قال: ”إذا أتى شهر رمضان فاقرأ كل ليلة (إنا أنزلناه) ألف مرة، فإذا أتت ليلة ثلاث وعشرين فاشدد قلبك وافتح أذنيك بسماع العجائب مما ترى“! (أمالي الصدوق ص751).
رزقنا الله وإياكم رضوانه، والسلام.
ليلة الحادي عشر من شعبان المعظم لسنة 1429 من الهجرة النبوية الشريفة.