بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين ابي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على اعدائهم الى يوم الدين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخنا الجليل ياسر الحبيب
المعروف إن الرسول قد زوج بناته من عمر وعثمان، كيف جرى هذا الامر؟؟ يقول بعض المستبصرين من كون هذه البنات لم يكنّ من صلب رسول الله صلى الله عليه وآله، فلو فرضنا هذا جدلاً، فكيف يفرط ببناته بالتبني ويعطيها لألد اعدائه؟؟، هل كان يكرههن والعياذ بالله، مع إن رسول الله كان معروفاً بالمحبة والرحمة لكل الناس حتى لأعدائه.
اخوكم في حب امير المؤمنين ابو تراب
فائز الجبوري
باسمه تقدست أسماؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
سبق أن أشرنا في جواب سؤال شبيه بسؤالكم إلى أننا نفضل التوقف (*) في هذا الموضع أيضا، فلا نثبت أنهما من بناته (صلى الله عليه وآله) كما لا نثبت أنهما من ربائبه، وإن كنا نميل أكثر إلى اعتبار أنهما من بناته حقا، لأن شهرة ذلك فوق أن يقدح فيها شيء، ولو كانت الحقيقة خلاف ذلك لوصلت إلينا ولو رواية واحدة عن الأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم) تبين الحقيقة، كما حصل في شأن سبب نزول (عبس وتولى) والمعني بها، فمع اشتهار أنها نزلت في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انبرى أئمتنا (صلوات الله عليهم) لنفي هذه التهمة وتنزيه ساحته الشريفة عنها وإثبات أنها إنما نزلت في عثمان بن عفان لعنة الله عليه.
وبهذا المعيار؛ فمع ملاحظة أن اشتهار كونهما (عليهما السلام) من بناته (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن وليد عصر متأخر، بل كان على مرّ العصور بما في ذلك عصور الأئمة الطاهرين (عليهم الصلاة والسلام)؛ فإنه لا يُعقل أن لا تصلنا رواية صريحة واحدة تنفي ذلك وتوضح الحقيقة وتكشفها.
وما وصلنا نفيا ليس إلا أقوال بعض الرجال. وأتذكر أنني قبل سنوات حققت في الأمر فوجدت أن أقدم الأقوال إنما يرجع إلى صاحب الاستغاثة ابن أبي القاسم الكوفي، وهو ليس بالذي يعوّل عليه كثيرا في أمثال هذه المواقف، سيما مع ورود بعض المطاعن فيه في كتب الرجال.
ففي هنا؛ أنا أتوقف، مع ميلان نحو اعتبار كونهن من بناته صلى الله عليه وآله وسلم، التزاما بالمشهور ولأن معارضة ذلك لا تصمد مع فقدان الأدلة المحكمة.
ونحن نعجب من الذين انبروا وتحمسّوا لنفي بنوتهما من رسول الله (صلى الله عليه وآله) من جهة أنه قد زوّجهما إلى عثمان لعنة الله عليه! فلسنا ندري كيف غاب عنهم أنه حتى في حال الادعاء بأنهما ربيبتاه؛ فإن النتيجة تكون واحدة لا فرق فيها! فإذا كان تزويج البنت إلى الكافر حراما، فكذلك تزويج الربيبة أو غيرها! وليس من أخلاق النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقبل لسائر البنات ما لا يقبله لبناته! كيف إذا كانتا ربيبتاه كما يقولون؟ فإنه يُفترض أن تكون محبتهما في قلبه (صلى الله عليه وآله) أعظم من محبته لسائر نساء أمته.
أما عن سبب إقدامه (صلى الله عليه وآله) على هذا التزويج، على كلا الفرضين – أنهما من بناته أم ربائبه - فيمكن تفسيره بهذه النقاط:
الأولى؛ كان نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) مهتما إلى أقصى حد بجمع أكبر عدد ممكن من الناس للدخول في الإسلام ولو ظاهرا، حتى تتكوّن للإسلام نواته التي تكبر. ولذا كان يعمد (صلى الله عليه وآله) لتقديم بعض المغريات التي من شأنها جذب ضعاف النفوس للإسلام. لهذا مثلا شرّع (صلى الله عليه وآله) سهم المؤلفة قلوبهم، ولهذا تزوّج من القبائل بل من بعض بيوت المكرة والخبثاء – كبيوت أبي بكر وعمر وأبي سفيان – لإيهامهم بأنهم قد وصلوا إلى مبتغاهم من خلال مصاهرته فيتجمد سعيهم للقضاء على الإسلام ولو لفترة زمنية محدودة تكون كافية لإرساء الدعائم الأولية للإسلام، فيما يكون مجرّد إسلامهم مكثرا لعدد المسلمين.
ولهذا أيضا زوّج بنتيه لعثمان (لعنة الله عليه) حيث ورد في التاريخ: "إن عثمان تعاهد مع أبي بكر: لو زوّج محمد مني رقية لأسلمت"! وذلك بعدما بشرّته كاهنة بنبوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. (راجع مناقب آل ابي طالب ج1 ص22).
وكان إصرار عثمان على رقية (عليها السلام) لأنها كانت – بحسب المؤرخين – ذات جمال رائع. (راجع الموااهب اللدنية ج1 ص197 وذخائر العقبى ص162 والتبيين في أنساب القرشيين ص89).
فلهذا قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) – على مضض – تزويجه إياها، لكسبه مسلما، مع علمه بنفاقه. كما تغاضى (صلى الله عليه وآله) عن المنافق ابن أبي سلول وقبل إسلامه مع علمه بنفاقه، بل قام حين هلاكه بالصلاة عليه لكسب قومه وعشيرته وإبقائهم على الإسلام.
الثانية؛ لا يُقال: كيف زوّجه وهو يعلم أنه كافر ولا يجوز تزويجه المسلمة؟ لأنه يُقال: هو كافر باطنا ومسلم ظاهرا، والأحكام الشرعية إنما تدور على الظاهر لا الباطن، وقد ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ما مضمونه: "نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر". (الجواهر ج40 ص498).
الثالثة؛ لا يُقال: كيف قبل أن يزوّج بنتيه لغير الكفء مع وضوح فساد عثمان وكفره؟ لأنه يُقال: إذا كانت المصلحة الدينية تقتضي ذلك فلا مانع، بل يكون التزويج أولى. ولهذا عرض نبي الله لوط (عليه السلام) بناته على قومه مع وضوح فسادهم وكفرهم عندما دعاهم قائلا: "قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ" (هود: 78).
فالمصلحة الدينية هنا تقتضي إنهاء مظاهر الشذوذ عن الفطرة الإنسانية، وبهذا يجوز تزويج المؤمنة من الكافر الفاسد بشرط إظهاره الإيمان، أملا في إنهاء هذه المظاهر الفاسدة. وكذلك الأمر بالنسبة لعثمان من جهة المصلحة التي سبق بيانها في النقطة الأولى.
الرابعة؛ إن تزويج رقية وأم كلثوم (عليهما السلام) من عثمان هو نوع من البلاء والاختبار الإلهي لهما، وبقبولهما وتضحيتهما وصبرهما على هذا الزواج من هذا الخسيس القذر يرتفع مقامهما عند الله تعالى، وينالان الدرجات الرفيعة. فإن لكل إنسان مؤمن بلاء واختبار إلهي، به يرتفع مقامه.
وهكذا كان شأن آسية بنت مزاحم (عليها السلام) التي كان بلاؤها القبول بالزواج من فرعون (لعنه الله) وتحمّلها وصبرها، وبذلك حازت شرف كونها من سيدات نساء العالمين. فآسية كانت مأمورة من الله، وكذلك رقية وأم كلثوم، كانتا مأمورتيْن من الله تعالى عبر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم. وكان صبرهما وتحمّلهما دليلا على عظمة إيمانهما، صلوات الله عليهما، سيما مع ما رأياه من جور الرجل وظلمه ووحشيته لعنة الله عليه، تلك الوحشية التي تسببت في القتل بسبب مشرك! فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفقكم الله لخير الدنيا والآخرة. والسلام.
السابع عشر من شهر ذي الحجة لسنة 1426 من الهجرة النبوية الشريفة.