بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سماحة الشيخ - ياسر الحبيب تحيبة طيبه محمله بكل معاني الحب والتقدير من اهلك بالكويت
سماحة الشيخ ما راي سماحتكم بهذه الروايات التي بدا الوهابية لعنة الله عليهم يتغنون بها ونحن على مشارف شهر محرم الحرام:
1- قول رسول الله ص لسيدتي فاطمة الزهراء ع إذا أنا مت فلا تخمشي وجهاً ولا ترخي عليّ شعراً ولا تنادي بالويل ولا تقيمي عليَّ نائحة
2- كما يروي المجلسي والنوري والبروجردي عن رسول الله أنه قال:صوتان ملعونان يبغضهما الله:إعوال عند مصيبة، وصوت عند نغمة؛ يعني النوح والغناء
3- وقد ورد في )تفسير الصافي) في تفسير آية {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ}ـ النبي ع بايع النساء على أن لا يسوِّدْن ثوباً ولا يشققن جيباً وأن لا ينادين بالويل
4- عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّوْفَلِيِّ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) قَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام ) بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَا تَدَعْ صُورَةً إِلَّا مَحَوْتَهَا وَ لَا قَبْراً إِلَّا سَوَّيْتَهُ وَ لَا كَلْباً إِلَّا قَتَلْتَهُ .
5- عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنِ ابْنِ الْقَدَّاحِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) قَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) فِي هَدْمِ الْقُبُورِ وَ كَسْرِ الصُّوَرِ
هذا ولكم مني كل الشكر والتقدير
باسمه عظم كبرياؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد سيد الشهداء والأحرار الإمام أبي عبد الله الحسين صلوات الله وسلامه عليه. جعلنا الله تعالى ممن يثأر له قريبا مع الطالب بدمه مولانا الإمام بقية الله الأعظم صاحب الزمان صلوات الله وسلامه عليه وعجل الله فرجه الشريف.
ج1: الرواية على فرض صحتها نهي خاص من النبي (صلى الله عليه وآله) للزهراء (صلوات الله عليها) بلحاظ الظرف الزمني، وهو حين استشهاده (صلى الله عليه وآله وسلم) بقرينة قوله: "إذا أنا مت"، لا أنه نهي دائم مستمر. ولعلّ الوجه فيه أنه (صلى الله عليه وآله) لم يرد أن يكون إظهار مشاعر التفجّع من قبل الزهراء (عليها السلام) مبررا لجريمة الخونة الظالمين من أهل السقيفة في الاعتداء عليها، فإن ذلك لو وقع منها لرأيت إلى اليوم أن التبرير الجاهز لحادثة الاعتداء هو: "أن عمر أراد أن يمنع مجلس النياحة هذا لأنه بدعة! وهذا دوره في المحافظة على أحكام الإسلام! وهو لا تأخذه في الله لومة لائم! ولهذا أقدم على اقتحام دار الزهراء وضربها وضرب النائحين والنائحات اضطرارا!". ولا أدل على ذلك مما رووه بكثرة من أن عمر (لعنة الله عليه) اقتحم كل مجلس عزاء في المدينة، واعتدى على النسوة فيه، بما في ذلك مجلس العزاء الذي أقامته عائشة (لعنها الله) على أبيها، حيث اقتحمه واعتدى على أخت أبي بكر أم فروة، وضربها بالسوط! (تاريخ الطبري ج2 ص614).
فلو أقدمت الزهراء (عليها السلام) على إقامة مجلس العزاء وإظهار مظاهر التفجّع باستشهاد أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) لكان ذلك ييسّر على الظلمة الغدرة أن يجعلوه مبررا لفعلتهم الشنيعة، أما حين التزمت الزهراء (صلوات الله عليها) بوصية أبيها الرسول (صلى الله عليه وآله) فإن الاعتداء البكري العمري عليها لم ينعقد له أي مبرر إلى اليوم، سوى شهوة الوصول إلى السلطة بأي ثمن ولو بقتل ابنة رسول الله!
هذا وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد شاهد بنفسه وحشية عمر (لعنه الله) تجاه النساء النائحات على ابنته رقية سلام الله عليها، حيث قام بالاعتداء عليهن وضربهن! فنهاه وزجره عن ذلك، وأجاز عقد مجالس العزاء. وتجد ذلك في روايات رواها أهل الخلاف منها: "عن ابن عباس قال: ماتت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إلحقي بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون. قال: وبكت النساء فجعل عمر يضربهن بسوطه! فقال: دعهن يا عمر! وإياكن ونعيق الشيطان، مهما يكن من العين والقلب فمن الله الرحمة، ومهما كان من اليد واللسان فمن الشيطان. وقعد على القبر وفاطمة إلى جنبه تبكي، فجعل يمسح عين فاطمة بثوبه". (ميزان الاعتدال ج3 ص128).
ج2: نعم. النوح على الميت العادي والجزع عليه اعتراضا على إرادة الله تعالى هو أمر محرّم، وهذا هو المقصود في هذه الرواية. أما النوح والجزع على الميّت غير العادي، أي النبي أو الإمام (عليها السلام) لا اعتراضا على إرادة الله تعالى؛ وإنما إحياء وتخليدا لذكراه لكيلا تندرس فيكون في اندراسها ضياع الدين، فهو مستحبّ مطلوب شرعا. ولذا كان الإمام أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) بعدما دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد وقف على قبره قائلا: "إن الصبر لجميل إلا عنك، وإن الجزع لقبيح إلا عليك"! (نهج البلاغة ج4 ص71).
والجزع في اللغة، هو إظهار التفجّع البالغ، ومن مصاديقه خمش الوجه، ونشر الشعر، والبكاء والعويل، واللطم والإدماء، وما إلى ذلك.
ج3: الجواب السابق نفسه.
ج4: الأمر بالهدم خاص بذلك الزمان، حيث كان المجتمع قد اعتاد على الإفراط في تعظيم القبور إلى حد العبادة والشرك بالله سبحانه، وكانت عقيدة الجاهلية قائمة على ذلك، فإن الأصنام المعروفة كودّ وسواع ويغوث ويعوق ونسر واللات والعزّى ومناة وغيرها.. إنما كانت مجسّمات لأموات عظّمهم قومهم إلى أن عبدوهم مع تقادم السنين! لهذا أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يستأصل هذه الشأفة حينذاك درءا لعودة طقوس الجاهلية وسدّا لباب الشرك آنذاك. والهدم إنما توجّه إلى الأموات العاديين، لا أولياء الله تعالى، فلاحظ، فإن النبي (صلى الله عليه وآله) قد أبقى على قبور شهداء أحد كعمّه حمزة عليه السلام، بل قد أبقى على آثار أولياء الله تعالى كمقام إبراهيم (عليه السلام) الذي هو ليس سوى موضع كان يقف فيه إبراهيم (عليه السلام) للعبادة عند الكعبة، وأثر قدميه كانتا هناك أيضا. فمن هنا نفهم أن تعظيم قبور أولياء الله تعالى، وحفظ آثارهم، إنما هو تعظيم لدين الله تعالى وحفظ لآثاره. واليوم يقوم المسلمون بذلك، ولا تزيدهم إقامة المشاهد على قبور أئمتهم (عليهم السلام) إلا إخلاصا في توحيد الله تعالى، والتزاما بدينه، لا كما يتوهّمه أهل الجفاء والغباء! فمَن من المسلمين اليوم يشرك بالله نبيّا أو إماما لأن على قبره مسجدا وقبة وضريحا؟! سبحان الله! إن هؤلاء الذين يشركون بالله صفاته، ويجسّمونه ويجعلون له ما لخلقه من وجه وعين ويد ورجل وحتى أصابع – وهو عين الشرك والكفر – تراهم يزايدون على المسلمين ويتهمّونهم بالشرك مع أنهم الذين ينزّهون الله تعالى عما نسبوه إليه! ولو عشت لأراك الدهر عجبا!
ج5: الجواب السابق نفسه. فالأمر بالإزالة آنذاك ليس سوى أمر خارجي غير دائم، وقد انتفت اليوم دواعيه. وهذا كمثل قولهم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن تدوين حديثه، مع أنهم اليوم يدوّنون ويخالفون النهي النبوي! حيث يقولون أن الدواعي انتفت وهي احتمال اختلاط الوحي بالحديث! ومع أننا لا نؤمن بذلك ولا نقبل به ونعتبره من أسخف الحجج لأن الطفل يتمكن من التمييز بين القرآن الحكيم بأسلوبه الاستثنائي وبين غيره من صنوف الكلام فلا محذور من الاختلاط؛ إلا أننا نلزمهم بهذا الإقرار كشاهد على جوازية ذاك من حيث المبدأ.
حماكم الله للذب عن دينه ونصرة أوليائه. والسلام.
ليلة الأول من محرم الحرام لسنة 1427 من الهجرة النبوية الشريفة.