تقرير الدرس الأول (معنى لحن القول):

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp
تقرير الدرس الأول (معنى لحن القول):

7 جمادى الأولى 1441

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الإمام الصادق عليه السلام: “ إنا والله لا نعدُ الرجل من شيعتنا فقيهًا حتى يُلْحَنُ له فيعرفَ اللحن”. (غيبة النعماني)

- المفاد:

لا يمكن لأحد أن يبلغ رتبة الفقاهة إلا بهذا الشيء وهو أن يعرف لحن الأئمة عليهم السلام.

- المراد باللحن لغةً: (مقاييس اللغة لابن فارس)

اللام والحاء والنون: له بناءان أحدهما: يدل على إمالة شيء من جهته، ويدل الآخر على الفطنة والذكاء.

1- فأما اللحنُ بسكون الحاء؛ فإمالة الكلام عن جهته الصحيحة في العربية. فيقال لَحَنَ لحنًا.
ومنه أيضًا: اللحنُ فحوى الكلام ومعناه. قال الله تعالى: (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) -سورة محمد- أي في فحوى قولهم ونبرة كلامهم.

- لماذا الفحوى والمعنى صار لحنا؟

وهذا الكلام المورَّى -من التورية- به المزال عن جهة الاستقامة والظهور.

* إذن فالتورية عدَّت لحنًا لأن المتكلم بها إنما يميل إلى معنى آخر وليس المعنى الظاهر.

مثال:

سئل رجلٌ من رجالات الشيعةفي مجلس الحاكم العباسي وكان المجلس غاصًا بجمع من علماء أهل الخلاف، كم عدد الخلفاء الراشدون بعد رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال: أربعة.. أربعة.. أربعة. وكان يقصد من ذلك الجمع أي إثنا عشر إماما، لا التأكيد على أنهم أربعة كما هي عقيدة أهل الخلاف، فتنبه.

2- الأصل الآخر: اللحن وهي الفطنة. يقال لَحِنَ يلحنُ لحنا وهو لَحِنٌ ولاحنٌ. وفي الحديث (لعل بعضكم أن يكون ألحنَ بحجته من بعض).

مثال:

عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر (ولا تعقد عقدا تجوز فيه العلل، ولا تعولن على لحن القول بعد التأكيد والتوثقة، ولا يدعونك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله إلى طلب انفساخه بغير الحق، فإن صبرك على ضيق أمر ترجو انفراجه وفضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته وأن تحيط بك من الله فيه طلبة فلا تستقيل فيها دنياك ولا آخرتك). (نهج البلاغة)

الإمام عليه السلام يوصي مالك الأشتر بعدم التعويل على -لحن القول- بعد التأكيد وأخذ المواثيق، فتلجأ إلى الميل إلى معنى آخر وليس المعنى الظاهر من العقد الذي أبرمته كما سيتبين في المثال الآتي.

مثال:

أحد الذين استعملوا لحن القول من التحلل من القول هو المختار الثقفي بعد إعطائه أمانًا لعمر بن سعد لعنه الله وكان “يدنيه ويكرمه ويجلسه على سريره”. (بحار الأنوار) لكنه غدر تاليا!

دعا المختار بأبي عمرة صاحب شرطته فقال له: اذهب الساعة في جماعة من أعوانك حتى تهجم على عمر بن سعد فتأتيني به، فإذا دخلت عليه وسمعته يقول: يا غلام! علي بطيلساني، فاعلم أنه إنما يدعو بالسيف، فبادر إليه بسيفك فاقتله وأتني برأسه! قال: فلم يشعر عمر بن سعد إلا وأبو عمرة قد وافاه في أعوانه، فلما نظر إليه بقي متحيرا ثم قال: ما شأنكم؟ فقال: أجب أمير المؤمنين!

فقال: إن الأمير قد علم بمكاني وقد أعطاني الأمان، فهذا أمانه عندي، ثم قال: يا غلام علي بالأمان! وإذا فيه "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا أمان المختار بن أبي عبيد الثقفي لعمر بن سعد بن أبي وقاص، إنك آمن بأمان الله على نفسك وأهلك وولدك وأهل بيتك، ولا تؤاخذ بحدث كان منك قديما ما سمعت وأطعت ولزمت منزلك إلا أن تحدث حدثا، فمن لقي عمر بن سعد من شرطة الله وشيعة آل محمد لا يتعرض له إلا بسبيل خير، شهد على ذلك السائب بن مالك الأشعري وأحمر بن شميط البجلي وعبد الله بن كامل الهمداني وعبد الله بن شداد الجهني ويزيد بن أنس الأسدي وفلان ابن فلان، شهدوا على المختار بن أبي عبيد بالعهد والميثاق والأمان لعمر بن سعد وولده إلا أن يحدث حدثا وكفى بالله شهيدا - والسلام -".

فقال له أبو عمرة صاحب شرطة المختار: صدقت أبا حفص! قد كنا حضورا عند الأمير أيده الله حين كتب لك هذا الأمان، غير أنه يقول إلا أن يحدث حدثا، ولعمري لقد دخلت المخرج مرار فأحدثت إحداثا، وليس مثل المختار من يغلط، وإنما عنى هذا الإحداث، وليس يجب أن يغنى عن مثلك وقد قتلت ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحسين بن علي وابن فاطمة، ولكن أجب الأمير فلعله إنما يدعوك لأمر من الأمور، قال: فإني أفعل، يا غلام علي بطيلساني! فقال أبو عمرة: يا عدو الله! لمثلي يقال هذا، وسل سيفه ثم ضرب ضربة على رأسه، سقط منها على قفاه. (الفتوح لابن أعثم الكوفي)

- في هذا المثال لجأ المختار الثقفي إلى معنى آخر غير الظاهر من قوله (إلا أن يحدث حدثا) فذهب إلى (بيت الخلاء) كما ذكر أبو عمرة ذلك بقوله “ولعمري لقد دخلت المخرج مرار فأحدثت إحداثا”.

وعن الإمام الباقر عليه السلام: “إنما قصد المختار أن يحدث حدثا أن يدخل بيت الخلاء فيحدث). (بحار الأنوار والبداية والنهاية لابن كثير).

إضافة:

كذلك استعمل عمر بن سعد -لعنه الله- لحن القول بقوله (عليَّ بطيلساني) فالطيلسان هو الثوب، ولكنه كان يقصد به السيف.

- لسان العرب لابن منظور:

ولحن له يلحن لحنا: قال له قولًا يغصه عنه ويخفض على غيره لأنه يميله بالتورية عن الواضح المفهوم. ومنهم قولهم: لَحِنَ الرجلُ فهو لَحِنٌ إذا فهم وفطن لما لا يفطن له غيره.

- بحار الأنوار للعلامة المجلسي:

لحن: أي يُتكلمُ معه بالرمز والإيماء والتعريض -التوسيع- على جهة التقية والمصلحة فيُفهم المراد.

قال الإمام الصادق عليه السلام: “لا يكون الرجل منكم فقيهًا حتى يعرف معاريض كلامنا”.
وقال عليه السلام: “أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا، إن الكلمة لتنصرف على وجوهٍ فلو يشاء إنسان لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب”. (معاني الأخبار للصدوق)

* الآراء والنتائج التي يُنتهى إليها في هذا الدرس هي في مقام البحث العلمي فقط ولا يجوز العمل بها إن لم تطابق فتوى المرجع.

لمشاهدة الدرس الأول كاملًا:

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp