تشيع ... فصار فقيها بالفطرة! (2)

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp
تشيع ... فصار فقيها بالفطرة! (2)

12 ذو الحجة 1441

بعد نشرنا المقال الأول وصلتناا استهجانات من بعض المؤمنين، حيث تم الاعتراض على العنوان، وتحديدا على عبارة (فصار فقيها)!

لذا نسلط الضوء في هذا المقال في الحديث عن المقصود من العنوان، وذلك لإيضاح المعنى للمذعن، ولا شغل لنا بالمعاند امتثالا لأمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" بترك مماراة أمثال هؤلاء لأنها تميت القلب، نقول ويقولون، ولا يؤولون إلى خير، ولا فائدة تترجى من الحديث معهم.

في البدء، ننوه أن الغرض من اختيار هذا العنوان هو (لفت أنظار القارىء وجذبه) ولقد ترددنا بين عبارتي (فصار فقيها) والأخرى (فصار متفقها) وتم القرار على اختيار الأولى للمبالغة في التعبير واستعظام هذا الحدث.

كما أردنا من اختيار العنوان، لوصف واقع الحال للأخ مطرب الشمري "فرجه الله عنه"، فلولا فطرته السليمة لما اضطره للبحث والقراءة والاصغاء للطرف المقابل، والذي جره للتفقه - الاستيعاب - إلى أن قرر اعتناق التشيع العظيم بإعلان انتمائه للإسلام الحق، واظهار البراءة من الإسلام المزيف ورموزه.

قرر ذلك لمجرد عبارة رنت في مسامعه وطرقت باب قلبه، وهي (وجود الأدلة القطعية لدى الشيعة حول مسألة الإمامة بالنص)، ويكفي أن اصراره النفسي للبحث فيما وراء الصدمة، هذا ينبؤك عن رجاحة عقله، وفطنته الفطرية.

(الفقيه) يحمل معان عدة، منها الفطن الفهيم، المتعلم بعد الجهل، حسن الإدراك، المستوعب للأمور، وغيرها من المعاني. فلم يكن القصد بالضرورة أنه (صار مجتهدا عالما بجميع الأحكام الشرعية العملية من الحل والحرمة، والصحة والفساد)، مثلما أساء البعض مع شديد الأسف في فهم العنوان قبل أن يقرأ المحتوى والتركيز في السياق!

فالتفقه في الدين عند آل محمد "عليهم السلام" يعني (استكمال حقيقة الإيمان للعبد، وهو أشد على الشيطان من عبادة ألف عابد، ومن لم يتفقه في الحلال والحرام فهو من الأعراب ولم ينظر الله إليه يوم القيامة، ولم يزك له عملا).

وكما روي عن إمامنا الخليفة الشرعي السادس جعفر بن محمد الصادق "عليه وعلى آبائه الصلاة والسلام": (ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا في الحلال والحرام) وقال أيضا (لو اتيت بشاب من شباب الشيعة لا يتفقه لأدبته - وفي رواية أخرى - لأوجعته)، وغيرها كثير من الروايات الشريفة الدالة على أهمية التفقه في الدين لشباب الشيعة.

فنقول مجددا، أن الأخ الكريم مطرب الشمري "فرج الله عنه" تشيع ... فصار فقيها (متفقها) بالفطرة، تفقهه فيما يخص وجوب الإظهار والجهر بالبراءة من أعداء الله ورسوله واهل البيت الطاهرين "عليهم الصلاة والسلام".

ربما لم يسعفه الوقت للتعمق في البحث حول الحكم الفقهي لمرجع التقليد، لأنه حديث عهد بالتشيع، ولعله لم يطلع على فتوى آية الله المرجع السيد صادق الشيرازي "دام ظله الشريف" في خصوص وجوب إظهار الموالاة لأولياء الله واظهار المعادات لأعداء الله (المسألة رقم 2315- المسائل الإسلامية)، ولكنه طبق تلك الفتوى المباركة بفطرته السليمة التي دعته للبحث والاستماع لأبحاث سماحة الشيخ ياسر الحبيب "نصره الله تعالى".

هذا ما كنا نعنيه على وجه الخصوص! والقارئ المنصف استوعب ذلك بعد قراءة كامل المقال.

ومن جانب آخر، قد يأتي من يشكل ويعترض -حسب نظرته السطحية لهذا الحدث- فيقول: ما الطائل والمنفعة الدينية من هذا الفعل الذي ظاهره الضرر المادي والمعنوي؟!

نقول له: على رسلك، لا تستبق الأحداث فإن الله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل، ويحدث بعد ذلك أمرا، فإنه جل شأنه لا يترك المؤمنين من غير افتتان ليعلم الصادق فيهم من الكاذب، فإن كان في حفظ حياة الأخ الكريم "مطرب الشمري" أو في شهادته، تترتب عليها المصلحة الدينية، فلا شك ولا ريب ستكون بإذن الله تعالى، مع ملاحظة وجود النية الصادقة والإخلاص في هذا الفعل لهدف نصرة الدين.

يقول قائد الغر المحجلين وأمير المؤمنين "عليه السلام": (إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقربان من أجل، ولا ينقصان من رزق، لكن يضاعفان الثواب ويعظمان الأجر، وأفضل منهما كلمة عدل عند إمام جائر).

وَنذكر هنا كمثال في زمننا الحاضر، لعل ذلك يكون بابا من أبواب الاستيعاب للمعترض، وهو ما جرى على الشهيد أسد مصر الشيخ حسن شحاته "رضوان الله تعالى عليه ولعن الله قاتليه" الذي تعرض للاعتقال أكثر من مرة بسبب اتباعه منهج الجهر بالبراءة من أعداء الله، حيث وجهت له الاتهامات العديدة واعتقل على إثرها سنة 96 م، وفي آخر اعتقال عام 2009 م غاب عن الأنظار خلف قضبان الحديد لسنوات عديدة، لا يعرف أكان ميتا هو أم حي!

ومن بركات اتباعه لهذا النهج البرائي الأصيل، تشيع على يديه الكثير في السجن، ومنهم أحد الضباط الكبار، فكان ذلك سببا في حفظه بفضل القوي العزيز، وكفاه شر التعذيب، ولم يتعرض لسوء المعاملة اطلاقا، وكان له الضابط بمثابة الحارس الشخصي الذي يسهر على راحته، يكرمه ويلبي احتياجاته العلاجية والغذائية في الزنزانة.

وفي بدايات 2011 م، مِّنَ الله عليه بالفرج حين سقط سجانه اللعين (فرعون مصر الهالك حسني مبارك)، ولقد استمر هذا البطل الرافضي الهمام في مسيرته العلمية الحافلة بالانجازات في نشر التشيع العظيم وهداية الناس لولاية آل محمد "عليهم السلام" والبراءة من أعدائهم "عليهم اللعنة وسوء العذاب".

مصداقا لقول إمامنا الخليفة الشرعي السابع كاظم الغيظ موسى بن جعفر "صلوات الله وسلامه عليهما" حين قال: (قل الحق وإن كان فيه هلاكك، فإن فيه نجاتك، ودع الباطل وإن كان فيه نجاتك، فإن فيه هلاكك)، إلى أن أكمل رسالته السامية، وبدأ العد التنازلي لرجوع النفس المطمئنة إلى بارئها راضية مرضية بإذنه تعالى، فرحل مغدورا ورزق الشهادة التي طالما رفع كف الضراعة للفوز بها تكفيرا لما قد أحدثه خلال خمسين سنة من عمره ذهبت هباء منثورا في ظلمات الجهل.

وكان يوم مقتله كيوم ولادته وبزوغ نجمه للعالم أجمع فهو الآن حي يرزق عند الله، ونال ما نال من الشرف والمنزلة الرفيعة في يومٍ مباركٍ بميلاد منقذ البشرية الحجة المنتظر "عجل الله تعالى فرجه الشريف" وجعلنا من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه.

هذا ما نرجوه وندعوه للأخ الكريم مطرب الشمري بأن يفرج الله عنه ويحفظه من كيد الظالمين، آمين رب العالمين.

بقلم: عقيل حسين

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp