تقرير محاضرة: تحرير الإنسان الشيعي - الحلقة الثالثة (3) 

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp
تقرير محاضرة: تحرير الإنسان الشيعي - الحلقة الثالثة (3) 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
(القول مني في جميع الأشياء قول آل محمد عليهم السلام فيما أسروا وما أعلنوا و فيما بلغني عنهم وما لم يبلغنِ)

الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أزكى السلام على المبعوث رحمة للخلائق أجمعين سيدنا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين و لعنة الله على قتلتهم و أعدائهم و جاحدي إمامتهم و منكري فضائلهم و مناقبهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين آمين .

بدهي أن الأمة التي لا يستشعر أفرادها في أنفسهم الحرية و السيادة لا يمكن لمثل هده الأمة أن تتقدم و تعلو ,لأنه إذا كانت النفسية الطاغية على أفراد هده الأمة هي نفسية الإنهزام و الضعف و الذلّة ,فإن هده الأمة لا محالة تتأخر و تتقهقر و تتسافل حتى تصل إلى الحضيض ,ولا ينفع أن تملك هذه الأمة من العناوين السيادية ما تملك ,فإذا كانت تلك العناوين لا انطباق لها على أرض الواقع فإن هذه الأمة تبقى أمة ذليلة يكون بين واقعها و عناوينها أو شعاراتها التكاذب ,تماما كالقصير الذي يصر على أنه طويل أو كالصغير الذي يصر على أنه كبير أو كالدولة المحتلة أو الخاضعة لهيمنة دولة أخرى و هي مع ذلك تصر على أنها ذات سيادة.

مهزلت الشعارات...
دعونا نسمي الأشياء بمسمياتها نحن نرفع شعار "الإسلام يعلو و لا يعلى عليه" ,إلا أننا في واقعنا ندنو و لا نعلو و نستمرء هذا الدنو و نتعايش معه كحالة طبيعية أو عادية ,فيبقى ذلك الشعار "الإسلام يعلو ولا يعلى عليه" مجرد شعار ليس إلا, نوظفه فقط في الخطب الكلامية و الإفتخارات الإنشائية و ما أشبه. والمضحك المبكي أننا صرنا كآخر صلاطين العثمانيين ذلك الأحمق عبد الحميد الثاني الذي كان قد نصب في أعلى مكتبه لوحة نقشت عليها عبارة"الإسلام يعلو ولا يعلى عليه" ,لوحة نقشت عليها هده العبارة و علقها فوق مكتبه و يُنقل أنه لما كان يأتيه من يأتيه مخبرا إياه أن روسيا و الدول الغربية قد تعاظمت قوتها الصناعية و العسكرية و تفوقت علينا كثيرا ,لما كانوا يأتون إليه و يخبرونه بمثل هذه الإخبارات و ينبئونه بمثل هذه الأنباء ,كان يكتفي أن يشير بإصبعه إلى هذه اللافتة فوق رأسه!!!
و كأن رفع فوق رؤوسنا شعارا عظيما و عنوانا كبيرا هو "هيهات منا الذلة" هذه الكلمة المقدسة التي نطق بها سيد الشهداء (صلوات الله عليه) يوم عاشوراء رافضا أن يبايع يزيد (عليه اللعنة) و ينزل على حكمه ذليلا مقهوراً. هذه الكلمة المقدّسة نصيح بها و نرفعها فوق المنابر في كل عام حين تطل علينا أيام عاشوراء ,إلا أننا لا نترجم هذه الكلمة فعليّاّ على أرض الواقع ,فواقعنا أبعد ما يكون عن هذه الكلمة المقدسة و هذا الشعار العظيم ,بل إننا في سلوكنا العام كأننا نطبق شعارا آخر أصلا هو شعار"هيهات منا الإباء أو شعار هيهات منا العز"!!!
وا أسفاه حين نستمرء مثلا أن تبقى مراقد أئمتنا (عليهم السلام) بالبقيع مسوّات بالأرض وبدلا من أن نعلنها إنتقاضة أو ثورة ,بدلا من ذلك نركن إلى السكون ,و الدعة بحجة أنه لا قبل لنا بالنظام السعودي المجرم الذي هدم هذه الأبنية المقدسة ما معنى هذا؟ هذا معناه أننا قد قبلنا الذلة ,فإنه حتى لو سلمنا بأنه لا قبل لنا بهدا النظام الإجرامي مع أن بمقدورنا إجبار هذا النظام على السماح بإعادة بناء البقيع بوسائل عديدة قد نذكرها لاحقا. أقول حتى لو سلمنا بأنه لا قبل لنا بهذا النظام الإجرامي فلا أقل من أن نعمل على تحصيل ما يجعلنا قبلا له و لو في المستقبل ,أي أن نمضي في إعداد ما استطعنا من قوة تجعلنا كفؤا للمواجهة ,و إن قل العدد فإنه إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين و إن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا فإن ضعفنا عن ذلك {فـالآن خفف الله عنكم و علم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين و إن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله و الله مع الصابرين}.

نحن أذل أمّة..
أيها الإخوة الأمة التي تُنسف مقدساتها و تحتج لتبرير خمولها بعدم القدرة على مواجهة عدوها هذه الأمة هي أمة ذليلة. نعم ,مثل هذه الأمة هي أمة ذليلة لأنها لو كانت عزيزة أبية لما خملت ,و لرآها العالم تتحرك لتحصيل أسباب القوة التي تستعيد بها مقدساتها ولو بعد حين ,هذا التحرك الفاعل هو الذي يُظهر أن هذه الأمة أمة تستشعر العز و الكرامة و الإباء و إنها إنما تنتظر أن يحين موعد المواجهة لتستعيد ما سلب منها. دعوني أكون صريحا أكثر -و إن كان كلامي قاسيا بعض الشيء- لكن هذا هو الواقع الذي لا بد من الاعتراف به. إنكم لو تفحّصتم أحوال الأمم في عالمنا الحالي لما وجدتم أمة ذليلة كأمتنا.
لا توجد في العالم أمّة سويت قبور عظمائها بالأرض ليس عليها إلا التراب بلا حتى شاهد لا توجد أمة هكذا إلا أمتنا نحن كل الأمم الأخرى ترى قبور عظمائها محترمة مشيدة ,لا توجد في العالم أمّة تمنع من زيارة عظمائها و الوصول إلى مقدساتها بالتنكيل و الإذلال. ذلك التنكيل و الإذلال الذي وصل إلى حد التعدي على النساء و الأطفال     ,لا تجد أمة هكذا إلا أمتنا. كل الأمم الأخرى يحترم حقها ولو إجمالا في الوصول إلى مقدساتها و زيارة عظمائها و أداء شعائرهم التعبدية في تلك المناطق. لا توجد في العالم أمّة رضيت ببقاء مقدساتها في يد غيرها إلا أمتنا. كل الأمم الأخرى تُشرف على مقدساتها بنفسها ولو إجمالا ,حتى و إن كانت تلك المواقع المقدسة واقعة جغرافياً في نطاق حكم معادي ,مثلا القدس. فالقدس كما نعلم محتلة من حكومة معادية و هي الحكومة الصهيونية ,إلا أنّ مواقع المسلمين فيها في القدس في المسجد الأقصى و قبة الصخرة ,هذه المواقع تتبع إداريا مجلساً للأوقاف الإسلامية داخل القدس ,و تتبع أيضا في بعض الجوانب الأخرى وزارة الأوقاف الأردنية خارج القدس. صحيح أن هذه التابعية الإدارية منقوصة بما يفرضه الاحتلال ,إلا أنها على أقل تقدير تعني في جملة ما أنّ هاهنا إدارة من أصحاب الشأن لمقدساتهم ,وإن كانت تلك الإدارة منقوصة بل و إن كانت اسمية ,أما نحن في المقابل فلا إدارة لنا للمسجد النبوي الشريف و لا للبقيع حتى و إن كانت  تلك الإدارة منقوصة أو اسمية.
لا إدارة لنا مطلقا لا تابعية لهذه المواقع الشريفة لنا مطلقا إنما تقع مقدساتنا هده في يد غيرنا من النواصب الأجلاف اقرؤوا عن تاريخ الهند. الهند التي يسيطر عليها الهندوس و انظروا كيف قامت طائفة السيخ أو السيك حين دخل بعض الجنود الهندوس معبدهم دلك المعبد الذهبي المقدس عندهم مشهور ,هو على ضفاف على ما هو أشبه ببحيرة أو نهر. انظروا كيف قامت تلك الطائفية طائفة السيخ بثورة عارمة  لدخول هؤلاء الجنود الهندوس معبدهم الذهبي المقدس ,تلك الثورة و القلاقل أدّت لإغتيال رئيسة الوزراء الهندية آنذاك أنديرا غاندي انتقاما.
تلك الثورة  أدت إلى زلزلة وضع الهند بأكمله  كل ذلك لماذا؟ لأنهم اعتبروا دخول شخص كافر في نظرهم و هو الهندوسي إلى معبدهم انتهاكا لمقدساتهم ,مع أنّ المعبد يقع أصلا تحت إشرافهم و تحت إدارتهم المستقلة. ولم يكن دخول أولئك الجنود إليه إلا لإخماد قلاقل ,كان السيخ أنفسهم قد بدؤوها من هناك ضد الحكومة الهندية. هكذا تعامل السيخ لما استشعروا انتهاك مقدساتهم ,نحن في المقابل قام هذا النظام الوهابي المجرم لا بدخول مقدساتنا فحسب ,بل قام بنسفها و تسويتها بالأرض و مع ذلك لم يكن لنا من ردة فعل يصح الافتخار بها لا سابقا و لا لاحقا.

فاجعة البقيع .. والتخاذل
حين نرى مراقد أئمتنا (عليهم السلام) مسوّات بالأرض ولا نحرّك ساكنا ,حتى على مستوى إعداد العدّة لإعادة البناء. فليس هنالك معنى لهدا سوى أننا قبلنا الذلة ,بل الذلة عندنا أبشع من ذلة غيرنا. إنه ينبغي لنا أن ننكّس رؤوسنا حياءاً و خجلاً ,لأن التاريخ لم يعرف أمة انتهكت مقدساتها و عاشت ذليلة إلى هذا الحد. أعذروني على كلامي القاسي إنه الواقع إننا لم ننم عن استعادة مقدساتنا فحسب بل باركنا من يدعونا إلى النوم عنها ,و دونك أولئك الجبناء ممن جعلوا أنفسهم في مواقع قيادية و انساق لهم الناس. هؤلاء بدلا من أن يقوموا بواجبهم في تصعيد الضغط في اتجاه إعادة بناء البقيع ,بدلا من ذلك نراهم يصرّحون في وسائل الإعلام بكل سفالة بأن هدا الموضوع- إعادة بناء البقيع- لا أولويّة له ,و يدعون إلى التخلي عن طرحه والاهتمام بهذا الموضوع. يدعون إلى أن لا نهتم و لا نكترث!  ولمّا نسألهم لماذا تريدوننا أن لا نهتم يقولون اهتموا بدل ذلك ببناء اللحمة الوطنية و التعايش الأهلي ,وكأن اللحمة الوطنية و التعايش الأهلي لا يتحققان إلا أن يدوس العدو على مقدساتنا و كرامتنا و نحن نسكت.
الاصوات النشاز الذّليلة سامري القطيف الكلب مثالاً..
من الطبيعي أن تجد أصواتا نشازا في كل امة أصوات من باع نفسه للسلطان و الحاكم حتى ينال منه ثروة و جاهاً و ما أشبه ,أصوات العملاء الأذلاء. هذا من الطبيعي أن تجده في كل أمة ,إلا أنّ من غير الطبيعي و لا العادي أن يبقى هؤلاء وسط مجتمعاتهم بلا عقاب أو بلا عزل على أقل تقدير. الأمم الأبيّة تعاقب عادة الأصوات النشاز التي تدعوها إلى الخنوع و الخضوع تعاقبها بأن تعزلها عن المحيط العام ,و تغدو منبوذة لا وجاهة لها ,فالعجب كل العجب من أمتنا المنكوبة هذه بدل من أن تصفع هذا السامري النجس الذي يجازف بكرامتها من أجل مصالحه. بدل من أن تركله إلى خارج المحيط العام صاغرا منبوذا فإنها بدلا من ذلك تبقيه مكرما معززا ,بل و تقوم شريحة من هذه الأمة بالثناء عليه بأنه ذو حكمة و بصيرة. حتى حين يستقدم هذا ألسامري أجلاف النواصب لديارنا ليمرغ أنوفنا بالتراب ,حينما يهاجمون عقائدنا و يسفهون تشيّعنا. يقوم هو مع ذلك كله بتكريمهم في و لائم طعام ,حتى حين يقع مثل هذا يبقى هذا السامري في محله لا يُقطع لسانه ,ولا تخلع عمامته ,ولا يلفظه المجتمع ,بل يتعاط معه و كأن شيئا لم يكن.
اللهم إلا من عتاب هنا و بعض الضجيج هناك لا يغير من الأمر شيئا ,و لا يوقف أمثال هؤلاء الدين أذلّونا كل هذا الذل. لا يكون الضجيج بذلك المستوى حين يقع مثل هذا و يمر مرور الكرام فإن على العزة و الكرامة و الإباء عليها السلام حقا. إنا لا نجد أمة أذل من هذه الأمة ,إنها أمة تستعذب الذل و تقول ما أروعه ,إنها أمة تدعو لمن يدعو بالذل وتقول عنه ما أحكمه! هذا المثال الذي أذكره عن سامري القطيف هيّن بالنسبة إلى غيره لا أريد أن أعدد الآن أمثلة أخرى توجع القلب أكثر ,كطبيعة تعاملنا مع من يسحق كرامتنا و يتلاعب بمبادئنا حين يظهر على وسائل الإعلام مادحا لأعداء و قتلة رسولنا و أهل بيته الطاهرين (صلوات الله عليهم) ,فيثني عليهم و يترضى عنهم و يقيء على رؤوسنا بذلك ,دون أن يتلقّى صفعة من أحد منّا تجعله يبلع قيئه و يتوقف عند حده.
أعلمتم الآن كيف أننا مثل هذا العبد الحميد الثاني العثماني نرفع شعار "هيهات منا الذلة" ,و الحال أننا نطبق شعار "هيهات منا العزّه". أين هي المشكلة؟إنها في نفوسنا,نحن لا نستشعر الحرية و الكرامة و السيادة. نحن نستذل أنفسنا لأن أفكارا بالية تسيطر على عقولنا و تبعدنا عن الطريق الذي يجب أن نسلكه لاستعادة حقوقنا و النهوض بأمتنا. بدلا من أن نمضي في هذا الطريق ,نمضي في طريق آخر نبدد فيه الطاقات التي كان يجب صرفها في الأولويات ولا أولوية من تحرير المقدسات هذه أولى الأولويات.

الحل مع النظام السعودي النجس..
هذا النظام السعودي و الوهابي الجائر أعلن الحرب علينا مند ما يقرب من تسعين سنة حين هدم المراقد المقدسة في البقيع و ضرب طوقا يمنع من الوصول إلى ضريح النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلّم). هذا الطوق الذي يمنعنا من زيارته  و تقبيل ضريحه المقدس و دعاء الله (تبارك و تعالى) من عنده هناك. منذ ذلك الحين  أعلن هذا النظام الجائر الحرب علينا و كل المحاولات التفاوضية التي بُذلت من أجل إعادة بناء البقيع بائت بلا نتيجة. بقت حكومة آل سعود على تعنتها و وقاحتها و ضلت وفيّه في عهدها لمناصبة العداء لآل محمد (صلى الله عليه و آله ) ,و البقاء على سيرة الأشياخ أبي بكر و عمر و أبي سفيان و آل حرب و آل زياد و آل مروان(لعنهم الله جميعا) بقت وفيّه لعهدها ,لم تتزحزح. فكل المحاولات التفاوضية معها باءت بالفشل. إذاً لم يعد مجال للتفاوض و الدبلوماسية ,فلا بد من سلوك الطريق الآخر أي  طريق التصعيد. لا أعني هنا بالضرورة قيام حرب مسلحة ,إنما أعني على أقل تقدير رفع صوت جماعي صوت جمعي واحد يرفع بناجز آل سعود(لعنهم الله) في كل المحافل الدولية في شأن البقيع. يترافق مع هذا الصوت العالي في الداخل عصيان مدني شامل.
إذا طبّقنا هذين الأمرين فقط لن يعدو الأمر أياما معدودة حتى نرى هذه الحكومة تضطر صاغرة للسماح بإعادة بناء البقيع و إعادة هيكلة إدارة الحرمين الشريفين. هذا يمكن أن يتحقق بلا إراقة قطر دم واحدة, إنما هي الثقة بالنفس و التخطيط الجيد و الاستفادة من وسائل الإعلام المؤثّرة و التصعيد الدولي عبر المحافل و التحشيد الشعبي لا غير هذا من وسائل التصعيد. هذه كفيلة بتحقيق الهدف في عالم اليوم,عالم اليوم له موازين ,له أسباب ,له وسائل هذه هي الأسباب و الوسائل. لماذا لم نسلك هذا السبيل حتى الآن؟
قد يقال إنها مسؤولية القيادات النائمة الجبانة, فإذا كان رب البيت نائما فشيمة أهل البيت كلهم النوم ,كما أنه إذا كان رب البيت بالدف ضاربا فشيمة أهل البيت كلهم الرقص. أقول قد يُعتذر بهذا عن حالة النوم و الذل التي نعيشها ,إلا إنّ هذه القيادات و إن كانت تتحمل قسطا كبيرا في ذلك ,إلا أنّ الأمة جمعاء تتحمل القسط الأكبر و الأوفر ,لأن المسؤولية مسؤولية الجميع أنا و أنت و هو وهي. جميعنا مسؤولون محاسبون و لا يسع أحدنا الاعتذار بأن القائد الفلاني لم يتحرك ,ولذلك نمت أنا. إنها مسؤوليتك أيضا إذا وجدته نائما فأتركه و أذهب للمتيقّظ كي يقودك ,و إن وجدت هذا نائما أيضا فانهض بنفسك لبِّ نداء نبيك و أئمتك (عليهم السلام) بنفسك. اسع بقدر جهدك و طاقتك في أداء تكليفك. إنّ صيحات لبيك يا محمد لبيك يا علي لبيك يا زهراء و أمثال هذه الصيحات لا تعدو كونها هي الأخرى شعارات مرفوعة بلا إنطاق على أرض الواقع . كلا فلنطبق حقا هذا الشعار العظيم "هيهات منا الذلة" فلا نقبل بذلة أبدا. وهذا يتطلّب منا أولا أن نستشعر أننا أحرار سادة ونُشعر بهذا أبناءنا و إخواننا و أصحابنا , فيمضي الشيعي في طريقه لإستعادة مجده و هو واثق من نفسه عزيز في إرادته حر في سلوكه ,لا يرضخ لأحد سوى الله (تعالى) و إمامه (عليه السلام) ,لا يعرف للذل و الهوان معنى في قاموس حياته أبدا.
هكذا ينبغي أن يكون الإنسان الشيعي حرا في جميع أحواله حتى و إن نابته النوائب و المصائب فإنه يبقى حرا لا يقبل وهو في المصيبة أن ينكسر أو تضعف عزيمته بل يصبر و يجتهد لأن يعود ويبقى مرفوع الرأس كريما عزيزا. هكذا يكون الإنسان الشيعي يروي شيخنا الكليني (رضوان الله (تعالى)عليه)  بسنده عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : {إن الحر حر على جميع أحواله إن نابتة نائبة صبر لها وإن تداكت عليه المصائب لم تكسره وإن اُسر وقُهر واُستبدل باليسر عسرا -كما كان يوسف الصديق الأمين (على نبيّنا وآله وعليه الصلاة والسلام)- لم يضرر حريته أن استعبد وقهر و اسر ولم تضرره ظلمة الجب و وحشته وما ناله أن منّ الله عليه فجعل الجبار العاتي له عبدا بعد إذ كان له مالكا، فأرسله ورحم به امة وكذلك الصبر يعقب خيرا، فاصبروا ووطنوا أنفسكم على الصبر تؤجروا}.
إذاً كما يقول إمامنا الصادق (صلوات الله عليه) الحر حر في جميع أحواله لا ينكسر أمام المصائب حتى و إن تم كسره و قهره لا يضر ذلك حريته ,لأنه في نفسه حر يصبر على البلاء و ذلك الصبر يعقب خيرا له ,فيعود سيداً لمن استعبده فترة ما فأن الله (تعالى) لما يرى من عبده الصبر يُنزل عليه النصر كما حصل مع يوسف الصديق (عليه السلام) ,ولكن أي صبر يجب أن نتحلى به أهو ذلك الذي يعني الاستسلام لمن يريد استعبادنا و قهرنا و العلو علينا ,كلا فإن هذا هو قبول الذل بعينه و هيهات منا الذلة إنما الصبر هاهنا هو بمعنى الرضا بقضاء الله (تعالى) من جهة ,و بذل الوسع ما أمكن لدفع العدو و الانتصار عليه من جهة أخرى. إذا لم يتمكن منك العدو بعد فإنك مكلف شرعا أن تدفعه ما أمكنك. فإذا افترضنا أنه تمكن منك فإنك مكلف شرعا أيضا بأن تبذل ما بوسعك لكي تتخلص منه. في كلتا الحالتين أنت مطالب بالصبر فلا تجزع و لا تتذمر و لا تضعف أو تنكس ,بل تسلم أمرك كله لله ولكن تعمل بوظيفة الشرعية في دفع العدو أو التخلص منه ,و يقترن ذلك بالصبر أي الرضا بقضاء الله (تبارك و تعالى) و عدم الجزع أو التذمر.

ليس معنى الصبر أن ترضى بالوضع الراهن
هذا هو معنى الصبر في هذه الرواية الشريفة ليس معنى الصبر أن ترضى ببقاء الوضع الراهن إذا كان فيه ذلة لك ,لأنه ليس من حقك شرعا أن تذل نفسك ,هذا ليس من حقك. لاحظوا روى شيخنا الكليني أيضا (رضوان الله (تعالى) عليه) بسنده عن أبي الحسن الأحمسي عن أبي عبد الله الصادق (عليه الصلاة والسلام) قال:{إن الله (عز وجل) فوض إلى المؤمن أموره كلها ولم يفوض إليه أن يكون ذليلا أما تسمع قول الله عز وجل يقول:  {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} فالمؤمن يكون عزيزا ولا يكون ذليلا ثم قال: إن المؤمن أعز من الجبل إن الجبل يستقل منه بالمعاول والمؤمن لا يستقل من دينه شئ}. لذلك المؤمن أعز من الجبل ما أروع هدا الحديث  الصادقي المقدّس إنه يصف حال المؤمن و يؤكّد أنه لا يمكن أن يكون ذليلا ,لأن الله (تعالى) جعل للمؤمن العزّة ولم يفوض إليه أن يكون  ذليلا ,لم يُسمح له بذلك فعليه إن من يذل نفسه يكون خارجا عن الإيمان بهذا المعنى الدقيق ,تماما كالذي يشرب الخمر مثلا فإنه يخرج عن الإيمان لأن إذلال المؤمن نفسه حرام بمنزلة شرب الخمر كما أن شرب الخمر حرام إذلال المؤمن نفسه حرام.

{من أقر بالذل طائعا فليس منا أهل البيت}
إن الله أباح لك أمورك كلها لكنه لم يبح لك إطلاقا أن تعرض نفسك للمذلّه. افعل ما شئت من المباحات الشخصية لكن عليك أن تعلم أن كل فعل يمكن أن يؤدي إلى الإذلالك فهو محرم عليك تحريما قاطعا. لا ينبغي أن تكون مستضعفا ذليلا بل ينبغي أن تكون كالجبل في الشدة و القوة بل اعز من الجبل ,لأن الجبل ينقص منه بالمعاول لكن المؤمن لا ينقص من دينه شيء ,مهما تكالب عليه الظالمون يكون صامدا أكثر صمودا من الجبل. المؤمن حر دائما على جميع أحواله ,المؤمن عزيز دائما على جميع أحواله  و على فرض أنه في حين من الأحيان ذُلّ هدا المؤمن أو تعرض للمهانة قهرا ,على فرض أنه حصل ذلك إنه حين يحصل ذلك لا يستقر له قرار ولا يهدأ حتى يثور و يعيد اعتباره لماذا لأنه ]دققوا جيداً[ إن أقر بالذل استكانت نفسه للذل يكون بذلك قد خرج عن التشيع و الانتساب لأهل بيت المصطفى (صلى الله عليه و آله و سلم) هذا هو النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله و سلم) يقول في كلمة رائعة مقدسة :{من أقر بالذل طائعا فليس منا أهل البيت}.
الله أكبر هكذا يعلمنا نبينا و الأئمة من آله (عليهم افضل الصلاة و السلام) كيف نكون أحرارا نسود العالم بعزنا و كرامتنا. هكذا يُلقّنوننا كيف لا نرضى بالذل أبدا ولا نقر به, و معنى عدم الإقرار بالذل أنه لو اتفق في حين من الأحيان الذل قهرا كأن تتكالب قوى الشر علينا مثلا فإننا حين ذاك لا نقر و لا يهدئ لنا بال حتى نرفع هذا الذل عنا و نلبسه أعداءنا ,سيما أولئك السفلة المشركين الذين احتلوا المدينة المنورة و ضربوا فيها حصارا إرهابيا على مرقد النبي الخاتم (صلى الله عليه و آله) و منعوا المسلمين من زيارته و الابتهال إلى الله (جل جلاله) عند ضريحه المقدس طالبين شفاعته.
هؤلاء السفلة الوهابيين إنما استقووا لتوانينا عن مواجهتهم وغدا حين ينتشر هذا الفكر الجديد المصحّح للمسيرة الشيعية في هذا العصر. هذا الفكر الذي يعيد تأصيل الإيباء في نفوس أبنائنا و يدفعهم إلى أن يعلوا و لا يعلى عليهم ,سيرى العالم من هو العزيز و من هو الذليل حقا. سنرجع إلى المدينة لنطهّرها من هؤلاء الأجلاف المحتلين و لنعيد بناء آثارها المقدسة المهدومة. ولله العزة و لرسوله و للمؤمنين الشيعة لكن المنافقين النواصب الوهابيين لا يعلمون المطلوب. إذا أن نعود لمدرسة سيد الشهداء سيد أهل العزة و الحرية و الإباء الحسين بن علي (صلوات الله عليهما) تلك المدرسة التي عناوينها "هيهات منا الذلة" ,"كونوا أحرارا في دنياكم",’’والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل و لا أقر لكم إقرار العبيد".  هذه عناوين مدرسة سيد الشهداء (عليه السلام).

لنجسّد الشعارات الحسينيّة المقدّسة
نحن معنيون بتطبيق عناوين هذه المدرسة الحسينية العظيمة ,لا أن نردّدها على ألسنتنا فقط. لنجعلها تترجم على أرض الواقع و إن كان فيها فناء النفس ,فليس فناءها بشيء في سبيل إعزاز دين الله و الدفاع عن أهل البيت (عليهم السلام). نحن أحياء إذا قهرنا أعداءنا حتى و إن متنا. أمّا إذا صرنا مقهورين و قبلنا بالذل فما نحن إلا أموات و إن كنا أحياء هكذا قال مولانا أمير المؤمنين (صلوات الله و سلامه عليه) يوم صفين حين استولى معاوية و أصحابه (لعنهم الله) على شريعة الفرات في يوم صفين و منعوا جيش الإمام من الماء و أرادوا إذلالهم بذلك حين ذاك ماذا قال الإمام أمير المؤمنين (صلوت الله و سلامه عليه)؟
إقرأوا نهج البلاغة تدبروا في نهج البلاغة قال (عليه الصلاة و السلام) لأفراد جيشه: {قد إستطعموكم القتال فأقروا على مذلة و تأخير محلة أو رووا السيوف من الدماء ترووا من الماء ]لما لا يكون مجال إلا إستعمال القوة للمعتدي في مواجهة المعتدي فلا سبيل إلا إستعمال القوة[ قد إستطعموكم القتال فأقروا على مذلة و تأخير محلة أو رووا سيوفكم من الدماء ترووا من الماء فالموت في حياتكم مقهورين و الحياة في موتكم قاهرين ]الحياة في الموت قاهرا اقهر عدوك و مت إعلم انك حي و لست ميت أما إن قهرك عدوك و إن كنت حيا فأنت ميت[ ألا إن معاوية قاد لمة من الغواة و عمس عليهم الخبر(ضللهم) حتى جعلوا نحورهم أغراض المنية}.
لقد أحسن أبو الحسن (صلوات الله وسلامه عليه) تربية أهل بيته و شيعته المخلصين كما أحسن ابو عبد الله الحسين (صلوات الله عليه) تربية أهل بيته و أصحابه الشهداء الأبرار (صلوات الله عليهم أجمعين) ,فظهرت منهم آيات الإباء و البطولة يوم كربلاء لم يستسلم احد منهم للذلة ولم يقبل الدنية ولم يضعف أو ينكسر. كانوا كالأسود الضارية التي لا تهاب الموت و ترى فيه الحياة لأن الواحد منهم كان يمضي شهيدا و ينتقل من هده الدنيا و ليس في عنقه بيعة ذل لطاغية مثل يزيد (لعنه الله). هكذا ينبغي أن نكون ,هكذا نمتلك العزة و الكرامة و السيادة ,هكذا نعلوا ولا يعلى علينا.
تلك هي مدرسة سيد الشهداء (صلوات الله وسلامه عليه) ,تلك هي مدرسة علي (صلوات الله وسلامه عليه) ,تلك هي مدرسة محمد (صلى الله عليه و آله). الإسلام يعلو ولا يعلى عليه. نحن بحاجة إلى أن نتأمّل في هذه التعاليم ,في هذه المآثر أن نعتبر أن نتدارس هذه السيرة العظيمة العطرة لأئمتنا الأطهار (عليهم افضل الصلاة و السلام)  و أصحابهم الأبرار إنها هنا دروس و عبر لو أنها طبّقت لوصلنا إلى مبتغانا و لأصبحنا سادة العالم.  للحديث بقيّة نوكلها إلى ما تبقّى من محاضرات إن شاء الله (تعالى).  هذا و صلى الله على سيدنا محمد و أهل بيته الطيبين الطاهرين ,ولعنة الله على قتلتهم واعدائهم اجمعين الى قيام يوم الدين .. أمين

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp