تقرير تعليقات الشيخ الحبيب على الضجة المفتعلة من أنصار عائشة (3)  

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp
تقرير تعليقات الشيخ الحبيب على الضجة المفتعلة من أنصار عائشة (3)  

بعد الرد في الحلقتين الأولى والثانية على نموذج من ردود الأفعال البكرية على الاحتفال المبارك بهلاك عدوة الله عائشة بنت أبي بكر «لعنها الله»، انتقل سماحة الشيخ ياسر الحبيب حفظه الله، في يوم الخميس الموافق 29 رمضان 1431 هجرية، للرد في حلقتين متواصلتين على نموذج من ردود الأفعال القادمة من الوسط الشيعي، حيث ردّ فيهما مفنـّدًا تصريحات المدعو (راضي حبيب عويس) ، وهو أحد منتحلي العلم والمشيخية، سمّته إحدى الصحف بـ "الداعية الإسلامي". ووضّح سماحته بأن المذكور هو أحد المحسوبين على الشيعة والتشيّع، فالشيعة المخلصين والتشيّع النقي منه بَراء، مؤكدًا سماحته عدم انتماء المذكور إلى أسرته الكريمة مع ما يُظهره من تشابه في الانتماء لبلد الشيخ واسم العائلة.

وكان أبرز ما افتتح به سماحته الحلقة الثالثة هو توضيح سماحته الفروق بين العوالم الأربعة للمعممين في الوسط الشيعي، قبل أن يعلّق سماحته على كلام "راضي حبيب عويس" وينعته بالدلالة على ضعفه بأصول الإستدلال في الرد على قضية الاحتفال المبارك بهلاك عدوة الله عائشة، ويضيف قائلا: ”أن مجرد ذكر كلمة «السيّدة» قبل اسم عائشة هو في حد ذاته يحرق القلب إذا صدرت ممن يدّعي التشيّع، وقد آلمني وفجعني بعض الشباب الذين يسعون اليوم ليستصدروا فتاوى من بعض المراجع ضدنا بكتابتهم «السيدة عائشة» في صيغة الإستفتاءات التي أعدّوها ليرفعونها إلى بعض المراجع“، متسائلاً سماحته أنه متى كانت عائشة سيّدة في الإسلام؟ و كيف تكون وهي قاتلة نبي الإسلام «سيّدةً» في الإسلام؟ مع ما هناك من أدلة مفصّلة، نقاشها موكول إلى بعض المحاضرات، والنص فيها واضح من الإمام الصادق «عليه السلام» لمّا سُئل عن مقتل النبي «صلى الله عليه وآله»: هل أنه مات أو قُتِل؟ فأجاب: بل قُتِل إنهما سمّتاه – أي عائشة وحفصة –  وكان أصحاب الإمام جالسين فقالوا: أنهما وأبويهما شرُ مَن خلق الله، فأقر الإمام ذلك وتقريره «عليه السلام» حجةٌ علينا، مواصلاً تسائله بأنه كيف تكون من آذت رسول الله وطعنت فيه، وحرّفت دينه، وشوّهت سمعته، وكذبت عليه بآلاف الأحاديث سيدةً في الإسلام!؟ كيف تكون من أبكت فاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام في حياتها وفرحت بوفاتها سيدةً في الإسلام!؟ كيف تكون من شهرت السيف في وجه عليٍ أمير المؤمنين «صلوات الله عليه» وسجدت فرحًا يوم استشهاده سيدةً في الإسلام؟ كيف تكون من رمت جنازة الإمام الحسن – سبط رسول الله– بالنبال سيدةً في الإسلام؟ وكيف تكون من لا يمكننا إحصاء جرائمها سيدةً في الإسلام؟ أن هذه الكلمة تجعل جهنم تشهق وتزفر حتى تستقبل هذا الذي يصف هذه المرأة المجرمة بأنها "سيّدة".
وقد يُعذر من يصف هذه المرأة بأنها «أم المؤمنين» بمحمل أنه لم يطلع على الروايات التي جرّدت عائشة من هذا اللقب التي كانت إحداها رواية عن إمامنا صاحب العصر «صلوات الله عليه»، حيث أفادت بإسقاط عائشة من شرف أمومة المؤمنين بالنص، وبمحمل أنه لم يطلع على شرائط أمومة المؤمنين وتصوّره أن لقب «أم المؤمنين» ينطبق عليها بما أنها قد تزوجت النبي صلى الله عليه وآله، إلا أنه لا يُعذر من يصف عائشة بالسيدة، فهذه ليست ثقافةً شيعية، لأنه لا أحد من أئمتنا «عليهم السلام» وصفها بهذا الوصف.

وأضاف سماحته بأن صاحب الشأن الذي نحن في صدد الرد عليه، والذي علّق علينا بعد احتفالنا بهلاك عائشة، يريد أن يقول أن عائشة معصومة من الزنا، فانظروا إلى مبناه اللطيف وهو أنك إذا لا تقول بأن عائشة معصومة من الزنا فهذا يُحدث خلل في عصمة زوج عائشة!، والربط بين ذلك أن طهارة الذرية النبوية قائمةٌ على طهارة النسب!، فيلزم أن تكون ذرية الأنبياء طاهرة ومن غير المعقول أن تكون ذرية النبي غير طاهرة، وبما أن الأمر هكذا فلابد أن تكون الزوجات جميعا (معصومات من الزنا) وإلا لا يتحقق أمر طهارة النسب!

وأردف سماحة الشيخ الحبيب بأن هذا الاستدلال جاهل إلى أبعد الحدود، ويكفي ردًا عليه كلمة واحدة هي أن عائشة لم تلد للنبي «صلى الله عليه وآله» كما أن إمرأة نوح وإمرأة لوط لم تلدا للنبيين صلوات الله عليهما، وإنما يتم هذا الكلام –إن سلّمنا بهذا المبنى– في من ولدت واتخذها النبي وعاءًا طاهرًا حتى يستولدها لتلد له خليفته من بعده مثلاً أو النبي من بعده فهنا يكون هذا صحيحًا، لوجود نص يقول: «الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة»، نسبةً إلى من حملوا هؤلاء المعصومين من الأنبياء والأوصياء عليهم السلام، ولكنه ليس مطلقـًا لأي زوجة، فلابد أن تلد أولاً حتى تثبت أنها طاهرة ولم تزن فإن "طهارة المولد" هي التي نرتب عليها طهارة الأم التي ولدت ولا يمكن الحكم بطهارة الزوجة ههنا على الإطلاق، ولو تنزلنا فرضـًا وقلنا أنه في الفترة التي تكون فيها الزوجية قائمة بين الطرفين فإنها تـُعصم من الزنا مثلاً، فأن هذه القاعدة تتم في زمان بقائهن زوجاتٍ للأنبياء، أمّا ما بعد فكلا، لأنه عندنا دليلٌ صريح وصحيح من أئمتنا في «الكافي» ينسف هذا الإستدلال جملة وتفصيلاً، حيث ورد أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» تزوج إمرأة من بني عامر بن صعصعة يقال لها "سنى" وكانت من أجمل أهل زمانها فلما نظرت إليها عائشة وحفصة قالتا: لتغلبنا هذه على رسول الله صلى الله عليه وآله بجمالها فقالتا لها: لا يرى منك رسول الله صلى الله عليه وآله حرصا فلما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله تناولها بيده فقالت: أعوذ بالله فانقبضت يد رسول الله صلى الله عليه وآله عنها فطلقها وألحقها بأهلها، وتزوج رسول الله صلى الله عليه وآله إمرأة من كندة بنت أبي الجون فلما مات إبراهيم بن رسول الهل صلى الله عليه وآله ابن مارية القبطية قالت: لو كان نبيًا ما مات ابنه، فألحقها رسول الله صلى الله عليه وآله بأهلها قبل أن يدخل بها، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وولى الناس أبوبكر أتته العامرية والكندية وقد خطبتا فاجتمع أبو بكر وعمر فقالا لهما: اختارا إن شئتما الحجاب وإن شئتما الباه فاختارتا الباه فتزوجتا فجذم أحد الرجلين وجن الآخر، قال عمر ابن اذينة: فحدثت بهذا الحديث (زرارة والفضيل) فرويا عن أبي جعفر «عليه السلام» أنه قال: ما نهى الله عز وجل عن شئ إلا وقد عصي فيه حتى لقد نكحوا أزواج النبي صلى الله عليه وآله من بعده، وذكر هاتين العامرية والكندية، ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): لو سألتهم عن رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها أتحل لابنه؟ لقالوا: لا، فرسول الله صلى الله عليه وآله أعظم حرمة من آبائهم .(الكافي/ج5/ص421)


فماذا نفعل مع واحد مثل هذا يضع على نفسهِ عِمّةً ولا يعلم ماذا قال أئمته الذين يزعم أنه يقتدي بهم؟ والإمام هنا يصرّح: «لقد نكحوا أزواج رسول الله من بعده»، فهنا لو تركنا عائشة جانبًا وتأملنا في الأخريات اللواتي تزوّجن من بعده، بعد أن أباحت حكومة أبي بكر وعمر لهن الزواج، فتزوجت قتيلة بنت قيس الكندية بعكرمة بن أبي جهل، ورد الإمام «عليه السلام» ههنا بعدم صحة هذا الزواج مبطلاً حجة المخالفين القائلة بأن رسول الله قد طلّق هؤلاء النسوة أو لم يدخل بهن فجاز لهن الزواج من بعده، بتشبيهه «عليه السلام» هذا الزواج بحكم زواج الابن من إمرأة طلّقها أبوه، ليؤكد بعد ذلك الحرمة الأبدية وأنه لا يجوز استحلال فروج أزواج النبي، وإن كنّ مطلـّـقات وإن كنّ لم يدخل بهن، ويضيف الإمام أن رسول الله أعظم حرمةً من أبائهم إن كانوا مؤمنين وأولى بهم من أنفسهم.

فحسب فقه آل محمد صلوات الله عليهم يعد هذا الزواج باطلاً وهو تدنيس لتلك الأرحام، وهو مساوقٌ للزنا فالعقد غير شرعي من الأصل كمن يعقد على أمه أو أخته، فهذا يُعد (زنا) لأن العقد ليس مباحًا في الشريعة، فكذلك الأمر لهاتين الزوجتين، والقضية ثابتة ويقر بها المخالفين بأن بعض أزواج النبي تزوجن من بعده، إلا أن مبرر الزواج لا يقبله أهل البيت «عليهم السلام» لتصحيح تلك الأنكحة، فإذن أنت إذا تقول أنا موالي لأهل البيت وألتزم بتعاليم أهل البيت وفقه أهل البيت «عليهم السلام» وتدّعي بأنك تتبع أهل البيت فعليك أن تلتزم بموقفهم فهم قد ثبـّـتوا هنا وفي روايات صحيحة وثابتة وواردة في أصح مصادرنا وهي «الكافي» بأن هؤلاء النسوة قد ارتكبن الفاحشة من بعد رسول الله، مع تركنا عائشة جانبًا كما أسلفنا، فهنا بثبوت هذه الحقيقة ننقض تأويلات وخزعبلات وأوهام "راضي حبيب عويس" التي لا يمكن أن تنهض أمام هذا النص العقائدي لما ثبت بالدليل القاطع، ناهيك عن وجود روايات مشهورة وقوية السند في أن ابن نوح لم يكن ابن نوح وإنما كان ابن زوجتهِ.

وتابع سماحة الشيخ في تعليقه أن العصمة ليست جبرية، منوّهًا أن هذا الجاهل لا يعرف حتى معنى العصمة فهو يصرّح بنقيض العصمة التي إلى جانب تعريفها بأنها قوة في العقل تمنع صاحبها من أن يلج في المعصية بلطف من الله فإنها تأتي عن طريق الاستحقاق، فالمعصوم عَصَمَ نفسه لأنه نجح في الاختبار الأول في عالم الأنوار، فكان أول من أجاب ببلى لمّا أشهد الله على الخلق أنفسهم هو رسول الله فوهبه الله العصمة مكافئة لهُ، فالعصمة تأتي بطريق الإستحقاق من جهة وبطريق التفضل والمنّ الإلهي واللطف من جهةٍ أخرى، فهنا عائشة مثلاً أو النساء الفاسدات من أزواج الأنبياء أو أزواج الأئمة، حيث كان الكثير منهن فاسدات، إذا قلنا بأنهن (معصومات)، فبأيّ استحقاق وبأيّ من وبأيّ لطف لهن الذي يسوّغ أن الله يعصمهن ويعطيهن ملـَكة العصمة؟
ثم أن العصمة لا تنفك، فالعصمة ملـَكَة فإذا (المعصومة) تعصم نفسها من الزنا عصمة حقيقية، كذلك تعصم نفسها من كل الخطايا الأخرى، فإذا الله يعصم أزواج الأنبياء من الزنا فقط أي أنه يمنعهن قهرًا من الزنا مع إرادتهن الزنا فهذا إلهٌ ظالم والعياذ بالله، لأنه ستكون هنالك حجة للمرأة الزانية للاحتجاج عليه فتقول: يا إلهي أنا أردت الزنا فلم تعصمني، أمّا هذه المرأة الأخرى أرادت الزنا وأنت عصمتها، فما الفرق بيني وبينها سوى أن تلك المرأة زوّجتها نبيـّك وأنا لم تزوجني نبيّـك؟ فلماذا تعاقبني وتلقيني في جهنم؟ لماذا حرمتني من أن تزوجني نبيّك؟

ثم تسائل سماحة الشيخ الحبيب ماذا علينا أن نفعل مع من لا يعرف المباني الرجالية، والقواعد الكلامية، ويأتي ويتكلم بمثل هذا الكلام؟

واستطرد سماحته أن قضية زنا عائشة بعد النبي «صلى الله عليه وآله» مبنية على روايات نصية صريحة وصحيحة وموثقة ومشهورة ومستفيضة لأهل البيت وهي ليست خزعبلات وتأويلات وأوهام، فعلى أي أساس يرمي كل ذلك بأنه خزعبلات وتأويلات وأوهام دون أن ينظر ويتعلم؟
ثم ما هذا الكلام السخيف بربط قضية «عصمة الأنبياء» بما لو أن زوجة من زوجات الأنبياء زنت بعد رحيل زوجها فإن هذا يهدم أصل عصمة النبي؟ ألم يطلع هذا الجاهل على القواعد الكلامية لتعريف العصمة؟

وتطرّق سماحته إلى الفقرة الأخيرة التي يزعم فيها المذكور أن أمير المؤمنين عليه السلام أكرم عائشة بكل حفاوةٍ وتقديرٍ وتبجيلٍ في ظروف الحرب عنده في واقعة الجمل!، متسائلاً هل أن المذكور لم يطلع على الحقائق التاريخية المتداولة المشهورة في كتب التاريخ عندنا وعند أهل الخلاف على السواء أيضاً، كما لم يطلع على القواعد الكلامية والقواعد الرجالية وروايات أهل البيت في شأن أزواج الأنبياء؟
واسترسل سماحته بأن التاريخ يروي كيف تعامل أمير المؤمنين عليه السلام مع عائشة في ظروف الحرب، حيث أهانها وذمها وأذلها، قبل أن ينقل سماحته نماذج من هذه النصوص التاريخية الواردة في ظروف الحرب، مؤكدًا أنه لا كرامة لأعداء الإسلام عند الله وعند رسوله.
وأرجئ سماحة الشيخ بيان مسألة الخطأ الشائع في القول أن أمير المؤمنين قد أرجع عائشة معززة مكرّمة إلى المدينة المنورة، إلى الحلقة المقبلة من سلسلة التعليقات، خاتمًا كلمته بالصلاة على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين. 

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp