تقرير محاضرة: تحرير الإنسان الشيعي - الحلقة الرابعة (4) 

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp
تقرير محاضرة: تحرير الإنسان الشيعي - الحلقة الرابعة (4) 

اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

القول مني في جميع الأشياء قول آل محمد (عليهم السلام) فيما اسروا وما أعلنوا وفي ما بلغني عنهم وما لم يبلغني , الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأزكى السلام على المبعوث رحمة للخلائق أجمعين سيدنا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين, ولعنة الله على قتلتهم وأعداءهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين .

في الحلقة السابقة...
أختمنا كلامنا السابق في أهمية التأمّل فيما سطّره أئمتنا الأطهار (عليهم السلام) وصحابتهم الأبرار عليهم الرضوان ممن وقف موقف الرفض والإباء من الذل والإذلال, فقد قامت مدرسة آل محمد (صلى الله عليه وآله) على ركيزة هيهات منا الذلة , وهكذا أحسن أئمتنا (عليهم السلام) تربية أصحابهم المخلصين على هذه الركيزة ,حتى وجدنا أصحاب أبي عبد الله الحسين(صلوات الله وسلامه عليه وعليهم) تظهر منهم أروع آيات الإباء يوم كربلاء ,حين كانوا كالأسود الضارية التي لم تستلم للذلة  , ولم تقبل بدنيّة البيعة ليزيد (لعنة الله عليه). كانت تلك البيعة ذلة ً لم يقبل بها الحسين وأصحابه (عليه وعليهم افضل الصلاة والسلام) ,حتى وإن كانت قيمة عدم قبولهم بهذه الذلة هي حياتهم ,فأنهم ما رأوا الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين برما.
نحن نعلم ان الحسين وأصحابه (عليهم السلام) ما كانوا يتجاوزون الثمانين . وهنا سؤال يفرض نفسه , فيقول هذا السؤال إن جيشاً جرارًا كان قِوامه نحو ثلاثين إلف رجل لماذا قتل جمعاً لا يتجاوز ثمانين؟ إن مقتضى العادة أن يُكسر هؤلاء بكل سهولة , لا حاجة أصلاً لقتالهم , يكفي أن يقيّدونه بالحبال مثلاً أسيرا مغرماً إلى السجون, حتى وإن لم يقبل بالنزول على بيعة يزيد (لعنه الله), مقتضى العادة في الحروب هو هذا , فما الذي دعا هؤلاء القوم من إتباع يزيد (لعنة الله عليهم) ما الذي دعاهم لذبح الحسين وأهل بيته وأصحابه واحداً تلو الآخر بهذه الطريقة البشعة الوحشية ؟

عزّت الحسين واهل بيت الحسين واصحاب الحسين عليهم افضل الصلاة والسلام وذلّت وحقارة اعدائهم
نعلم إنّ كثيراً من جيش يزيد كان متعطشاً لدماء بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله الطاهرين) ثأراً لبدر وحنين , ونعلم أن ابن زياد (لعنة الله عليه) كان يرسل الرسائل التحريضية التي تأمر الجيش بأنه إذا لم ينزل الحسين وأصحابه(عليهم الصلاة والسلام) البيعة ليزيد(لعنة الله عليه) فاقتلوهم ,ولكن إذا حلّلنا الموقف جيداً ولاحظنا كثرة المراجعات التي جرت إلى الساعات الأخيرة قبيل نشوب الحروب ,هذه المراجعات جرت و وقعت دون الحيلولة ,بل إذا لاحظنا خلال الحرب إثناء الحرب من مراجعات وتراد للكلام وهرج ومرج وتراجع أو تردد من قبل العدو في الإقدام على القتل ,إذا لاحظنا كل ذلك نفهم إنّ القوم إجمالاً كانوا يتحاشون القتال !
لا لشيء سوى الرعب لنقمة الجماهير بعد ذلك إن سبط رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) وسيد شباب أهل الجنة قد قتل كان يتحاشى اولئك تلك النقمة. إذاً لابد أن هنالك من جرّأ القوم وحملهم أكثر على القتال وحمّسهم على الإقدام على قتل هؤلاء البررة في حال أسرهم واقتيادهم بديل عن قتلهم, فلماذا أصروا على قتلهم؟ وما هو السبب؟ الحق إن هذا الدافع لهؤلاء المجرمين الذي جرأهم على هذا القتال هو صلابة الحسين وأهل بيته وأصحابه (عليهم افضل الصلاة و السلام) أمام ترغيبات وترهيبات العدو ,صلابةً لم تقف عند حد رفض البيعة, وإنما وصلت إلى حد رفض أن يساق أسارى أذلاء وإن لم يبايعوا, ولذا استبسلوا في القتال حتى صاروا كالأسود الضارية, إلى حد إن الجيش الأموي المعادى بدأ يخشى على نفسه منهم مع أن بمرات عديده عددهم الأضعاف هم ثلاثون ألفا وأصحاب الحسين لا يتجاوزون 80 رجلا. لقد كان بإمكان أن يرفضوا البيعة ,وفي الوقت نفسه لا يرفعون سيفاً في المواجهة. وقد يقول قائل إنّ ذلك كان أفضل لأنه كان سيُلجئ القوم لحقن دمائهم والاستعاضة عن قتلهم ,صحيح أنهم أصبحوا اسارى إلا إن هدفهم في رفض البيعة وعدم الإقرار هذا الهدف قد تحقق وهذا هو المهم ؟ كلا .

كان ذلك يعني الذلة , إذا ما قبل الحسين وأهل بيته وأصحابه (عليهم افضل الصلاة و السلام) أن لا يبايعوا يزيد (لعنة الله عليه)، إن قبلوا بأن يساقوا أسارى كان ذلك  يعني ذلة , ومدرسة الحسين وآل الحسين هي مدرسة هيهات منا الذلة , مدرسة لم يجعل الله  للمؤمن عن يذل نفسه وأصحاب الحسين , ولم يكن هاهنا على الصبر تقديما لما هو أهم مثلاً , لهذا استبسل الحسين وأهل بيته وأصحابه (عليهم افضل الصلاة و السلام) رافعين سيوفهم لئلا عار الذلة , فلا بيعة ليزيد (لعنة الله عليه) ولا أسرى أو اقتياد , ولا قبول لأي عرض من طرف العدو فيه مهانة وذلة، حتى وإن كان العرض منحهم الأمان , إنما هي الشهادة فقط ما دامت الشهادة تحفظ العزة والكرامة , لأنه لا تجوز المجازفة أو المخاطرة  بالعزة والكرامة الدينية , نعم تجوز المجازفة والمخاطرة بالنفس والحياة , إلا العزة والكرامة الدينية هذه لا يجوز المجازفة والمخاطرة فيها .
إليكم صورة هي من أروع صور الإباء والشرف والكرامة صورة يصورها وينقلها لنا أحد المجرمين الذين شاركوا في قتل رجال الطف البررة حين يصف رفضهم مختلف عروض الذلة ,وأنهم حين خيّروا بين السِلّة والذِلّة صاحوا كما صاح إمامهم (عليه افضل الصلاة و السلام) فاختاروا السلة إي سل السيوف وقتال العدو وأي قتال ؟ لقد حطّموا من كان حولهم يمينا وشمالا .
روى أبن ابي الحديد في شرح النهج أنه قيل لرجل شهد يوم الطف مع عمر بن سعد (لعنة الله عليه) " ويحك! أقتلتم ذرية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟! فقال : عضضت بالجندل  ]أي فعلت[  إنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا  ، ثارت علينا عصابة  ، أيديها في مقابض سيوفها  ، كالأسود الضارية  ، تحطّم الفرسان يميناً وشمالا  ، وتلقي أنفسها على الموت  ، لا تقبل الأمان  ، ولا ترغب في المال  ، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية  ، أو الاستيلاء على الملك  ، فلو كففنا عنها رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها  ، فما كنّا فاعلين لا أم لك ..".
 نعم هكذا يكونون الحسينيون حقا , لا يقرّون بالذل طائعين أبداً ,حين يجدون العدو يخيرهم بين القتل أو الذلة يختارون القتل , حتى وإن علموا أنّ بإمكانهم تحاشي القتل بعدم إبداء المقاومة هذا أيضا ذل لا يقبله الحسينيون طائعين أبدا ,لأن الله (سبحانه و تعالى) لم يجعل للمؤمن أن يذل نفسه , فإنه يُذل الدين فأن لله العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ..., لهذا لا محيص عن مد الرقاب للسيوف ,وتأخذ السيوف من رقابنا مأخذها هذا ليس مهم ,فلنقتل ولتسفك دمائنا إنما المهم أن لا نُذل ولا نخضع. إذ كان الله (تعالى) لم يفوض للمؤمن إن يذل نفسه فكيف بأن يُذل دينه والعياذ بالله ؟, إذ كان إذلال المؤمن نفسه حراماً أكيدا ,فكيف بإذلاله طائفة المؤمنين بأكملها. إذا عرفتهم هذا تعرفون حجم الإثم الذي يرتكبه أولئك الخونة مدعوا التشيع ,المتلاعبون بمصير هذه الطائفة , المجازفون بكرامة هذه الطائفة , عمائم النفاق والضلالة التي تدعو لطأطأ الرأس أمام العدو , هؤلاء الذين  يتحججون بالمصلحة تارة والمصلحة أخرى وبحسن الأخلاق ثالثة وبالتقية رابعة إلى غيرها من حجج وذرائع ليست شرعية ولا مكان لها حتى في العقل والمنطق , إنما هي من  قبيل كلمة حق يُراد بها باطل.

عمائم النفاق والضلالة والتآمر على التشيّع العظيم
أنما هؤلاء يتآمرون على عز هذه الطائفة , هؤلاء أعدى الأعداء هم العدو فأحذرهم لأنهم بإسم التشيع يقتلون بالتشيع, روح التشيع, روح التمرد ,هذه الروح هي روح التشيع. إنهم بهذه العناوين يخدّرون المؤمنين بآراء شيطانية ,يلبسونها لباس الدين والشرع.  إنهم يستلّون مثلاً عنوان التقيّة ويخرجونه إلى الناس بصورة أخرى مغايرة لما شرعه الله (تعالى) فلا ما يدعون إليه تقيّة مشروطة بل مغلوطة ,لو كَشَفت عنها الغطاء لوجدتها هي الذلة بعينها. سنتناول قضية التقية في حينه بإذن الله ,وسنبيّن مقدار ما يرتكبه هؤلاء من تجهيل وخداع للناس تحقيقاً لمأربهم الدنيوية. غير المهم هاهنا أن نثبت ضرورة أن يتحلّى كل فرد منا بروح الإباء بروح رفض الذلة. أن لا نطأطئ رؤوسنا لأحد إلا الله (سبحانه وتعالى) ,ونبقى أحرار فالحر على جميع أحواله كما قال إمامنا الصادق(صلوات الله و سلامه عليه). كٌن حراً في جميع أحوالك وكن شجاعاً في حريّتك ,لا تقبل مطلقاً كل من شأنه الحط من كرامتك أو قتل حريّتك او خدشها كن أنت الأعلى فلا تسمح لعدوّك ان يهين دينك ولو بشطر كلمة ولو بتعريض أو إيحاء وما أشبه ,كن كأئمتك (عليهم الصلاة و السلام) ,فهاهي مواقفهم تعلّمك كيف ترفض الذلة وكيف تلقّن أعدائك درساً لا ينسونه فيرهبونك ولا يتجرؤون عليك أبدا ,بل يتصاغرون أمامك حتى وإن كانت السلطة بأيديهم  لأن الله (تعالى) يقذف في قلوبهم الرعب من المؤمنين.


ثلاث مواقف تعلّمنا العزّة والكرامة والإباء حتى في زمن الاضطهاد
 أضرب لكم ها هنا ثلاثة أمثلة , هي عبارة عن ثلاثة مواقف للأئمة الثلاثة الأول علي والحسن والحسين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) ,المشترك بين المواقف أن الأئمة (عليهم السلام) كانوا في أزمان الاضطهاد ,وكل من يريد إذلالهم حاكماً بيده السلطة ,ومع ذلك وجدنا كل إمام يتصدى لذلك الحاكم ويرد عليه الصاع صاعين رغم ما في ذلك من مخاطر, وما ذلك إلا لأن الإمام لا يقبل الذلة أبداً.

الموقف الأوّل
الموقف الأول يرويه شيخنا العلامة المجلسي (رضوان الله (تعالى) عليه) عن شيخنا بالدين الرواندي (رضوان الله (تعالى) عليه) عن سلمان المحمدي الفارسي (عليه سلام الله) يقول سلمان:" إنّ علياً (عليه الصلاة و السلام) بلغه عن عمر ذكر شيعته، فاستقبله في بعض طرقات بساتين المدينة وفي يد علي (عليه الصلاة و السلام) قوس [عربية]، فقال [علي]: يا عمر أرب، بلغني عنك ذكرك لشيعتي. فقال: أربع [على] ظلعك[ بمعنى عيبك أصل ضيعك كأنه من يعرج أو غمز الناقة في مشيتها المراد هم العيب وهي كلمة تهذيب] فقال علي (عليه الصلاة و السلام): إنك لها هنا؟]بمعنى هل أنت تهددني أيها الجبان هل في محل إن تهددني[ ثم رمى بالقوس على الأرض، فإذا هي ثعبان كالبعير )في الضخامة (، فاغراً فاه ]فاتح فمه[ ، وقد أقبل نحو عمر ليبتلعه فصاح عمر: الله الله يا أبا  الحسن، لا عدت بعدها في شيء، وجعل يتضرع إليه، فضرب [علي] يده إلى الثعبان، فعادت القوس كما كانت، فمضى عمر إلى بيته مرعوبا قال سلمان: فلما كان في الليل دعاني علي (عليه  الصلاة و السلام) فقال: صر إلى عمر، فإنه حمل إليه من ناحية المشرق من جعل لهم ففرقه ، ولا تحبسه، فأفضحك فقال سلمان: فمضيت إليه، وأديت الرسالة. فقال: حيرني أمر صاحبك، فمن أين علم [هو] به؟ قلت: بئس ما قلت، لكن علياً وارث من أسرار النبوة ما قد رأيت منه، وعنده ما هو أكثر (مما رأيت) منه قال: ارجع (إليه) فقل له: السمع والطاعة لأمرك.!فقلت: وهل يخفى عليه مثل هذا؟ فقال عمر: يا سلمان، اقبل مني ما أقول لك: ما علي إلا ساحر، وإني لمشفق فرجعت إلى علي (عليه الصلاة و السلام)، فقال: أحدثك بما جرى بينكما فقلت: [أنت] أعلم به مني، فتكلم بكل ما جرى بيننا، ثم قال: إن رعب الثعبان في قلبه إلى أن يموت " .
 نحن نلاحظ هنا أنّ الطاغية عمر (لعنه الله) قد ذكر شيعة أمير المؤمنين (عليه الصلاة و السلام) بسوء أي أنه انتقص منه بالكلام فقط ,وحين ألتقى به الأمير(صلوات الله وسلامه عليه) في طرق من طرقات المدينة فأراد توبيخه. فقال له يا عمر بلغني عنك ذكرك شيعتي غير إن عمر(لعنة الله عليه) هاهنا أخذته العزّه فقال متحديا أربع على ظلعك  -وهي كلمة تهديد المراد منها أسكت على عيبك أرفق بنفسك ولا تتحدى فتحمل على نفسك مالا تطيق ويظهر ضعفك وعيبك-  ,هذه كلمة أراد بها عمر(لعنة الله عليه) أن يذل بها أبا الحسن (صلوات الله وسلامه عليه) ,وما كان إن يمررها له ,أنك لها هاهنا هل لك محل في القوة والشجاعة حتى تهدد أيها الجبان ! ثم أنه (عليه الصلاة و السلام) أرعبه بالثعبان الذي أظهره له وهكذا رد عليه الصاع صاعين وجعله يتصاغر ويتصاغر حتى صاح متوسلاً الله! 
الله يا أبا الحسن , لا عدت بعدها في شيء ولا أعود بعدها مجدداً، أو اعود لمحاولة إذلالك أنت وشيعتك عاد عمر (لعنة الله عليه) على بيته مرعوباً خائفاً بل أرسل إليه سلمان مهدداً أن يفضحه أن لم يوزع المال الشرعي على مستحقيه فأضطر عمر (لعنة الله عليه) أن يسمع ويطيع ويقول سمعاً وطاعة , وعادت على عمر (لعنة الله عليه) الذلة , فعمر أراد عن يذل علياَ (عليه افضل الصلاة و  السلام , وأراد ان يهينه ويهين شيعته فخسئ وعادت عليه هو الذلة .

كما ترون لم يقبل أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) أن يذل عمر(لعنة الله عليه) شيعته  ,بذكرهم إياهم بسوء فأستوقفه الامير (صلوات الله و سلامه عليه) حتى يقرعه لأن ليس لعمر أن يذل الشيعة ,ولما تجاوز عمر(لعنة الله عليه) حدوده وبدأ  يتطاول على أمير المؤمنين(صلوات الله و سلامه عليه) نفسه أرعبه الأمير(عليه الصلاة و السلام) , أرعبه بما يكاد يؤدي إلى يُحدث في سرواله خوفاً ورعبا ..  هكذا تصدى أمير المؤمنين (عليه الصلاة و السلام) حين أراد أن يذله ويذل شيعته , وهكذا لقن أمير المؤمنين(صلوت الله وسلامه عليه) عمر (لعنة الله عليه) درساً لا ينساه ,مع أن عمر(لعنة الله عليه) كان آنذاك حاكماً يملك السلطة , وتحت يده رجالاً بل تحت يده جيوشاً تأتمر بأمره إلا أن هذا لم يعبئ به أمير المؤمنين (عليه الصلاة و السلام) فالمهم هو ألا يتعرض هو أو شيعته إلى إذلال هذه هو المهم .
قد تقول أن الذي صنعه أمير المؤمنين (عليه الصلاة و السلام) من تحويل القوس إلى ثعبان هذا الذي صنعه كان معجزة ,وبهذا أرعب عمر(لعنة الله عليه) أخرسه ومنعه من أن يتعرض للشيعة ثانية  ,ومنعه من أن يفكر مجرد تفكير بإذلاله أنما منعه بهذه المعجزة !  أمّا نحن فلا نملك مثل هذه معجزة أن نخرس أعداءنا بالمعجزة ؟ وكيف لنا أن نعيد الذلة عليهم؟ الجواب : إن الكلام أنما هو في أصل التكليف , فأنت مكلف بأن تدفع عن نفسك الذلة بما هو مقدور لك , كما كان أمير المؤمنين(صلوات الله و سلامه عليه) مكلفاً بأن يدفع عن نفسه وعن شيعته بما هو مقدور ,غاية ما هنالك (عليه أفضل الصلاة و السلام) أنّه يحول القوس إلى ثعبان وبهذا يرعب عمر(لعنة الله عليه) ويوقفه عند حده , ليس مقدوراً فعليك إذاً أن تفعل حتى توقف عدوك الذي يريد إذلالك, المهم أن تتعلم من إمامك أمير المؤمنين(صلوات الله و سلامه عليه)  أن لا تسكت عن الذلة ,وكل ما هو مقدور لك في هذا الاتجاه عليك أن تفعله ,وهذا نظير ما نعلم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعض الأحيان أثناء حروبه لجأ إلى المعاجز أنه ليس أن نحارب أو نجاهد لأننا على إيقاع لا نقول أنما نقول أننا نتعلم من رسول أن كلما نستطيع  القيام به للانتصار علينا إن نقوم به هذا أولا , وأما ثانياً إذا أعرضنا عما سبق فأننا نجدد أخرى لأئمة الأطهار (صلوات الله و سلامه عليهم) أنهم ما لجأوا إلى المعجزة لمن حاول انتقاصهم أو إذلالهم أو الانتقاص وهنا دعونا نتقل إلى الموقف الثاني ..

الموقف الثاني
وهو موقف يرويه العدو نفسه فقد روى البيهقى ما حاصله إن معاوية أغرى عبد الله الزبير (لعنة الله عليهم اجمعين) بأن يتطاول على الإمام الحسن(صلوات الله و سلامه عليه)  بُغية إذلاله ,وهذا بعدما وقعت الهدنة بين الإمام الحسن(صلوات الله و سلامه عليه). فكان مما قاله ابن الزبير في ذلك المجلس:" لولا أنك خوار في الحرب ]بأنه خوار وجبان في الحروب[غير مقدام ما سلّمت لمعاوية الأمر]أي الخلافة[ وكنت لا تحتاج إلى اختراق ]الأراضي البعيدة[  وتقوم ببابه .. ]هكذا أراد الزبير ومن وراءه معاوية(لعنهم الله جميعاً إذلال سبط رسول الله(صلى الله عليه و آله) ولم يكن للإمام(صلوات الله و سلامه عليه) أن يسكت إن الذل قد أصابه كما أنه سيودي أن تنسب بنو أمية إليه العجز عن الرد فألتف إليه الحسن فقال: فتلو لولا بني أمية تنسبي العجز عن المقال لكففت عنك تهاونها ولكن سأبين ذلك لك لتعلم أني لست بالعليل ولا الكليل اللسان ]لست عاجز عن الرد[ أياي تعير وعلي تفتخر ولم يكن لجدك بيت في الجاهلية ولا مكرمة فتزوجته جدتي صفية بنت عبد المطلب  ]لأن صفية التي هي جدة الحسن (عليه أفضل الصلاة و السلام) وعمة رسول الله(صلى الله عليه وآله) تزوجت العوام الذي هو والد الزبير وعبد الله ,وهذا حفيده  أي أن العوام جد الزبير" يقول الإمام الحسن (عليه افضل الصلاة و السلام) ولم يكن لجدك  العوام بيت في الجاهلية ولا مكرمة فتزوجته جدتي صفية بنت عبد المطلب فبذخ على جميع العرب بها وشرف بمكانها ]لولا زواجه من صفية ما كان له أن يتشرف على العرب  فكيف تفاخر من  القلادة واسطتها[ نحن أهل البيت أهل الكساء درة وسط قلادة بني هاشم ]اللؤلؤة التي هي وسط تلك القلادة[  فكيف تفاخر من هو القلادة واسطتها ومن الأشراف سادتها ؟ نحن أكرم أهل الأرض زندا, لنا الشرف الثاقب والكرم الغالب , ثم تزعم أني سلمت الأمر لمعاوية ]أي سلمت الخلافة لمعاوية(لعنة الله عليه) أيها الأخرق  ليس الأمر كما تظن أنما هدنة ومصالحة كما فعل رسول الله (صلى الله عليه و آله) مع المشركين في الحُديبية[  ثم تزعم أني سلمت الأمر فكيف يكون ذلك ويحك !  كذلك وأنا أبن أشجع العرب وقد ولدتني فاطمة  سيدة نساء العالمين وخير الإماء , لم أفعل ذلك ويحك جُبنا ولا ضعف ]ليس لسبب الضعف والجُبن سلمت الأمر كما تظن لمعاوية (لعنه الله) الأمر وإنما صالحته الذي ألجاني لذلك خذلانك أنت وأهل بيتك وأصحابك ,أنتم الذين خذلتموني وإلا أنما أنا أشجع العرب وابن أشجع العرب. ماذا تظن؟ ويحك فكيف يكون وأنا أبن أشجع وقد ولدتني فاطمة سيدة نساء العالمين وخير الإماء[  وهو يطلبني بتارة وياديجني المودة بتارة ]تظاهر أمامي بأنه يودني لكنه باطنه يطلبني بالثارات[  ولم أثق بنصرته لأنكم أهل بيت غدر  ]أنتم غدارين ومنافقين أمامي وتتحيّنون الفرصة لقتلي ولم أثق بنصرتكم[ وكيف لا يكون مالا أقول كما أقول ]أي غدر[ وقد بايع أبوك أمير المؤمنين  ]بايع أبوك الزبير أمير المؤمنين(صلوات الله وسلامه عليه) [  ثم نكث بيعته ونكص على عقبيه وأختدع حشية من حشايا رسول الله  صلى الله وآله ] الحشية بمعنى الفراش يكنى بذلك عن الزوجة[  ليظل بها الناس  ]أي عائشة )لعنها الله)[  فلما دلف نحو الأعنة  أبوك الزبير نحد  ] تعيير الإمام الحسن (عليه الصلاة و السلام) لعبد الله الزبير بأبيه الخوار الجبان حقاً[  ورأى بريق الأسنة قُتل مضيعة لا ناصر له  ]أي لم يكن له ناصر ولم يبلي أي بلاء حسن في تلك الحرب[  وأٌتي بك أسيرا ]أنت الذليل[قد وطأتك الكُمات بأظلافها والخيل بسنابكها واعتلاك الأشتر  ]مالك الأشتر (عليه السلام)[  فغصصت بريقك ] كدت تختنق وأنت تبتلع ريقك من الخوف[  وأقعيت على عقبيك كالكلب إذ احتوشته الليوث ] جلست جلسة الكلب الأقعاء[ وهذا لما أحاط بك الفرسان  قد وطأتك الكُمات بأظلافها والخيل بسنابكها واعتلاك مالك الأشتر ]عبد الله بن الزبير وكاد الزبير إن تزهق نفسه من الخوف[  لولا إن خلصه من قبضة الأشتر  أصحابه ] لولا أصحاب عبد الله الزبير لما كان له أن يتخلص من تحت يد الأشتر[ وبنا تفخر الأمة وإلينا تلقى مقاليد الأزمة , أتصول وأنت تختدع النساء ثم تفتخر على بني الأنبياء ] أركبتم عجز عائشة (لعنة الله عليها) ووصلتم بها  وتريدون بأن تفخروا على أولاد الأنبياء وعليك وعلى أبيك مردودة[  دخل الناس في دين جدي طائعين وكارهين ثم بايعوا أمير المؤمنين )صلوات الله و سلامه عليه( فسار إلى أبيك وطلحة حين نكثا البيعة , وخدعا عرس رسول الله (صلى الله عليه و آله) ]أي زوجته[فقتل أبوك وطلحة وأُوتي بك أسيرا فبصبصت بذنبك كالكلب وناشدت الرحم إلا يقتلك فعفا عنك ] فأنت عتقاء أبي بمعنى عتيق أعتق من القتل من أبي صلوات الله عليه  [ فأنت عتاق أبي وأنا سيدك , وسيد أبيك فذق وبال أمرك  .

لاحظوا كيف كان لسان الحسن )صلوات الله و سلامه عليه( ها هنا كالسيف يأخذ من ابن الزبير (لعنهم الله) كل مآخذ , فقد شبهه بالكلب إذ أحتوشته ,وأنه بصبص بذنبه كالكلب حين يفعل  ,وناشد أمير المؤمنين (عليه افضل الصلاة و السلام) الرحم حتى يعفو عنه ,هكذا حكا الحسن(صلوات الله وسلامه عليه) حتى يذله , ثم إن الحسن (صلوات الله وسلامه عليه) أكد على أنه هو انه هو سيد عبد الله الزبير وسيد أبيه .. لأن عبد الله بن الزبير عتيق علياً (عليه افضل الصلاة و السلام) فكأن له ولاءه فالحسن(صلوات الله و سلامه عليه) سيّده وسيّد أبيه وسّيد الجميع إلا رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة (عليهم افضل الصلاة و السلام) ,بعد هؤلاء الثلاثة  الحسن سيد الجميع وسيد الحسين وسائر الأئمة (صلوات الله وسلامه عليهم) ,هذه الكلمات جاءت كالصواعق على رأس أبن الزبير(لعنة الله عليه).

ولذا لم يملك أبن الزبير(لعنة الله عليه) جواباً إلا إن يقول:" أعذر يا أبا محمد ! فإنما حملني على محاورتك هذا ]يقصد معاوية[ وأحب الأغراء بيننا , فهلا إذ جهلتُ أمسكتَ عني ، فإنكم أهل بيت سجيتكم الحلم والعفو ! "  مع هذا الإمام (عليه افضل الصلاة و السلام) لم يسكت على أنّ ابن الزبير سكت وتصاغر ,إلا أن الإمام (عليه افضل الصلاة و السلام) لم يسكت بل توجه إلى معاوية(لعنة الله عليه) وكان معاوية(لعنة الله عليه) سلطان زمانه وبيده الملك والقوة ,إلا أن الإمام(صلوات الله و سلامه عليه) توجّه إليه وهدّده وأذله حين قال له: {يا معاوية أنظر هل أكيعُ عن محاورة أحد ! ]أجبن واضعف[ ويحك أتدري من أي شجرة أنا وإلى من أنتمي}. إنتهِ قبل أن أسِمَك بميسم تُحدث به الركبان في الآفاق والبلدان ! "وصم وأصفك بوصفك أثلبك فيه.. هكذا أراد أبن بني سفيان إذلال الإمام الحسن المجتبى (صلوات الله وسلامه عليه) وهكذا رد إليهم  الإمام(صلوات الله و سلامه عليه ) الصاع صاعين بل اصواعًا , مع أنّ السلطة كما قلنا كانت بيد معاوية(لعنة الله عليه) والإمام(صلوات الله و سلامه عليه) تحت الاضطهاد , إلا أنه مع ذلك لم يسكت لأن سكوته يعني إذلاله ويأبى الله ورسوله ويأبى المؤمنون ذلك .

لانحتاج لمعجزة لرفع الذل عنّا انفسنا المؤمنة
هنا نلاحظ لم يلجأ الإمام (عليه افضل الصلاة و السلام) بإخراس معاوية(لعنة الله عليه) لمعجزه ,ولم يلجأ لمعجزة لإخراس أبن الزبير(لعنة الله عليه) لكي يدفع الذل عن نفسه.  إنما أستعمل اللسان ,اللسان فقط. وهذا بمقدور كل فرد منا وهذا أمر نحن قادرون عليه ,لذلك لا يقال أنه لا يدفع الذل إلا مع الاقتدار على مثل معجزة ؟ كلا  ,كل ما هو بمقدورك ولست عاجزاً عنه تتمكن به أن تدفع الذلة عن نفسك فأن عليك شرعاً أن تفعله.  سيّما إذا كان المذل لك والقاصد إنما يقصد بإذلالك في دينك وطائفتك التي تنتمي اليها ,هنا لا مسوّغ لك شرعاً أن تسكت ,وعليك هنا أن تتحرك وتستعمل أقوى ما لديك من عبارات ومن وسائل ,حتى لو كانت فعلية بدنية بالجوارح ,هذا ما يدعونا إلى أن نتنقل للموقف الثالث ولكن حيثما أدركنا الوقت فأنه ليس بإمكاننا ذلك .سنوكل ذلك على المحاضرة التالية هو موقف الحسين(عليه افضل الصلاة و السلام). لما أراد مروان ابن الحكم (لعنة الله عليهما) أن يذله وينتقص منه بالكلام , كيف رد عليه الإمام (صلوات الله و سلامه عليه) لا باللفظ فقط وإنما بالجوارح أيضا.
لقد طرحه أرضاً كما سُننقل الرواية إن شاء الله (تعالى) ,لماذا؟ حتى يلقنه درسا يوقفه عند حده  ,ولا يتجاوز مرّه ثانية ,مثل هذه المواقف هي التي تعلمنا الإباء ورفض الذلة هيهات منا الذلة ,هذه هي الروح التي يجب إن نتحلى بها ,روح علياً والحسن والحسين(صلوات الله و سلامه عليهم اجمعين).  الروح التي عنوانها "هيهات منا الذلة" ,عنوانها ما كان لمؤمن أن يذل نفسه لم يفوض إلى المؤمن أن يذل نفسه ,روح الإسلام. "الإسلام يعلو ولا يعلو عليه" ,"الحر حراً" هذه هي العناوين. أن نتحلى بها وتكون ذات انطباق علينا في حياتنا وسلوكنا وأعمالنا .. إذا غيّرنا من نفسيتنا من الأعماق وتعاملنا مع أعداءنا بروح العلو و بروح دفع الذل حتى نلبسهم أياه ,بمثل هذه الروح فإن لنا أن نعلو ولا يُعلى علينا .

لذا نحن على موعد مع تحرير أنفسنا من المفاهيم المغلوطة التي تجعلنا أن نقبل بالذل أو نتعايش معه ,الإنسان الشيعي بحاجة أن يتحرر من هذه الأفكار والمفاهيم المغلوطة, ويتأمّل  مثل هذه المواقف وتعلمنا كيف ندوس على أعداءنا ونذلهم ,لا أن يدوسوا عليه ويذلونا لا سمح الله (تعالى), للكلام بقية وننتظر أن نُبين الموقف الثالث الذي نرجئه إن شاء الله (تعالى) إلى المحاضرة .
هذا وصلى الله على سيدنا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين ,ولعنة الله على قتلتهم واعدائهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم اجمعين الى قيام يوم الدين .. آمين

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp