تقرير محاضرة: تحرير الإنسان الشيعي - الحلقة السادسة (6) 

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp
تقرير محاضرة: تحرير الإنسان الشيعي - الحلقة السادسة (6) 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمان الرحيم

القول مني في جميع الأشياء قول آل محمد عليهم السلام فيما أسروا وما أعلنوا وفيما بلغني عنهم وما لم يبلغني ,الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأزكى السلام على المبعوث رحمة للخلائق أجمعين سيدنا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين ولعنة الله على قتلتهم وأعدائهم وجاحدي إمامتهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين .. آمين

مرض الانهزاميّه في الأمّة الشيعية الحالية        

ها نحن نمضي في بيان ما ينبغي علينا نحن الشيعة أن نتحرر منه لكي نستعيد مجدنا السالف ونتصدّر الركب الحضاري بين الأمم من جديد، كان أوّل ما ركزنا عليه هو التحرر من عقدة الضعف والجبن والانهزامية، هذا الشعور السائد في نفوسنا أننا صغار أمام الآخر، ضعاف أمام الآخر، عاجزون أمام الآخر، لذلك علينا أن نبقي تطلعاتنا محدودة لا تتجاوز أن نعيش ونأكل ونشرب ويكف الآخر يده عنّا فإن لطمنا على خدنا الأيمن أعطيناه خدنا الأيسر وعملنا بالتقية. هذه عقدة نفسية فينا، وإذا لم نتخلص من هذه العقدة فلا سبيل لنا للتقدم أبداً، لأن الأمة التي يعاني أبنائها من مرض الضعف النفسي هي أمة منهزمة، هذه أمة منهزمة حتى وإن كانت أقوى الأمم في العديد والعدة والعتاد، فإنه تهزم هذه الأمة التي تعاني من عقدة أو مرض الضعف النفسي تهزمها أقل الأمم عديداً وأضعفها عدّة إذا ما تحلّت هذه الأخيرة بالثقة بالنفس والشجاعة.


الأمة التي أقصى تطلعاتها أن تعيش وسط الأمم هي أمة مآلها الفناء، لأنها إنما تتطلع إلى ما هو أدون وأدون، أما الأمة التي تتطلع إلى أن تسود الأمم هذه الأمة هي أمة تضمن لنفسها البقاء مهما بلغ الصراع حدة وشدة، لأنها إنما تتطلّع لما هو أعلى وأعلى، وإذا بقت على هذا التطلّع فلا تمر السنين حتى تصل إلى حيث أرادت أو ما هو دونه، أي لا أقل من أن تكون في قائمة الصدارة، عزيزة، قوية، مكتفية، متفوقة في مختلف مجالات الحياة. كم نحن مجرمون في حق أنفسنا، لا نلتفت إلى ما نملكه من مقومات وموارد وذخائر علمية ومعرفية وحتى بشرية ومادية، هذه كلها كفيلة بأن توصلنا إذا ما استثمرناها جيداً إلى قمة القمم في الحضارة الإنسانية، نهمل كل هذا لأننا لا نلتفت إليه، الرؤية عندنا مشوشة والذهن عندنا معطل، لأن قلوبنا ترجف من الخوف، نخشى ظل الآخر فضلاً عن شاخصه أو عينه، لذلك يستغل هذا الآخر خوفنا وعقدة الضعف فينا فيستطيل علينا ويهيمن ويتأمّر ويسلبنا حقوقنا ويدوس على كرامتنا بل ويدوس على مقدساتنا، وإذا كان الواحد منّا شجاعاً جداً، فأقصى ما تبلغه شجاعته حين ذاك حين يدوس العدو على مقدساتنا وكرامتنا، أقصى ما تصدره شجاعته حين ذاك أن يصدر بيان شجب واستنكار.
هذه ليست نظرة سوداوية تذمرية، نظرة مبالغ فيها، إنما هي نظرة للواقع الذي نعيشه وإلا فليفسر أحدنا تفسيراً آخر لهذا التخاذل الذي نحن فيه منذ أن داس الوهابيون المجرمون على مقدساتنا في بقيع الغرقد.


لماذا لم يعلن الشيعة حين ذاك الجهاد ؟ بعدما هدمت الأبنية المقدسة وأسقطت على مراقد أئمتنا الاطهار (عليهم افضل الصلاة و السلام). لماذا لم يعلن الشيعة الجهاد؟ لماذا لم يهبّوا من كل مكان أفواجاً نحو المدينة المنورة للدفاع عن أبناء رسول الله (صلى الله عليه وآله) بل للدفاع عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) نفسه؟ حيث كان هؤلاء المجرمون على وشك هدم قبته الخضراء أيضاً كما نعلم وتعلمون كيف لم تتجاوز ردود فعل الشيعة بيانات الشجب والاستنكار؟ وها هي اليوم أصبحت مع الأسف الشديد سنّة وعادة للشيعة كلّما جاء يوم الثامن من شوال، ألم تكن هذه الفاجعة العظمى تستحق اعلان الجهاد ؟ هل هي أخف أو أقل فداحة مما استدعى ثورة العشرين مثلاً ؟ لم يكن الشيعة حين وقعت تلك الجريمة ضعفاء لا حول لهم ولا قوة، كانت بيدهم ايران وكان لهم الثقل الأعظم في العراق بعد ثورة العشرين التي قادها الميرزا محمد تقي الشيرازي أعلى الله درجاته وكان للشيعة. ايضاً نفوذ في الهند وفي الخليج وكان اليمن تحت حكم أئمة الزيدية(لعنة الله عليهم) الذين كان يمكن بنحو من الأنحاء ضمهم إلى المعركة، أضف إلى ذلك أن معظم المسلمين كانوا يشاطرون الشيعة في مشاعر الغضب على وقوع الجريمة أقرأوا ما كتبت الصحف المصرية مثلاً آنذاك كيف كانت تكتب تلك المقالات النارية التي تصب فيها نيران وحمم الغضب على رؤوس الوهابيون وآل سعود، لكن رغم هذا لم يفض هذا الغضب الشيعي إلى شيء، غضب شيعي كان موجوداً ولكن لم يفض ذالك إلى شيء سوى بيانات الشجب والاستنكار، ولم يتحول إلى شيء على أرض الواقع الأهم إلا أشعاراً تعبر عن الأسى واللوعة حيث قال قائلنا :

دهاك ثامن شوال بما دهماً * فحق للعين اهمال الدموع دماً
يوم البقيع لقد جلت مصيبته * وشاركت في شجاها كربلا عظماً

نداءات الإستغاثة بالمراجع والعلماء تأتي من شيعة المدينة المنورة

كانت نداءات الإستغاثة بالمراجع والعلماء تأتي من شيعة المدينة المنورة، وهنا أنقل لكم نموذجاً من هذه الرسائل التي وصلت إلى النجف الأشرف، وهذه الرسالة كانت قد نشرتها جريدة العراق في حينها تقول الرسالة :
"أعرض لكم أن جميع البلاد الحجازية مقهورة تحت سيطرة ابن سعود وحكمه المطلق فيها ولايوجد في هذه البلاد من أقصاها إلى أدناها فرد واحد سواءاً من سكان المدن أو البوادي يسعه أن يقف دون أوامره وإرادته النافذة، ومنذ أيام ورد المدينة قاضي قضاة الوهابين (هذا كان اسمه عبد الله ابن بليهد المهم يقول) ومنذ أيام ورد المدينة قاضي قضاة الوهابيين وبينما كان مجلسه غاصاً بعلمائها صرّح أمامهم بتحريم زيارة القبور وأنها بدعة في الدين وشرك بالله وأنه يلزم تحصيل الاتفاق من جميع علماء المذاهب الأربعة على تخريبها تماماً ومحو آخر أثر من آثارها على وجه الأرض، ونظراً لذلك فقد منعت زيارة جميع المراقد المطهرة وأغلقت أبوابها ومنذ عشرين يوماً لم نجرأ على قصد هذه المشاهد المشرفة وزيارتها إذ أن نجود الوهابيين الإخوان (كان اسمهم الإخوان حين ذاك) إذ أنّ جنود الوهابيين الإخوان قد رصدوا الحرم المطهّر (أو ربما هنا خطأ مطبعي) قد صدوا الحرم المطهر النبوي ومنعوا أي زائر من التشرف بزيارة سيدة نساء العالمين (عليها وآلها الصلاة و السلام) ومن التقرب إلى ضريح رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم أن قاضي قضاة الوهابيين لم يتمكن من تحصيل الإتفاق المطلوب من علماء المدينة إلا بعد أيام إذ استعمل معهم الوسائل الأخرى المخوفة من القوة والبعض الآخر وافق ابتداءا،ً فحكموا جميعاً طبق رغبته بتحريم زيارة القبور مطلقاً والتمسح بها إلى الله والإستشفاع بها (إليه طبعاً العبارة فيها بعض الخطأ في التعبير) وتلاوة الزيارة فيها ثم صدر الأمر بهدم وتخريب المراقد الشريفة فشرع الجند أولاً بنهب جميع ما تحتويه تلك البنايات المقدسة في البقيع من الفرش والستائر والمعلقات والسرج وغير ذالك، ثم بدوا يخربون تلك المشاهد المقدسة وفرضوا على بنائي المدينة (البنائين) فرضوا على بنّائي المدينة الاشتراك في التخريب والتهديم".

والغرض الآن أن يقف على خبر الفاجعة جميع المؤمنين الذي يأملون بواسطة الأئمة الطاهرين(صلوات الله و سلامه عليهم اجميعن) الشفاعة والزلفى من الله (سبحانه و تعالى) ويشتركوا جميعاً سواءاً العربي والفارسي والهندي والتركي، فيضغط كل منهم على حكومته للتدخل في رفع هذه المصيبة العظمى وتدارك ما وقع اليوم وهو ثامن شوال وقع التخريب والهدم في القبة المقدسة في البقيع ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم يلزم عليكم أن تبادروا إلى اخبار علماء العظام جميعا بهذه الحادثة الفجيعة. توالت البرقيات من المدينة المنورة تحمل هذه العبارة "عظم الله أجوركم في مصيبة الرسول وأهل بيته(صلوات الله و سلامه عليها)، الوهابيون خرّبوا القبور المقدسة" هذه البرقيات توالت إلى النجف الأشرف في العراق وحوّلت البرقيات من العراق إلى إيران ومن إيران إلى الهند ومنها إلى أرجاء العالم حتى وصلت إلى لندن، أوقفت الدراسة في الحوزات، وعطلت الأسواق، وأعلنوا الحداد، وخرجت مواكب العزاء، وتوالت البيانات والبرقيات.. ثم ماذا ؟ ثم ماذا ؟ أضفنا فقط ذكرى أخرى للعزاء والنوح في تقويمنا الشيعي، هذا الذي فعلناه.

جهودنا العظيمة في البقيع الغرقد مجلس الشورى الإيراني مثالاً !!!
إني لأخجل من نفسي وأنا أعرض هذا الخزي، نحن أمة النوح، نحن أمة البيانات الورقية والقنابل الصوتية فقط، والله لولا الإسلام والتشيع لما تشرفت بالإنتماء إلى أمة كهذه، هي صورة مخزية، حقيقة مخزية، هذه الصورة المخزية وثّقها التاريخ عن ردة فعل الشيعة حين وقعت الجريمة الكبرى في جنة البقيع، كم هي صورة مخزية حقيقة. يقول الدكتور علي الوردي في كتابه لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث قصة الأشراف وابن سعود يقول ما نصه :
“قرر علماء الشيعة على أثر تلقيهم هذه الأخبار )أي هدم المراقد المقدسة في البقيع (قرر علماء الشيعة على أثر تلقيهم هذه الأخبار اعلان الحزن، واظهار الحداد، وترك التدريس، واقامة صلاة الجماعة) اي ترك إقامة صلاة الجماعة(وعُقد في صحن الكاظمية اجتماع حضره جمهور كبير من الناس وتُليت فيه البقيات والرسائل الوارده في هذا الشأن كما نُظّمت البرقيات التي تقرر ارسالها إلى ملوك وعلماء العالم الإسلامي في اقطارهم المختلفة، وجرى مثل ذالك في كربلاء والنجف”.
يا للعظمة والقوة.. يا للعظمة والقوة.. (قرر علماء الشيعة اعلان الجهاد) عفواً اعلان الحزن والحداد!
يا للغيرة والبسالة.. (نُظّمت الكتائب التي تقرر ارسالها إلى المدينة المنورة) عفواً نظمت البرقيات التي تقرر ارسالها إلى الملوك !
اليكم صورة عما انتهت اليه هذه الجهود العظيمة في محضر اجتماع مجلس الشورى الوطني الإيراني الذي عقد بعد نحو سنة من وقع فاجعة البقيع لتدارس الموضوع نقرأ هذا الكلام لأحد النواب أثناء ذالك الإجتماع يقول :


"أيها المسلمون الغيارى هاهم اليوم قد سلموا قبلتكم قبلة جميع المسلمين وقبلة الإسلام قد سلموها للوهابية الوحشية وابن سعود وقلب الإسلام الآن والحياة السياسة المرهونة بحفظه وسياسته هو الآن في يد احدى الطوائف التي هي في الحقيقة الإسلام منها براء، قبلتنا الآن في قبضة أعداء المسلمين.
ألم يحن الوقت أن نقف نحن المسلمون الأحرار أمام هذه الفجائع والمآسي ؟ فإلى متى الخمول والكسل واللامبالاة وإلى متى السكوت فبغض النظر عن الضربة القاصمة التي حلّت بإيران والمسلمين في ايران بظهور هذا الوضع المؤسف في مكة المكرمة والمدينة المنورة وأدمت قلب كل مسلم إيراني، يجب أن نعرف بأن ظهور هذه الفجائع لا يعود لثورة بسيطة وتمرد حفنة من البدو إنها مؤامرة رهيبة وخطيرة للقضاء على المجتمع الاسلامي انهم يريدون اضافة فرق جديدة للشعوب الأسيرة للكفار والمكبلة بقيود الوصاية يريدون بواسطة طائفة ضالة وعميلة تجديد الاختلاف بين مسلمي المعمورة واثارة التعصبات الدينية ثانية، أجل لو نظرتم إلى الدول الإسلامية المستقلة الثلاث إيران وتركيا وأفغانستان ونظرتم نظرة للمسلمين في العالم ترون أن المسلمين في العالم وبتحريك هذه السياسات كقضية الحجاز والوهابيين واثارة الاختلافات بين المسلمين وإيجاد التعصبات الدينية يعيشون مكبلين بأغلال وصاية الأجانب الذين يمتصون قواهم، فما الذي فعله مسلمو العالم أمام هذه الأخطار الجسيمة التي تعصف بالإسلام والمسلمين وماذا فعلت إيران خاصة وهي التي يجب أن تبدي تعاطفاً أكثر من جميع الفرق الإسلامية مع القضية سواءاً سياسياً أو دينياً فيا أيها السادة والوزراء والمسؤولين ويا أيها الذين تعتبرون أنفسكم كل شيء والآخرون لا شيء، ماذا فعلت في هذا الظرف السياسي والديني الخطير ؟ في هذه الظرف الحياتي ؟ وفي هذه المدة المديدة وهي عام تقريبا ]لأنه قد مضى قرابة عام على تلك الجريمة ولم يحصل شيء يقول هذا النائب[ ماذا فعلتم في هذا الظرف الحياتي وفي هذه المدة المديدة وهي عام تقريباً، الجميع مشغول بالاستنكار والتنديد ]هذا الذي نتقنه، هذا الذي نعرفه، بيانات استنكار وشجب وتنديد[ الجميع مشغول بالاستنكار والتنديد، وجماعة لاأباليون ]لا يبالون[ ونفر يعملون ]أكو نفر يعملون ولكن ماذا يعملون هو يقول[ ونفر يعملون وماذا يعملون جلسوا وقالوا ونهضوا، كل من سألته قال أننا في مفاوضات ]إننا في مفاوضات مع ابن سعود وغيره[ كل من سألته قال إننا في مفاوضات والخلاصة ماذا فعلوا حتى الآن ؟]ما الذي فعلتموه بعد هذه المفاوضات والمفاوضات[ كل من سألته قال إننا في مفاوضات والخلاصة ماذا فعلوا حتى الآن قالوا كلاماً فارغاً لاجدوى منه ولم نشاهد شيئاً آخر من هذه الاجتماعات ومن هذه المفاوضات".


اين الجهود لإنقاذ بقيع اهل البيت صلوات الله و سلامه عليهم ؟

هذا كلام أحد نواب مجلس الشورى الوطني الإيراني الذي عقد بعد نحو سنة من فاجعة بقيع الغرقد لتدارس الموضوع يقول في ختام كلامه: "قالوا كلاماً فارغاً ولم نشاهد شيئاً آخر من هذه الاجتماعات" أنا أقول بلى قد شاهدنا شيئاً آخر من هذه الاجتماعات، هذا الشيء تَمَثّل بهذا الانجاز العظيم، ماهو هذا الإنجاز ؟ أنه أضيفت مناسبة جديدة للعزاء والنوح في التقويم الشيعي باسم : وفاة البقيع، هذا هو الإنجاز الذي حققناه، أضفنا مناسبة جديدة للعزاء والنوح والبكاء في تقويمنا الشيعي وسميناه وفاة البقيع.
يقول الدكتور علي الوردي الذي يؤرخ في كتابه الذي ذكرته لتاريخ العراق الاجتماعي الحديث أنقل لكم نص كلامه يقول :
"ومن الجدير بالذكر أنّ يوم الثامن من شوال وهو اليوم الذي هُدمت فيه قبور البقيع، أصبح يوم حداد في السنوات التالية في النجف وكربلاء، حيث تغلق فيه الأسواق وتخرج مواكب اللطم على نحو ما اعتادوا عليه في وفيات الأئمة، ويقال أن أهل كربلاء ظلّوا مستمرين على ذالك بضع سنوات، وقد أطلقوا على الثامن من شوال اسم : وفاة البقيع".

هذا هو وفقط، وفاة البقيع، حقاً لم يعد يوم الثامن من شوال سوى ذكرى، ذكرى وفاة البقيع، ذكرى يقول فيها بعضنا للآخر : عظم الله أجورنا وأجوركم، هذا إذا التفت أصلاً إلى الذكرى، وإني لأعتذر أنما هو أعظم من جريمة هدم البقيع نفسها صيرورة تلك الجريمة ذكرى، مجرد ذكرى في الذهنية الشيعية العامة ولا تستتبع هذه الذكرى إلا عقد المجالس في سرادقات العزاء هذا لعمري افدح من تلك. لست أريد الآن أن أبسط الكلام في ما ينبغي العمل عليه لأجل إعادة بناء المقدسات المهدومة في جنة البقيع، لذالك إن شاء الله محل آخر وحين آخر، إنما أردت من ذكر هذه القضية الإشارة إلى عقدة الخوف، هذه العقدة المتأصلة في نفوسنا مع شديد الأسف، وإلا لولم نكن نخاف لما مررنا جريمة هدم البقيع ولما جعلنها مجرد ذكرى نبكي فيها ونلطم بل لأعلنا الجهاد منذ اليوم الأول لأن أعظم مقدساتنا قد انتهكت، هذه أعظم المقدسات حرمة الائمة الأطهار (صلوات الله عليهم)، ليس المقدس هو البناء فقط إنما أستهدف البناء بقصد استهداف الحرمة، حرمة أهل بيت محمد (صلوات الله و سلامه عليهم) هذه الحرمة هي التي انتهكت وهذه  أعظم مقدساتنا، لماذا لم نعلن الجهاد ؟ لو كنا قد خطونا مثل هذه الخطوة آنذاك فإني أكاد أجزم أن المراقد المقدسة كانت ستعاد ويعاد بنائها بلا قطرة دم واحدة، يكفي أن يتحقق النفير العام في العالم الشيعي ليدفع ذلك اللاعب الدولي المتسيّد على المنطقة آنذاك والذي كان بريطانيا العظمى ليدفعه للتفاوض كما أجبرت على التفاوض في ثورة التبغ (التنمباك) وثورة العشرين واضطرت هذه القوة العظمى تالياً للتنازل وتلبية بعض المطالب الشيعية.

تجاهل الحكومة البريطانية مائة وثلاثين مليون مسلم شيعي، لماذا؟
 
لقد جرت آنذاك بعض المراسلات بين ممثلي شيعة الهند والحكومة البريطانية حول قضية البقيع، هذا كشفته وثائق الأرشيف البريطاني في تلك الوثائق نجد أن الحكومة البريطانية أبدت تعاطفها لكنها تذرعت بأن سياستها تعتمد على الحياد وعدم التدخل في شؤون المقدسات الإسلامية، هذه الذريعة بطبيعة الحال واهية لأنه سبق أن تدخلت بريطانيا في بعض القضايا الدينية الإسلامية عندما كان الأمر يهدد مصالحها الإقليمية، كثيرة تلك القضايا التي تدخلت فيها وكانت قضايا دينية إسلامية لكن حين وجدت أن الأمر يهدد مصالحها الإقليمية تدخلت ومارست نفوذها على ابن سعود(لعنة الله عليه) واجبرته على ما أرادت، مثل اجبارها إياه بفتح طرق الحج وتأمينها والتشديد عليه في ذلك لأن ابن سعود(لعنة الله عليه) في فترة ما أقفل طرق الحج، كما أنها ضغطت عليه بعدم هدم مرقد السيدة حواء، حواء أم البشر(على فاطمة و آلها و عليها السلام) مرقدها في جدة، وبالفعل تُرك هدمه في تلك الفترة. لم يهدمه الوهابيون ولا ابن سعود(لعنة الله عليه).

على أية حال الكل يعلم أن بريطانيا كانت تهيمن على ابن سعود(لعنة الله عليه) ولم يكن ابن سعود إلا خادماً مطيعاً لها، إذا لولاها لما استطاع الإستيلاء على الحكم في الجزيرة المحمدية، لماذا إذاً تجاهلت الحكومة البريطانية أكثر من مائة وثلاثين مليون مسلم شيعي كانوا من مواطنيها أو من رعاياها داخل بريطانيا وخارج بريطانيا، في البلدان التي كانت تحت التاج البريطاني كالهند وباكستان والعراق ودول الخليج هذه كلها وشعوبها كانت تحت التاج البريطاني، لماذا تجاهلت الحكومة البريطانية أكثر من مائة وثلاثين مليون مسلم شيعي كانوا من رعاياها ؟

الجُبن هو الأزمة

الجواب يعرفه من له أقل حظ من العلوم السياسية، الجواب هو هذا : إن الجبان لا يُلتفت إليه، الجبان لا يلتفت إليه، وجدت بريطانيا الشيعة جبناء هُدمت مقدساتهم واكتفوا بالبيانات والبرقيات ومواكب العزاء فما الداعي لإضاعة الوقت والجهد مع هؤلاء ؟ وأية مصلحة في تلبية مطالبهم وكسب ودهم ؟ إنهم ليسوا بشيء، الخوف مسيطر عليهم. بريطانيا لم تركع لليهود وتلبي مطالبهم وتمنحهم وعد بالفور إلا بعدما رأتهم قد تغلبوا على خوفهم وانبعثت فيهم حركة صهيونية تدعوا للتمرد وتدععوا لفرض الأمر الواقع في فلسطين، تشكلت من هذه الحركة عصابات مسلحة طال قتلها الجنود البريطانيين أنفسهم داخل فلسطين لما كانت تحت الإحتلال البريطاني، كانت الحركة الصهيونية بقتلها هؤلاء الجنود تضغط على الحكومة البريطانية وتدفعها للتفاوض والتسريع بإقامة الكيان الصهيوني. صار واضحاً هنا لبريطانيا أنّ هذه أمة لن تبق جبانة وستظل تتمرد وتثور إلى أن تحصل على ما تريد، إنها تريد دولة لنفسها في فلسطين وستحقق هدفها مهما يكن فإن لم نجعل ذالك يتحقق على أيدينا نحن البريطانيين فسنخسر هؤلاء وسيتجهون إلى قوى أخرى كالسوفيت مثلاً وستضيع مصالحنا في فلسطين والشرق الأوسط ونخرج نحن من المعادلة، لهذا علينا أن نتنازل ونحافظ على مصالحنا ونغض الطرف عن من سقط من قتلانا من هذه العصابات، المصلحة فوق كل اعتبار، لهذا استجابت بريطانيا لليهود لهذا وعدتهم وعد بلفور. الشيعة ما كانوا كذلك لهذا خسروا العراق حيث جاءت بريطانيا برجل مخالف ليحكم الشيعة ويحكم العراق رجل ليس بعراقي أصلاً فيصل الأول الذي يسمونه نصبته ملكاً على العراق، الشيعة خسروا العراق وخسروا البحرين الكبرى وخسروا ساحل الخليج وخسروا لبنان وخسروا باكستان وخسروا وخسروا حتى خسروا مقدساتهم في البقيع وصاروا اليوم الأمة الوحيدة التي بقيت مقدساتها مهدومة وهي ساكتة.

من يَهِنْ يسهل الهوان عليه

ما هي المشكلة ؟ لماذا نحن هكذا ؟ إنه الخوف، إنها الإنهزامية التي نعاني منها، نحن بسبب رواسب من الماضي الكئيب حيث كنّا نتعرض إلى صنوف العذاب والاضطهاد من الحكومات الجائرة وأشياعها بدءاً من حكومة أبي بكر ابن أبي قحافة (لعنه الله)، نحن بسبب هذه الرواسب صار الخوف والجبن جزءاً من نفوسنا، نظن أننا ضعفاء والحال أننا أقوياء فيما نملك لكننا جبناء، ولأن المرء الجبان لايريد الاعتراف بأنه جبان أمام نفسه وأمام مجتمعه فإنه يغلّف جُبُنه بدثار ما، فيقول تارة التقيّة ويقول أخرى الوحدة الإسلامية. كما وعدت سابقاً إني ان شاء الله (تعالى) سأفصّل الكلام في هذين العنوانين ليُعرف متى تكون التقية وكيف تكون الوحدة الإسلامية، ما يهمني هنا هو أن أنبّه على حقيقة أن الذي لا يلتفت إلى ما يمتلك من قوة ويكون جباناً فإنه يذل ويداس عليه وعلى مقدساته، من يهن يسهل الهوان عليه. إنّ الخوف الذي في داخلنا إنما هو من شيء وهمي، نحن نتوهم أننا لو كنا أعلنا الجهاد يوم هدمت الأبنية المقدسة في البقيع، لكننا أفنينا إذ لا قبل لنا بابن سعود والوهابيين(لعنهم الله) ومن  يمكن أن يتحالف معهم من عموم المخالفين، نحن نتوهم اليوم أيضاً أننا إذا صعدنا لهجتنا وأعمالنا تجاه هذا النظام السعودي الظالم فإننا سنلقي بأنفسنا إلى التهلكة، هذه أوهام لا نصيب لها من الواقع، ألم ننتصر نحن على البريطانيين في ثورة العشرين ؟ ألم ننتصر على الصهاينة في جنوب لبنان ؟ بالله هل ابن سعود والوهابيين(لعنهم الله) الذين هم حمر مستنفرة أقوى من هؤلاء ؟ عجباً لا نتقي من الأقوى ونتقي من الأضعف.

لانخاف من الولايات المتّحدة لكننا نخاف من آل سعود!!!
أتعلمون لم ؟ لأننا بحمد الله ليست عندنا عقدة من الاستعمار، لم نتعرض إلى مجازر وحشية من الاستعمار بالمستوى وبالكم والكيف الذي تعرضنا له من قبل حكومات المخالفين على مدى أربعة عشر قرناً، لذلك عقدتنا هي من المخالفين وحكوماتهم أما الغربيون وحكوماتهم فلا عقدة عندنا منهم، مع أنهم الأقوى ومع أنهم المهيمنون على المخالفين، ترانا نناطح أكبر قوة على الأرض اليوم الولايات المتحدة الأمريكية وندفع في ذالك دمائنا دون أن يصرخ صارخ واحد منا قائلاً كفى التزموا بالتقية  لماذا ؟ لأنه لا عقدة هاهنا. أما إذا قيل للناس أعلنوا العصيان المدني تجاه نظام آل سعود(لعنهم الله) ولانقول الحرب المسلحة لأننا لا نؤمن بالعنف إذا ما قيل للناس أعلنوا العصيان المدني تجاه نظام آل سعود(لعنهم الله) فإننا الجماهير تضج قائلة : تقية.. تقية.. تقية.
إن الخوف والرعب هو الذي يجعل من هو أضعف منك يستولي عليك اقرأوا التاريخ، انظروا كيف استطاع المغول التغلب على المسلمين حتى وصولا إلى عاصمتهم بغداد، هل تظنون أنّ المغول كانوا أقوى في عدتهم وعتادهم ؟ كلا إذن كيف تغلبوا ؟ إنما الذي سهّل انتصارهم على المسلمين هو الرعب الذي كان يحمله اسم المغول، رعب ! مجرد اسم المغول كان يثير الرعب في نفوس الناس هذا شكّل لدى المسلمين عقدة تجاههم جعلتهم يجبنون عن مواجهتهم على نحو متكافئ وإلا لو واجهوهم على نحو متكافئ لما انتصر المغول لما اقتحموا هذه الديار كانت أنباء انتصارات المغول في الشرق ترد إلى المسلمين وتضاف لها بطبيعة الحال مبالغات كثيرة عن القوة الخيالية لهؤلاء، لذا حين وصلت جيوشهم إلى أطراف البلاد الإسلامية كان الجند والناس يهربون وهم يرتجفون.
ينقل لنا المؤرخ ابن الأثير الذي عاصر تلك الأحداث، ينقل لنا صورة مؤلمة وطريفة في الوقت ذاته عن مدى جبن المسلمين وانهزامهم أمام المغول الذين كانوا يضحكون من شدة خوف المسلمين منهم يقول ابن الأثير في تاريخه الكامل حين تحدث عن استيلاء المغول على مراغه في آذربيجان يقول :
"إن رجلاً من التتر(يعني المغول التاتار) إن رجلاً من التتر دخل درباً فيه مائة رجل (يعني مائة رجل من المسلمين) فمازال يقتلهم واحداً واحداً حتى أفناهم ولم يمدّ أحد يده إليه بسوء ووضعت الذلة على الناس فلايدفعون عن نفوسهم قليلاً ولاكثيراً (نعوذ بالله من الخذلان)".

يجب أن تتحلّى نفوسنا بالشجاعة المطلقة

هذا ما يقوله ابن الأثير أو ينقله في تاريخه الكامل، أرئيتم ما يصنع الخوف بصاحبه، يدخل رجل واحد فيقتل مائة رجل واحداً بعد واحد ولو أن ثلاثة منهم اجتمعوا عليه لقتلوه لكنه الخوف، الخوف الذي سيطر عليهم فأطار عقولهم وسلب مروتهم. هذا هو حالنا أيها الإخوة نحن إنما نخاف من الوهم لذلك تغلب علينا من ليس مثلنا، لذلك تغلب علينا من هو دوننا في القوة، وإنما ساعده على هذا التغلب عدم استمرارنا على منهج توهين الباطل، توهين الباطل هو الذي يزرع في نفوسنا ونفوس أبناءنا القوة والشجاعة التي تخولهم التمرد على هذا الباطل. نحن نحتاج إلى معالجة نفسية نحن مع الأسف كففنا أنفسنا عن توهين الباطل وتخاذلنا في المقابل عن الحق لأن الحق له مرارة ليس له حلاوة لهذا تشجع علينا من ليس مثلنا فصرنا أذلاء له، يقول مولانا أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) : {لو لم تتخاذلوا عن مر الحق ولم تهنوا عن توهين الباطل (أي لم تضعفوا عن توهين الباطل) لم يتشجع عليكم من ليس مثلكم ولم يقو من قوي عليكم هيهات هيهات لايدفع الضيم الذليل ولايُدرك الحق إلا بالجد والصبر} فليولِّ الخوف إذن إلى غير رجعة دعونا ننطلق بنفسية جديدة ملؤها الشجاعة لانهاب أحداً لا نهاب الموت اين هم شيعة علي (عليه وآله الصلاة و السلام) ؟ أين هم أؤلائك الذين يقول فيهم الإمام الحسن الزكي العسكري (صلوات الله و سلامه عليه) : {شيعة علي (عليه افضل الصلاة و السلام) هم الذين لا يبالون في سبيل الله أوقع الموت عليهم أو وقعوا على الموت}.

إني هاهنا لا أدعوا إلى حرب قتالية أو عنف أو ما شاكل من أساليب عبثية، إنما أدعوا بالأساس إلى أن تتحلى نفوسنا بالشجاعة المطلقة في الحق، وأن لانعطي عدونا أكبر من حجمه، بل حتى لو كان حجمه كبيراً كان الواجب علينا أن نستصغره كما استصغره قنبر عليه الرضوان استصغر طاغية كالحجاج كما نقلت لكم في الحلقة الماضية لعله، علينا أن نستصغره هذا هو الكفيل بتوطئة الطريق نحو الإنتصار وتحقيق السيادة والعزة اني أدعوا لهذه الشجاعة النفسية حتى نتمكن من الدخول في الحرب الحقيقة القائمة اليوم وهي الحرب الحضارية، هذه الحرب التي تتجلى في الفكر والثقافة والاقتصاد والاجتماع والسياسة والاعلام، نحن إذا انتصرنا في هذه الحرب الحضارية فإننا سنسترد مقدساتنا وحقوقنا بلا قطرة دم واحدة، لكن إن بقينا جبناء إن بقيت هذه العقدة فينا فلن ننتصر في أي ميدان وسينقلب حالنا والعياذ بالله من سيء إلى أسوء، دعونا إذن نتحرر من هذه النفسية المريضة لنكن جميعاً ان شاء الله شجعاناً في الحق هذا وصلى الله على سيدنا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين ولعنة الله على قتلتهم واعدائهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم اجمعين الى قيام يوم الدين .. آمين

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp