البحوث القرآنية (7) 

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp
البحوث القرآنية (7) 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

القول مني في جميع الاشياء قول آل محمد عليهم السلام فيما أسروا وما أعلنوا وفيما بلغني عنهم ومالم يبلغني، الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأزكى السلام على المبعوث رحمه للخلائق أجمعين سيدنا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين ولعنة الله على قتلتهم وأعدائهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم اجمعين من الآن الى قيام يوم الدين .. آمين

في المحاضرة الحلقة السابقة ..

كنا قد تحدثنا في الحلقه الماضيه عن وجه من وجوه اعجاز القرآن الحكيم ، ألا وهو اعجازه في ماتضمنه من احكام وتشريعات ، واعجازه في الانباء بالأمور الغيبيه التي تحققت بالدّقه على ماأنبأ عنه ، وهنا نعرض وجها آخر من وجوه أعجاز القرآن الحكيم يعد بلا خلاف هو الوجه الأبرز من تلك الوجوه ألا وهو اعجاز القرآن في الفصاحة والبلاغة والنظم والتركيب ..

اعجاز القرآن القرآن في الفصاحة والبلاغة والنظم والتركيب ..

هذا الوجه هو أبرز الوجوه الاعجازيه للقرآن الحكيم  ، لكن اعجاز القرآن نعيد وننبه لاينحصر بوجه ، أي أنّ الله (تبارك وتعالى) لايتحدى البشر بهذا القرآن فقط من جهة كونه فوق مستواهم في الفصاحه والبلاغه والنظم والتركيب ، وانما يتحداهم كذلك بما تضمنه هذا القرآن من وجوه اعجازيه اخرى ذكرنا بعضها ، وسنذكر بعضها الآخر إن شاء الله تعالى فيما يأتي .. ولكن يظهر هذا الوجه كالوجه الأبرز من تلك الوجوه ، وهو الوجه الذي جذب اليه أفئدة وعقول العرب ، وجعلهم يأسرون انفسهم . لما جاء في هذا القرآن الحكيم من روعة الالفاظ ، وفخامتها ، وأناقتها ، وروعة الاسلوب ، والنظم ، والتركيب ، والسبك في لغة القرآن الحكيم .

إذا الوجه الأبرز من وجوه اعجاز القرآن والذي أسر القلوب الى يومنا هذا ، قلب كل من تذوق اللغه العربيه هذا الوجه الأبرز هو اعجاز القرآن في الفصاحه ، والبلاغه ، والنظم ، وتركيب الكلمات ، والعبارات ، والجمل .

مالمراد بالفصاحة وما المراد بالبلاغة ؟

قبل أن ندخل في بيان فصاحة وبلاغة القرآن الحكيم ، لابد لنا من أن نحدد مالمراد بالفصاحه ، وما المراد بالبلاغه ؟ لأن كثير من الناس حتى بعض الادباء منهم وبعض البلغاء منهم يخلطون بين الامرين ، بين الفصاحه والبلاغه . ولا يعرف عموم الناس الفرق بينهما . دققو جيدا الفصاحه أصلها من أفصح اللبن ، وقولنا أفصح اللبن معناه أنه قد ازيلت عنه الرغوه التي تطفو على سطحه ، فلما تُزال تلك الرغوه ويصفو اللبن يقال قد أفصح اللبن ، أو قد أُفصح ، اي كان هنالك عنصر دخيل في افصاحه .

فإذا الفصاحه اصلها من افصح اللبن ، إذا ازيلت عنه الرغوه ، فعلى هذا تكون فصاحة الكلام بمعنى خلوه أو خلوصه من التعقيد في الألفاظ وتنافر الحروف والكلمات وما الى ذلك . فتكون الألفاظ المستخدمه ، الكلمات المستخدمه و طريقة ربط الكلمة بالأخرى بالكلمه الواحده حروفها ، لا تكون متنافره الكلمات ، لاتكون متنافره تمجها الاسماع ، تظهر وحشية على الأسماع ، وإنما هكذا هي تكون كصفاء اللبن حين يخلص من الرغوه ، فيسمى لبنا فصيحا . فكذلك الكلام الفصيح من الكلام ، وذلك الكلام الخالص الذي ليس فيه تعقيد وليس فيما بين حروفه وكلماته تنافر ، وبعبارة يمكن لنا أن نسمي الفصاحه أو نعرفها بكلمتين : هما أناقة اللفظ ، أنّ اللفظ المستخدم يكون أنيقا ، هذا يقال له كلام فصيح . فيه أناقه بما يبعد عنه التنافر والتعقيد ، هذه هي الفصاحه .

وأما البلاغه فأصلها من بلوغ المكان والمقصد والهدف ، ومن هنا حين يُقال هذا كلام بليغ ، فالمعنى أنّ الكلام هذا قد بلغ صاحبه به المعنى الذي يريده ، ولكن بشرط أن يكون ذلك المعنى الذي يريده ينطوي على مضامين عاليه وعميقة . فإذا البلاغه في الكلام هي بلوغ الكلام في لفظه ، وفي تركيبه للمعنى المراد ، على أن يكون ذلك المعنى المراد يلائم مقتضى الحال ، وينطوي على مضامين عاليه وعميقه . حين نقول يكون ذلك المعنى المراد ملائما لمقتضى الحال . نمثل هاهنا بمثال ، وهو أنك إذا اردت أن تتحدث بلسان الفرح او بلسان البشرى ، فإنك عليك أن تستخدم الفاظا وتركيبا معينا ، تسبك به الكلمات وتربط فيما بينها ربطا يوصلك الى مرادك الى هذا المعنى ، ويجعل هذا المعنى مستقر في نفس ماتخاطبه فتحصل عنده حالة البشرى . هذا يسمى مقتضى الحال .

الحال أنك في موقف التبشير بالبشرى ، فتستخدم الفاظا ، وتركب هذه الالفاظ تركيبا معينا ، وتنظمها نظما معينا يؤدي الى استقرار هذا المعنى في نفس ذلك الانسان ، ويسرح بخياله في ذلك المعنى من جهة كونه عاليا وعميقا . كذلك حين تكون مثلا في حال الزجر ، تريد أن تزجر شخصا ، تنهاه عن عمل معين ، ترده عن عمل معين ، هذا ايضا يقتضي منك هذه الحال الفاظا اخرى ، وتركيب آخر ، ونظم آخر ، واسلوب آخر . كأن تقرر مثلا التحذير مرتين او ثلاث في نفس العباره او في نفس الجمله ، فإذا فعلت ذلك اي كان كلامك متلائما مع مقتضى الحال ، وكانت الالفاظ التي تستخدمها وطريقة النظم والتركيب ، اسلوب النظم والتركيب ، كان مبلغا بكلامك للمعنى ، أي يبلغ الكلام المعنى ينطبق عليه ، قلنا لأن أصل البلاغه من بلوغ المكان ، تستخدم الفاظ توصل المخاطب الى ذلك المعنى .

فإذا كان كلامك هكذا فيه هذه الميزه ، وكان انذلك المعنى منطويا على مضمون عال ، ومضمون عميق يسرح فيه فكر ذلك المخاطب ، ويستقر في نفسه ، ويهزه هزا عميقا ، حين ذاك يقال لكلامك هذا كلام بليغ . وبعبارة يمكن أن نعبر عن البلاغه بكلمتين : هما عمق المعنى ، وهذا يقتضى منك نضما وتركيا واستخدام الفاظ معينة لتحقق هذا العمق في المعنى الذي يلائم مقتضى الحال .

فإذا الفصاحه على ماعرفنا أناقة اللفظ ، البلاغه على ماعرفنا عمق المعنى . كثير من الناس يخلطون بين الامرين ، وللعلم إنّ الجمع بين الامرين ليس بالسهل ، يعني قد تجد انت كلاما فصيحا لكنه لايكون بليغا ، وقد تجد كلاما بليغا لكنه لايكون فصيحا ، لذا إنّ من اصعب الامور في نظم العبارات أو نظم الاشعار أو الكلام بشكل عام ، هو أن يجمع بين هاتين الخصلتين ، بين أن يكون فصيحا ، وأن يكون كذلك بليغا فيه فصاحه وفيه بلاغه . هنا يُمتحن الشعراء والخطباء والأدباء ومن شاكل ، القرآن الحكيم تفوّق في هاتين الميزتين او الخصلتين .

فهو كلام لا أرقى منه في الفصاحه ، لا ارقى منه في أناقة اللفظ ، وهو كلام لا أرقى منه في البلاغه ، لا أرقى منه في عمق المعاني ، هو كلام لاتجد بين الحروف حروف الآية الواحده ، و كلماتها لا تجد تنافرا ، لاتجد تعقيدا ، وإنما تجري معك جريان سهلا يسيرا . فهو كلام فصيح ، وفي نفس الوقت تجد أنّ كل كلمة بل أحيانا بعض الحروف تنطوي على معاني عميقة وساميه وعاليه تلائم مقتضى الحال ، ويكون نظمها وتركيبها بحيثيه او بكيفيه تجعل المعنى يهزك هزا ويستقر في وجدانك . فتستشعره فضلا عن أن تستوعبه ، كأنك انت تغرق في المعنى يحيط بك من كل جانب . كأنه يترائى امامك فهو كلام ايضا من هذه الجهه بليغ عميق .

الإعجاز البلاغي هو الوجة الابرز في الاعجاز القرآني وقد أكّده المعصومون صلوات الله وسلامه عليهم ...

المعنى هذا هو الوجه الأبرز من وجوه القرآن الحكيم وقد أكده المعصومون (صلوات الله وسلامه عليهم) ، يعني نحن نجد في أحاديث المعصومين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)  أنهم يؤكدون على هاتين الميزتين في القرآن الحكيم : أناقت اللفظ ، وعمق المعنى .

ظاهرة أنيق وباطنة عميق ..

وهاتان الخصلتان الفصاحه والبلاغه هما من أبرز مايميز القرآن الحكيم ، بل هو الوجه الأبرز في اعجازه بهما تحدى الله (عز وجل) خلقه بأن يأتو بمثل هذا الكلام في فصاحته وبلاغته ، نحن نقرأ مثلا هذه الروايه الشريفه في الكافي الشريف وفي تفسير العياشي عن امامنا جعفر الصادق (صلى الله عليه وآله وسلم) عن آبائه (عليهم افضل الصلاة والسلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والحديث طويل اقتطع منه موضع الشاهد ، { كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصف القرآن الحكيم ويوصى الأمه بالعمل به والالتجاء به حينما تهجم عليهم الفتن فيقول هو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل وهو الفصل ليس بالهزل وله ظهر وبطن فظاهره حكم وباطنه علم ، ظاهره أنيق وباطنه عميق }، هنا لكأنّ النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) يشير الى ماقررناه من الفصاحه والبلاغه الفائقتين في القرآن الحكيم ، لقد عرّفنا الفصاحه بأنها أناقت اللفظ وعرفنا البلاغه بأنها عمق المعنى ، ونجد النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) يصف كتاب الله بأن ظاهره أنيق ، فهذا الظاهر الذي تقرأه ظاهر هذا النظم ، ظاهر هذا التركيب والاسلوب انيق فصيح ، وباطنه وحين تحمل هنا الباطن على العباره التي سبقت في الحديث الشريف ، وباطنه علم ، ظاهره حكم وباطنه علم .

فإذا هذا العلم هو من جهة المعنى الذي يختزنه القرآن الكريم ، فإذا الباطن معنى والمعنى هو محط البلاغه . البلاغه انما تريد أن تحط على ذلك المعنى ، أن تبلغ بك الى ذلك المعنى ، ولذلك قلنا إنّ البلاغه هي ماتستخدمه من الفاظ وتركيب ونظم واسلوب يلائم مقتضي الحال ، ويوصل المخاطب الى المعنى ، على أن يكون ذلك المعنى عميقا وعالي المظمون . فباطنه يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عميق ، فهنا يشير النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) الى بلاغة القرآن الحكيم ، عمق البلاغه فيه ، ظاهره انيق وباطنه عميق .

ظاهره انيق ، فصاحته انيقه لا اعلى منها ، وباطنه عميق بلاغته لا أعمق منها . هذا التعبير من النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) نجده يتكرر على لسان اكثر من معصوم (صلوات الله وسلامه عليهم) ، فمثلا نجد في نهج البلاغه سيد البلغاء يتحدث عن كتاب الله (سبحانه وتعالى) فيقول : { إنّ القرآن ظاهره انيق وباطنه عميق } ، يستخدم علي امير المؤمنين (صلى الله عليه وآله وسلم) نفس العباره التي استخدمها استاذه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، يقول : { إنّ القرآن ظاهره انيق وباطنه عميق لا تفنى عجائبه [لاتتبدد عجائبه] ولا تنقضي غرائبه [كل يوم تكتشف امرا غريبا عجيبا جديدا في القرآن الحكيم ، ولازال الامر مستمر الى يومنا هذا وسيستمر] ولاتكشف الظلمات الا به } .

فهذا كلام علي امير المؤمنين (صلى الله عليه وآله وسلم)،ثم نجد نفس العباره في وصف القرآن الحكيم تتكرر على لسان سيد الشهداء الحسين ابن علي (صلى الله عليه وآله وسلم) فنقرأ كما  اخرجه شيخنا العلامه المجلسي في البحار عن جامع الاخبار للسبزواري : إنّ الحسين (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : { القرآن ظاهره انيق وباطنه عميق } ، إذا لكأنّ هذه العباره المعصوميه القرآن " ظاهره انيق وباطنه عميق " تشير الى هاتين الجهتين في القرآن الحكيم ، إنّ ظاهره انيق فهو الاعلى في الفصاحه ولا يتمكن احد أن يصل الى ذلك العلو ، وباطنه عميق فهو الاعمق في البلاغه فلايتمكن احد أن يصل الى ذلك العمق في بلاغته . وهذا ظاهر في القرآن الحكيم وواضح إنّ احدا لم يستطع أن يعارضه او يتفوق عليه او حتى يجاريه في فصاحته وبلاغته .

وهذه هي المعجزة الابرز في المعجزه الكبرى في القرآن الحكيم هذه هي المعجزه الاكبر من وجوه اعجاز القرآن الحكيم ، فإن العرب كما بينا كانوا اهل الفصاحه والبلاغه وبلغوا بهما مبلغا عظيما . الى اليوم لاتستطيع امه أن تجاري شاعرية العرب وفصاحتهم وبلاغتهم . على تعدد اللغات الاخرى لا تجدوا بالستطاعة تلك اللغات وأهلها أن يحطّو على المعاني ويعمقوها ويفخمو الالفاظ ويجعلونها انيقه كما صنع العرب في كلماتهم وخطبهم وأشعارهم .

هذا امر معروف انه سمة وعلامه فارقه للعرب وللغتهم ولأدبهم " القرآن ظاهره انيق وباطنه عميق "، لم يكن بمقدور احد من العرب حتى أشعر شعرائهم وأبلغ بلغائهم وافصح فصحائهم أن يجاريه ، أن يأتي ولو بسوره واحده او حديث من مثله ، وهذا الامر الواضح في القرآن الحكيم نعجب نحن ممن لم يجعله الوجه الاعجازي الابرز في القرآن الحكيم ، لأن قوما قالوا بأن المعجزه في القرآن ، اي وجه الاعجاز القرآني لم يكن هو عدم تمكن واستطاعة أو مقدورية البشر على الاتيان بمثله في فصاحته وبلاغته ، وانما وجه الاعجاز هو أنه الله (تبارك وتعالى) قد صرف البشر عن أن يتمكنو من أن يأتو بمثل هذا القرآن ، وإلا فإن اتيانهم بمثل هذا القرآن كان امرا مقدورا عليه من قبلهم .

القول بالصرفة ؟

هذا امر قد يكون عجيبا لكن هناك جمهره قالوا به ، قالوا بما يسمى الصرفه مامعنى الصرفه يقولون أنّ هذا القرآن في واقع الحال لاشك انه فصيح وبليغ ، لكن ليس لحد أنّ احدا لايتمكن أن يأتي بمثله . انهم يتمكنون أن يأتو بمثله لأن مادة هذا القرآن يتكون من حروف وكلمات الفاظ واسلوب نظم معين ، ونحن نجد في كلمات العرب مايمكن أن يجاري هذا الاسلوب او يضاهي تلك الكلمات او يضاهي ذلك النظم .

فإذا الماده متوفره ولكن مع ذلك لم ينشأ مايشابه القرآن أو لم ينشأ مايشابه القرآن ، لم ينظم ، لم يتركب مايشابه القرآن فلا يكون السبب وراء ذلك إلا أنّ الله (سبحانه وتعالى) قد صرفهم عن ذلك بقوه اعجازيه ، فكانوا يستمعون القرآن ولا يستطيعون أو لايطيقون معارضته أو الاتيان بمثيله من الكلام . هذا قول قال به جمهره من الخاصه والعامه أقدم من نسب اليه القول بالصرفه ، وإن الصرفه هي الاعجاز هو النظام المعتزلي وتبعه عليه جماعه من المعتزله للقرن الثالث او القرنين الثالث والرابع ، وشاع ذلك المذهب هناك مذهب الصرفه ، إنّ الله (سبحانة وتعالى) صرف الشعراء والبلغاء عن أن يتمكنو من معارضه القرآن ، ونجد كذلك مع الاسف إنّ جماعه من علمائنا واعلامنا قد قالوا ايضا بالصرفه منهم على ماهو مشهور السيد المرتضى علم الهدى رضوان الله عليه ، الّف رساله واضحه وسماها الموضحه عن جهة اعجاز القرآن . وقال في تلك الرساله بالصرفه .

وكذا ايضا نسب هذا القول لشيخنا المفيد في احد قوليه ، لأن القول الآخر أكد فيه المفيد على أنّ وجه الاعجاز هو النظم والبلاغه والفصاحه ، وأنّ العرب والامم لن تستطع أن تأتي بمثل هذا القرآن لعجزهم عن بلوغ هذه السماء القرآنيه في الفصاحه والبلاغه ، اي بمعنى القرآن هو القمه في الفصاحه والبلاغه بحيث كان خارج عن حدودهما اصلا عن حدود أن يتمكن البشر أن يأتي بمثله .

لكن نجد ايضا في قول آخر للشيخ المفيد عليه الرحمه والرضوان انه كان يقول بالصرفه ولانعرف اي القولين متأخر الى الآخر ، وايهما عدل اليهما المفيد ، لكن بالنسبه الى تلميذه المرتضى علمنا انه كان يقول بالصرف قولا واحد ، أما الشيخ شيخ الطائفه الطوسي رضوان الله عليه كان له قولان القول الأول الصرفه ثم عدل عنه في كتاب الاقتصاد ، فقال إنّ وجه الاعجاز الابرز في القرآن الحكيم كان تفوقه في البلاغه والفصاحه ، بما لايتمكن احد من البشر بأن يأتي بمثله . جمهره ايضا من علمائنا وعلماء اهل الخلاف قالوا بالصرفه منهم ايضا من علمائنا الشيخ ابي الصلاح الحلبي رضوان الله تعالى عليه ومن علماء اهل الخلاف البارزين في القول بالصرفه ابن حزم مثلا .

بطلان الصرفة ..

على اي حال هذا القول بالصرفه مردود يرده اكثر من دليل . ونحن هنا نقتصر على ثلاثة ادله أو ردود ترد هذا القول . الرد الأول : انه لو كانت الصرفه هي وجه الاعجاز حقا في القرآن ، اي انه كانوا العرب قادرين على أن يأتو بمثل هذا القرآن لكنهم عجزوا لأمر خارج عن الطبيعه ، يعني وجدوا من أنفسهم أنهم عجازون لسبب لايعرفونه ، فمثلا الشاعر الكذائي او الفصيح الكذائي منهم او البليغ الكذائي منهم كان حين يسمع القرآن يستطيع أن يأتي بمثل هذا الكلام ، لكنه لايستطيع أن ينظمه بنحو ما يجد قوه صارفه غيبيه اعجازيه ، طارء طرء عليهم ، وجدوا من انفسهم عدم الاقتدار على مقاومه القرآن او معارضته لهذا الطارء الذي طرأ عليهم ، لو كان الامر هكذا حقا لأثر عنهم ذلك ؟

لوجدنا منهم في التاريخ آثار يعبرون منها عن هذه الحاله ، أنّا اردنا أن نعارض القرآن لكن صرفنا صارف ، قوه ما اعجزتنا عن ذلك ، وهذه القوه لم تكن قوه القرآن في فصاحته وبلاغته وانما شيء خارجي ، شيء صارف طرأ علينا ، منعنا انعقدت السنتنا ، لم نتمكن تيبست اصابعنا مثلا ، ما استطعنا أن نعارض القرآن .

لو كان الامر هكذا لأثر عنهم ، ولو في أثر واحد . في حين أنّا نفتش في كتب السير والتواريخ والآثار والاخبار ، لانجد حتى خبرا واحد ولااثر واحد ينبؤنا عن هذه الحاله عنهم ، لانجدهم هكذا يصرحون . انما يصرحون بشيء واحد إن هذا القرآن قد عجزوا عن مقابلته ومعارضته لخروج الاتيان عن مقدورهم ، لأنه اي القرآن اعلى مما تبلغه قرائحهم واذهانهم . هذا نعم يعبرون عنه ويعترفون به ، اي يعترفون بقصورهم عن مجاراتهم القرآن لأنه اعلى من مستوى كلامه ، اعلى من مستوى كلام البشر . لا أنهم يقولون هذا الكلام نعرفه وهو في مستوانا لكنا لانعلم ، ماهذا الطارء الذي طرأ علينا بحيث يمنعنا من ان نتقدم لمعارضة القرآن ، لمقابلة القرآن والاتيان بحديث من مثله . فإذا هذا دليل يرد القول بالصرفه .

*الدليل الثاني : أنه قد يقال بأنه لوكان الامر هكذا ، لو كان وجه الاعجاز هو الصرفه لأثر ايضا ذلك في القرآن الحكيم او في كلمات المعصومين (صلوات الله وسلامه عليهم) ايضا ؟

نحن لانجد شيئا من هذا القبيل والآيات التي يتحدى بها الله (عز وجل) انه لو اجتمعت الجن و الانس على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لايتمكنون ابدا . هذه الآيات التي في هذا المعنى لاتدلنا على أنّ صارف قد صرفهم ، على أنّ الله (عز وجل) يصرفهم عنه ، ابدا .. وانما اصلا لسان هذه الآيات كما هو واضح هو لسان أنّ هذا القرآن في بلاغته وفصاحته لايمكن لأحد أن يبلغ مداه واسلوبه وتركيبه ، ولذلك حتى لو احتشد الجن والانس في أن يأتو بمثل هذا القرآن لايتمكنون ، لايستطيعون ، هذا امر واضح ايضا ..

قد تقول هنا بأن العرب ماشعروا من انفسهم بأنهم مصروفون عن معارضة القرآن ومقابلته ، القائل بالصرفه يقول أنّ العرب صرفوا بلغائهم وشعرائهم وخطبائهم ، صرفوا عن مجارات القرآن او معارضته او مقابلته ، وأنتم تقولون ايها المعترضون على الصرفه انه لوكان ذلك حقا لؤثر عنهم ذلك ، فنحن نجيبك انهم ماشعروا من انفسهم انهم مصروفون فلذلك لم يؤثر عنهم . هذا لايبطل القول بالصرفه ولكن هذا التأويل او هذا التوجيه مردود عليه ايضا ..
كيف؟

انهم إذا ماشعروا من انفسهم أنهم مصروفون لطارء طرأ عليهم عن معارضة القرآن فلازم ذلك أنهم لايشعرون بهذا القرآن أنّ له مزيّه على كلامهم .   إذا كانوا لايشعرون بأنهم مصروفون عن مقابلة القرآن ومعارضته ، فلازم ذلك انهم لايستشعرون أنّ للقرآن مزيه على كلامهم ، لايرون أن القرآن له مزيه ، فكان إذا ينبغي أن يُعرف عنهم انهم يقولون للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا الذي انت جئت به من القرآن كلام لايقصر عن كلامنا  ، لكننا لانستطيع مثلا أن نأتي بمثله او حتى لو حذفنا العباره الثانيه يكفي أن نجد فقط لإثبات عدم استشعارهم انهم يقولون للنبي قرآنك ليس بشيء هو لايقصر عن كلامنا ، كلامنا ليس بأقل من قرآنك في فصاحته وبلاغته ونظمه ! فإذا حيث انهم كانوا يستشعرون للقرآن مزيه على كلامهم فلازم ذلك ايضا بالعكس انهم إذا ماصرفوا لصارف ما لطارء ما عن معارضته يشعرون ايضا من انفسهم ذلك ايضا وحيث يبطل الاول يبطل الثاني دققتم ؟

اصحاب الصرفه يقولون انه هؤلاء مااستطاعوا أن يعارضو القرآن لأنهم صُرفوا عن ذلك لا أنّ ذلك كان في غير مقدورهم ، كان في مقدورهم لكن الله (سبحانه وتعالى) صرفهم عن ذلك ، وهذا وجه الاعجاز في القرآن ، وسيستمر الله (سبحانه وتعالى) في صرف الناس عن معارضة القرآن ، فأمر خارجي عن نفس القرآن وإلاالقرآن نفسه في مادته وتركيبه هو مقدور ، يستطيع الانسان أن يأتي بمثله .

نقول لهم لم يؤثر عنهم شيئا من هذا القبيل ، لم يؤثر عن الذين تحدوا القرآن او تحداهم القرآن وعجزوا بالفعل عن الاتيان بمثله ، لم يؤثر عنهم أنهم قالوا مثلا كنا نتمكن أن نعارض القرآن ، واردنا لكن لاندري ماالذي حصل فينا ، فيرد علينا اصحاب الصرفه بأنهم ماشعروا بأنفسهم انهم مصروفون ممنوعون ، شيئا ما يلجمهم فنقول إذا ماشعروا بذلك ، فلازمه أن لايشعروا أنّ القرآن نفسهم لايرون فيه كلاما له مزيه على كلامهم ، وكان ينبغي أن يؤثر عنهم مثلا لما يحاججهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرآن وأنه هاتوا بكلام مثل الذي ينزل علي ، أن يقولو له مثلا كلامنا لايقصر عن كلامك ونحن قادرون ، وحيث لم نجد انه يؤثر عنهم شيئا من هذا القبيل ، فإذا معنى ذلك بطلان القول بالصرفه مضافا الى هذا انه وهذه مسأله ايضا دقيقه إذا قلنا أنّ القرآن ماكان كلامهم او قدرتهم الكلاميه قاصره عن الاتيان بمثله ، إذا لايكون القرآن مورد الحجه عليهم ، لماذا ؟

من ادلة بطلان الصرفة ، انه لو كانت فلا تكون حجة على الكفار ..

لأنهم لا يشعرون حين ذاك بأن للقرآن مزيه فيفقدوا مزيته ، وإذا فقد مزيته في لفت انظارهم ولفت اسماعهم وافئدتهم وقلوبهم الى مافيه ، فإذا يبطل الاحتجاج عليهم ، تبطل حجه الله وهي قرآنه هذا عليهم ، لأنه ليس فيه مزيه حتى تلفت انظارهم وتسترعي انتباههم ، ليس فيه مزيه ، كلام عادي ! كان في مقدورهم فيه شيء من الفصاحه والبلاغه لكنه ليس بأعلى مما تناله يد قدرتهم ، مما تناله السنتهم .  السنتهم تنال ذلك ، نعم صرفهم صرف خارجي هذا موضوع آخر المهم هنا انا لو قلنا بالصرفه لكان ينبغي أن نقول بأنّ القرآن لايستشعرون فيه مزيه ، وانما نجد أنّ القرآن قد لفت انظارهم واسترعى انتباههم وجعلهم مشدوددين مندهشين ، وخاطبهم النبي (صل الله عليه وآله وسلم) بهذهالحجه ، بالحجه القرآنيه ، فإذا حتى لانبطل حجية القرآن ، لازم ذلك أن نقول انه كان لافتا لأنظارهم ، اي يشعرون انه له مزيه بلاغيه لغويه في النظم والترتيب . وإذا ثبتنا ذلك فلازمه ايضا أن نقول انهم إذا ما أرادوا معارضتهم وقد ارادوا حتما كما تنبؤنا السيره ، وكما اصلا هو تحصيل الحاصل لأن القرآن انما جاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه المعجزه ، عرض عليهم هذه المعجزه وقال تفضلو لنرى من منكم يأتي بهذه المعجزه او يعارضها أو يأتي بمثلها .

فهم إذا حاولوا لكنهم ما استطاعوا ، وعدم استطاعتهم لاترجع الى الصرفه لأنهم يستشعرون مزيه في هذا القرآن وهو مورد الحجه عليهم ، هذا هو الرد الثاني .

الرد الثالث على القول بالصرفة الباطلة ..

الرد الثالث على من قال بالصرفه أنا نجد في الآثار الشريفه أنّ الاحاديث الشريفه عن أئمة الوحي (صلوات الله وسلامه عليهم) وعن المحدثين والثقاة ورواة الاخبار ومن اشبه ، نجد أنّ القرآن يلمع من جهة كونه قد جذب اليه كل الانظار والاسماع انجذابا عجيبا ، فكأن الناس ينقادون الى القرآن انقياد عجيبا ، يستدرجهم القرآن . هكذا له جاذبيه عجيبه ، هذه الحياة الجاذبيه ماسرها ؟ سرها فخامة الالفاظ وعمق المعاني وإلا إذا لم يكن لفظه فخما و معناه عميقا بحيث جعل الآخرين ينجذبون له ويشهدون ويقرّون حتى من اعداء الاسلام أنّ هذا الكلام فوق كلام البشر .

لو لم يكن انه هكذا لما كان القرآن معجزا من جهة فصاحته وبلاغته ، لكنه حيث وجدنا انهم كانوا ينجذبون انجذاب عجيبا ، وكأنّ قوه مغناطيسيه تجذبهم للقرآن ولاتتركهم يفلتون ، وأنهم كانوا يشهدون مع كونهم في المعسكر المعادي للقرآن الحكيم ، يشهدون بأن هذا القرآن فوق مستوى كلام البشر فإذا معنى ذلك أنّ الوجه الاعجازي الأبرز في القرآن الحكيم كان هو نفس القرآن في بلاغته وفصاحته لا الصرفه .. لا انه كان كلاما في فصاحته وبلاغته ضمن حدود مقدورية البشر في فصاحتهم وبلاغتهم ، فيستطيعون أن يأتو بمثله ولكن صارف صرفهم ، ليس الامر كذلك تفصيل ذلك والتدليل عليه من واقع الآثار والاخبار نرجئه إن شاء الله في الحلقه المقابله وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على قتلتهم وأعدائهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم اجمعين الى قيام يوم الدين ..آمين

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp