لا لليأس.. لا للتحير.. نعم للمشكلات! 

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp
لا لليأس.. لا للتحير.. نعم للمشكلات! 

في العمل الإسلامي الإمامي نلاحظ أن ثمة اتجاهين متوازيين؛ أحدهما تقليدي يسير وفق أنماط معهودة لا يُرجى منها سوى المحافظة على الجو الديني العام، والآخر تقدمي يتحرك بآليات متجددة عصرية يُرام منها تغيير الواقع السائد وتحقيق قفزة عظمى تؤدي إلى إنهاض الأمة الشيعية لتستلم موقع الريادة والطليعة العالمية، فيكون ذلك مقدّمة لظهور سيدنا ومولانا ولي العصر صلوات الله وسلامه عليه.

وفي رؤية سريعة نجد أن الاتجاه الأول التقليدي يغلب على الاتجاه الثاني التقدمي رغم أن العقل يحكم بأولوية الالتزام بهذا الأخير - مع إبقاء حيز للأول - خاصة في مثل هذه الظروف الآنية، إذ تفتحت آفاق العمل في عالم سقطت فيه معظم الحواجز التي كانت تقف أمام المد العقائدي والفكري والثقافي.

إن غاية ما يستطيع الاتجاه التقليدي تقديمه يكمن في إقامة مجلس عزاء أو ترتيب سفرة إطعام أو تنظيم صلاة جماعة أو ختمة قرآن ودعاء، وأقصى ما يفكّر فيه هو إنشاء مسجد أو حسينية أو دار للأيتام أو مدرسة. وهذه كلها أمور مطلوبة ومهمة، ولكنها الآن ليست في مرتبة الأولوية، فهذه الأنشطة وهذه المؤسسات تزخر بها مجتمعاتنا في كل مكان، وإن كان من الضروري زيادتها بلا شك. بيد أن ما هو أكثر إلحاحا وطلبا وأهمية، هو ما يفكر فيه الاتجاه التقدّمي وما يسعى إليه، كتأسيس محطات فضائية وإذاعية عالمية، وإقامة مؤسسات تثقيفية كبرى تسيّر رحلات إلى مختلف الأصقاع لنشر التشيع، وطباعة ملايين الكتب والصحف والمجلات في هذا المضمار، وتشكيل أنظمة لمخاطبة البشرية بأسرها، عبر الإنترنت وتقنيات الاتصال والإعلام السينمائي وما إلى ذلك، ثم إنشاء وحدات اجتماعية تكون مهمتها تنظيم وجمع الطاقات الإمامية وصبها في المشروع النهضوي العملاق.

وبعبارة مختصرة؛ فإن الاتجاه التقليدي يضيف إلى رصيدنا الكم لا النوع، بينما يحرص الاتجاه التقدّمي على سد النقص وملء الفراغ مع الاهتمام بالنقلة النوعية في مختلف الأدوات والوسائل الدينية. وليس القصد من هذا التصنيف إنكار ما يستخدمه الاتجاه التقليدي من أدوات وبرمجيات، فهذه الأدوات جزء مما أوصى به الشارع المقدّس، وإنما القصد أن من اللازم علينا أن نكون أكثر وعيا في مسألة ترتيب الأولويات، وتقديم الأهم على المهم، والأولى على ما هو دونه. فضلا عن أن المطلوب هو الارتقاء بأسلوب إدارة واستثمار هذه الأدوات التبليغية، لتتحقق الاستفادة المثلى منها. فالمنبر الحسيني - على سبيل المثال - أداة إعلامية عظيمة، تارة نجعلها تقليدية بتصعيد خطيب غير مجِدٍ فيقع في التكرار ويسهب في ما هو معلوم ومعروف فيخرج الحاضرون كما جاءوا، وتارة نجعلها تقدّمية بتصعيد خطيب مجيد ومجدد ينير العقول ويحمّس الأفراد ويشجع الحاضرين على الإسهام في صنع المستقبل العظيم المنشود. وهذا هو ما يؤرق العاملين في صفوف الاتجاه التقدّمي.

ونعود ثانية لنطرح هذا التساؤل فنقول: ما سبب غلبة الاتجاه التقليدي على العمل الإسلامي الإمامي؟ ولماذا ينحصر الاتجاه التقدّمي في مرجعية واحدة وبضع مؤسسات وعدد محدود من العاملين؟

جواب ذلك يكمن في سببين: الأول؛ غياب ثقافة العمل الإسلامي النهضوي عن بقية المرجعيات والمؤسسات والعاملين، وهو ما أدى إلى الوقوع في مسار الرتابة والمرواحة في المكان نفسه. الثاني؛ عدم اتضاح الرؤية وانعدام الإعداد المسبق لأولئك الذين يفترض بهم أن يسيروا في طريق الاتجاه التقدّمي التغييري، وهو ما نتج عنه انسحاب أعداد هائلة منهم بمجرد حدوث أية مواجهة أو وقوع أي فشل، ما أدى في نهاية المطاف إلى تناقص دائرة هذا الاتجاه التطويري.

ولعل أبرز عوامل ذلك النتاج الذي يؤخر من فعالية الاتجاه التقدّمي ويوقعه في التقهقر والخسارة؛ هي ثلاثة عوامل: الأول؛ تفشي حالة اليأس والقنوط والإحباط في العاملين ضمن صفوف هذا الاتجاه، عندما يرون أن المجتمعات لا تستجيب لهم كما تستجيب للعاملين في الجماعات التقليدية، وذلك راجع للثقافة السائدة التي تجعل من صاحب المال - مثلا - يستجيب لمشروع بناء مسجد في مشهد - رغم أنها مكتظة بالمساجد - بينما هو يرفض الإسهام في تمويل قناة فضائية عالمية لعدم إحساسه بأهمية المشروع. وعلى هذه فقس مقدار الاستجابة التي يحصل عليها التقدّميون من المجتمعات، والتي هي متدنية في نسبتها وبطيئة في حركتها إلى درجة تخلق حالة من الشعور بالفشل المتكرر المؤدي إلى اليأس والإحباط.

العامل الثاني؛ ملازمة صفة التحير والتردد للعاملين في الاتجاه التقدّمي، فهم عندما يخططون لاستراتيجياتهم يقفون في كثير من الموارد حيارى تجاه الخطوة الصحيحة التي يجب خطوها تنفيذيا، خاصة في ظل تكرر الفشل. الأمر الذي يعرقل مسيرهم إلى الأمام.

العامل الثالث؛ هروب هؤلاء من المشكلات والتحديات التي يواجهونها، والتي تعد سمة أساسية للاتجاه التقدّمي، فهم لا يكادون يخرجون من مشكلة إلا ويقعون في أخرى، في شتى الأبعاد ومختلف الميادين. وأمام واقع كهذا ونتيجة للضغط العصبي والنفسي الذي تخلقه هذه الأزمات، يهرب التقدّميون إلى الصفوف الخلفية مفضلين العودة لممارسة العمل التقليدي.

هذه العوامل الثلاثة يجب معالجتها عاجلا لكي يتمكن الاتجاه التقدّمي من مواصلة دربه. فاليأس لا يجب أن يتفشى والله سبحانه يقول: "إنه لا ييأس من رَوْح الله إلا القوم الكافرون". والذي واجهه الأنبياء والأوصياء مع مجتمعاتهم البليدة لا يمكن أن يقاس بما يواجهه الناشطون التقدّميون اليوم، فنوح - عليه السلام - لوحده لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ولم يؤمنوا به! وهكذا فالأمثلة تتعدد. والمهم هو الإصرار والمثابرة، فإذا لم يتحقق هدف توعية المجتمعات وتنشيطها اليوم فإنه سيتحقق غدا، وإذا لم يتحقق في هذه السنة فسيتحقق في القابلة، وإذا لم يتحقق في هذا العقد فسيتحقق في الذي سيليه، وإذا لم يتحقق مع هذا الجيل فسيتحقق مع الذي يخلفه.. وهكذا.

أما التحيّر فإنه يعود في الأساس إلى نقص الخبرات والتجارب العملية في العاملين التقدّميين، ولابد في بداية الطريق من حدوث بعض الأخطاء ووقوع بعض الزلل، فلا يجب تضخيم الأمر، ولا زيادة الحساسية من فشل الخطوات التنفيذية، فإن فشل الخطوة هو بحد ذاته يحد نجاحا على المستوى البعيد، لأنه يعرّف العاملين أن هذه الخطوة غير صحيحة ويدفعهم إلى تجربة خطوة أخرى إلى أن يصلوا إلى أكثرها صحة وسدادا. وهذا ما حصل مع مخترع الكهرباء (أديسون) الذي لم يكن ليخترع الطاقة الكهربائية إلا بعد آلاف التجارب الفاشلة، ومع هذا فإنه لم يكن يعتبرها فاشلة بل يعتبرها ناجحة لأنها تقوده إلى الطريقة الصحيحة للمحافظة على الطاقة واستمرارها. وهو ما نجح فيه أخيرا.

أما المشكلات فإن على العاملين التقدّميين أن يدركوا أنهم ما داموا اختاروا المضي في هذا الطريق النهضوي الصعب، فإن عليهم أن يستعدوا لتلقي الضربات والصدامات، فمهمة تغيير عقائد وثقافات المجتمعات وجذبها نحو عقيدة أهل البيت - صلوات الله عليهم - النقية الصافية ليس بالأمر السهل، إذ إن السائد من تلك العقائد والثقافات جرى التسالم عليه خلال مئات الأعوام، وليس من البسيط تغييره، ولا يمكن ذلك من دون تضحيات ومن دون مواجهات مع فئات من الداخل والخارج. فالناس أميل منهم إلى الباطل منه إلى الحق، كما يقول مولى الموحدين صلوات الله عليه. وتكليفنا هو أن نسعى ونواصل العمل مهما بلغت ضراوة المواجهة، وهذا إمامنا الرضا - صلوات الله عليه - يقول: "من سأل الله الجنة ولم يصبر على الشدائد فقد استهزأ بنفسه".

ما يجب أن يفهمه العاملون التقدّميون أن اليأس والتحيّر لا مكان لهما في قاموسهم، ويجب عليهم أن يقاوموهما في كل مرحلة مهما بلغت صعوبتها ومهما تكاثرت أزماتها. أما المشكلات فعلى هؤلاء أن يرحبوا بها ولا يستكثروها على أنفسهم، فإنما درب الحق درب شائكة صعبة وعرة، ولكن آخرها فوز ونجاح عظيم في الدنيا والآخرة.

على الناشطين الإماميين أن يؤمنوا بالكلمة العظيمة التي كان زعيم الحوزة العلمية آية الله العظمى السيد الصادق الشيرازي قد أوصى بها العاملين في الحقل الإسلامي بقوله دام ظله: "لا للياس.. لا للتحيّر.. نعم للمشكلات".

.. ونحن في "المنبر" و"الخدام" سنبقى نرددها بعون الله تعالى.

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp