المبحث الثالث: أوائل من كتب وجمع الحديث في صحف

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp
المبحث الثالث: أوائل من كتب وجمع الحديث في صحف

1 نوفمبر 2016

تقدمت الإشارة إلى أن الشيعة الأبرار سبقوا غيرهم إلى ضبط وتدوين الحديث النبوي الشريف، وذلك في واقع الأمر لم يكن إلّا اقتداء منهم بإمامهم أمير المؤمنين الذي كان أول من كتب الحديث الشريف بإملاء رسول الله صلى الله عليه واله حتى بلغ طول صحيفةٍ كتبها سبعين ذراعاً سمّيت بالجامعة (1)، وكان الأئمة الشرعيون عليهم السلام يتوارثونها ويفتون منها. وقد أخرج الصفار كثيراً من الأحاديث في شأنها وفي شأن الصحف الأخرى، منها:

- ما عن أبي أراكة قال: كنّا مع علي عليه السلام في مسكن فحُدِّثنا أن علياً ورث من رسول الله السيف، وبعض يقول البغلة، وبعض يقول: ورث صحيفة في حمائل السيف (2)، إذ خرج عليٌّ ونحن في حديثه فقال: أيم الله لو أنبسط (3) ويؤذن لي (4) لحدّثتكم حتى يحول الحول لا أعيد حرفاً (5)، وأيم الله إنّ عندي لصحف كثيرة قطايع رسول الله وأهل بيته (6).

- ومنها ما عن حمران بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال: يا حمران إنّ في هذا البيت صحيفة طولها سبعون ذراعاً بخط عليٍّ وإملاء رسول الله، ولو ولِّينا الناس لحكمنا بينهم بما أنزل الله لم نعدو ما في هذه الصحيفة (7).

- ومنها ما عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن عندنا صحيفةً طولها سبعون ذراعاً إمالاء رسول الله وخطّه علي بيده وإن فيها لجميع ما يحتاج إليه الناس حتى أرش الخدش (8)(9).

- ومنها ما عن بكر بن كرب الصيرفي قال: سمعت أبا عبد الله يقول: ما لهم وما لكم وما يريد منكم وما يعيبونكم؟ يقولون الرافضة؟ نعم والله رفضتم الكذب واتبعتم الحق. أما والله إن عندنا ما لا نحتاج إلى أحد والناس يحتاجون إلينا. إن عندنا الكتاب بإملاء رسول الله وخطه علي بيده صحيفة طولها سبعون ذراعاً فيها كل حلال وحرام (10)

- ومنها ما عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله - إلى أن يقول الإمام له: - يا أبا محمد وإنّ عندنا الجامعة، وما يدريهم ما الجامعة؟ قلت: جعلت فداك وما الجامعة؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله وإملاء من فلق فيه (11) وخط علي بيمينه، فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج الناس إليه حتى الأرش في الخدش (12)(13).

ثم إنّ أصحابه عليه السلام من الرافضة الأوائل كانوا أصحاب السبق في إملاء وتدوين الحديث الشريف وعلوم الإسلام وأحكامه وجمع ذلك في صحف. من هؤلاء:

- أبو ذر الغفاري، له كتاب الخطبة تضمنت احتجاجه بتنصيص رسول الله صلى الله عليه وآله على أهل بيته من بعده، كما يشرح فيها ما جرى بعد استشهاده من انقلاب القوم عليهم (14).

- سلمان الفارسي المحمدي، له كتاب حديث الجاثليق (15)(16).

- جابر بن عبد الله الأنصاري، له صحيفة قال عنها قتادة: لأنّا بصحيفة جابر بن عبد الله أحفظ مني لسورة البقرة (17). وقد كان من عادة جابر تكوين حلقة في المسجد النبوي الشريف يملي فيه الحديث على طلابه وقد كتب عنه كثر، منهم سليمان بن قيس اليشكري (18)(19).

- أبو رافع القبطي، مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وأمينه، له كتاب السنن والأحكام والقضايا مبوّب على أبواب (20)(21).

- علي بن أبي رافع، له كتاب الفنون جمع فيه أبواباً من الفقه كالوضوء والصلاة (22).

- عبيد الله بن أبي رافع، له كتاب قضايا أمير الؤمنين، كما له كتاب آخر بعنوان (تسمية من شهد مع أمير المؤمنين الجمل وصفين والنهروان من الصحابة) (23).

- أصبغ بن نباتة المجاشعي، له كتاب عهد الأشتر تضمن عهد أمير المؤمنين بمالك الأشتر. وله أيضاً كتاب الوصية تضمن وصية أمير المؤمنين لابنه ابن النافية (24).

- الحارث بن عبد الله الأعور الهَمْداني (25)، له كتاب مسائل اليهودي تضمن ما أجاب به أمير المؤمنين على اليهودي (26).

- سُليم بن قيس الهلالي، له كتابه المعروف كتاب سليم أو أصل سليم. سماه إلامام الصادق (أبجد الشيعة). تضمن كثيراً من أحاديث رسول الله وأحاديث أمير المؤمنين عليهما وآلهما السلام وأحاديث جماعة كسلمان وأبي ذر والمقداد وعمار بن ياسر رضوان الله تعالى عليهم. عُرف هذا الكتاب بأنه أول كتاب ظهر للشيعة، كما نصّ على ذلك ابن النديم (27) في الفهرست (28).

- ميثم بن يحيى التمار، صاحب سر أمير المؤمنين، له كتاب في الحديث أكثر النقل عنه الشيخ أبي عمر الكشي وشيخ الطائفة الطوسي كذلك.

- ربيع بن سُميع، من أصحاب أمير المؤمنين، له كتاب زكاة النعم (29).

- يَعلى بن مرة أبو المرازم، له نسخة يرويها عن أمير المؤمنين (30).

- عُبيد الله بن الحر الجُعفي، له كذلك نسخة يرويها عن أمير المؤمنين. نصّ علئ ذلك النجاشي في رجاله كذلك (31).

هذه قائمة أولية تثبت بما لا يدع مجال للشك أن الشيعة كانوا السباقين في هذا المضمار.

----------------------------------------

(1) للجامعة تسميات أخرى أيضاً وردت في المصادر.

(2) أي: كان يعلقها مع سيفه.

(3) الانبساط ضد الانقباض، والانبساط الانطلاق، ومعناه أنه ما زال منقبضاً بسبب انشغاله بالحروب وما أشبه. وهنا يجدر بنا أن نذكر أنه من جرائم هؤلاء الملعونين الذين حاربوه أنهم لم يتركوا له فرصة لكي يعلّم الناس وينشر الدين فشغلوه بالحروب. إنّ ما نجده من خطب لأمير المؤمنين عليه السلام كان فقط من الحوادث والأوقات المحدودة جداً التي كانت له فيها فرصة أن يتكلم، ومع هذا المقدار القليل نسبياً دوّخ العالم بعلمه وحكمته صلوات الله عليه، فكيف إذا أُتيح له مجال أوسع؟

(4) أي: هو كان مأمور شرعاً وكان تكليفه الجهاد، ولم يؤذن له ترك الجهاد والانشغال بتحديث الناس وتعليمهم بشكل دائم ومنطلق.

(5) أي: تمر سنة كاملة لا يعيد حرفاً واحداً من التحديث بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله.

(6) بصائر الدرجات للصفار، ج٣ ب١٣ ص١٨٣-١٨٤ ح١٥

(7) نفس المصدر، ج٣ ب١٢ ص١٧٦-١٧٧ ح٥

(8) نفس المصدر، ج٣ ب١٣ ص١٨١ ح٥

(9) أي ديّة الخدش. هذا مثال إلى أن هذه الصحيفة المقدسة فيها كل شيء، فلا نحتاج هنا إلى الأصول العملية مثلاً التي نجريها في حالة غياب النص على شيء لأن هذه الصحيفة تحتوي على كل ما نحتاجه.

(10) نفس المصدر، ج٣ ب١٣ ص١٨٣ ح١٤

(11) أي من فمه، وهذا اصطلاح جارٍ عند العرب.

(12) نفس المصدر، ج٣ ب١٢ ص١٧٦ ح٤

(13) على هذا يكون أمير المؤمنين عليه السلام صاحب أول مؤلف في تاريخ الاسلام وهو صحيفة الجامعة. ويمكن القول بأن الزهراء عليها السلام هي السباقة في التأليف إذ لديها صحيفة أخرى تسمى مصحف فاطمة، وهي عبارة عن وحي جائها دونته في صحيفة.

ولقد ذكر العدو في مصادره أيضاً أنه كان لأمير المؤمنين عليه السلام صحيفة كتبها عن رسول الله صلى الله عليه وآله، غاية ما هنالك أنهم حاولوا التقليل من شأنها وتصويرها بأنها ليست بذات قيمة عالية. ولكنهم أثبتوا أن له صحيفة كتبها عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وهذا هو أصل المطلوب. أخرج البخاري عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي قال: ما عندنا شيء إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي. المدينة حرم ما بين عائرة الى كذا، من أحدث فيها حديثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. لا يُقبل منهم صرف ولا عدل.*** وأخرج أحمد بن حنبل عن طارق بن شهاب قال: شهدت علياً وهو يقول على المنبر: والله ما عندنا كتاب نقرأه عليكم إلا كتاب الله وهذه الصحيفة - معلقة بسيفه - أخذتها من رسول الله فيها فرائض الصدقة.**

(14) فهرست كتب الشيعة ومصنفاتهم وأسماء المصنفين وأصحاب الأصول، المسمى بالفهرست، لشيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي، ص١١٧ رقم ١٦٠، طبعة قم المقدسة، ١٤٢٠هـ

(15) نفس المصدر، ص٢٢٧ رقم ٣٣٨

(16) لقد أرسل ملك الروم جاثليقاً إلى المدينة المنورة بعد شهادة الرسول صلى الله عليه وآله حتى يسأل عن مسائل، فجائوا به إلى أبي بكر أولاً فسأله وحار الطاغية في الجواب عنها، فبعد أخذ ورد أخذوه بعض الشيعة إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه الذي أجابه عنها، وأسلم الجاثليق بالنتيجة. دوّن هذه الحادثة سلمان عليه الرضوان كاملة في صحف. وقد نقل الصدوق في كتاب التوحيد جزء منها يتصل بشأن التوحيد.

(17) سير أعلام النبلاء لمحمد بن أحمد الذهبي، ج٥ ص٢٧٢، طبعة بيروت، ١٩٩٦م

(18) والظاهر أن صحيفة جابر كانت بخط سليمان اليشكري.

(19) تهذيب التهذيب لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ج٢ ص١٠٥-١٠٦، طبعة بيروت، ١٩٩٥م

(20) فهرست أسماء مصنفي الشيعة، المشتهر برجال النجاشي، للشيخ أحمد بن علي بن أحمد النجاشي، ص٨-٩ رقم ١، طبعة بيروت، ٢٠١٠م

(21) روى الخطيب البغدادي عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن هشام قال: دفع إلى أبو رافع كتاباً فيه استفتاح الصلاة قال: كان رسول الله إذا قام في الصلاة كبّر فقال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، وذكر بقية الحديث. راجع الكفاية في علم الرواية، ص٣٣٠-٣٣١، طبعة حيدر آباد، ١٣٥٧هـ

(22) رجال النجاشي، ص٩ رقم ٢

(23) الفهرست للطوسي، ص٣٠٦ رقم ٤٦٨

(24) رجال النجاشي، ص١٠-١١ رقم ٥

(25) هَمْدان بتسكين الميم، وهي قبيلة في اليمن.

(26) الفهرست للطوسي، ص٣١٩ في ترجمة عمرو بن ميمون برقم ٤٩٣

(27) ابن النديم شهادته ذات شأن عندنا وعند العدو.

(28) الفهرست لمحمد بن إسحاق الوراق البغدادي المعروف بابن النديم، ص٣٠٧-٣٠٨، طبعة بيروت، ١٩٩٧م

(29) رجال النجاشي، ص١٠ رقم ٣

(30) نفس المصدر، ص٢٧٤-٢٧٥ في ترجمة عمر بن عبد الله بن يعلى برقم ٧٦٢

(31) نفس المصدر، ص١١ رقم ٦

شارك المقال على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp