هل (شورى الفقهاء) من قبيل المحاصصة الطائفية؟ وهل وجوبها غير إكراهي؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

‏بسم الله الرحمن الرحيم

الشيخ الفاضل ياسر حبيب (أعزه الله ببركة محمد وآل محمد)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

س1:هل تعتبر شورى الفقهاء صورة من صور المحاصصة الطائفية ، فإن لم تكن كذلك فكيف لا تعتبر من المحاصصة والمحاصصة تشترط أن تكون المناصب الكبرى في الدولة من طائفة معينة كما هو الحال في لبنان مثلا؟

س2:هل يصح القول أن الوجوب في تطبيق شورى الفقهاء هو وجوب غير إجباري أو إكراهي إن صح التعبير كوجوب الدخول في الاسلام بالنسبة إلى المكلف من دون إكراه له من طرف آخر (فلا إكراه في الدين) وأن عقاب التكليف يكون في الآخرة من غير ترتيب عقاب تشريعي في الدنيا (كالحدود وما أشبه) ؟

س3:فإن صح ما سبق ألا تحمل المحاصصة في طياتها تلك الصورة الإكراهية المانعة من تطبيق إرادة الشعب عندما يريد التغيير (مع العلم أن الحكم لله تعالى وليس للشعب ولكن الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم)؟

س4:هل هناك مجال في شورى الفقهاء لتغيير إذا ما أراد الشعب تغيير الحكم بالطرق السلمية ، وهل هناك ضمانات تمنع استبداد مثل هذا المجلس وما هي ؟

س5:وهل يستحيل ايجاد صيغة دستورية توجب أن يكون النظام مبنيا على شورى الفقهاء دون اقرار مبدأ المحاصصة وفسح المجال امام امكانية التغيير؟

وفقكم الله لما يحب ويرضى.


باسمه جلّت قدرته. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

ج1: المحاصصة الطائفية على نوعين؛ عادلة متوازنة، وظالمة مختلّة. وشورى الفقهاء من النوع الأول، إذ تقضي بأن يكون لكل طائفة مجلسها الفقهي الشوروي المستقل ليحكم في طائفته بما يخصّها وحدها، أما حين يكون موضوع الحكم شاملا لجميع الطوائف فإن الحكم فيه يكون لكل المجالس على أساس الاقتراع، لا بالأغلبية المطلقة، وإنما بالأغلبية الخاصة، كما هو المعمول مثلا في الأنظمة البرلمانية ذات المجلسين، كأميركا وبريطانيا، فيكون لمجلس النواب أغلبية خاصة، ولمجلس الأعيان أو الشيوخ أغلبية خاصة، وبعدئذ يتم جمع ما يتمخض من قرارات المجلسين.

وبهذا لا يجور أحد على أحد، فلا يحكم الشيعي على البكري مثلا بما يكره، كما لا يحكم البكري على الشيعي بما يكره، وفي الموضوعات العامة يكون الاحتكام إلى نظام التوفيق بين أغلبية المجلسيْن.

فهذه محاصصة طائفية عادلة متوازنة، ولا تقارَن بالمحاصصة الطائفية الظالمة المختلة كالجارية في لبنان أو العراق حاليا، لأنه في هذه الأخيرة يُجبر الشعب على أن يكون كل رئيس من رؤساء الهياكل الحكومية الثلاث – رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة البرلمان – من طائفة معيّنة لا يمكن اختيار شخص آخر من خارجها – كما يجري في لبنان الآن – أو أن يُجبر الشعب على عدم جمع طائفة من طوائفه بين منصبين سياديين – كما يجري في العراق الآن – فإذا ما أُعطي منصب رئيس الجمهورية لطائفة أو فئة وجب أن يكون منصب رئيس الوزراء مثلا لفئة أو طائفة أخرى.

وهذا النظام كما ترى فيه شيء من الظلم، فلعلّه يأتي برئيس ترفضه الأكثرية الساحقة من الشعب لمجرّد انتمائه إلى طائفة هي الأقلية الراضية عنه، كما قد يحرم الكفاءات من تبوّأ المناصب العليا السيادية لمجرّد أن شخصا ينتمي إلى طائفتهم قد استلم حسب التوليف الحكومي منصبا ما، فتضيع فرصة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.

إنما الأسلم هو أن تتكوّن مجالس شورى الفقهاء، فتصبح في موقع القيادة، ثم تتفرع منها هياكل السلطات الثلاث على أساس الانتخابات الحرة المباشرة، فينتخب الشعب رئيسا له وحكومة وبرلمانا، دون أدنى اشتراط لانتماء المرشّح إلى طائفة ما، فبذا يُحتكم إلى صناديق الاقتراع المعبّرة عن الإرادة الحرة للشعب بكل طوائفه وقومياته وفئاته وتياراته السياسية، فلعل أغلبية الشعب ترتاح لمرشّح قد لا يكون من الطائفة الأكبر فتنتخبه، أو العكس فلا تنتخبه، دون تحجيم أو تحديد للإرادة. ويبقى الفقهاء في موقع القيادة محتفظين بحق النقض على أساس الأحكام الشرعية، كما يوكل إليهم تسيير الشؤون الخاصة بطوائفهم. ومجالس شورى الفقهاء تكون بمثابة الضمانة التي تمنع ديكتاتورية الأكثرية وتحدّ من إطلاق سلطاتها، فعلى سبيل المثال لا شك أن كل انتخابات ستجري في العراق ستفرز طبيعيا استلام الشيعة لكل المناصب الرئيسية لأنهم الأكثرية، وكذلك فإن كل انتخابات ستجري في الجزيرة العربية ستفرز طبيعيا استلام البكريين لكل المناصب الرئيسية لأنهم الأكثرية إلى حين، فحتى لا تتحكم هذه الأكثرية في الأقليات، تكون لكل أقلية مجلسها الفقهي الشوروي الذي يملك حق النقض فيحمي طائفته.

أما إذا وقع التعارض المطلق بين المجالس الفقهية، فأجاز مجلس قانونا سنّه البرلمان واعترض عليه مجلس آخر، فإن آليات المعالجة تبدأ مع نظام التوفيق بين الأغلبيات الخاصة لكل مجلس، فالقرعة، فالاستخارة، فالاستفتاء المباشر، وإلى ما يدخل في البين من مراجعات الترجيح والحسم.


ج2: لا ليس كذلك، فإنه في حال قيام نظام شورى الفقهاء فإنه يكون لزاما على جميع المسلمين وأهل الذمة ورعايا الدولة الإسلامية تطبيقه والائتمار بأمره والإذعان لسلطته. أما إن قصدت الحال إلى ذلك الحين؛ فلا شك ان وجوب السعي إلى إقامة وتطبيق هذا النظام قائم غير أن ترتيب العقاب في الآخرة على تركه منوط بثبوت تقصير المكلّف لا قصوره عن الإسهام في تحقيق هذا النظام، ولا عقاب شرعيا في الدنيا حتى على التقصير إذ لم يرد دليل على ذلك.


ج3: لا، لا تحمل المحاصصة التي بيّناها آنفا أي إكراه، في ما إذا استثنينا تطبيق أحكام الله تبارك وتعالى. فإذا ما أراد الشعب التغيير فله ذلك متى شاء ضمن النظام، فيعزل رئيسه أو نوّابه وينتخب آخرين ليحلّوا محلّهم. وهكذا يتم تجديد الدماء دوريا.


ج4: إن وظيفة مجلس شورى الفقهاء هي القيادة والإشراف ونقض القوانين المخالفة للأحكام الشرعية وحماية حقوق الطوائف وتسيير شؤونها الخاصة لا أكثر، وبهذا فهو لا يمارس الحكم مباشرة، وإنما ذلك من اختصاص مجلسي النواب والوزراء اللذين ينتخبهما الشعب. وهذه هي القسمة الصحيحة بين الثابت والمتغيّر في النظام الإسلامي، فحيث أن أحكام الله تعالى ثابتة لا تتغير؛ فكذلك يكون المجلس الذي يوكل إليه أمر تطبيقها ثابتا لا يتغيّر وهو مجلس شورى الفقهاء. وحيث أن الأحكام الوضعية التأطيرية متغيرة وليست بثابتة؛ فكذلك يكون المجلس الذي يوكل إليه أمر تطبيقها متغيّرا لا يبقى ولا يدوم إلى الأبد وهو مجلس الحكومة المقسّمة إلى الإدارتيْن: التشريعية (مجلس النواب) والتنفيذية (مجلس الوزراء).

وعلى هذا لا يصح إيقاع التغيير في غير هذه الجنبة، لأن الجنبة الأخرى ثابتة بأمر الله تعالى وبأمر الإمام المعصوم (صلوات الله عليه) عندما قال: "فإنهم حجتي عليكم" و"فإني قد جعلته عليكم حاكما".

أما عن الضمانات التي تمنع استبداد مجلس شورى الفقهاء فهي متركزة في النظام العام، فلأنه نابع من إرادة الشعب الذي يختار مراجعه حسب الأصول المتعارفة، ولأنه لا يمارس السلطة الفعلية، ولأنه متنوع من أكثر من مجلس لكل طائفة، ولأن كل مجلس متنوع بدوره من أكثر من مرجع وفقيه، ولأنه ليس وحده فهناك المجلس الحكومي المنتخب، وهناك الأحزاب والكيانات السياسية المتعددة، وهناك الصحافة ووسائل الإعلام الحرة.. فيكون من شبه المستحيل استبداده بالنظر إلى كل ذلك.

نعم.. يمكن أن يقع مثل هذا الاستبداد في نظام ولاية الفقيه المطلقة حيث تتركز السلطات في يد شخص واحد، وهذا ما يحول دونه نظام شورى الفقهاء كما ترى.

ولعل من المناسب أن نشير إلى أن آلية وصول الفقيه إلى مجلس شورى الفقهاء إنما تعتمد في غير حال التأسيس على معياريْن أساسيين هما: ثبوت فقاهته وعدالته وتقواه لدى المجلس القائم؛ ووصول مقلّديه إلى حد النصاب. أما في حال التأسيس فإن الأصول المتعارفة في عالم الحوزات تكون هي الحاكمة لتشكيل أول مجلس لشورى الفقهاء المراجع، والذي يتولّى بدوره دعوة الأمة لانتخاب حكومتها وبرلمانها وممثليها لمباشرة أمور الحكم والسلطة.


ج5: الصيغة الدستورية التي طرحها الإمام الراحل (قدس سره) هي الأقرب إلى روح الشريعة وهي أفضل ما هو متاح وممكن في زمان الغيبة كما ترى، فليست المحاصصة فيها جائرة، وليس الاستبداد فيها ممكنا، كما أن التغيير فيها مسموح ومرحَّب به ضمن النطاق الشرعي المرسوم الذي أوضحناه.


نسأل الله تعالى أن يعجّل فرج إمام زماننا وولي أمرنا وتاج رؤوسنا مهدي آل محمد (صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأرواحنا وأرواح العالمين لهم الفداء) فإن استلامه لمقاليد الحكم في العالم هو خير من كل صيغة حكم مطروحة، بل لا قياس. والسلام. ا

لخامس والعشرين من شهر ربيع الأول لسنة 1427 من الهجرة النبوية الشريفة.


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp