هل يصح التساهل في إثبات الوقائع التاريخية المرتبطة بالمعصوم عليه السلام؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وآل محمد وألعن أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

الشيخ المجاهد ياسر حبيب أيده الله سبحانه وسدد خطاه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كيف يتم التعامل مع الأحداث التاريخية المرتبطة مع المعصوم كبقية الأحداث التاريخية الأخرى ذلك أن كل أفعال وأقوال وتقريرات المعصوم حجة يمكن أن يستفاد منها في استنباط الحكم الشرعي أو بيان ايدولوجية أو فلسفة معينة، فهل يصح التساهل في الاستدلال والاسناد(حتى في المستحبات والمكروهات التي شرعت لمصلحة قد تضيع نتيجة التساهل في الأدلة)؟

وفقكم الله لما يحب ويرضى


باسمه عز اسمه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

هنالك قواعد خاصة لاستنباط الحكم الشرعي التكليفي، وهي التي يصطلح على مجموعها بعلم الفقه وأصوله، وهذه القواعد هي التي يجب إعمالها للتوصل إلى الأحكام التعبدية الخمسة، أي الوجوب والاستحباب والإباحة والكراهة والحرمة.

وثمة قواعد أخرى مساندة لتلك القواعد في عملية الاستنباط، كقواعد علم الدراية التي تُمحَّص من خلالها الأخبار ويُعطى كلٌّ منها قيمته، من الصحة مرورا بالضعف وصولا إلى الطرح. وكذا قواعد علم الرجال التي تعاضد قواعد علم الدراية من خلال ملاحظة رجال سند الخبر والتثبت من وثاقتهم.

فالذي يهمل هذه القواعد في عملية استنباط الحكم الشرعي فإنه يكون متساهلا بل آثما، أما الذي يسير بمقتضاها فإنه يكون قد أبرأ ذمته.

أما علم التاريخ فله قواعده الخاصة المختلفة عن قواعد علم الفقه وأصوله، فما يمكن قبوله في عملية التحقيق التاريخي للتوصل إلى نتيجة تأريخية معيّنة أو إثبات حادث تأريخي معيّن؛ قد لا يمكن قبوله في عملية استنباط الحكم الشرعي للتوصل إلى نتيجة حكمية معيّنة أو إثبات حكم تكليفي تعبّدي معيّن، والعكس بالعكس.

ومع هذا فإن قواعد الاستنباط، وقواعد التأريخ، لا تنفكّ عن بعضها انفكاكا كاملا، بل يقع بينها تمازج والتقاء في كثير من الأحيان، غير أنهما مختلفان إجمالا كما أوضحنا.

وعلى هذا هنا تنبيهان:

الأول؛ إذا حكم الفقيه باستحباب عمل معيّن بناء على أدلة نقلية ضعيفة السند مثلا فليس معنى ذلك أنه قد تساهل في عملية الاستنباط، لأنه إنما توصّل إلى هذا الحكم عبر إعمال القواعد الاستنباطية لا إهمالها، كقاعدة "التسامح في أدلة السنن" مثلا. بل حتى لو حكم الفقيه بوجوب أو حرمة عمل ما استنادا إلى أدلة نقلية ضعيفة، مع وجود ما يعارضها من الأدلة، فإنه أيضا لا يكون متساهلا لأنه أعمل القواعد كما ذكرنا، ومن بينها مثلا قاعدة "عمل الأصحاب جابر للضعيف".

الثاني؛ الأحداث التاريخية المتعلقة بسيرة المعصومين (صلوات الله عليهم) إنْ أريدَ منها استنباط حكم شرعي؛ وجب إعمال القواعد الاستنباطية. وإنْ أريدَ منها إثبات حقيقة تأريخية معيّنة، وجب إعمال قواعد التحقيق التأريخي. بل تعمّم هذه الآلية على سائر ما رُوي عنهم صلوات الله عليهم، فيكون التعامل مع رواية ما حسب القواعد الاستنباطية إذا كان الهدف استنباط حكم، ويكون التعامل مع الرواية ذاتها حسب قواعد التحقيق التأريخي إذا كان الهدف إثبات حقيقة تأريخية معيّنة، أو الاستفادة المعرفية الإجمالية. لهذا لا ينبغي الخلط بين الأمرين.

وفقكم الله لمراضيه وشكر نعمائه. والسلام.

29 من جمادى الأولى لسنة 1427 من الهجرة النبوية الشريفة.


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp