هل للنظام الإسلامي أن يستمر إذا ما انقلبت الأكثرية على الإسلام ورفضت تطبيقه؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نبارك للشيخ الفاضل ياسر الحبيب حفظه الله ورعاه العيد الأكبر عيد الولاية ويوم المباهلة، كما نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله من المجاهدين والمخلصين في رفع راية الحق ونشر دين أهل البيت عليهم السلام ، كما نرجو من سماحته الكريمة أن يتفضل علينا بالإجابة على أسئلتنا حتى نستفيد منها ونتبرك بها راجين من الله القبول.

س1:هل للنظام الاسلامي أن يستمر إذا ما انقلبت الأكثرية عن الاسلام أو رفضت مبدأ الشورى ونظام الحكم الاسلامي

س2:وهل للحكومة الاسلامية أن تطبق حكم اسلامي معين إذا ما رفضت الأكثرية تطبيق الحكم إصرارا على المعصية أو لشبهة كما لو أصرت على إقامة التراويح جماعة أو أصرت على خلع الحجاب أو على شرب الخمر أو امتنعت عن دفع الحقوق الشرعية من زكاة وأخماس وغيرها ، وهل يمكن أن يسمى مثل هذا المجتمع بالمجتمع الاسلامي؟

س3:وهل للدولة الاسلامية أو النظام الاسلامي الحاكم أن يقاتل الغالبية الرافضة للحكم والنظام الاسلامي القائم على الشورى إذا لم تعلن تلك الغالبية الحرب على النظام القائم (حتى وإن كان النظام والحكم الاسلامي في بدايته قد قام على غالبية مسلمة)؟

س4:بشكل عام كيف هي علاقة الحكم والدولة الإسلامية مع الأكثرية من ناحية تنفيذ الأحكام العامة ، وهل يمكن أن يتعارض مجلس شورى الفقهاء المراجع مع الأكثرية وإذا وقع التعارض فهل يعطي ذلك الحق لمجلس شورى الفقهاء أن يكره الأكثرية وأن يفرض عليهم الأحكام فيما توصل إليه من رأي ؟

ثبتنا الله وإياكم على ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام والبراءة من أعدائهم.


باسمه تباركت أسماؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. ومبارك عليكم عيد الله الأكبر عيد الغدير الغر والحمد لله الذي جعلنا من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين والأئمة الطاهرين عليهم السلام، كما نبارك لكم ذكرى يوم المباهلة، جعلنا الله وإياكم من الثابتين على ولاية محمد وآل محمد صلوات الله عليهم، الماضين كالسيف في البراءة من أعدائهم عليهم اللعنة.

ج1: إذا رفضت الأكثرية الحكم الإسلامي فتُجرى حينذاك أحكام معالجة الفتنة من باب الأهم والمهم، فلو كان الأهم هو القعود والتنازل عن الحكم حقنا للدماء وسلبا للمعارضة المتآمرة وإبقاءً ولو على اسم الإسلام إلى حين ما يعود للأكثرية رشدها فيعودون للحكم الإسلامي طواعية؛ جاز ذلك بل وجب. ولو كان في التمسك بالبقاء وممارسة الإخضاع بالقوة مصلحة أهم مثل تثبيت الحكم الإسلامي وتقويم اعوجاج المجتمع ومنع الفوضى والهرج والمرج؛ جاز ذلك بل وجب.

ومثال الأول تنازل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الحكم في عهد الثلاثة الغاصبين عليهم اللعنة. ومثال الثاني تمسكه (صلوات الله عليه) بالحكم أمام تمرد عائشة وطلحة والزبير ومعاوية والخوارج عليهم لعائن الله. ولا يُقال في الإشكال على الثاني أن الأكثرية كانت معه عليه السلام، إذ الصحيح أنها لم تكن معه، وكان جيشه أقل بكثير من جيش الناكثين وحده، فكيف إذا انضم إليه جيش القاسطين والمارقين، عدا أن جيشه نفسه لم يكن فيه من يعرف حق ولايته إلا القليل، أما الباقي فكانوا على عقيدة الجمهور في طاعة السلطان القائم، كما ألمحنا إليه في بعض محاضراتنا.

فالمسألة إذن تدور مدار الأهم والمهم ولا موضوعية فيها للأقلية والأكثرية، وتعرف ذلك من طلبه (عليه السلام) أربعين رجلا فقط بعد السقيفة لإزاحة ابن آكلة الذباب عن ملكه، وغير خفي أن الأربعين لو تمت عدتهم فليسوا بأكثرية بل يبقوْن أقلية، لذا فالمسألة لا موضوعية فيها للأقلية والأكثرية، ويقع تشخيصها حينها بيد شورى الفقهاء المراجع.

ج2: الظاهر وجوب الإخضاع للقانون الإسلامي في الموضوعات العامة إلا إذا كانت مصلحة أهم تقتضي تعطيله، وهو ما صنعه أمير المؤمنين (عليه السلام) في تمرّد الذين صاحوا "واسنة عمراه" حين منع إقامة بدعة صلاة التراويح في شهر رمضان، إذ كان المقابل حسب الظاهر هو سفك الدماء حيث كان المتمردون مستعدين لشهر السيوف في سبيل البدعة العمرية، فآثر (عليه السلام) تقديم الأهم على المهم فعطّل القانون.

ووجوب الإخضاع إنما يكون في الموضوعات العامة لا الخاصة، فلو لم يتجاهر أحد بشرب الخمر وشربها بينه وبين نفسه، أو امتنع عن أداء الخمس والزكاة، فالظاهر عدم وجوب إخضاعه، إذ الإخضاع متوقف على التجاهر بما يخل النظام العام ويشيع الفساد، بتقريب أنه حيث لم يشهد عليه أحد فإنه لا حد عليه ولا عقاب لفقدان شرط الحد، ولا يعني هذا أنه لم يطلع عليه أحد ثم كتم شهادته، كما أنه لو امتنع عن أداء الصلاة أو الخمس والزكاة دون تحريض للغير فلا شيء عليه، أما لو حرّض وجاهر بذلك فعليه التعزير ويجب إخضاعه حينذاك من باب الردع. وفي المسألة تأمل ويجب الرجوع فيها إلى السيد المرجع دام ظله.

وأما عن تسميته بالمجتمع الإسلامي مع أنه في أكثريته مصرٌّ على المعصية، فالتسمية في جنبة الحكم تصح ما دام باقيا على اسم الإسلام، فيكون الأصل مثلا حلية ما في سوقه من الذبائح دون شرط الفحص، أما موضوعا فلا يخفى أنه ليس بالمجتمع الإسلامي صدقا.

ج3: ما دامت الغالبية لم تعلن الحرب فيحرم قتالها، فالأصل هو حرمة البدء بالقتال، والأصل هو حفظ الدماء.

ج4: أفتى الإمام الراحل (قدس سره) بأن مجلس شورى الفقهاء يستمد شرعيته من انتخاب الأمة، وعدّ ذلك شرطا في مباشرته صلاحياته، وإن كان ذلك محل إشكال من باب أن الفقيه منصوب للحكم سواء قبلت الأمة أم لم تقبل، ورُدَّ الإشكال بتمثّل سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأخذ البيعة قبل مباشرته للحكم، وأُشكل ثانية بأن البيعة كانت تأكيدا وتوثيقا لا شرطا لممارسة الحكم، وأُجيب بأن كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد مقتل عثمان يُشعر بأنها شرط بقرينة تلويحه بالامتناع عن مباشرة الحكم دونها وبشرائطها. ورُدَّ بأن شرائطه (عليه السلام) قرينة على التأكيد وتثبيت الحجة على الناس لا غير. والمسألة محل تأمل وتحتاج إلى إعمال نظر أكثر.

إلا أنه وبناء على فتواه (قدس سره) تكون الأمة قد أوكلت أمر سن القوانين إلى شورى الفقهاء المراجع، وأما تطبيقها فموكل إلى المجلس التنفيذي أي الحكومة، وهي منتخبة من المجلس الاستشاري أي البرلمان، وهو بدوره منتخب أيضا من الأمة. وشورى الفقهاء حاكم على المجلسيْن التنفيذي والاستشاري، فلو عارضت الأكثرية وجب تطبيق حكم شورى الفقهاء لأن له الولاية، فإن عورض عُدّ ذلك عصيانا، وتعومل معه كما بيّنا في جواب السؤال الأول.

وفقكم الله لما يحب ويرضى. والسلام.

25 من ذي الحجة لسنة 1427 من الهجرة النبوية الشريفة.


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp