بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد الأطيبين الأطهرين و اللعنة الدائمة الوبيلة على أعدائهم و ظالميهم أجمعين
أنا شاب جامعي أدرس علوم الحياة وجسم الانسان و جامعتي تعتمد المنهج الاجنبي الذي يتابع كل جديد في
العالم من الناحية العلمية.أن مسألة كيف أن الله خلق الأرض و الكائنات الحية هي مسألة واضحة في القرآن الكريم بالرغم من وجود بعض التعقيدات.المشكلة هي أن أستاذي الذي يشرف على تدريسي المواد المهمة هو نصراني ،علماني،مثقف و ذكي جداً،و لكن دائماً نواجه مشكلة أنه يؤمن بنظرية ( نظرية دارون )أن الانسان
كان حيواناً ،والذي زاده ثقة اليوم بحث نشر يقول أن الخريطة الجينية لحيوان الشمبانزي هي مناسبة بنسبة 96% للأنسان،و بصراحة أنا و أصدقائي لا نجد البراهين الدينية المناسبة لاقناعه،و طبعاً نكون مسؤولين عن أفكاره في الامتحان.ما تعليقكم على الموضوع،و كيف يمكن أن تساعدوني لتحصيل الثقافة اللازمة لمجابهته،و ما هي الكتب التي يمكن أن تفيدني
باسمه تقدست أسماؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بغض النظر عن البراهين الدينية فإن البراهين العقلية والعلمية أيضا تسقط نظرية داروين في التطور، ولو كان أستاذك أكثر اطلاعا لتخلى عن اعتقاده هذا، فيوما بعد يوم بدأ يتلاشى إيمان علماء الطبيعة بهذه النظرية مع ظهور الحقائق الجديدة، ويكفيك أن تعلم أنها إلى اليوم تسمى في قاموسهم "نظرية" وهو ما يعني أنها مخدوشة علميا وليست ثابتة حتى الآن، إذ لو كانت ثابتة لأسموها "حقيقة علمية".
إن داروين إنما قدّم افتراضا ليس إلا، ثم جاء من هم بعده مستميتين لإثبات ذلك الافتراض، فقاموا بجولات كشفية في أنحاء العالم للحصول على أحافير أو متحجرات تثبت التطور وارتقاء الأجناس من نوع لآخر، وعندما عثروا على بعض أحافير القردة التي اعتبروا أنها تشبه الإنسان صاحوا بكل بهجة: "ها هو الإثبات! الإنسان قد تطوّر من القرد"!
وفلسفوا ادعاءهم هذا بأن القرود قبل حوالي ثمانية ملايين سنة قد طوّرت نفسها جينيا للتكيف مع متغيرات الطبيعة، فبدأت تمشي على قدمين بدلا من أربع قبل نحو أربعة ملايين سنة، وهكذا انفصلت عن القرود وكوّنت جنسا جديدا مع مرور الزمن فأصبح هذا الجنس هو الإنسان!
وعندما يُسأل هؤلاء عن دليلهم العلمي على ما يزعمون؛ يجيبون بالقول أنه التشابه الجيني بين فصيلة الإنسان وفصيلة القردة، والأحافير أو المتحجرات التي تثبت حدوث هذا التطور لوجود فصيلة يظهر منها أنها متداخلة وتحل محلا وسطيا بين الإنسان والقرد.
فدليلهم هو "التشابه" فقط! وهو دليل مضحك حقا ويبعث على السخرية، فهل لأن هناك تشابها بين هذه الفصيلة وتلك بنسبة معينة يعني بأن هذه الفصيلة قد اشتقت من تلك! وهل لأننا نجد أن هناك تشابها بين النمور وبين القطط يعني بأن النمور مثلا تطورت من القطط!
ليكن التشابه بين الإنسان وبين الشامبانزي 99 بالمئة لا 96 فقط، بل ليكن أكثر من ذلك، إلا أننا لا يمكننا أن نجزم بأنهما كانا بالأصل من فصيلة واحدة ما دام هناك فارق بينهما ولو كان ضئيلا، فما دام هناك فارق فإنه لا دليل علميا على أنهما كانا من أصل واحد، ويبقى زعم هؤلاء مجرد تخمين لوجود التشابه، فنحن نرى في الواقع الملموس أن هناك شخصا يولد لأبوين في روسيا مثلا وآخر يولد لأبوين آخرين في المكسيك، وليس بينهما أية قرابة، ولا يشتركان في النسب إطلاقا فكل منهما من عرق مختلف، ومع ذلك يتفق كونهما متشابهين إلى حد التطابق بسبب تشابه الصفات الجينية، فإذا شوهدا قيل أنهما توأمان، والحال أنهما ليسا كذلك إطلاقا.
فهذا أولا؛ وهو أن التشابه بحد ذاته ليس دليلا علميا كافيا لإثبات ما زعمه أنصار نظرية التطور الدارويني. وأما ثانيا؛ أي ما يتعلق بالنقوضات على النظرية فهي كثيرة ومتنوعة غير أننا نقتصر منها على التالي:
• إذا كان أصل الإنسان من القرد من باب التطور، فمن أين جاء القرد نفسه؟ يقول أنصار نظرية داروين أنه أيضا تطور من جنس آخر، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا لم تُكتشف أية أحافير تثبت مثلا تطور القرد من الثعلب أو الذئب أو حتى التمساح؟! لماذا لم يجد علماء التنقيب والاستكشاف أحافير لتطور الزواحف من الأسماك مثلا؟! أو لتطور الطيور من الحشرات؟! إذ النظرية تقول أن كل شيء إنما تطور من شيء آخر بفعل الطبيعة والتكيف معها، ومع هذا لم يجد هؤلاء شيئا يثبت ذلك باستثناء زعمهم أن الإنسان متطور من القرد، وزعمهم هذا مبني كما قلنا على ملاحظتهم التشابه الجيني فقط، وهو ليس إلا سنة الله تعالى في خلقه.
لاحظ مثلا أن أحافير الديناصورات أقدم بكثير وبملايين السنين من الأحافير التي وُجدت للقردة، والأصل أن هناك تطورا، فلماذا لم تُكتشف أحافير لديناصور مثلا بدأ بالتطور إلى فيل أو زرافة؟! إن كونهم قد وجدوا أحافير لقردة يشابهون في هياكلهم الإنسان لا يعني أن التطور ثابت، وإلا لكان من الضرورة وجود أحافير لتطور الديناصورات إلى فيلة، أو تطور الكائنات الحية الأخرى من جنس إلى جنس آخر، وذلك مفقود البتة.
• على فرض ثبوت فرضية التطور؛ فلماذا لا نشاهدها الآن ولو من قبيل المقدّمات؟ إن داروين وأصحابه يقولون أن فئة من القرود بدأت بالتطور من خلال تكيفها مع متغيرات الطبيعة، فتمرّسوا على المشي على قدمين بدلا من أربع، وقوّموا بذلك اعوجاجات عظامهم، وأثّر ذلك في نسلهم فأصبح ما يتناسل منهم يمشي أيضا على اثنين بالتوارث. والسؤال هو لماذا لا نشاهد مثال ذلك اليوم؟ فإن هناك كثيرا من القردة المدرّبة التي تستطيع المشي على اثنين أكثر من المعدّل الطبيعي لسائر القرود الأخرى التي لا تستطيع ذلك لأكثر من بضع خطوات محدودة، فلماذا نجد أن هذه القرود المدرّبة عندما تتناسل لا تؤثّر في طبيعة مشي نسلها حتى مع التعاقب والمخالطة بل تبقى تمشي على أربع وتحتاج لتدريب جديد حتى تمشي على اثنين؟!
لماذا لا نجد مثلا أن الإنسان الذي درّب نفسه بحيث يتمكن من أن يأكل فتات الأحجار دون أن يؤثر ذلك على معدته لا نجد أبناءه ولا أحفاده ولا أحفاد أحفاده يحملون هذه الصفة أيضا بالتوارث؟!
لماذا نجد أن الذي يولد وله ستة أصابع في اليد الواحدة فيكون ذلك تغيرا جينيا فيه، لماذا نجد أنه عندما يتزوج وينجب فإن ابنه يكون ذا خمسة أصابع ولا يتوارث صفة أبيه ويتطوّر بتطوّره؟! إن ذلك لأن التأثيرات الخارجية على الجينات لا ينتج عنها أي تطور.
• بالعودة إلى أصل نشوء الكون، يقول أنصار نظرية داروين أنه جاء بمحض الصدفة وأن التطور والارتقاء هو الذي كوّن هذه الكائنات الحية بأجناسها وأنواعها، فإذا سئلوا عن المادة الطبيعية الأولى التي سبّبت هذا النشوء والتطور قالوا إنها نبضة الطاقة، فمن أين جاءت هذه النبضة؟ يعترفون بأنهم لا يعرفون الجواب. وعلى تقدير ذلك فإن هؤلاء الماديين يعترفون بأن هناك مؤثّرا في نشوء الكون وهو نبضة الطاقة، بينما نحن الإلهيون نقول أن هذا المؤثر هو الله تبارك وتعالى، فأي القوليْن أقرب إلى العقل؟ أن تقوم نبضة بكماء صماء لا تعقل ولا تعلم ولا تشعر بإنشاء كل هذا الكون الرحب الدقيق العظيم أم أن تقوم ذات مدركة عالمة شاعرة بذلك؟!
إن مثل القول الأول كمثل من يقول بأن هناك انفجارا حصل في مطبعة، وبمحض الصدفة وقعت الحروف المطبعية على أوراق واتفق أن شوهدت بعد ذلك وقد انتظمت في مقطوعة نثرية أو شعرية رفيعة الأدب عميقة البيان! فهل هذا معقول؟!
يقولون هو ليس معقولا بلحاظ سرعة التغير إذ لا يمكن حصول ذلك بهذه السرعة أما مع مرور ملايين السنين فإن ذلك ممكن، وردّنا هو أنه كلما تقادم الزمن كلما كان احتمال وقوع الخطأ أكثر، إذ المفروض أن يأتي الحرف الكذائي بعد الحرف الكذائي في الموقع المناسب ليكوّن كلمة صحيحة ثم عبارة صحيحة ثم مقطوعة صحيحة، ونسبة وقوع الخطأ تتعاظم كلما قلّت الاحتمالات بمرور الزمن، فإذا لم يكن تكوّن القصيدة الشعرية ممكنا في بداية الانفجار فلا شك أنه يستحيل بعد ذلك لتضاؤل فرص الصحة في تكوينها.
• مع كل التطور العلمي الذي وصل إليه البشر حتى استطاعوا غزو القمر والكواكب بتكوين الأجهزة والمعدات الدقيقة، فإنهم لم يستطيعوا حتى الآن تكوين خلية حية واحدة من مواد كيمياوية كما طرحته نظرية داروين واعتبرته أمرا بسيطا، وقد اعترف العلماء بأن تكوين خلية حية أمر مستحيل لأن الخلية معقدة التركيب إلى حد معجز للبشر. وهذا يبطل نظرية داروين في أن أصل الخلية الحية تكوّن من المواد الأولية الكيمياوية الطبيعية، إذ إن ما افترضوه هو أن الطبيعة هي التي كوّنت الخلية الحية، ومع ملاحظة أن الطبيعة غير عاقلة فكيف يمكن القبول بأن الإنسان العاقل – وهو ابن الطبيعة نفسها على قولهم – لا يستطيع أن يكوّن الخلية مع أنه يمتلك الرشد الذهني الذي لا تمتلكه الطبيعة الجامدة؟!
هذه ليست سوى ردود سريعة على النظرية الباطلة السخيفة، والتفصيل نتركه إلى مقام آخر، وعلى أية حال فإننا لسنا بخاسرين شيئا بعد انتقالنا إلى القبر إذا لم نؤمن بنظرية داروين وتبيّن أنها صحيحة – من باب فرض المحال – أما هم فسيخسرون كثيرا عندما ينتقلون إلى القبر ويتبيّن لهم صحة ما نقول من وجود إله خالق تبارك وتعالى! فأي الخياريْن يأخذ به العاقل؟!
أما عن نصيحتنا لك لتحصيل الثقافة اللازمة، فراجع روايات وبيانات أئمتنا الأطهار (عليهم السلام) في التوحيد، وتجدها مثلا في بحار الأنوار كثيرا تحت هذا الباب. وارجع كذلك إلى دروسنا الحوزوية في علم الكلام وخاصة مبحث إثبات الصانع فلعلّها تفيدك إن شاء الله تعالى، ولا بأس بأن تطلع على كتاب لأحد علماء علم الأحياء وهو الاسترالي ميشيل دانتون بعنوان "نظرية في أزمة" وفيه ينقض نظرية داروين بالبراهين والأدلة.
وفقكم الله لجوامع الخير في الدنيا والآخرة. والسلام.
26 من ذي الحجة لسنة 1427 من الهجرة النبوية الشريفة.