هل كان أصحاب القرون الثلاثة الأولى يعتقدون بعصمة الأئمة عليهم السلام؟ وهل كان ابن الجنيد ينفي العصمة؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخنا الجليل وزعيمنا القدير ياسر الحبيب حفظك الله ورعاك

هناك بعض الشبهات التي أثيرت ولازالت تثار عن العصمة ونرجوا من سماحتكم الجواب عنها بالتفصيل لو سمحتم

1-القول أن أغلب أصحاب القرون الثلاثة الأولى لم يكونوا معتقدين بعصمة الأئمة عليهم السلام ومع هذا لم يخرجهم الأئمة من المذهب والدين. ويستدلون ببعض أقوال العلماء كالشهيد الثاني وما ورد في حقائق الايمان:

وليس بعيدا الاكتفاء بالأخير ، على ما يظهر من حال رواتهم ومعاصريهم من شيعتهم في أحاديثهم عليهم السلام ، فإن كثيرا منهم ما كانوا يعتقدون عصمتهم لخفائها عليهم ، بل كانوا يعتقدون أنهم علماء أبرار ، يعرف ذلك من تتبع سيرهم وأحاديثهم وفي كتاب أبي عمرو الكشي رحمه الله جملة مطلعة على ذلك ، مع أن المعلوم من سيرتهم عليهم السلام مع هؤلاء أنهم كانوا حاكمين بإيمانهم بل عدالتهم.

ويكمل إلى أن يقول:والالزام خروج أكثر شيعتهم عن الإيمان ، وهو باطل.

فما معنى الكلام أعلاه؟

وأيضا دفاع السيد بحر العلوم عن ابن الجنيد الذي كان يقول أن عدم الاعتقاد بالعصمة لا يخرج من المذهب؟

وأرجو أيضا من الشيخ توضيح رواية علماء أبرار أو أتقياء التي دارت بين المعلى بن الخنيس وإبن أبي يعفور؟.

2- ما معنى عبارة الشيخ المامقاني في كتابه تنقيح المقال:

بل أكثر ما نعتقده الآن في أهل البيت عليهم السلام كانوا يومئذ يسمّونه غلوّاً.

هل تعني أن العقائد ومنها العصمة يمكن أن تتطور وبعض ما لم يكن ضروريا يصبح ضروريا والعكس صحيح؟؟؟؟؟؟؟!!!!!

3- قال الشيخ في إحدى محاضراته متحدثا عن القميين أنهم كانوا يعتبرون من ينكر سهو النبي مغاليا!!!!!!!!!!!! وكانوا ضعفاء في العقيدة. والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لا نحكم إذن بخروج القميين من التشيع فمن يقول بسهو النبي يكون منكرا للعصمة ومن ينكر العصمة لا يكون شيعيا؟!؟؟؟!!؟؟؟؟؟


4- سؤال دائما يتبادر إلى ذهني لماذا لا نحكم على من يقول بسهو النبي وبمن يقر بنزول عبس وتولى في النبي بالخروج من المذهب فكما سمعت أن هناك من مفسيرينا وعلماءنا من يقول بنزولها في النبي صلى الله عليه وآله فلماذا لا نحكم بخروج هؤلاء المفسرين من المذهب؟ وبخروج كل من يقول بسهو النبي صلى الله عليه وآله من المذهب كالقميين ؟ فهؤلاء خالفوا ضرورية من ضروريات الدين وهي العصمة؟

5- من العلماء أيضا من يقول بجواز ترك الأنبياء ومنهم آدم أو الأئمة للأولى فلماذا لا نحكم بخروج هؤلاء من المذهب فحسب علمي المتواضع أن كثيرا من العلماء يقول أن فعل آدم كان تركا للأولى. فلماذا لا نحكم على كل من يجوز على الأنبياء أو الأئمة ترك الأولى بالخروج من الدين؟


أليس ترك الأولى منافيا للعصمة؟

وأعتذر مقدما على حدية وخشونة لهجتي في هذه الرسالة لكن يشهد الله أني أغضب كثيرا وأنزعج عندما أسمع أحدا يهمس ببنت شفة مشككا في عصمتهم صلوات الله عليهم أجمعين
أرجو أن تصل الرسالة للشيخ الحبيب حفظه الله كي يجيب على هذه الإشكالات

ونحن معكم شيخنا بأموالنا وأنفسنا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عظم الله أجوركم بذكرى استشهاد السيدة الزهراء صلوات الله عليها -على الرواية الثانية- ولعنة الله على قتلتها وأعدائها أجمعين.

بمراجعة الشيخ،

ج1: يتضح معنى كلام الشهيد الثاني عند ملاحظة ما سبقه وما أحال عليه. لقد قال: «أما التصديق بكونهم معصومين مطهرين عن الرجس، كما دلت عليه الأدلة العقلية والنقلية. والتصديق بكونهم منصوصا عليهم من الله تعالى ورسوله، وأنهم حافظون للشرع، عالمون بما فيه صلاح أهل الشريعة من أمور معاشهم ومعادهم. وأن علمهم ليس عن رأي واجتهاد بل عن يقين تلقوه عن من لا ينطق عن الهوى خلفا عن سلف بأنفس قوية قدسية، أو بعضه لدني من لدن حكيم خبير. وغير ذلك مما يفيد اليقين، كما ورد في الحديث أنهم عليهم السلام محدثون؛ أي: معهم ملك يحدثهم بجميع ما يحتاجون أو يرجع إليهم فيه. أو أنهم يحصل لهم نكت في القلوب بذلك على أحد التفسيرين للحديث. وأنه لا يصح خلو العصر عن إمام منهم وإلا لساخت الأرض بأهلها، وأن الدنيا تتم بتمامهم ولا تصح الزيادة عليهم، وأن خاتمهم المهدي صاحب الزمان عليه السلام وأنه حي إلى أن يأذن الله تعالى له ولغيره، وأدعية الفرقة المحقة الناجية بالفرج بظهوره عليه السلام كثيرة؛ فهل يعتبر في تحقق الإيمان أم يكفي اعتقاد إمامتهم ووجوب طاعتهم في الجملة؟ فيه الوجهان السابقان في النبوة. ويمكن ترجيح الأول، بأن الذي دل على ثبوت إمامتهم دل على جميع ما ذكرناه خصوصا العصمة، لثبوتها بالعقل والنقل. وليس بعيدا الاكتفاء بالأخير، على ما يظهر من حال رواتهم ومعاصريهم من شيعتهم في أحاديثهم عليهم السلام، فإن كثيرا منهم ما كانوا يعتقدون عصمتهم لخفائها عليهم، بل كانوا يعتقدون أنهم علماء أبرار، يعرف ذلك من تتبع سيرهم وأحاديثهم، وفي كتاب أبي عمرو الكشي رحمه الله جملة مطلعة على ذلك، مع أن المعلوم من سيرتهم عليهم السلام مع هؤلاء أنهم كانوا حاكمين بإيمانهم بل عدالتهم» (حقائق الإيمان ص150).

إنه كما ترى بحَثَ في ما هو ضروري في تحقق الإيمان، ومنه الاعتقاد بالعصمة، حيث رجَّح ضروريّته لأن الدليل الدال عليه هو ذاته الدال على الإمامة. ثم مع هذا الترجيح؛ لم يستبعد عدم سلب صفة الإيمان من غير المعتقد بالعصمة، لأنه استظهر حكم الأئمة عليهم السلام على كثير من أصحابهم بالإيمان بل بالعدالة رغم كاشفية أخبارهم - كما في رجال الكشي - عن عدم إيمانهم بالعصمة.

ولكن الشهيد الثاني ليس يقصد من هذا الكلام أن مَن يؤمن بالإمامة دون العصمة مؤمن مطلقا؛ بل يقصد أن الذي يؤمن بالإمامة وتخفى عليه العصمة لا يبعد تحقق إيمانه، لأنه في حقيقة الأمر يكون قاصرا لا مقصّرا.
يدلك على أن هذا هو مراد الشهيد الثاني قولُه: «فإن كثيرا منهم ما كانوا يعتقدون عصمتهم لخفائها عليهم»، أي أنهم لم يطلعوا عليها أو لم يدركوها لكونها تفصيلا عن الإمامة، لا أنها كانت ظاهرة لهم واطلعوا عليها ومع ذلك رفضوها، فإنهم لو ذاك يكونون خارجين عن الإيمان جزما.

أما علة هذا الخفاء فتتمثل في أن كثيرا من أصحاب الأئمة عليهم السلام هم من المهتدين المتشيعين، أي الذين جاءوا من البيئة المذهبية المخالفة. ومعلومٌ أن الاعتقاد بالعصمة في تلك البيئة مهجور حتى أنهم لا يعتقدون بعصمة رسول الله صلى الله عليه وآله؛ ناهيك عن الاعتقاد بعصمة مَن دونه، حيث يرون ذلك ضربا من الغلو. وتنزّه الإنسان عن كل رواسب عقيدته الباطلة السابقة أمرٌ يحتاج إلى وقت وجهد ووفرة ووضوح في الدلائل، وهذا ما لم يتأتَّ لكثير من الأصحاب في مُدَدِ أعمارهم، خاصة في ظل ظروف التقية والاضطهاد التي كانت تضطر الأئمة عليهم السلام أنفسهم إلى كتمان كثيرٍ من خصائصهم وحقائقهم حتى عن خُلَّصِ أصحابهم خشيةً وإشفاقا عليهم، إذ كان تصريح أحد بأنه يعتقد مثلاً بعصمة الكاظم عليه السلام موجبًا للحكم عليه بالغلو والكفر عند الدولة وفقهائها وقضاتها، وقد يكلّفه ذلك حياته.

ولقد كان أصحاب الأئمة يستشعرون أحيانا أنهم عليهم السلام يخفون عنهم أمورا أو تخفيها العوارض والظروف، ولذا كانوا يكررون أمام الله وأمام الناس أن القول منهم في جميع الأشياء قول آل محمد عليهم السلام في ما أسرّوا وما أعلنوا وفي ما بلغهم عنهم وفي ما لم يبلغهم. وهذا في الواقع كافٍ في مثل تلك الظروف الزمنية في تحقق الإيمان وإن لم يقف المؤمن منهم على العصمة، لأنها تفصيل قد أجمله في اعتقاده.

وإن هذا هو الذي أراده الشهيد الثاني من كلامه المزبور، فإنه بعدما ذكر ما يُعَدُّ من تفصيل الاعتقاد بأصل الإمامة قال: «فهل يعتبر [هذا التفصيل] في تحقق الإيمان أم يكفي اعتقاد إمامتهم ووجوب طاعتهم في الجملة؟ فيه الوجهان السابقان في النبوة». فتراه هنا قد أحال على ما ذكره سابقا في أصل النبوة، وهو قبل صفحتين حيث قال: «الأصل الثالث التصديق بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وبجميع ما جاء به تفصيلا في ما علم تفصيلا، وإجمالا في ما علم إجمالا. وليس بعيدا أن يكون التصديق الإجمالي بجميع ما جاء به عليه السلام كافيا في تحقق الإيمان، وإن كان المكلف قادرا على العلم بذلك تفصيلا يجب العلم بتفاصيل ما جاء به من الشرائع للعمل به. وأما تفصيل ما أخبر به من أحوال المبدأ والمعاد، كالتكليف بالعبادات، والسؤال في القبر وعذابه، والمعاد الجسماني، والحساب والصراط، والجنة، والنار، والميزان، وتطاير الكتب، مما ثبت مجيئه به تواترا، فهل التصديق بتفاصيله معتبرة في تحقق الإيمان؟ صرح باعتباره جمع من العلماء. والظاهر أن التصديق به إجمالا كاف، بمعنى إن المكلف لو اعتقد حقية كل ما أخبر به عليه السلام؛ بحيث كلما ثبت عنده جزئي منها صدَّق به تفصيلا؛ كان مؤمنا؛ وإن لم يطلع على تفاصيل تلك الجزئيات بعد. ويؤيد ذلك أن أكثر الناس في الصدر الأول لم يكونوا عالمين بهذه التفاصيل في الأول، بل كانوا يطلعون عليها وقتا فوقتا، مع الحكم بإيمانهم في كل وقت من حين التصديق بالوحدانية والرسالة، بل هذا حال أكثر الناس في جميع الأعصار كما هو المشاهد فلو اعتبرناه لزم خروج أكثر أهل الإيمان عنه، وهو بعيد عن حكمة العزيز الحكيم» (حقائق الإيمان ص148).

إذن؛ إن هؤلاء الذين اعتُبر إيمانهم من أصحاب الأئمة عليهم السلام هم كأولئك من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله؛ الذين خفيت عنهم التفاصيل والجزئيات «وكانوا يطلعون عليها وقتا فوقا»، لا لجحود منهم أو تقصير بل لقصور أو لعوارض وموانع وظروف، فحينئذ يكفي تصديقهم الإجمالي في تحقق الإيمان مع إحراز أن الواحد منهم «كلما ثبت عنده جزئي منها صدّق به تفصيلا».

هذا ولا يخفى أن القائل بأن كثيرا من أصحاب الأئمة عليهم السلام خفيت عليهم العصمة؛ قائل أيضا بأن كثيرا منهم لم تخفَ عليهم إذ سمحت ظروفهم بالاطلاع عليها، فآمنوا بها وحدّثوا بأخبارها ونشروها عقيدةً راسخةً في أهل الحق. ثم إن أولئك الذين خفيت عليهم العصمة؛ كثيرا ما كانت تتجلى لهم في ما بعد فيؤمنون بها ويقطعون عليها. ويمكن ههنا تصوّر ذلك في مثال سدير الصيرفي، فلقد وجدناه في رواية يعترض على الإمام الصادق عليه السلام أو يعذله بما يكشف عن عدم إدراكه لعصمته، حين قال له: «والله ما يسعك القعود! فقال: ولمَ يا سدير؟ قال: لكثرة مواليك وشيعتك وأنصارك، والله لو كان لأمير المؤمنين عليه السلام ما لك من الشيعة والأنصار والموالي ما طمع فيه تيم ولا عدي» (الكافي ج2 ص424) ثم لم يلبث سدير أن أدرك العصمة بعد زمن عندما سمع من الإمام عليه السلام قوله الصريح: «نحن قوم معصومون، أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا، نحن الحجة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض» (الكافي ج1 ص269) وهذه الرواية الأخيرة متأخرة زمانا - على الظاهر - من تلك بقرينة الراوي عن سدير وهو أبو طالب الأزدي الشعراني، وعنه أبو عبد الله البرقي.

وأما ابن الجنيد فإنه لم يقل أن عدم الاعتقاد بالعصمة لا يخرج من المذهب، ولا بلغنا عنه نص في ذلك. إنما الذي بلغنا هو ما جاء في (المسائل السروية) للمفيد من أن ابن الجنيد في رسالة له تسمى (المسائل المصرية) حمل تعارض الأخبار على إفتاء الأئمة عليهم السلام بالرأي، ولازم ذلك أنهم غير معصومين وإنما هم من أهل النظر والاجتهاد.

وحيث أن (المسائل المصرية) لم تُعرَف أنها من رسائل ابن الجنيد لانفراد (المسائل السروية) بذكرها، بل لم يُحرَز كون (المسائل السروية) للمفيد أصلا؛ فإن القطع على أن ابن الجنيد قائل بهذا القول يمنعه الورع والاحتياط، فلعل الرجل بريء منه، أو أنه فُهِم خطأ، فهو على كل حال لم يُشتَهر عنه هذا القول، ولا نُسب إليه إلا في كتاب غير معلوم النسبة للناسب أصلاً، ولو كان قائلاً به لاشتُهر عنه كما اشتُهر قوله بالقياس، ولجُعل العلة العظمى في ردّ مصنفاته وعدم التعويل عليها، والحال أنّا نرى الإطباق على أن علة الرد إنما هو قوله بالقياس فقط، كما نجد مثلاً في ترجمته لدى شيخ الطائفة إذ قال فيه: «جيّد التصنيف حَسَنَه، إلا أنه كان يرى القول بالقياس فتُركت لذلك كتبه ولم يعوَّل عليها» (الفهرست ص209).

فهذا - أعني عدم اشتهار قوله بعدم عصمة الأئمة عليهم السلام - هو سرّ دفاع السيد بحر العلوم عنه، إذ قال: «وهذا القول وإن لم يشتهر عنه إلا أن قوله بالقياس معروف مشهور» (الفوائد الرجالية ج3 ص213). مُضافاً إلى ما قرّره السيد مما يجري مجرى كلام الشهيد الثاني من الحمل في مثل هذه الموارد على خفاء الأدلة إذ قال: «والوجه في الجمع بين ذلك وبين ما نراه من اتفاق الأصحاب على جلالته وموالاته وعدم قطع العصمة بينهم وبينه؛ حمله على الشبهة المحتملة في ذلك الوقت لعدم بلوغ الأمر فيه إلى حد الضرورة، فإن المسائل قد تختلف وضوحا وخفاء باختلاف الأزمنة والأوقات، فكم من أمر جلي ظاهر عند القدماء قد اعتراه الخفاء في زماننا لبعد العهد وضياع الأدلة. وكم من شيء خفي في ذلك الزمان قد اكتسى ثوب الوضوح والجلاء باجتماع الأدلة المنتشرة في الصدر الأول، أو تجدد الإجماع عليه في الزمان المتأخر» (المصدر نفسه ج3 ص215).

إلا أنّا مع ذلك نرى أن هذا الدفاع مخدوش بثبوت (المسائل السروية) للمفيد، فلغته هي لغة المفيد لا تختلف عنها، كما أن للمفيد رسالة أخرى ذكرها النجاشي بعنوان (النقض على ابن الجنيد في اجتهاد الرأي) وأخرى بعنوان (رسالة الجنيدي إلى أهل مصر)، ما يعني صحة نسبة الرد للمفيد، وأما نسبة القول لابن الجنيد فعدم الاشتهار مانع من الجزم بها، فلا يبقى سوى احتمال اشتباه المفيد في فهم مراد ابن الجنيد أو تحميله ذلك اللازم وهو قول الأئمة عليهم السلام بالرأي، فإنه على كل حال لا صراحة في ما وصلنا عن ابن الجنيد في ذلك، والورع والاحتياط قاضيان بمنع هذه النسبة إليه قبل الوقوف على قوله الصريح واشتهاره عنه. ولقد استدرك بعض العلماء على من ردّوا على ابن الجنيد بما يفيد اشتباههم في فهم مراده، فلاحظ مثلا ما في هامش عوالي اللئالي للاقا مجتبى العراقي: «قال السيد المرتضى رحمه الله: قد روت الشيعة الإمامية كلها ما هو موجود في كتبها ومشهور في رواياتها - ثم حكى هذا الحديث المشهور وعضّده بأحاديث أخرى على منواله - ثم قال بعدها: فالذي يروي هذه الأخبار مستحسنا لها ومعولا عليها كيف يجوز منه الشك في أنه كان يذهب إلى أن الحاكم يحكم بعلمه لولا قلة التأمل من ابن الجنيد؟ قال الشيخ أبو العباس: هذا الرد من السيد والحط على ابن الجنيد بالمعارضة له بحكم علي عليه السلام وهو إمام معصوم يدل على أن المانع يمنع منه أيضا، فكيف يُدَّعى اتفاق الإمامية كافة على أن الحاكم يحكم بعلمه وموضع الخلاف غيره؟ لكنه أعلم بما قال. والذي يظهر لي من هذه العبارة أن احتجاج السيد المرتضى على ابن الجنيد بهذا الحديث وما شاكله ليس مطابقا لموضع الخلاف، لأن موضع الخلاف في أنه هل للحاكم أن يحكم بعلمه على الإطلاق؟ والسيد احتج على أن عليا عليه السلام حكم بعلمه، وذلك ليس محل الخلاف، فلعل المخالف إنما خالف في غير المعصوم، ولم يخالف في المعصوم. هكذا توجيه كلام الشيخ أبو العباس، وهو حسن، فإن الظاهر أن الخلاف بينهم إنما هو في غير الإمام» (عوالي اللئالي ج3 ص519). وأما إمكان خفاء أدلة العصمة على ابن الجنيد فدعوى ضعيفة كذلك، فإنه في زمانه - حيث كان معاصرا للكليني - كانت الأدلة قد استحكمت في الأصول. فالمعتمد إذن هو الحمل على الاشتباه في فهم مراده، وإلا لانضم إلى المفيد آخرون في النكير عليه في أمر العصمة.
وإنّا - على كل حال - لا نملك إلا الالتزام بقواعد الشرع وأحكامه، فإذا كنا عرفنا امرئا منا بالعدالة، ثم جاءتنا حكاية عنه تخدشها، ولم نجد الحكاية ثابتة أو مورثة للقطع أو الاطمئنان؛ فإنه ليس لنا إسقاط عدالته أو إخراجه منا بمجرد ذلك. وحال ابن الجنيد هي هذه؛ وهي كحال أحمد بن نوح السيرافي مثلا؛ الذي عُرف بالفقاهة والوثاقة، ولكن حُكي عنه أنه قائل بمقالة فاسدة هي إمكان رؤية الله تعالى، فلم يسع الرجاليين سوى الحكم ببقاء عدالته ووثاقته، إذ لم تثبت عنه تلك الحكاية.

ثم إن الذي دار بين عبد الله بن أبي يعفور والمعلى بن خنيس لا يدل على انتفاء اعتقاد الأول بعصمة الأئمة عليهم السلام، كما لا يدل ما نطق به الصادق عليه السلام في الرواية على تصحيح هذا الانتفاء، وإنما غاية ما هنالك تبديده عليه السلام ما توهّمه ابن خنيس من إمكان إطلاق صفة النبوة على الأئمة بذريعة ثبوت كونهم محدَّثين من الملائكة كما الأنبياء عليهم السلام. وإليك البيان:

قد روى الكشي بسنده عن أبي العباس البقباق قال: «تذاكر ابن أبي يعفور ومعلى بن خنيس، فقال ابن أبي يعفور: الأوصياء علماء أبرار أتقياء. وقال ابن خنيس: الأوصياء أنبياء. قال: فدخلا على أبي عبد الله عليه السلام، قال: فلما استقر مجلسهما، قال: فبدأهما أبو عبد الله عليه السلام فقال: يا عبد الله ابرأ ممن قال إنا أنبياء» (رجال الكشي ص221).

وهذه الرواية - كما ترى - ليس فيها إلا البراءة ممن قال فيهم أنهم أنبياء، ولكن بعض معوجي السليقة يروق لهم أن يذهبوا بها إلى معنى آخر هو نفي عصمتهم عليهم السلام! ولئن سألتهم عن الدليل قالوا: إن براءة الإمام هنا إنما هي من اعتقاد المعلى بن خنيس، وهو بهذا يصادق على اعتقاد عبد الله بن أبي يعفور، لأن النزاع كان بين الطرفين وقد دخلا على الإمام متحاكميْن، ولم يكن اعتقاد ابن أبي يعفور فيهم سوى أنهم مجرد علماء أبرار أتقياء، لم يذكر أنهم معصومون أو لهم خصائص غير عادية، ولا ذكر ذلك الإمام.

وهذا استدلال مضحك! لبداهة عدم تنافي القول بأن الأوصياء علماء أبرار أتقياء مع القول بأنهم معصومون، فهذا مثلا ثقة الإسلام الكليني عليه الرحمة؛ كان يعبّر عنهم بأنهم علماء وهو مع ذلك معتقد بعصمتهم عليهم السلام، فتراه في ديباجة كتابه الكافي يقول: «فاعلم يا أخي أرشدك الله أنه لا يسع أحدا تمييز شيء مما اختلف الرواية فيه عن العلماء عليهم السلام برأيه؛ إلا على ما أطلقه العالم بقوله عليه السلام: اعرضوها على كتاب الله فما وافى كتاب الله عز وجل فخذوه، وما خالف كتاب الله فردوه» (الكافي ج1 ص8) ثم تراه يترجم لباب من أبواب كتابه بقوله: «باب في أن الأئمة بمن يشبَّهون ممن مضى؛ وكراهية القول فيهم بالنبوة» ويجعل أول حديث فيه ما «عن حمران بن أعين قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما موضع العلماء؟ قال: مثل ذي القرنين وصاحب سليمان وصاحب موسى عليهم السلام» (المصدر نفسه ج1 ص268) وسادس الأحاديث ما عن سدير عن أبي عبد الله عليه السلام وفيه: «نحن خزان علم الله، نحن تراجمة أمر الله، نحن قوم معصومون، أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا، نحن الحجة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض» (المصدر نفسه ج1 ص270). ثم في الباب الذي يليه وهو «باب فيه ذكر الأرواح التي في الأئمة عليهم السلام» يجعل أول أحاديثه ما عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام وفيه: «وأيدهم بروح الشهوة فبه اشتهوا طاعة الله عز وجل وكرهوا معصيته» (المصدر نفسه ج1 ص272) وهكذا إن تصفحّت كتابه الكافي؛ ديباجته وأبوابه وأحاديثه؛ تجده مشحونا بما يدل على العصمة واعتقاده بها.

وعبد الله بن أبي يعفور رحمه الله لا يختلف عن الكليني في هذا الاعتقاد، فليس مجرد تعبيره عن الأوصياء بأنهم علماء أبرار أتقياء يعني أنه ينفي عصمتهم أو يراهم كغيرهم من البشر سوى أنهم علماء أبرار، كيف وهو الذي يروي أنهم مسدّدون من الله تعالى محدَّثون من الملائكة؟ فقد أخرج الصفار بسنده عنه قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أكان علي عليه السلام يُنكَت في قلبه أو يوقَر في صدره وأذنه؟ قال: إن عليا عليه السلام كان محدَّثا. قال: فلما أكثرتُ عليه قال: إن عليا عليه السلام يوم بني قريظة وبني النضير كان جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره يحدِّثانه» (بصائر الدرجات ج2 ص341) وهذا يساير العصمة كما هو معلوم.

وإن له من الأحاديث ما يكشف عن أنه يعتقد في الإمام ما يفوق الاعتقاد بمجرد كونه عالما برا تقيا، ولذا لا بد من أن لا يُفهم تعبيره عنه بالعالم على نحوٍ يتضمن نفي الاعتقاد بعصمته وعلمه اللدني واطلاعه على الغيب وما إلى ذلك. من تلك الأحاديث ما رواه الكشي عنه قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: والله لو فلقتَ رمانة بنصفين، فقلتَ: هذا حرام، وهذا حلال، لشهدتُ أن الذي قلتَ: حلال؛ حلال، وأن الذي قلتَ: حرام؛ حرام. فقال: رحمك الله، رحمك الله» (رجال الكشي ص323). وهذا الحديث يساير الاعتقاد بالعصمة في مرتبة عالية؛ لا في الحكم فقط بل في الموضوع.

بهذا يُعلم أن وصف ابن أبي يعفور للأوصياء بأنهم علماء إنما يتضمن معنى عصمتهم، إذ إن هذا الوصف هو ما كان يجري على لسان الأئمة وشيعتهم، وهو مع ذلك كان يستتبع ضمنيا كل معاني فوقيتهم على سائر البشر، كتمتعهم بالعصمة والعلم اللدني والإلهام الإلهي والتحديث الملائكي والاطلاع على الغيب والضمائر وما إلى ذلك. هذا هو المرتكز في أذهان الشيعة تبعا لما تلقوه من أئمتهم عليهم السلام، والروايات الدالة عليه كثيرة منها على سبيل المثال ما عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام قال: «الأئمة علماء، صادقون، مفهَّمون، محدَّثون» (بصائر الدرجات ج1 ص339)

وتدلنا الآثار على أن بعضًا من الأصحاب إذ سمعوا من الأئمة عليهم السلام أن الملائكة تحدثهم؛ ما تعقّلوا الفرق بينهم وبين الأنبياء عليهم السلام، وما ميّزوا بين النبي والمحدَّث، فوقعوا في الغلو بقولهم أن الأئمة أنبياء، كأبي الخطاب لعنه الله، ففي الخبر عن أبي جعفر عليه السلام: «هي التي هلك فيها أبو الخطاب فلم يدرِ ما تأويل المحدَّث والنبي» (الكافي ج1 ص270). غير أن آخرين أنجوا أنفسهم من الهلكة بالرجوع إلى أئمتهم ليفسّروا لهم ما أشكل عليهم، كحمران عليه الرضوان، الذي جاء إلى أبي جعفر عليه السلام قائلا: «أليس حدثتَني أن عليا عليه السلام كان محدَّثا؟ قال: بلى. قلت: مَن يحدثه؟ قال: مَلَك يحدثه. قال: قلتُ: أقول أنه نبي أو رسول؟ قال: لا؛ ولكن قل: مَثَله مثَل صاحب سليمان، وصاحب موسى، ومُثَله مثل ذي القرنين» (بصائر الدرجات ج1 ص343)

وبدلالة هذا الحديث الأخير تعرف أن المعلى بن خنيس كان ممن زلّت به القدم لبرهة فقال بمقالة أبي الخطاب بعد إذ لم يدرِ ما تأويل المحدَّث والنبي، فكان أن دار بينه وبين ابن أبي يعفور جدال في ذلك، فبينما كان ابن خنيس يقول أن الأوصياء أنبياء لمكان حديث الملائكة معهم؛ كان ابن أبي يعفور يقول أنهم علماء أبرار أتقياء، أي أنهم مع كونهم معصومين مسددين محدَّثين مفهَّمين؛ لا يجوز إطلاق وصف النبوة عليهم، ولا نشبّههم إلا بصاحب سليمان عليهما السلام الذي وصفه القرآن بأنه عالم في قوله تعالى: «قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ»، أو بصاحب موسى عليهما السلام الذي وصفه القرآن أيضا بأنه عالم في قوله تعالى: «وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا» أو بذي القرنين عليه السلام الذي وصفه القرآن بأنه محدَّث معلَّم من الله سبحانه في قوله: «قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ».

هذا هو ما دار بين الرجلين، وهو كما ترى بعيد تماما عن النقاش في العصمة أو التردد فيها. إنما هو نقاش في جواز إطلاق صفة النبوة على الأوصياء من عدمه، وقد حسم الأمر الصادق عليه السلام بقوله ابتداءً لابن أبي يعفور: «ابرأ ممن قال إنّا أنبياء»، فكانت هذه بذاتها آية من آيات الصادق عليه السلام إذ علم ما كان دائرا بين الرجلين قبل أن يتكلما، وعلى أثرها رجع ابن خنيس عن زلّته.

وإن معوجي السليقة حسبوا أن قول ابن أبي يعفور أن الأئمة علماء أبرار أتقياء ينفي اعتقاده بالعصمة! وما هذا التوهم منهم إلا بسبب قصر باعهم في الاطلاع على الأخبار والآثار التي سقنا لك شيئا منها، حيث تُظهر بجلاء طبيعة المعركة الفكرية التي ولَّدت مثل هذا الجدال الذي دار بين الطرفين، وأن النقاش كان ناظرا إلى مسألة كون الأئمة محدَّثين وما يبتني على ذلك من اعتقاد في صفتهم ليس إلا، وخلاصته أن ابن خنيس كان يقول: ثبت أنهم محدَّثون من الملائكة فهم أنبياء! فردّ عليه ابن أبي يعفور: نعم هم محدَّثون غير أني لا أتجاوز في وصفهم ما وصفوا به أنفسهم فأقول أنهم علماء. وفي الحديث عن الصادق عليه السلام في قول الله عز وجل: «بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ؛ قال: هم الأئمة عليهم السلام» (الكافي ج1 ص214).

ج2: الضرورة الدينية في عالم الواقع والحقيقة لا تتبدل ولا تتغير، إنما يكون تكشّفها أو اكتشافها متوقفا على الإدراك البشري، وهو تارة يصيب وأخرى يخطئ، «فكم من أمر جلي ظاهر عند القدماء قد اعتراه الخفاء في زماننا لبعد العهد وضياع الأدلة. وكم من شيء خفي في ذلك الزمان قد اكتسى ثوب الوضوح والجلاء باجتماع الأدلة المنتشرة في الصدر الأول، أو تجدد الإجماع عليه في الزمان المتأخر» كما قال السيد بحر العلوم.

وكلام العلامة المامقاني رحمه الله إنما كان في مقام التحذير من الاسترسال في الاعتماد على جرح بعض القدماء كالقميين لبعض الرواة بدعوى أنهم من أهل الغلو، حيث بيَّن أنهم كانوا مفرطين في نسبة الرجل إلى الغلو ما إنْ سمعوا منه رواية لم يهضموها. وما قوله: «إن الغلو عند القدماء ينسب إلى الرجل بأدنى شيء، بل أكثر ما نعتقده الآن في أهل البيت عليهم السلام كانوا يومئذ يسمّونه غلوا» (تنقيح المقال ج6 ص340) إلا معطوفا على قوله: «إنه لا يخفى على من تتبّع أحوال القدماء - سيما القميين منهم- أنهم كانوا يجرحون الرجل بأدنى شيء، وينسبون إليه الانحراف في فروع أصول الدين بمجرد رؤية رواية في كتابه دالة عليه، أو نسبه واحد ذلك إليه، فيلزم المجتهد في الرجال أن يبذل جهده في تحقيق ذلك، وأنه إذا ثبتت عنده وثاقة الرجل؛ وكونه إماميا بشهادة أهل الخبرة بذلك - كالنجاشي والشيخ والعلاّمة وأضرابهم- لا يقبل في حق الرجل تهمة في ما يرجع إلى فروع أصول المذهب أو الدين (...) ولا ينبغي قبول كل جرح من كلّ أحد؛ فإن جرحهم ليس كالتعديل، فإن مقتضى الاشتباه في التعديل يسير، بل من أمعن النظر في كلماتهم ودقق الفكرة في سيرتهم علم أنهم لا يوثقون الرجل إلا إذا كان في أعلى درجات العدالة، ولكنهم في الجرح يجتزئون بأدنى جرح من أحد، مع أن مقتضيات الاشتباه في الجرح كثيرة؛ فإن جملة كثيرة مما نعتقده في حق النبي صلى الله عليه و آله وسلم والأئمة عليهم السلام اليوم كان يُرمى المعتقد به في سالف الزمان بالارتفاع و الغلو، وكثيرا ما يجرحون الراوي بأدنى سبب، وكانوا يخرجون الراوي من قم لأشياء لا تورث فسقا قطعا - كتمويه الأمر على حماره بأن في ذيل ثوبه شعيرا أو علفا.. ونحو ذلك - فينبغي التدقيق في أمر الجرح مثل العدالة، بل أكثر، لما ذكرنا من كثرة مقتضيات الاشتباه في الجرح، حتى أنه قد وقع نزاع كثير بين الشيعة أنفسهم في بعض فروع الأصول على وجه أدى إلى المنافرة بينهم» (المصدر نفسه ج2 ص354).

ومن هذا تعلم أن كلامه رحمه الله أجنبي أصلا عن البحث في ضرورة الاعتقاد بالعصمة عند القدماء، فإنهم - بمن فيهم القميون - كانوا معتقدين بها. غاية ما هنالك أنهم كانوا يفرطون في جرح بعض الرواة لروايتهم ما اعتبروه - لخفاء الأمر أو عدم إدراكه - غلوا وارتفاعا. وإنّا اليوم بعد اجتماع الأدلة واتساع نطاق الإدراك لم نجده شيئا يوجب القدح، بل وجدناه متفقا مع الضروريات من مذهبنا. كما قد يكون بعض ما لا نعتبره اليوم ضروريا لضياع الأدلة؛ هو عندهم من الضروريات لقرب العهد بالأدلة.

ومهما يكن من أمر؛ فإن كلام العلامة المامقاني إنما يخص فئة من القدماء كالقميين، لا جميعهم كالبغداديين. وعليه فلنا التمسك بأن الاعتقاد بالعصمة كان ولا يزال على مرّ أزمان الشيعة ضروريا، منذ عهود حضور الأئمة عليهم السلام إلى يومنا، قديما وحديثا، إذ لا يضر أن تكون فئة من فئات الشيعة غير معتقدة به لعوامل فكرية أو بيئية ثقافية قد طرأت عليها فأوقعتها في هذا القصور أو التقصير. هذا إنْ سلَّمنا جدلا بأن القميين ما كانوا يعتقدون بالعصمة، فإنهم في الحقيقة كانوا بها معتقدين. وأما قول بعضهم بوقوع السهو من النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام؛ فلا يضر باعتقادهم بالعصمة، ذلك لأن التدقيق في أقوالهم قادنا إلى أنهم قد أخذوا بروايات ذكرت (الإسهاء) لا (السهو)، بمعنى أن الله تعالى قد أسهى نبيّه صلى الله عليه وآله ليُعلم ما يترتب على السهو من أحكام. وهذا القول - علميا - لا ينافي بالاعتقاد بالعصمة عند صاحبه لأن (الإسهاء) عبارة عن تبدّل الواقع بما يتبدّل معه التكليف. ونحن وإن خطّأناهم في أخذهم بتلك الروايات لموافقتها العامة؛ فإنّا لا نملك أن نتحامل فنحمّلهم لازمًا لا يقولون به ونتهمهم بإنكار العصمة مع قولهم بها. ولك أن تراجع في ذلك بعض محاضراتنا في الليالي الرمضانية ودروس الكلام حيث فصّلنا هذه المسألة.

ج3: قد تبيّن لك الجواب من سابقه.

ج4: إذا كان القائل بهذه المقالات الفاسدة عندنا لا يلتزم بخدشها العصمة؛ لخفاء أو لشبهة أو لضعف إدراك أو قصور؛ فليس لنا إخراجه من المذهب، لأنه التزم بالأصل؛ وأنكر تفصيلا عنه. أي أنه يلتزم بالعصمة، ويقول مثلا: أن (ترك الأولى) غير ضارٍّ بها، وكذا (الإسهاء) غير ضار. نعم؛ لو فُرِض وضوح الأمر بما تمّت به الحجة على القائل؛ فلنا حينئذ الحكم بخروجه من المذهب. ومهما يكن؛ فإن لنا تشديد النكير عليه بعد إيضاح أن هذه الأمور تخدش العصمة واقعا.

ج5: قد تبيّن لك من جواب سابقه.

وفقكم الله لمراضيه

مكتب الشيخ الحبيب في لندن

13 جمادى الأولى 1439 هجرية


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp