لماذا لم يرسل الله رسلًا للمناطق الأخرى غير منطقة الشرق الأوسط؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يشكل الملاحدة و اللادينيون -كما تعلمون- على عقيدة النبوة، ومن بين الشبهات التي يثيرونها فكرة أن الله لم يحدثنا عن أنبياء من خارج منطقة الشرق الأوسط ( سواء في القرآن الكريم أو في كتب أهل الكتاب) ، فيقولون: إذا كانت النبوة ضرورية فلماذا لم الله يرسل أنبياء في مناطق أخرى من مناطق العالم؟ و إن كان قد فعل فلماذا لم يحدث عنهم؟ بصراحة بحثت كثيرا عن إجابة مقنعة، فوجدت على سبيل المثال إجابات أهل الخلاف سطحية ولا تقنع حتى المؤمن فما بالكم بالملحد
فكيف نرد على هذه الشبهة؟ وهل في الحديث النبوي أو في روايات أهل البيت عليهم السلام إجابة في هذا الخصوص؟


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بمراجعة الشيخ،

الإشكال مبني على مقدمة خاطئة وهي أن النبوة ضرورية على نحو الإطلاق والاستغراق، ولسنا نقول بهذا، إنما نقول أنها ضرورية لإتمام الحجة وتسويغ العذاب في حال التكذيب والجحود، كما هو مفاد قوله تعالى: «وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا» (الإسراء: 16).

لا يقال: فمن الآيات: «وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ» (فاطر: 25) ومنها: «وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا» (النحل: 37) وهما دالتان على ضرورية النبوة لكل أمة من الأمم مطلقا لا لتسويغ العذاب. إذ يقال: لا إطلاق؛ فالآية الأولى مضافًا إلى ذكرها صفة النذير وهو مَن يُنذر بعذاب؛ قد اتصلت بها آيتان تذكران العذاب لعلة التكذيب وهما قوله سبحانه: «وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ * ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ». وكذا الآية الأخرى قد ذكرت في ذيلها العذاب لعلة التكذيب حيث يقول سبحانه: «وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّـهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ».

فتحصَّل أن النبوة عندنا ضرورية لإتمام الحجة وتسويغ العذاب على مَن هم في معرض العذاب إن كذَّبوا وجحدوا، حيث قال سبحانه: «رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّـهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا» (النساء: 166).

وليس يمتنع في حكمته تعالى أن لا يرسل إلى أقوام رسلًا لقصورهم - مثلا - عن الإدراك العقلي للنبوة وما تقتضيه، كما هو حال الشعوب البدائية الموجودة في أطراف العالم والغابات النائية عن الحضارة، فإن تكليفهم حينئذ بالإيمان بالنبوة والعمل بما تقتضيه من شرائع يكون تكليفًا بغير المقدور، وتعريضهم للعذاب يكون مجانبًا للعدل مع كونهم ممن «لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا» (النساء: 99)، وقد قال عز من قائل: «لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا» (البقرة: 287).

نعم؛ ليس يستلزم ذلك أن لا يحاسبهم الله على شيء البتة، فقد يحاسبهم على الفطرة التي فطر الناس عليها إن أعرضوا عنها حتى ولو كانت عقولهم ناقصة، فقد جاء في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: «إن الله عز وجل يحاسب العباد على قدر ما آتاهم من العقول في دار الدنيا» (أصل زيد الزراد من الأصول الستة عشر ص4). وقد يثيبهم عز وجل إن التزموا بالحد الأدنى من الفطرة رغم ما قد يشوبها من معتقدات فاسدة بسبب نقصان عقولهم، فلقد قصَّ علينا الصادق عليه السلام قصة ذلك الرجل العابد الذي كان يعبد الله - على قصور إدراكه العقلي - في جزيرة نائية، حتى أنه كان يقول: «ليس لربنا بهيمة! لو كان له حمار رعيناه في هذا الموضع فإن هذا الحشيش يضيع! فأوحى الله إلى المَلَك: إنما أثيبه على قدر عقله» (الكافي ج1 ص11).

ثم إن الأدلة الشرعية دلَّت على أن أقوامًا لم يُرسل الله لهم رسولًا على وجه الخصوص مع أنهم من ساكني الشرق الأوسط، وأنهم معذورون في هذه الدنيا؛ يُمنحون الفرصة للنجاة في الآخرة. أولئك هم (أهل الفترة). فالقول إذن بضرورية النبوة لكل قوم؛ باطل.

وعلى هذا؛ فلو فُرض أن الله سبحانه لم يرسل رسلًا إلى خارج هذه المنطقة فإن ذلك لا يقدح في شيء مما يبتني عليه الدين والإيمان، إذ يقال بأنه لا خلاف معتدًّا به في أن هذه المنطقة كانت قلب العالم المتحضر، وفيها نشأت أقدم الحضارات، وبها تأثر العالم، فإرسال الرسل إلى أممها وأقوامها هو مقتضى الحكمة، لأنهم عقلاء لهم من الاستعداد الذهني ما لا يحول بينهم وبين إدراك النبوة والعمل بما تقتضيه منهم، ولأن المنطقة الجغرافية التي يعيشون فيها تتيح عبرهم انتشار دعوات الأنبياء منها إلى سائر البشر في مختلف الأصقاع، إذ تميَّزت هذه المنطقة بالفوقانية الحضارية. وهذا التاريخ البشري ماثلٌ أمام نواظرنا وقد أثبت أنه انطلاقًا من هذه المنطقة قد تمددت دعوات الأنبياء عليهم السلام حتى بلغت العالم من أقصاه إلى أقصاه، ولو فُرض أن تلك الدعوات قد ظهرت في أنحاء أخرى من العالم كأميركا مثلًا؛ لما تمددت كل هذا التمدد العالمي، بل لانقرضت كما انقرض كل البنيان العقدي والفكري والثقافي للشعوب التي كانت تقطن هناك كالهنود الحمر.

هذا؛ مع أن في الأحاديث الشريفة والآثار الإنسانية ما يُستفاد منه ظهور النبوة في أقوام يقطنون على تخوم الشرق الأوسط، بل يمكن عدَّهم خارجه بلحاظ اختلاف الأصل العرقي والبيئة الثقافية المغايرة، ففي الحديث عن الباقر عليه السلام: «بعث الله نبيًّا حبشيًّا إلى قومه فقاتلهم فقُتل أصحابه وأُسروا، وخدوا لهم أُخدودًا من نار ثم نادوا: مَن كان من أهل ملتنا فليعتزل، ومَن كان على دين هذا النبي فليقتحم النار. فجعلوا يقتحمون، وأقبلت امرأة معها صبي لها فهابت النار فقال لها: اقتحمي. قال: فاقتحمت النار. وهم أصحاب الأخدود» (المحاسن للبرقي ص249). وعلى هذا فذكر النبوة في الحبشة مذكور في القرآن الحكيم بقوله تعالى: «قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ» (البروج: 5 - 9).

وإذا كان القرآن - عطفًا على الحديث - قد ذكر نبيًّا حبشيًّا إفريقيًّا؛ فإنه - عطفًا على الحديث أيضًا - قد ذكر ثلاثة أنبياء أتراك، وذلك في قوله تعالى: «وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ» (يس: 14 -15) ففي الحديث عن الباقر عليه السلام: «بعث الله رجلين إلى أهل مدينة أنطاكية فجاءاهم بما لا يعرفون، فغلظوا عليهما فأخذوهما وحبسوهما في بيت الأصنام، فبعث الله الثالث فدخل المدينة.. إلخ» (تفسير القمي ج2 ص213). ولنا أن نقول أن القرآن - عطفًا على التأريخ - قد ذكر نبيًّا قديمًا امتدَّت نبوته إلى اليونان، وهو إدريس عليه السلام، واسمه عند اليونانيين آرميس أو هرمس الحكيم (بحار الأنوار ج11 ص282).

وأيًّا كان؛ فإنه ليس بإمكاننا ادعاء الإحاطة بكل الأنبياء وتواريخهم، فلقد قال الله سبحانه: «وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ» (النساء: 165). وقال: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ» (غافر: 79).

وفقكم الله لمراضيه.

مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى

2 ربيع الآخر 1440 هجرية


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp