هل صحيح أن آية التطهير نزلت قبل اقتران علي بفاطمة عليهما السلام؟ وإذا كانت تدل على العصمة فكيف وقد أثبت القرآن ذنوبا للنبي صلى الله عليه وآله؟!

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

بسم الله الرحمن الرحيم

‏السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شكرا لإجابتكم على إستفساراتي ..

لدي سؤال آخر أذا تكرم وأرجو أن لا آخذ من وقتكم الكثير ...

متى نزلت آية التطهير ؟

وهل صحيح أنها نزلت قبل أن يتزوج سيدنا علي رضي الله عنه بستنا فاطمة عليها السلام ؟

سورة الأحزاب المذكوره فيها الآيه هل نزلت جمله واحده أم نزلت متفرقه ؟ ..

فهناك أحاديث مرويه عن الصحابه رضوان الله عليهم أن سورة الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة وتم نسخ آيات كثيره منها

هل الأيه فعلا تدل على العصمه ؟ طيب كيف تدل على العصمه من الذنوب وقد أثبت الله عز وجل ذنوباً للرسول عليه الصلاة والسلام . ألم يقل جل وعلا إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وا تأخر .. فهنا أثبت ذنب متقدم وذنب متأخر فكيف يستوى ذلك مع دلالة العصمه لأهل البيت من كافة الذنوب ؟

شكرا لك على سعة صدرك ..


باسمه تعالى شأنه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

إن آيات سورة الأحزاب نزلت متفرقة لا دفعة واحدة، وهكذا حال معظم سور القرآن الحكيم. وبغض النظر عن تحديد الفترة الزمنية التي نزلت فيها آية التطهير إذ لم يصلنا ذلك على وجه الدقة؛ فإن المهم في المقام هو ثبوت أن الآية المباركة نزلت مستقلة وفي خصوص الخمسة أهل الكساء صلوات الله عليهم.

قال ابن عساكر: ”وقولها – أي أم سلمة رضوان الله عليها: وأهل البيت رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين - هؤلاء الذين ذكرتهم إشارة إلى الذين وُجدوا في البيت في تلك الحالة، وإلا فآل رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم أهل البيت، والآية نزلت خاصة في هؤلاء المذكورين“. (الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين لابن عساكر ص106).

وقال الطحاوي: ”إن المرادين فيها هم رسول الله وعلي وفاطمة وحسن وحسين دون مَن سواهم“. (مشكل الآثار ج8 ص476).

وأما القول بأن الآية نزلت قبل اقتران أمير المؤمنين بالزهراء (صلوات الله عليهما) فهو قول تافه بلا دليل صحيح، وعلى فرض صحته فإن ذلك لا يخلّ باختصاص الآية بأصحاب الكساء (عليهم السلام) لأنها نزلت وفسّرها النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) عملياً وأوضح المرادين منها في حادثة الكساء الشريف حين قال: ”هؤلاء أهل بيتي“. وفي لفظ آخر: ”هؤلاء أهل البيت فأذهب عنهم الرّجس وطهرهم تطهيرا“. (المستدرك للحاكم ج3 ص158 وسنن البيهقي ج2 ص105 وتفسير الطبري ج10 ص297 ومسند أحمد بن حنبل ج6 ص292 وغيرها كثير).

بل وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يؤكد على المقصودين بالآية يوميا حين يطرق باب علي وفاطمة (عليهما السلام) كل صباح، فقد روى البخاري عن أبي الحمراء قال: ”صحبت النبي صلى الله عليه وسلم تسعة أشهر فكان إذا أصبح كل يوم يأتي باب علي وفاطمة فيقول: السلام عليكم، إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا“. (التاريخ الكبير للبخاري ج9 ص26 وكذا ابن شيبة في مسنده ج2 ص232 وابن عبد البر في الاستيعاب ج4 ص572 وغيرها).

ويدل هذا على أن الآية هي في أهل البيت الخمسة ومن ينحدر عنهم بالنص الوارد عنهم، لا في غيرهم كنساء النبي (صلى الله عليه وآله) إذ إنه لم يصنع معهم مثل ما صنع مع علي وفاطمة والحسنين (عليهم السلام) ولا أُثر عنه أنه كان يطرق أبوابهن ويخاطبهن بهذه الآية.

ولا أدلَّ على خروج الزوجات عن المرادين بهذه الآية من حديث أم سلمة (رضوان الله عليها) حيث منعها النبي (صلى الله عليه وآله) من الدخول تحت الكساء قائلا: ”إنك إلى خير، إنك إلى خير“. وفي لفظ آخر: ”أنت على مكانك وإنك إلى خير“. (مسند أحمد بن حنبل ج6 ص292 والدر المنثور للسيوطي ج5 ص198 وغيرهما كثير). وفي لفظ ثالث قالت أم سلمة: ”يا رسول الله ما أنا من أهل البيت؟ قال: إنك أهلي خير، وهؤلاء أهل بيتي“. (مستدرك الحاكم ج2 ص416 وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه).

أما الأحاديث التي تذكر أن سورة الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة فترجع إلى اعتقاد عمر بن الخطاب (عليه لعائن الله) بتحريف القرآن ونقصه، وإشاعته ذلك الاعتقاد الفاسد بين المسلمين، فقد رُوي عن حذيفة قال: ”قال لي عمر بن الخطاب: كم تعدّون سورة الأحزاب؟ قلت: ثنتين أو ثلاثا وسبعين. قال: إن كانت لتقارب سورة البقرة! وإن كان فيها لآية الرجم“. (كنز العمال للمتقي ج2 ص480 والدر المنثور للسيوطي ج5 ص180).

ويقصد من آية الرجم: ” الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم“! (مستدرك الحاكم ج2 ص415 وكنز العمال ج2 ص481 وغيرهما كثير).

وقد حاول العمريّون تبرير اعتقاد عمر بقولهم أن هذه الآيات الناقصة إنما أُسقطت من القرآن بالنسخ! وهذا مردود بقوله تعالى: ”مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ“. (البقرة: 107) فلا بدّ من أن تحلّ آية محلّ أخرى فتكون عوضاً عنها لا أن تسقط من القرآن فتصبح سورة الأحزاب مثلا ثلاثا وسبعين آية بعد أن كانت آياتها أكثر من ذلك بكثير إلى درجة أنها كانت تعدل سورة البقرة!

أما عن دلالة آية التطهير، فنعم هي تدلّ على عصمة أهل بيت النبوة (صلوات الله وسلامه عليهم) لأن الإرادة فيها تكوينية، منحصرة بهم بقوله تعالى: ”إنما“، وإذهاب الرجس عنهم مستمر لا ينقطع ولا يتخلّف لأن الإرادة الإلهية لا تنقطع ولا تتخلّف، والرجس هاهنا مطلق الذنب وما لا خير فيه لا خصوص النجاسة أو الخباثة، إذ القرآن يفسِّر بعضه بعضا، وقد قال تعالى: ”وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ“. (يونس:101) وقال تعالى: ”فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ“. (الأنعام:126) وقال تعالى: ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ“ (المائدة:91) وقال تعالى: ”وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ“. (التوبة:125).

فعرفنا بدلالة هذه الآيات أن الرجس عام يشمل كل ذنب وكل ما لا خير فيه، وقد ثبت بنص آية التطهير أن الله مُذهبه عن هؤلاء الطاهرين (عليهم السلام) وبذا تثبت عصمتهم.

أما القول بأن خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أثبت الله له ذنوبا؛ فذلك قول الطائفة البكرية المنحرفة التي تسمي نفسها بأهل السنة والجماعة زورا وبهتانا، أما المسلمون فيستعيذون بالله تعالى من هذا القول، وهم يؤمنون بأن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) معصوم عصمة كبرى من كل ذنب ومعصية ومكروه وحتى ترك للأولى.

ولو أن المخالفين البكريين رجعوا إلى أئمة الهدى من آل محمد المصطفى (صلوات الله عليهم) لعرفوا ما اشتبه عليهم من آيات الذكر الحكيم مما ظاهره نسبة الذنوب إلى النبي والأنبياء (عليهم السلام) والحال أن الواقع ليس كذلك.

وبخصوص الآية الشريفة فقد فسّرها إمامنا الرضا (صلوات الله عليه) في مجلس المأمون العباسي (لعنه الله) وبيّن أن المقصود فيها هو ما كان يعتقده الكفار في رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أنه أذنب ذنوبا عظيمة في حق آلهتهم وفي حقهم، فلما تحقق فتح مكة المعظمة غُفرت تلك الذنوب عندهم إذ تبيّن بطلان عقيدتهم.

وإليك الحديث الشريف الذي رواه الصدوق عن علي بن محمد بن الجهم قال: ”حضرت مجلس المأمون و عنده الرضا (عليه السلام) فقال المأمون: يا ابن رسول الله أ ليس من قولك إن الأنبياء معصومون؟ قال: بلى، - إلى أن قال - فأخبرني عن قول الله عز و جل: ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر. قال الرضا (عليه السلام): لم يكن أحد عند مشركي مكة أعظم ذنبا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمئة و ستين صنما فلما جاءهم بالدعوة إلى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم و عظم، و قالوا أ جعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب، وانطلق الملأ منهم أن امشوا و اصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق، فلما فتح الله على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) مكة قال: يا محمد إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر عند مشركي مكة بدعائك إلى توحيد الله فيما تقدم و ما تأخر لأن مشركي مكة أسلم بعضهم، و خرج بعضهم عن مكة، و من بقي منهم لم يقدر على إنكار التوحيد إذا دعا الناس إليه فصار ذنبه عندهم في ذلك مغفورا بظهوره عليهم. فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن“. (عيون أخبار الرضا عليه السلام ج2 ص180).

وفقكم الله لاتباع الحق. والسلام.

الثاني من شهر رمضان المبارك لسنة 1428 من الهجرة النبوة الشريفة.


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp