ماذا استفاد الشيعة من الإمام المهدي (عليه السلام) وهو غائب؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

ماذا استفاد الشيعة من الإمام المهدي (عليه السلام) وهو غائب؟


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بمراجعة الشيخ،

إن الإنسان كما في كتاب الله تعالى «كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا». ومن جهله يظلم نفسه فيجحد ما لم يدرك وجه الحكمة فيه، وكأنه يريد الإحاطة بعلم الله تعالى أو الإملاء عليه في ما يقضي ويقدِّر! غافلا عن أنه سبحانه يقول: «يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا»، ويقول: «وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»، ويقول: «وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا»، ويقول: «لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ»، ويقول: «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ».

وقد اتفقت كلمة المسلمين - بمن فيهم أهل البدعة - على وجوب التسليم لله ولرسوله صلى الله عليه وآله في الإيمان بما صحَّ خبره، سواءً عُلمت حقيقته والحكمة منه أم لا، فإن أنكر أحدٌ ذلك بزعم أنه لم يقنع فهمه؛ كان ذلك هادمًا لصحيح إيمانه. قال الطحاوي: «ولا تثبت قَدَمُ الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام، فمن رام علم ما حُظِرَ عنه علمُه، ولم يقنع بالتسليم فهمه؛ حَجَبه مرامه عن خالص التوحيد وصافي المعرفة وصحيح الإيمان». (متن الطحاوية بتعليق الألباني ص٤٣)

إن خبر المهدي المنتظر وغيبته خبرٌ صحيحٌ جاء عن رسول الله والأئمة الأطهار من عترته عليهم الصلاة والسلام، فالواجب على المؤمن التسليم به حتى على فرض أن الله سبحانه أخفى وجه الحكمة فيه. وهذا ما عليه الشيعة الأبرار، فإنهم من حيث أنه قد صحَّ عندهم هذا الخبر عن نبيهم وأئمتهم عليهم السلام؛ فقد سلَّموا «وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ».

وليس للعباد أن يتحكموا على الله جل وعلا ولا أن يعترضوا عليه، فإن في كل ما أراده حكمة وإن لم يدركها البشر؛ وفي كل ما قضى به عدل وإن لم يوافق مرادهم. قال الغزالي: «الإيمانُ بأن الله عز وجل عدلٌ؛ أن لا يعترض عليه في تدبيره وحكمه وسائر أفعاله، وافق مراده أو لم يوافق، لأن كل ذلك عدل، وهو كما ينبغي وعلى ما ينبغي». (المقصد الأسنى للغزالي ص١٠١)

ولو أن أحدا أنكر وجود ملائكة تكتب أعمالنا باعتبار عدم الفائدة من وجودها؛ وأنه سواءً كتبتْ أم لم تكتب فإن الله أقرب إلينا ويعلم كل شيء عنا حتى الوسوسة، فهو القائل: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ».. أقول: لو أن أحدا أنكر وجود ملائكة كرام كاتبين بهذه الدعوى لما عُدَّ إلا من السفهاء أو المرضى، ذلك لأن أفعال الله سبحانه تحمل من وجوه الحكمة ما يقصر عن إدراكه البشر، والواجب على المؤمن الإيمان بما جاء في الكتاب وصحيح السنة سواءً أدرك الحكمة أم لم يدرك، وإذ إن الكتاب قد نطق بوجود هذا الصنف من الملائكة فالواجب الإيمان والتسليم، فلقد قال: «إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ»، وقال: «وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ».

إلى هنا يتضح أن الذي يؤمن بصدق ما جاء عن النبي وعترته الطاهرة عليهم السلام في غيبة الإمام المهدي الثاني عشر صلوات الله عليه؛ ليس له إلا التسليم وإنْ خفي عليه وجه الحكمة فيه. وأما الذي لا يؤمن بصدقه فليس له الاحتجاج على مَن يؤمن بالمناقشة في ما يتفرَّعُ عليه؛ لأنه حينئذ يكون قد تعدّى عن الأصل إلى الفرع، وأراد بردِّ وجود الفرع ردَّ وجود الأصل. وهي مغالطة، ذلك لأن المؤمن يقول له: هَبْ أني لا أعلم وجه الحكمة في غيبة الإمام عليه السلام ولا أعلم الفائدة منها، فإن ذلك يبقى (فرعا) لا يجتث (الأصل) الثابت عندي وهو صحة الخبر عن النبي والأئمة عليهم السلام في الغيبة، فما كل ما قضاه الله سبحانه بوسع البشر الإحاطة بعلمه، وليس لك إلا الإقرار بذلك، كما ليس لك إلا أن تناقشني في الأصل، فتسأل عن دليل صحة الخبر وحجيته قبل البحث في الغيبة والحكمة فيها، حتى نقف أولا على أرضية مشتركة في الحجية والدليلية. وبهذا ينبغي أن ينتقل الحديث إلى البحث في السنة الحقيقية، ومرجعية أهل البيت عليهم السلام، وتواتر أخبار المهدوية وشؤونها بما فيها الغيبة.. إلى ما هنالك. أما أن تقفز على هذا كله وتدفع حقيقة الوجود المقدس للإمام عليه السلام بقولك: «ما فائدة وجود المهدي وليس بمقدورنا الوصول إليه والاستفادة منه؟ إذن ليس هو بموجود»! فمثلك في هذا كمثل الملحدين الذين يقولون: ما فائدة وجود الله وليس في العالم عدل ولا سلام؟ إذن ليس هو بموجود»! وفي كلتا العبارتين مغالطة منطقية إذ لا يصح أن يكون الجهل بالشيء طريقا لنفي وجوده، وبعبارة أخرى: عدم العلم لا يكون علما بالعدم.

هذا كله على افتراض أن المؤمن لا يدرك وجه الحكمة في غيبة الإمام عليه السلام، والحال أنه يدرك منها ما ذكرته أحاديث الرسول وأهل بيته الأطهار صلوات الله عليهم.

فمن ذلك؛ ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله: «المهدي من ولدي، تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأمم، يأتي بذخيرة الأنبياء عليهم السلام، فيملؤها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما» (كمال الدين للصدوق ج١ ص٢٨٧). وما قاله صلى الله عليه وآله أيضا: «يا عمار؛ إن الله تبارك وتعالى عهد إلي أنه يخرج من صلب الحسين تسعة، والتاسع من ولده يغيب عنهم، وذلك قوله عز وجل: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ. يكون له غيبة طويلة يرجع عنها قوم ويثبت عليها آخرون. فإذا كان في آخر الزمان يخرج فيملأ الدنيا قسطا وعدلا، ويقاتل على التأويل كما قاتلتُ على التنزيل، وهو سميي وأشبه الناس بي» (كفاية الأثر للخزاز ص١٢٠). وما قاله أمير المؤمنين عليه السلام: «هو المهدي الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، تكون له غيبة وحيرة يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون» (الكافي للكليني ج١ ص٣٣٨). وما قاله الإمام الحسين عليه السلام: «منا اثنا عشر مهديا، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو القائم بالحق، يحيي الله به الأرض بعد موتها، ويظهر به دين الحق على الدين كله ولو كره المشركون. له غيبة يرتد فيها أقوام ويثبت فيها على الدين آخرون، فيُؤْذَوْنَ ويقال لهم: مَتَىٰ هَـٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ؟ أما إن الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله» (كمال الدين للصدوق ج١ ص٣١٧). وما قاله الإمام الصادق عليه السلام: «القائم الذي يطهر الأرض من أعداء الله عز وجل ويملؤها عدلا كما ملئت جورا وظلما هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفا على نفسه، يرتد فيها أقوام ويثبت فيها آخرون» (كمال الدين ج٢ ص٣٦١). وما قاله الصادق عليه السلام أيضا: «إن للغلام غيبة قبل أن يقوم، قلت: ولم ذاك؟ قال: يخاف - وأشار بيده إلى بطنه وعنقه - ثم قال: وهو المنتظر الذي يشك الناس في ولادته، فمنهم من يقول إذا مات أبوه: مات ولا عقب له! ومنهم من يقول: قد وُلد قبل وفاة أبيه بسنتين. لأن الله عز وجل يجب أن يمتحن خلقه، فعند ذلك يرتاب المبطلون» (المصدر نفسه ج١ ص٣٤٦). وما قاله الإمام الزكي العسكري عليه السلام: «ابني هو الإمام والحجة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما إن له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقاتون، ثم يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة» (كمال الدين ج٢ ص٤٠٩).

فوراء الغيبة إذنْ امتحان إلهي للناس ليتميز القوم الثابتون المهتدون عن القوم المرتدين الضالين، ووراءها تعريض المؤمنين للأذى لينالوا أجر الصابرين والمجاهدين أسوةً بالأنبياء عليهم السلام والذين آمنوا من قبل. وهذا متسق مع ما جاء في كتاب الله، فلقد قال عزَّ من قائل: «مَّا كَانَ اللَّـهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ». وقال: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّـهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ»، وقال: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّـهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّـهِ قَرِيبٌ»، وقال: «وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّـهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ».

ومن ذلك؛ ما قاله الإمام الصادق عليه السلام: «أقرب ما يكون العباد من الله جل ذكره وأرضى ما يكون عنهم؛ إذا افتقدوا حجة الله جل وعز فلم يظهر لهم ولم يعلموا بمكانه، وهم في ذلك يعلمون أنه لم تبطل حجة الله جل ذكره ولا ميثاقه، فعندها فليتوقعوا الفرج صباحا ومساء، فإن أشد ما يكون غضب الله على أعدائه إذا أفقدهم حجته فلم يظهر لهم، وقد علم أن أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنهم يرتابون ما غيَّبَ حجته عنهم طرفة عين. ولا يكون ذلك إلا على رأس شرار الناس» (الكافي للكليني ج١ ص٣٣٣). وما قاله الإمام الجواد عليه السلام: «إذا غضب الله تبارك وتعالى على خلقه نحَّانا عن جوارهم» (المصدر نفسه ج١ ص٣٤٣).

فوراء الغيبة إذنْ غضبٌ من الله سبحانه على خلقه العاصين؛ ورحمةٌ منه بخلقه الطائعين، الذين رغم كونهم في أذى جراء فقد إمامهم؛ فإنهم يكونون في زمان الغيبة أقرب ما يكونون من ربهم لصبرهم وتمسكهم بإيمانهم، ولذلك فتنهم جلا وعلا. وهذا متسق مع قوله في الذكر الحكيم: «قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ» وقوله عز من قائل: «وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ». ولقد علمنا أنه سبحانه حين غيَّب عن خلقه بعض أنبيائه، كموسى عليه السلام في الميقات، ويونس عليه السلام في بطن الحوت، ومحمد عليه وآله السلام في الشعب؛ لم يكن ذلك إلا لمثل هذه الحكمة، وأنه سبحانه يعلم أن المؤمنين من أوليائه لن يرتابوا بسبب هذه الغيبات. وكما لم يكن للخلق فيها أن يتعللوا بها لنقض إيمانهم بالأنبياء؛ أو الادعاء بأنه لم تعد لوجودهم فائدة؛ فكذلك ليس لهم اليوم أن يتعللوا بها لنقض إيمانهم بالمهدي المنتظر أو الادعاء بأنه لم تعد لوجوده فائدة. ومهما يكن فإن الله سبحانه لم يغيِّب وليه إلا بعدما قُتل آباؤه جميعًا من قبل ولم يبقَ من الأئمة سواه، فكان التغييب له حمايةً له وحفظا، والحجة بذلك على الظالمين ومَن استسلم لهم من الناس؛ لا على الله سبحانه، فإنه قد نصب لهذا الخلق إماما وحجة، وهم الذين أضاعوه. ولو أنهم تابوا وعادوا إلى الله تعالى وبذلوا أنفسهم في سبيله؛ لمنَّ عليهم بإظهار حجته وأذن له بالخروج. وهذا - في علم الله تعالى - كائن لا محالة كما أطبق عليه المسلمون في الأحاديث المتواترة عن قيام المهدي المنتظر عليه السلام في آخر الزمان.

ثم إنّا لا نسلِّم بأن الاستفادة من الإمام المهدي عليه السلام في زمان غيبته منقطعة، بل نؤمن بأنها واقعة، وأنه صلوات الله عليه لا يهمل رعيته ولا ينساها، فهو القائل في كتابه إلى الشيخ المفيد رحمه الله: «إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء، واصطلمكم الأعداء» (الاحتجاج ج٢ ص٤٩٥).

وسيرته عجل الله فرجه مذ تولى الإمامة حتى الآن تثبت عدم انقطاعه عن رعيته، ففي غيبته الصغرى قد نصب لهم سفراء ووكلاء كانت الرعية تستفتيه عن طريقهم فيفتيها، وما زالت تلك الكتب والرسائل الفتوائية بيننا. وفي غيبته الكبرى كان ولا يزال صلوات الله عليه يبادر إلى حل ما أعضل على العلماء الأبرار من مسائل بحسب ما تقتضيه الحكمة وما يتأهل إليه العالم، ومن هؤلاء العلماء الشيخ المفيد رحمه الله الذي صحَّح الإمام عليه السلام له فتواه في حادثة من الحوادث وقال له: «أَفِدْ يا مفيد؛ منك الفتيا ومنا التسديد» (التحفة الصادقية ص١٢). ومنهم العلامة الحلي رحمه الله الذي صاحبه الإمام صلوات الله عليه في طريق زيارة أبي عبد الله الحسين عليه السلام «فسأله عن المسائل التي استصعب عليه علمها فكشف الحجاب عن وجه جميعها» ورُؤيت نسخته من كتاب التهذيب وإذا بجانب حديث منه كتابةٌ بخط يده فيها: «هذا الحديث أخبرني به سيدي ومولاي» (منتخب الأثر للصافي ج٢ ص٥٥٤). ومنهم الشيخ محمد مهدي زين العابدين النجفي رحمه الله الذي كان مترددا في الإفتاء في موضوع الشعائر الحسينية ثم كتب فتواه بهذا النص: «بسم الله تعالى شأنه. إني كنت متوقفا في هذه المسألة ومترددا فيها فلا أدري هل أفتي بالجواز ام أفتي بالحرمة، فذهبت الى مسجد السهلة ووصلت بخدمة سيدي ومولاي الحجة بن الحسن صلوات الله عليه فعرضت المسألة عليه وسألته عنها فأفتاني بالجواز. وأنا أفتي كما أفتى سيدي ومولاي بالجواز. والسلام» (بيان الأئمة عليهم السلام ج٢ ص٤٦١).

والوقائع من هذا القبيل كثيرة لا نطيل بذكرها، وهي تبدد ما يظنه كثيرٌ من الناس خطأً من أن الإمام صلوات الله عليه لا يظهر لأحد ولا يمكن الاستفادة منه. ولقد أكد هذه الحقيقة منذ ما يناهز ألف سنة؛ شيخ الطائفة الطوسي رضوان الله عليه إذ قال: «إن الأعداء وإن حالوا بينه وبين الظهور على وجه التصرف والتدبير؛ فلم يحولوا بينه وبين لقاء من شاء من أوليائه على سبيل الاختصاص، وهو يعتقد طاعته ويوجب اتباع أوامره. وإنّا لا نقطع على استتاره عن جميع أوليائه، بل يجوز أن يظهر لأكثرهم، ولا يعلم كل إنسان إلا حال نفسه» (الغيبة للطوسي ص٩٨ وص٩٩).

فالحاصل؛ أن استفادة الأمة وانتفاعها من وجود صاحب الأمر المهدي صلوات الله عليه في زمان غيبته؛ واقعة متحققة، وإن لم تكن بشكل عام مباشر. وما أروع التشبيه البليغ الذي استعمله الإمام عليه السلام في جواب هذه المسألة إذ قال: «وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي؛ فكالانتفاع بالشمس إذا غيَّبتها السحاب عن الأبصار» (كشف الغمة للإربلي ج٣ ص٣٤٠).

وفقكم الله لمراضيه.

مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى

8 ذو القعدة 1441 هجرية


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp