هل هناك ردود من المدرسة الأصولية على الفلسفة والعرفان؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على المصطفى و آله الطيبين الطاهرين
اما بعد
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
ان عبدة خميني يقولون ان كل علماء الشيعة الذين تصدوا للعرفان ما هم الا الاخباريين ولا يوجد اصولي واحد تصدى للعرفان و الفلسفة

فما الجواب على هؤلاء؟


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

جواب المكتب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذا إنكار لأوضح الواضحات، فأصل انقسام الأصولية إلى مدرسة تفكيكية مناهضة للعرفان الصوفي والفلسفة وأخرى فلسفية عرفانية هو نبذ التفكيكيين للفرقة العرفانية الفلسفية.

إن علماء الطائفة الأبرار تصدوا للرد على شبهات وضلالات هذه الفرقة المنحرفة الدخيلة على التشيّع وتفنيد أباطيل كهنتها وتعريتهم منذ القرون الأولى سواءً كانوا من الأخباريين أو الأصوليين واستمر الخلف على سيرة السلف في بيان انحرافات الفلاسفة والعرفاء حتى عصرنا هذا، وقد ألفوا عشرات الكتب والرسائل والمقالات في رد اعتقاداتهم الباطلة ودحضها،وهناك العديد من الأقوال لأكابر علمائنا في ذمّهم وتسفيه معتقداتهم وتضليلهم والحكم عليهم بالكفر والزندقة.

وهنا نذكر بعض العلماء (الأصوليين) من المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين..
خط الفقهاء وهو ضد الفلسفة والعرفان المزيّف كالشيخ المفيد والشريف المرتضى وشيخ الطائفة الطوسي ...والمقدس الأردبيلي والمحقق الكركي ...ومن على سيرتهم إلى هذا العصر كالميرزا مهدي الأصفهاني وتلامذته ... وأبو الحسن الأصفهاني والسيد البروجردي والسيد المرعشي النجفي والسيد الخوئي والسيد السيستاني والشيخ الفياض والسيد محمد سعيد الحكيم والشيخ الوحيد الخراساني والسيد الشيرازي والسيد الروحاني وغيرهم رحم الله الماضين وحفظ الباقين.

فهل كان السيد أبو الحسن الأصفهاني -الذي طرد العرفاء من النجف الأشرف وقطع رواتبهم- من المدرسة الأخبارية؟

وهل كان السيد البروجردي -الذي منع دروس الفلسفة والعرفان في قم المقدسة وقطع رواتب طلاب الطباطبائي ومنع طباعة الحواشي الفلسفية على بحار الأنوار- من المدرسة الأخبارية ؟

وهل كان السيد المرعشي النجفي -الذي وصف الديانة الصوفية بأنها أعظم مصائب الإسلام ووصف أسفار الملا صدرا بالطامات- من المدرسة الأخبارية؟

وهل السيد الخوئي والسيد الروحاني والشيخ الفياض –الذين وصفوا شيخ العرفاء الأكبر بالزنديق والكافر- من المدرسة الأخبارية؟

ولكي لا يكون كلامنا إنشائياً نعرض لكم بعض النصوص التي تثبت ما ذكرناه.

جاء في كتاب قدوة العارفين: (وفي أيامه –أي المرجع أبو الحسن الأصفهاني- رحمه الله امتدّت مخالفته هذه إلى علماء الأخلاق أو العرفاء -كما كانوا يصطلحون- وقد سبق ذكر مخالفته مع السيد حسن المعروف بالمسقطي وأمره بالهجرة، أو على الأصح إبعاده من النجف، لأنّه –أي المسقطي- رحمه الله كان منهمكاً في هذه الشؤون لحدّ الولع والفتون)!

وقال أيضاً: (جمع آية الله العظمى السيد أبو الحسن الأصفهاني المتوفى 1365هـ علية القوم من الروحانيين والعلماء، وكان يوم ذاك زعيم الطائفة، والمبسوط اليد في النجف الأشرف، وحثّ المجتمعين ودعاهم بصورة جدّية إلى طرد الفلسفة والعرفان من الحوزة العلمية، وقد شمل هذا المنع حتى العلماء المختصّين بدراسة الفلسفة، فامتنعوا من التدريس، أو كانوا يدرسون بصورة سريّة، دون أن تعلم بهم الجهات المختصة بمطاردة هذه الدراسات)! (قدوة العارفين، عبد الرحمن حاتم ص71)

وقال صاحب كتاب السير والسلوك: (المرحوم آية الله السيد أبو الحسن الأصفهاني ... قطع راتب تلامذة القاضي ونُفي آخرون على عهده بسبب الجو العام للحوزة الذي كان على خلاف العرفاء وسعي البعض للوشاية بالقاضي وتلامذته. قال السيد محمد حسن القاضي بهذا الشأن: نعم، قطعت شهرية العلامة الطباطبائي وسائر تلامذته). (السير والسلوك، عبد السادة الحداد، ص154)

فكما تلاحظ أخي الكريم فإنّ المصادر تقول أن السيد أبو الحسن الأصفهاني (الفقيه الأصولي) أبعد العارف حسن مسقطي عن النجف الأشرف، وهذه القضية مشهورة جداً حتى أن ابن الطهراني المدعو محمد محسن كان يتأسف في كتابه أسرار الملكوت على حال المسقطي لأنه طُرِد فقال في ذلك: (ما هو جرم شخصية عظيمة، وعارف كامل، وحكيم مشهور، وفقيه عالم، ومتكلم قدير، كالمرحوم آية الله العظمى السيد حسن المسقطي...حتى يبعد إلى الهند ومسقط – بالرغم من عدم رضاه- بأمر مرجع ذلك الوقت)! (أسرار الملكوت، محمد محسن الطهراني)

فكيف يقال بعد هذا أن الذين تصدوا للفلاسفة والعرفاء جميعهم من الأخباريين ولا يوجد فقيه أصولي واحد؟!

أما عن تصدي السيد البروجردي قدس سره فقد جاء في كتاب "محمد باقر الصدر السيرة والمسيرة": (بعد عودة الأخير-أي محمد حسين الطباطبائي- من تبريز إلى قم وشروعه بتدريس الأسفار واجتماع أكثر من مئة طالب في درسه؛ فقد أمر السيد البروجردي بقطع رواتب من يحضر هذا الدرس... وكان الشيخ حسين المنتظري يدرّس المنظومة فتعطّل درسه)! (محمد باقر الصدر السيرة والمسيرة، أحمد العاملي، ج1 ص65)

ويقول محمد حسين الطباطبائي: (عندما جئت من تبريز إلى قم، وبدأت بتدريس الأسفار وتحلّق الطلاب حولي حتى وصل عددهم إلى أكثر من مائه شخص؛ أمر آية الله البروجردي رحمة الله عليه أولاً: بقطع راتب كل طالب يحضر هذا الدرس)! (الشمس الساطعة، محمد الحسيني الطهراني،ص101)

فتلاحظ أخي الكريم كيف تصدى السيد البروجردي قدس سره ومنع دروس الفلسفة والعرفان فهل كان أخبارياً؟

أما آية الله العظمى السيد المرعشي النجفي "قدس سره" فقد تصدى لهم وقال فيهم: (عندي أن مصيبة الصوفية على الإسلام من أعظم المصائب، تهدمت بها أركانه وانثلم بنيانه وظهر لي بعد الفحص الأكيد والتجوّل في مضامير كلماتهم والوقوف على ما في خبايا مطالبهم والعثور على مخبياتهم بعد الاجتماع برؤساء فرقهم أن الداء سرى إلى الدين من رهبة النصارى فتلقاه جمع من العامة كالحسن البصري والشبلي ومعروف وطاووس والزهري وجنيد ونحوهم ثم سرى منهم إلى الشيعة حتى رقى شأنهم وعلت راياتهم بحيث ما أبقوا حجراً من أساس الدين، أولوا نصوص الكتاب والسنة وخالفوا الأحكام الفطرية العقلية والتزموا بوحدة الوجود بل الموجود وأخذ الوجهة في العبادة والمداومة على الأوراد المشحونة بالكفر والأباطيل التي لفقتها رؤساؤهم وإلتزامهم بما يسمونه بالذكر الخفي القلبي شارعاً من يمين القلب خاتماً بيساره معبراً عنه بالسفر من الحق إلى الخلق تارة، والتنزل من القوس الصعودي إلى النزولي أخرى وبالعكس معبراً عنه بالسفر من الخلق إلى الحق والعروج من القوس النزولي إلى الصعودي أخرى فيالله من هذه الطامات) ! (شرح إحقاق الحق, المرعشي النجفي, ج1 ص183).

أقول: كشف السيد المرعشي النجفي "قدس سره" (الفقيه الأصولي) بطلان هذه الطرق وأنها من أعظم المصائب على الإسلام، تهدمت بها أركانه وانثلم بنيانه، وبيّن حقيقتها وأصلها بقوله: (وظهر لي بعد الفحص الأكيد والتجوّل في مضامير كلماتهم والوقوف على ما في خبايا مطالبهم والعثور على مخبياتهم بعد الاجتماع برؤساء فرقهم أن الداء سرى إلى الدين من رهبة النصارى فتلقاه جمع من العامة كالحسن البصري والشبلي ومعروف وطاووس والزهري وجنيد ونحوهم). وأكد على انتقال هذا المعتقد الباطل إلى التشيّع بقوله: (ثم سرى منهم إلى الشيعة حتى رقى شأنهم وعلت راياتهم بحيث ما أبقوا حجراً من أساس الدين).

وكشف "قدس سره" عن تأويلهم للآيات والروايات بقوله: (أولوا نصوص الكتاب والسنة وخالفوا الأحكام الفطرية العقلية) وبيّن السيد قدس سره كفر اعتقادهم بقوله: (والتزموا بوحدة الوجود بل الموجود وأخذ الوجهة في العبادة والمداومة على الأوراد المشحونة بالكفر والأباطيل التي لفقتها رؤساؤهم). ثم كشف عن بطلان الأسفار الأربعة وعدم شرعيتها واصفاً إياها بالطامات فقال قدس سره: (والتزامهم بما يسمونه بالذكر الخفي القلبي شارعاً من يمين القلب خاتماً بيساره معبراً عنه بالسفر من الحق إلى الخلق تارة,والتنزل من القوس الصعودي إلى النزولي أخرى وبالعكس معبراً عنه بالسفر من الخلق إلى الحق والعروج من القوس النزولي إلى الصعودي أخرى فيالله من هذه الطامات) ! (شرح إحقاق الحق، المرعشي النجفي، ج1 ص183-184)

فهل أصبح السيد المرعشي النجفي من المدرسة الأخبارية حينما قال بذلك؟

وقد تصدى لهذه الفرقة المنحرفة زعيم الحوزة العلمية في النجف الأشرف وهو المحقق الكبير السيد أبو القاسم الخوئي أعلى الله مقامه فقد قال في رسالة الأرث: (وكذا يحكم بكفر بعض الفرق المنتسبين إلى الإسلام إذا رجعت عقائدهم إلى إنكار الألوهية والخلق أو النبوة أو المعاد كالقائلين بوحدة الوجود من الصوفية الظاهر ذلك من أشعارهم، بل من متونهم، كما في عبارة محي الدين بن العربي التي هي: "الحمد لله الذي خلق الأشياء وهو عينها" الدال على وحدة الوجود، فإذا لوحظت المراتب فيكون خلقا، وإذا لغيت فهو نفس الخالق، فالواجب والممكن عندهم موجود واحد، وإنّما يختلف بالاعتبار، فباعتبار حدّه هو ممكن، ومن إلغاء الحدّ هو واجب، وهو راجع في الحقيقة إلى إنكار الخالق، ويحتمل أن يكون هذا هو المراد من أشعار بعضهم، التي معناها أنه لا فرق بين موسى وفرعون إلا بالحد، فإذا لغي الحدّ فموسى وفرعون شيء واحد)! (مجموع الرسائل، رسالة الأرث، السيد الخوئي، ص43)

وكذلك تصدى لهم المرجع الشيخ إسحاق الفياض دام ظله فقال: (سمعنا انّ في هذه الحوزة المباركة يدرس العرفان على ضوء كتاب ابن عربي، وهذا خطر على الحوزة ولا سيما على شبابنا، فإنّ كتاب ابن عربي كل من قرأ من هذا الكتاب يعتقد انّه زنديق ولا إيمان له في الله تعالى وتقدس). (جدلية الدين والفلسفة، حسن الكاشاني،ج2 ص572)

وكذلك المرجع الروحاني دام ظله حيث قال: (أنا أرى محيي الدين- أي ابن عربي- كافراً وتسميته بالشيخ الكبير والأكبر من الاشتباهات الظاهرة). (فتوى صادرة عن سماحته حول الفلسفة والعرفان)

أقول: ابن عربي هو كبير العرفاء بل أكبرهم! ولهذا سمُّوه بالشيخ الأكبر وإن خط العرفان المزيّف ورواده وأتباعه هم على نهجه لعنه الله، وقد صرّح الكثير من علمائنا بكفره وزندقته وما عرضناه هنا مجرّد نماذج من فقهاء المدرسة الأصولية!

فكيف يقال بعد هذا أن الذين تصدوا للفلاسفة والعرفاء جميعهم من الأخباريين ولا يوجد فقيه أصولي واحد؟!

أما منشأ هذه التهمة الباطلة وهي أنهم جعلوا كل من يرفض الفلسفة أخبارياً فلأنهم حصروا المباحث العقلية في الفلسفة وهذه من المغالطات الشائعة للأسف الشديد!

قال صاحب كتاب جدلية الدين والفلسفة: (أنَّ من المغالطات الشائعة هو عدّ كل مبحث عقلي فلسفة وتفلسفاً، فإنه لو صحّ لكان غير الفلسفة من سائر العلوم مبنياً على غير العقل، فبيان المباحث العقلية الغامضة لا يعني قبول النهج الفلسفي). (جدلية الدين والفلسفة، حسن الكاشاني،ج2 ص319)

ومن خلال ما تقدم تبين لنا أن علماءنا الأبرار قد تصدوا للفلسفة والعرفان سواء كانوا من المدرسة الأخبارية أو الأصولية وأن ما تفضل به الأخ مخالف للصواب.

وفقكم الله لمراضيه.

مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى

15 ربيع الآخر 1442 هجرية


ملاحظة: الإجابات صادرة عن المكتب لا عن الشيخ مباشرة إلا أن يتم ذكر ذلك. المكتب يبذل وسعه في تتبع آراء الشيخ ومراجعته قدر الإمكان.
شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp