هل صحيح أن السيد المرتضى يقول أن حديث الغدير نص خفي؟ وهل احتج الإمام علي عليه السلام بهذا الحديث على أبي بكر؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

السيد المرتضى يقول بان حديث الغدير نص خفي فاذن كيف نتخذ من حديث خفي الدلالة دليلا في اصل من اصول الدين ؟؟... وهل احتج الامام علي عليه السلام بهذا الحديث على ابي بكر في كتبنا؟؟... ولماذا لم يحتج الامام علي بالنص بان الخلفاء اثنا عشر اولهم الامام علي واخرهم المهدي؟؟؟... مع المصادر رجاءا...


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بمراجعة الشيخ أفاد أن الادعاء بأن السيد المرتضى رحمه الله يذهب إلى اعتبار حديث الغدير نصا خفي الدلالة غير قاطع؛ ناشئ من الجهل وضعف الخبرة في فهم كلام العلماء من طبقته وحقبته. وكثيرا ما يُفتضَح أصحاب الظواهر البالونية ونحوهم من أنصاف المتعلمين بذلك، إذ تكون أمثال هذه الادعاءات علامة على كونهم من هؤلاء الضعفاء.

قد غفل هؤلاء أولا عن أن الكلام الذي يستدلون به من كتاب الشافي ليس من إنشاء المرتضى، إنما من إنشاء أبي جعفر بن قبة الرازي رحمه الله، وما المرتضى إلا ناقل له.

وحاصل كلامه أن النص على ضربين؛ فعل دخل فيه القول، وقول دون الفعل. وهذا الأخير هو عنده أيضا على ضربين؛ أولهما ما يُقطع على أن المراد به قد عُلم اضطرارا وبداهةً بلا حاجة إلى استدلال، وسمّاه جليا؛ كقوله صلى الله عليه وآله: «سلِّموا على علي بإمرة المؤمنين» و«هذا خليفتي فيكم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا». والآخر ما لا يُقطع على أن المراد به قد عُلم بداهةً واضطرارا ولا يمتنع أن يكون قد عُلم بالاستدلال من حيث اعتبار دلالة اللفظ وما يحسن أن يكون المراد أو لا يحسن، وسمّاه خفيا، كقوله صلى الله عليه وآله: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» و«من كنت مولاه فهذا علي مولاه».

وبعبارة أخرى؛ إن الجلاء والخفاء هنا غير راجعيْن إلى النص نفسه بحسب لفظه وتركيبه؛ بل إلى قطعنا وعدمه، فإذا قطعنا بأن الناس الذين سمعوا النص علموا المراد به اضطرارا وبداهة قلنا هو نص جلي؛ وإذا لم نقطع وجوّزنا كونهم علموه بالاستدلال من حيث اعتبار دلالة اللفظ قلنا هو نص خفي. وليس يعني ذلك بحال من الأحوال أن النص كان خفي الدلالة؛ غير قاطع؛ يحتمل وجوها، أو أنه كان ملتبسا محيرا. إنما للنص دلالة واحدة قاطعة لا غير؛ هي الدلالة على الإمامة.

لاحظ تمام كلامه وما ورد فيه من مفردات (الاضطرار) و(الاستدلال) و(القطع) و(الامتناع) تدرك ما عنى. لقد قال: «الذي نذهب إليه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نص على أمير المؤمنين عليه السلام بالإمامة بعده، ودلَّ على وجوب فرض طاعته ولزومها لكل مكلف. وينقسم النص عندنا في الأصل إلى قسمين؛ أحدهما يرجع إلى فعل، ويدخل فيه القول. والآخر إلى القول دون الفعل».

ثم ذكر أمثلة للنص بالفعل والقول إلى أن قال: «وأما النص بالقول دون الفعل، فينقسم إلى قسمين؛ أحدهما ما علم سامعوه من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مراده منه باضطرار وإن كنا الآن نعلم ثبوته والمراد منه استدلالًا، وهو النص الذي في ظاهره ولفظه الصريح بالإمامة والخلافة، ويسميه أصحابنا النص الجلي، كقوله صلى الله عليه واله وسلم : (سلموا على علي بإمرة المؤمنين) و(هذا خليفتي فيكم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا). والقسم الآخر لا نقطع على أن سامعيه من الرسول صلى الله عليه وآله علموا النص بالإمامة منه اضطرارًا، ولا يمتنع عندنا أن يكون علموه استدلالًا من حيث اعتبار دلالة اللفظة وما يحسن أن يكون المراد أو لا يحسن، وأما نحن فلا نعلم ثبوته والمراد به إلا استدلالًا، كقوله: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي) و(من كنت مولاه فعلي مولاه)، وهذا الضرب من النص هو الذي يسميه أصحابنا بالنص الخفي» (الشافي ج٢ ص٦٥).

إذن؛ ما النص الخفي عند ابن قبة إلا ما يجوز أن يفهم السامعون المراد منه بتوسط الاستدلال، لا أنه ما يحتمل وجوها من المعاني أو الغامض في تعيّن معناه. والفرق حينئذ بينه وبين الجلي أن هذا الأخير يُفهم بداهة واضطرارا لاشتماله مثلا على صراحة لفظ الخلافة والإمرة.

ويزيد الأمر وضوحا أن المرتضى انبرى للرد على القاضي عبد الجبار المعتزلي حين انتقد ابن قبة ورأيه في النص يوم الغدير، إذ أكد المرتضى أن ابن قبة يقول أن نص الغدير واضح لا لبس فيه ولا تحير، ولا يحتمل إلا معنى واحدًا هو النص على الإمامة، وأن حمله على غير ذلك يكون خروجا عن مذهب أهل اللغة، وأنه لا يجوز أن يكون الذين سمعوا خبر الغدير قد فهموا غير هذا المراد، إنما كان تركهم له بتأويل فاسد.

يقول المرتضى موجها كلامه للقاضي عبد الجبار: «قد علمنا مَن الذي وجَّهتَ كنايتك في هذا الفصل إليه، وهو شيخنا أبو جعفر بن قبة رحمه الله، والذي ذكره في صدر كتابه المعروف بالإنصاف والإصاف خلاف ما ظننتَه، لأنه إنما أوجب كون النبي صلى الله عليه وآله ملبِّسًا محيِّرًا متى لم يقصد النص بخبر الغدير، من حيث بيَّنَ رحمه الله اقتضاء ظاهر الكلام للنص، وأنه متى حُمل على خلافه كان القول خارجا عن مذهب أهل اللغة (...) وأسقط رحمه الله قول من سأل فقال: جوِّزوا أن يكون السامعون لخبر الغدير من النبي صلى الله عليه وآله قد فهموا مراده وأنه لم يرد به النص؛ بأن قال: إذا كانت معرفة المراد من الكلام لازمة لنا كلزومها لهم؛ لم يجز أن يخصّوا بدلالة أو ما يجري مجرى الدلالة مما يوصل إلى معرفة المراد دوننا، ولوجب أن يقطع عذر الجميع في معرفة مراده لعموم التكليف لهم (...) فأما النص الذي وقع بحضرة العدد الكثير فإنما كان يوم الغدير، وكلهم كانوا ذاكرين لكلامه عليه السلام، غير أنهم ذهبوا عنه بتأويل فاسد، لأنهم إنما دخلت عليهم الشبهة من حيث توهموا أن لذلك الكلام ضربا من التأويل يجوز معه للرؤساء إذا وقعت الفتنة واختلفت الكلمة أن يختاروا إماما» (الشافي ج٢ ص٣٢٣).

فهذا ما نقله المرتضى عن أبي جعفر ابن قبة الرازي، وهذا رأيه في النص يوم الغدير، ترى أنه بعيد تماما عما يدعيه الجهلاء والضعفاء، الذين توهموا ما توهموه لمجرد أنه عبَّر عنه بالخفاء، وغفلوا عن أنه يعني عدم القطع بتعيّن معناه بغير استدلال، لا أنه خفي الدلالة في نفسه. كما غفلوا عن أن هذا القول ليس للمرتضى أصلا بل لابن قبة، فإن للمرتضى في موضع آخر من الشافي كلام واضح في أن خبر الغدير نص في الإمامة «بغير احتمال ولا إشكال»، وأنه من الأدلة القاطعة، وأنه من الأخبار المجمع على صحتها والمتفق عليها، حيث يقول: «قد دللنا على ثبوت النص على أمير المؤمنين عليه السلام بأخبار مجمع على صحتها متفق عليها، وإن كان الاختلاف واقعا في تأويلها، وبيَّنا أنها تفيد النص عليه عليه السلام بغير احتمال ولا إشكال، كقوله صلى الله عليه وآله: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) و(من كنت مولاه فعلي مولاه)، إلى غير ذلك مما دللنا على أن القرآن يشهد به، كقوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) فلا بد من أن نطرح كل خبر نافٍ ما دلَّتْ عليه هذه الأدلة القاطعة إن كان غير محتمل للتأويل، ونحمله بالتأويل على ما يوافقها ويطابقها إذا ساغ ذلك فيه، كما يُفعل في كل ما دلَّتْ الأدلة القاطعة عليه وورد سمع ينافيه ويقتضي خلافه» (الشافي ج٣ ص٩٩).

وله أيضا - أي للمرتضى - كلام آخر في رسائله يفصح فيه عن مذهبه في هذه المسألة إذ يقول: «إن كلامه عليه السلام في يوم الغدير تصريح في النص بالإمامة والاستخلاف على الأمة، وأنه لا يحتمل سوى هذا المعنى ولا يليق بخلاف هذا، وأنه إن حُمِلَ على غيره كان خطلًا من القول» (رسائل المرتضى ج٣ ص٢٥٢). وتراه يؤكد في موضع آخر أن القوم قد فهموا أمر الإمامة جيدًا مما نص عليه صلى الله عليه وآله يوم الغدير، وأنه لا عذر لهم، وأنه «لا يبقى إلا أنهم قد فهموا ثم عصوا بعد البيان عنادًا وتركًا» (المصدر نفسه ج١ ص٣٣٤).

ثم إن من الطريف ههنا أن تجد هؤلاء الجهلاء والضعفاء يزعقون بما حسبوه من كلام السيد المرتضى في اعتبار خبر الغدير نصا خفي الدلالة؛ بينما الكلام نفسه أثبت أنه نص جلي! ذلك لأنه جاء فيه: «وهو النص الذي في ظاهره ولفظه الصريح بالإمامة والخلافة، ويسميه أصحابنا النص الجلي، كقوله صلى الله عليه وآله: سلموا على علي بإمرة المؤمنين». ومن المعلوم أن ذلك كان يوم الغدير أيضا! فلا تفسير لزعيق هؤلاء الذين انتهزوا شطرا من الكلام ولم ينتبهوا إلى الآخر إلا البلاهة! ولولاها لأدركوا أن خبر الغدير عنوان أعم يشمل قوله صلى الله عليه وآله: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» كما يشمل قوله صلى الله عليه وآله: «سلموا على علي بإمرة المؤمنين». فلئن كان الأول خفيا؛ فهذا الآخر جلي. نعم؛ الأول أشهر من الثاني ليس إلا. على أن الأول - كما علمتَ - ليس بخفي الدلالة لا عند المرتضى ولا عند ابن قبة ولا غيرهما، وإنما توهّم هؤلاء ما توهموا من ضيق العطن.

وعليه؛ يبطل ادعاء أنّا نتخذ من حديث خفي الدلالة أصلا من أصول الدين. ولا تنسى أنه ليس وحده مما بُني عليه هذا الأصل، فإن هذا الأصل العظيم مبني على ما لا يُحصى من الأدلة العقلية والنقلية المحكمة، ويكفيك أن تعرف أن كتابا واحدا للعلامة الحلي رحمه الله تضمن ألف دليل على الإمامة وألف رد على الشبه الموجهة إليها، ولذا سمّاه (كتاب الألفين).

وأما سؤالك عن الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه؛ وأنه هل ورد في كتبنا أنه احتج بالغدير على أبي بكر لعنه الله؛ فالجواب: نعم. ومن ذلك ما رواه صاحب الاحتجاج في ما جرى بين الإمام عليه السلام وبين أبي بكر وزمرته في المسجد، حيث جاء: «فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا معاشر المهاجرين والأنصار؛ الله الله لا تنسوا عهد نبيكم إليكم في أمري (...) والله ما خفت أحدا يسمو له وينازعنا أهل البيت فيه ويستحل ما استحللتموه، ولا عملتُ أن رسول الله صلى الله عليه وآله ترك يوم غدير خم لأحد حجة ولا لقائل مقالا» (الاحتجاج ص٩٦). وفيه أيضا أنه عليه السلام قال لأبي بكر: «فأنشدك بالله أنا المولى لك ولكل مسلم بحديث النبي صلى الله عليه وآله يوم الغدير أم أنت؟ قال: بل أنت» (المصدر نفسه ص١٦١).

وأما سؤالك عن احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام بأن الأئمة اثنا عشر؛ فلك أن تراجع في الكافي (باب ما جاء في الاثني عشر والنص عليهم عليهم السلام) ففيه أحاديث وروايات؛ منها ما قاله الإمام عليه السلام للهاروني اليهودي الذي أسلم على يديه يوم مبايعة عمر لعنه الله: «يا هاروني؛ إن لمحمد اثني عشر إمام عدل، لا يضرهم خذلان من خذلهم، ولا يستوحشون بخلاف من خالفهم، وإنهم في الدين أرسب من الجبال الرواسي في الأرض، ومسكن محمد في جنته معه أولئك الاثني عشر الإمام العدل، فقال: صدقت والله الذي لا إله إلا هو، إني لأجدها في كتب أبي هارون، كتبه بيده وإملاء موسى عمي عليهما السلام. قال: فأخبرني عن الواحدة، أخبرني عن وصي محمد كم يعيش من بعده؟ وهل يموت أو يقتل؟ قال: يا هاروني يعيش بعده ثلاثين سنة، لا يزيد يوما ولا ينقص يوما، ثم يضرب ضربة ههنا - يعني على قرنه - فتخضب هذه من هذا. قال: فصاح الهاروني وقطع كستيجه وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأنك وصيه، ينبغي أن تفوق ولا تفاق، وأن تعظم ولا تستضعف. قال: ثم مضى به علي عليه السلام إلى منزله فعلمه معالم الدين» (الكافي ج١ ص٥٣٠). وفي رواية أخرى للحدث نفسه أو ما يقرب منه قال عليه السلام: «إن لهذه الأمة اثني عشر إمام هدى من ذرية نبيها، وهم مني، وأما منزل نبينا في الجنة ففي أفضلها وأشرفها؛ جنة عدن، وأما من معه في منزله فيها فهؤلاء الاثنا عشر من ذريته وأمهم وجدتهم وأم أمهم وذراريهم، لا يشركهم فيها أحد» (المصدر نفسه ج1 ص532).

وفيه أيضا عن أبي جعفر الثاني عليه السلام: «أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لابن عباس: إن ليلة القدر في كل سنة، وإنه ينزل في تلك الليلة أمر السنة ولذلك الأمر ولاة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال ابن عباس: من هم؟ قال: أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدثون» (المصدر نفسه ج1 ص532).

وفيه أيضا بالإسناد نفسه أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لأبي بكر يوما: «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون. وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وآله رسولَ الله مات شهيدا، والله ليأتينك! فأيقن إذا جاءك، فإن الشيطان غير متخيل به. فأخذ علي بيد أبي بكر فأراه النبي صلى الله عليه وآله فقال له: يا أبا بكر آمن بعلي وبأحد عشر من ولده، إنهم مثلي إلا النبوة، وتب إلى الله مما في يدك، فإنه لا حق لك فيه، قال: ثم ذهب فلم يُرَ» (المصدر نفسه ج1 ص533).

وفقكم الله لمراضيه.

مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى

20 شوال 1442 هجرية


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp