أسئلة متعددة في التوحيد (كالإيجاد من العدم، والإماتة، والخلق والرزق)

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عظم الله أجوركم بحلول المحرم الحرام.


شيخنا الجليل: لا يخفى عليكم أن أصحاب المعصومين عليهم السلام كانوا يأتون الأئمة عليهم السلام ليعرضوا عليهم عقيدتهم، وأنا قد أتيتكم اليوم لأعرض على سماحتكم عقيدتي وأرجو أن يتفضل علي سماحة الشيخ الحبيب بنفسه بشيء من وقته لينظر في عقيدتي في التوحيد ويُقوِّمها لي إن كان بها خلل.

دونكم عقيدتي في التوحيد مسطرة على هيئة نقاط مقتضبة وموجزة:


1. أول علامات محبي أهل البيت عليهم السلام هي معرفتهم التوحيد وإحكامه، وهو أس الأساسات الذي إن لم يقبل من العبد فلا قيمة لما دونه، بل والعاجز عنه هو عن غيره أعجز.

2. الأسباب هي لِاحتياج المخلوق لها.

3. تختلف الصفة الموصوف بها الخالق عن الموصوف بها المخلوق.

4. الله وحده الخالق الرازق حقًا: هو تعالى له الخلق، ومنه الرزق، وإياه نعبد، وإياه نستعين. والاعتقاد بأن هناك من يقدر على أن يخلق كخلق الله عز وجل هو من اعتقادات الغلاة.

5. الله تعالى هو الذي خلق الأجسام، وقسم الأرزاق لأنه ليس بجسم ولا حال في جسم، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير. وأما الأئمة عليهم السلام، فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق، ويسألونه فيرزق إيجابا لمسألتهم، وإعظاما لحقهم.

6. الله وحده القادر على تحويل الجواهر، والإيجاد من العدم ومن لا شيء، والبشر يخلق بمعنى التشكيل والتصوير كالنحت.

7. معنى الإماتة المنسوب لعزرائيل هو سَلُّ الروح واستلامها من الجسد بعد إماتة الله لها بالتأثير فيها فالله تعالى يؤثر في الأشياء ولا يحتاج مباشرة فيما هو خاص به من الأفعال التي أبان بها نفسه عن خلقه وتفرد بها.

8. استعمال مادة الحياة أي (نفخ الروح) مما يقدر عليه المخلوق.

أما الخلق بمعنى إجراء (أثر) الحياة في النفخة هو من مختصات الله تعالى وحده.

نبي الله إبراهيم عليه السلام دعا والله هو الذي أحيى، والله هو الذي أخضع النار وذللها وصيرها بردا وسلاما لنبيه عليه السلام. وفي معاجز النبي موسى عليه السلام: الله هو الذي حول العصا لِحيّة وأعادها سيرتها، ولكنه قد جعلها تكوينا خاضعة لموسى عليه السلام، والله هو الذي -تكوينا- جعل للضربة هذا الأثر وطوع البحر له لدعائه إياه، وفي معجزة اليد البيضاء كان الله هو الآمر والفاعل. ومعاجز النبي عيسى عليه السلام في الآيات والروايات كلها مقترنة بالإذن بشكل مُؤكِّد ومُلفِت لجهة الصدور تشديدا على أن الفاعل هو الله عز وجل من خلال الدعاء والطلب من الله تعالى كما ورد في الروايات.

9. آل محمد لهم الولاية التكوينية والتشريعية. وولايتهم التكوينية بمعنى أن الله طوع الكون لهم وسخره وهذا فِعله، وهي ذات ما نسميه المعجزات، وإن منكرها إذا لم يكن عن جحود بعد ثبوت الدليل لديه لا يُحكم عليه بالخروج من دائرة الإيمان.

10. لم يركب الله في آل محمد قدرة يفعلون بها أفعاله فيضاهونه والعياذ بالله، وإنما يدعون الله بالاسم الأعظم (وهو بشكل مبسط "شيفرة" بين الله وعباده المصطفين، إن دعا العبد بها سخر له الكون وهو تعالى يستجيب، وهو الفاعل في المعجزات)، والولاية التكوينية ايضا تكون بدعاء الله بالاسم الأعظم.

11. لا فرق بينهم وبين الله من حيث إن كل شيء مأمور بطاعتهم بأمر الله تعالى.

12. من اعتقادات الغلاة هو وجود موارد عديدة في القرآن الكريم (لعلها تفيض على المئة) في مورد الجمع؛ فمثلا: وخلقنا، أي في اعتقادهم أهل البيت عليهم السلام يصنعون ويخلقون بقدرة مركبة فيهم فيفعلون أفعاله تعالى، وأن كلمات الجمع مثل هذه في القرآن ليست من باب التفخيم لوجود قرائن ودلائل واستدلالات لديهم على أنها ليست للذات الإلهية.

13. الاعتقاد بأن الله عز وجل خلق النبي والوصي (صلى الله عليهما وآلهما) ثم فوض إليهما فخلقا ورزقا وأحييا وأماتا بقدرة مركبة فيهم ففعلوا أفعال الله تعالى هو من الغلو كما نصّ عليه الشيخ المفيد.

14. الغلاة شر من الناصبة، فلو أن أحدهم اتهم أمير المؤمنين عليه السلام بأنه عصى الله عز وجل عياذا بالله، وآخر قال بأنه خالقه؛ فجرم الأول دون تجريم الثاني، وهذا يدل على عظم الله عز وجل وخطورة توهينه.

15.الغلاة أخطر مما يُسمى المقصرة وفق التعريف الشائع للتقصير، فلو أن أحدا أنكر الولايتين التكوينية والتشريعية للأمير عليه السلام، وآخر ادعى بأنه خالقه بالمعنى الخاص بالله تعالى؛ فجرم الأول دون جرم الثاني، بل الأول قد يكون معذورا أمام الله عز وجل مع عدم وقوفه على الأدلة واستيعابها وعدم رفضه للقضية عن جحود.

16. الغلاة يعذبون بعذاب جميع الأمم السالفة، وهم شر خلق الله، وشر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا.

17. من علامات الغلاة مناكفة الفقهاء، وحرب من يتثبت في نقل الأخبار والروايات مما يُنسب لأهل البيت من فضائل تصغر عظمة الله عز وجل، واتهامه بالتقصير في مقامات أهل البيت عليهم السلام.

18. السجود لغير الله تعالى لا يجوز، إلا ما استثناه الله بوجه خاص كسجود الملائكة لآدم، وسجود أهل النبي يوسف عليه السلام له. ووضع الجباه على الأرض مقابل قبور الأئمة الطاهرين إذا كان شكراً لله المتعال فلا إشكال فيه، وإلا فهو حرام.

19. المعصومون مخيرون.

20. القرآن حق لا تحريف فيه ولا نقص ولا زيادة.


فتفضلوا علي بارككم الله بالنظر لعقيدتي في التوحيد، وطمئنوني أن هل وُفِقت لِإحكامه؟

وهل في النقاط التي طرحتها ما فيه فسحة من الاجتهاد فيمكن الاعتقاد بخلافها، أم لا؟


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه عليهم السلام، ولعنة الله على قاتليهم أجمعين.

علّق سماحته على بعض النقاط كالتالي:

6. المختص بالله سبحانه هو الإيجاد (لا من شيء) كما قال الأمير عليه السلام: «ولا من شيء كَوَّنَ ما قد كان» وكما ورد عن أبي عبد الله عليه السلام: «لا يُكَوِّنُ الشيءَ لا من شيءٍ إلا الله» (التوحيد ص68). وأما الإيجاد (من لا شيء) أو العدم؛ فأعم، فلله إقدار من يشاء من خلقه على ذلك كما ورد عن أبي جعفر عليه السلام من قوله: ««إن الله فوَّض الأمر إلى ملك من الملائكة فخلق سبع سماوات وسبع أرضين وأشياء» (المحاسن ص132). ذلك لأن تولي ممنوح القدرة هذا الإيجاد هو بنفسه ينفي كونه (لا من شيء)، إذ لا يعدو أمره أنه تكلم باسم أو أومأ بإشارة أو استعمل إذنا أو تحرك حركة فتكوَّن الشيء. وفي عبارة (من لا شيء) تسامح كما لا يخفى، إذ ما العدم المقصود هنا إلا سبق انتفاء الموجود مادة وهيئة، وإلا فتكوّن الشيء من مادة العدم محال، إذ ليس العدم مادة. وبعبارة واضحة؛ إن إيجاد ممنوح القدرة للشيء يمكن أن يكون بلا علة مادية بإذن الله، إلا أنه لا يكون بلا علة فاعلية أو معدة. والذي يوجد الشيء بلا علل هو وحده الله تعالى.

وإقدار الله تعالى أولياءه عليهم السلام على الخلق بإذنه بمحض الإرادة التكوينية غير مدفوع، إذ هم لكمال عقولهم وأدبهم الذي أدبهم به ربهم لا يشاءون إلا ما يشاء سبحانه، وفعلهم فعله كما قال الأمير عليه السلام: «وفعل‌ رسله‌ وملائكته‌ فعله‌، لأنهم‌ بأمره‌ يعملون‌» (الاحتجاج ج1 ص364). وهو متسق مع مسألتهم إياه، على نسق ما ورد عن أبي جعفر عليه السلام من قوله: «إن الله تعالى خلق خلاّقين، فإذا أراد أن يخلق خلقًا أمرهم فأخذوا من التربة التي قال في كتابه: مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى، فعجن النطفة بتلك التربة التي يخلق منها بعد أن أسكنها الرحم أربعين ليلة، فإذا تمَّتْ لها أربعة أشهر قالوا: يا رب نخلق ماذا؟ فيأمرهم بما يريد من ذكر أو أنثى؛ أبيض أو أسود» (الكافي الشريف ج3 ص161).

وجواب مولانا صاحب الأمر صلوات الله عليه عن المسألة المرفوعة إليه؛ هو في نفي التفويض الاستقلالي  والخلق الابتدائي لا الذي نقول من إجراء الأمر على أيديهم عليهم السلام بأمره سبحانه، لتبعية إرادتهم لإرادته جل وعلا.

وقوله عليه السلام: «وأما الأئمة عليهم السلام فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق ويسألونه فيرزق» لا يدفع مقولة: «وأما الأئمة عليهم السلام فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق على أيديهم، ويسألونه فيرزق على أيديهم». وستعرف ما يقوم مقام الدعاء لدوام اتصالهم بالوحي.

لا يقال: أن قوله عليه السلام: «لأنه ليس بجسم ولا حالٍّ في جسم» إنما هو في نفي قدرة غيره على الخلق أصلا لمكان هذا التعليل؛ إذ يقال: إنه في نفي القدرة على مثل خلقه الذي هو (لا من شيء)، وأما اقتدار غيره على الخلق (من شيء) أو (من لا شيء) فغير مدفوع، فهذا (البيولوجي الجسم) الذي اقتدر على تكوين (جسم) بالاستنساخ البشري مثلا لا يقال أنه اقتدر على خلق كخلق الله تعالى (لا من شيء)، وكذا (الولي الجسم) الذي اقتدر على تكوين (جسم) بالتكلم بالاسم الأعظم مثلا لا يقال أنه اقتدر على خلق كخلق الله تعالى (لا من شيء).

7. المؤثر الحقيقي في كل شيء هو الله سبحانه، فهو القائل: «وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ». «أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ * أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ». «أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ». وحقيقة الإماتة مجهولة، والكلام فيها وفي ترتيب فصولها فضول، فلقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: «يكفيك أن تعلم أن الله المحيي المميت، وأنه يتوفى الأنفس على يدي من يشاء من خلقه من ملائكته وغيرهم» (البحار ج6 ص142). وعن الصادق عليه السلام: «تتوفاهم الملائكة، ويتوفاهم ملك الموت من الملائكة مع ما يقبض هو، ويتوفاها الله عز وجل من ملك الملك» (الفقيه ج1 ص136).

8. تقييد تحقق المفعول التكويني للولي بالدعاء على نحو الشرط؛ غير متين، إذ هو لا ينفك عن الاستمداد من الله سبحانه وإن لم يكن في طور الدعاء، ذلك لأن اتصاله بالوحي يقوم مقام الدعاء وأكثر، وهو لا يشاء إلا ما يشاء الله.
وحقيقة الإحياء مجهولة، والكلام فيها وفي ترتيب فصولها فضول.

9. المنكر لتحقق المعجزات على أيديهم - عليهم السلام - جملةً يبعد بقاؤه في دائرة الإيمان. أما المنكر لكونها عن سبب الولاية التكوينية؛ فإن لم يكن عن عناد وجحد، فهو على ما قلتم: في دائرة الإيمان، إلا أنه ضعيف ينبغي أن يشد إيمانه.

10. ليس لمخلوق قدرة الخالق مطلقا، إلا أن تقييد الولاية التكوينية والمعجزات باستعمال الاسم الأعظم غير متين، إذ الموجودات مأمورة بالطاعة لهم عليهم السلام بمجرد الأمر وما يقوم مقامه كالإشارة، بل ومجرد الحضور، فلقد حدَّث الصادق عن آبائه عليهم السلام: «أن رجلا كان من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام مريضا شديد الحمى، فعاده الحسين بن علي عليهما السلام، فلمّا دخل باب الدار طارت الحمى عن الرجل. فقال له: قد رضيتُ بما أوتيتم به حقا حقا؛ والحمى تهرب منكم! فقال له الحسين عليه السلام: والله ما خلق الله شيئا إلا وقد أمره بالطاعة لنا. يا كِباسة! - قال: فإذا نحن نسمع الصوت ولا نرى الشخص يقول: - لبيك! قال: أليس أمير المؤمنين أمركِ أن لا تقربي إلا عدوا أو مذنبا لكي تكون كفارة لذنوبه؟ فما بال هذا؟! وكان الرجل المريض عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي» (رجال الكشي ص٨٧).

ما لم نعلق عليه؛ نرتضيه. وقد علمتَ مما تقدم ما فيه فسحة اجتهاد. ثبتك الله بالقول بالثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

وفقكم الله لمراضيه.

مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى

17 محرم الحرام 1444 هجرية


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp