هل للزمان والمكان مدخلية في تحديد الحكم الشرعي؟ وإذا غابت العلة بمرور الزمن هل يرتفع الحكم؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته تحية طيبة و عطرة الى جناب شيخنا و أستاذنا الحبيب دامت فيوضاته.

س/هل للزمان مدخلية في تحديد الحكم الشرعي و كذلك المكان؟ فاذا غابت العلة بمرور الزمن هل يرتفع الحكم؟ بعبارة أوضح هناك حديث ينهى عن الغسل بالماء الذي سخنته الشمس لأنه يورث البرص فحمله بعض الفقهاء على الكراهة و هي حكم شرعي كما تعلمون فلو بمرور الزمن قضوا على ما يسبب هذه العلة هل تزول الكراهة؟ كذلك بخصوص أكل لحم الخيل و الحمير الأهلية فكراهيتها بعلة انها تفيد الناس بالركب و السير فلو زالت العلة كما في زماننا الحالي هل تزول الكراهية؟ و الامثلة في هذا المجال كثيرة نرجو من جناب الشيخ التفصيل في جواب السؤال و التقعيد له لانني سوف أقرره و له الشكر الجزيل و لا ينسانا من خالص دعائه بالإسم و أن يشركنا بعمله في ليالي محرم و صفر و يكون متفضل علينا و السلام عليكم


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه عليهم السلام، ولعنة الله على قاتليهم أجمعين.

بمراجعة الشيخ،

إنا نرى أن ارتفاع الحكم وتغيره مع تغير الزمان والمكان لا انسداد لبابه، فلقد سُئل أمير المؤمنين صلوات الله عليه عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله: «غيِّروا الشيب ولا تشبَّهوا باليهود. فقال عليه السلام: إنما قال صلى الله عليه وآله ذلك والدين قُلٌّ، فأما الآن وقد اتسع نطاقه وضرب بجِرانه؛ فامرؤٌ وما اختار» (نهج البلاغة - باب المختار من الحكم ص471).

وروي عن الباقر عليه السلام قال: «إن النبي صلى الله عليه وآله نهى أن تُحبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام من أجل الحاجة، فأما اليوم فلا بأس به» (وسائل الشيعة ج10 - أبواب الذبح ص148).

ومن أمثلة ذلك حرمة بيع الدم وشرائه، فإنه في مثل هذا الزمان يجوز إذا كانت المعاملة عقلائية، كبيع الدم لإنقاذ حياة إنسان. وما هذا التغير في الحكم إلا لأنه في السابق لم يكن ثمة إمكان للانتفاع المحلل بالدم، إلا أنه في هذا الزمان ممكن مع تطور الطب والعلاج، فتغير الحكم في إثر ذلك. ومعنى هذا أننا أحرزنا أن حكم حرمة بيع الدم وشرائه؛ لا إطلاق له.

وقد قال الشهيد الأول رحمه الله: «يجوز تغيير الأحكام بتغير العادات، كما في النقود المتعاورة، والأوزان المتداولة، ونفقات الزوجات والأقارب، فإنها تتبع عادة ذلك الزمان الذي وقعت فيه، وكذا تقدير العواري بالعوائد. ومنه الاختلاف بعد الدخول في قبض الصداق، فالمروي تقديم قول الزوج عملًا بما كان عليه السلف من تقديم المهر على الدخول، ومنه إذا قدَّم بشيء قبل الدخول كان مهرًا إذا لم يسم غيره، تبعًا لتلك العادة، فالآن ينبغي تقديم قول الزوجة، واحتساب ذلك من مهر المثل» (القواعد والفوائد - القاعدة الخامسة ج1 ص152).

إلا أن الحكم بالتغيير رهن أمور ثلاثة عندنا:

أولها؛ الوقوف على العلة التامة للحكم وإن على سبيل تحقيق المناط أو تنقيحه، فإن شككنا فلا سبيل.
وثانيها؛ ما تقدم من إحراز أن الحكم لا إطلاق له لارتباطه بشيء؛ مصلحةً أو نحوها.
وثالثها؛ أن يكون للزمان أو المكان دور فعلي في تغير الموضوع ليتغير الحكم في إثره.

وبعد هذا كله تجب مراعاة الاحتياط حذرا من التصرف بالشريعة والوقوع في ما وقعت فيه العامة العمياء من التبديل والتغيير لأحكام الله عز وجل من باب الاستحسان والمصالح المرسلة ونحوها.

وعليه؛ ففي المثالين المذكورين في السؤال؛ لا قطع بارتفاع الكراهة، ذلك لعدم إحراز أن توريث البرص من الاغتسال بالماء المشمس علة تامة لكراهته، إذ قد يكون التوريث على نحو الاقتضاء كما هو الظاهر. وكذا الحكم بكراهة لحوم الخيل والحمر الأهلية، فإن ما ورد من نهي رسول الله صلى الله عليه وآله عن تناولها إبقاءً عليها لأنها كانت حمولة الناس يومئذ؛ قد يكون جزء العلة مع ما ورد من إطلاق قول أبي عبد الله عليه السلام: «نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عنها، ولا تأكلها إلا أن تضطر إليها» (وسائل الشيعة - باب كراهة لحوم الخيل والبغال وعدم تحريمها ج24 ص121).

وفقكم الله لمراضيه.

مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى

25 محرم الحرام 1444 هجرية


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp