هل كانت الزهراء كارهة للزواج بأمير المؤمنين؟ وهل كرهت حملها بالحسين (عليهم السلام)؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،، سماحة الشيخ / ياسر الحبيب حفظك الله بحق محمد وآل محمد

شيخنا هنالك شبه تطرح بالمنتديات من قبل الوهابية يوميا ،،،،، فلذا أردنا من سماحتكم الرد على هذه الشبه

43 - كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن علي بن أسباط عن داود ، عن يعقوب بن شعيب قال : لما زوج رسول الله صلى الله عليه واله عليا فاطمة دخل عليها وهي تبكي فقال لها : ما يبكيك ؟ فوالله لو كان في أهلي خير منه ما زوجتكه وما أنازوجتكه ولكن الله زوجك وأصدق عنك الخمس ما دامت السماوات والارض .

---------------------------------------------------------

44 - كا : علي بن محمد ، عن عبدالله بن إسحاق ، عن الحسين بن علي بن سليمان ، عمن حدثه ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن فاطمة عليها السلام قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله : زوجتني بالمهر الخسيس ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه واله : ما أنا زوجتك ولكن الله ، زوجك من السماء ، وجعل مهرك خمس الدنيا ما دامت السماوات والارض .

--------------------------------------------------------

أقول : في هاتين الروايتين يستشكل الوهابية ببكاء السيدة فاطمة عليها السلام وقولها أن المهر خسيس

-------------------------------------------------------

عن ابي عبدالله عليه السلام : ان جبرئيل عليه السلام نزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا محمد إن الله يقرأ عليك السلام ، ويبشرك بمولود يولد من فاطمة عليها السلام تقتله أمتك من بعدك

فقال : يا جبرئيل ، وعلى ربي السلام ، لاحاجة لي في مولود تقتله امتي من بعدي ، قال : فعرج جبرئيل إلى السماء ، ثم هبط فقال له مثل ذلك .

فقال : يا جبرئيل وعلى ربي السلام ، لاحاجة لي في مولود تقتله أمتي من بعدي ، فعرج جبرئيل إلى السماء ، ثم هبط فقال له : يا محمد إن ربك يقرؤك السلام ، ويبشرك انه جاعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية ، فقال : قد رضيت ، ثم أرسل إلى فاطمة عليها السلام أن الله « تبارك وتعالى » يبشرك بمولود يولد منك تقتله أمتي من بعدي ، فأرسك إليه : أن لاحاجة لي في مولود يولد مني تقتله أمتك ، من بعدك . فأرسل اليها ان الله جاعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية فأرسلت : أني قد رضيت ، « حملته أمه كرها ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن اشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وان أعمل صالحاً ترضيه وأصلح لي في ذريتي إني تبت اليك واني من المسلمين » ) .

--------------------------------------------------------

في هذه الرواية يستشكل الوهابية في كراهية حمل الحسين عليه السلام من قبل أمه الزهراء سلام الله عليها وعدم رضى الزهراء بحكم القضاء والقدر

----------------------------------------

قال المجلسي في بحار الأنوار : (( عن حبيب بن أبي ثابت قال: كان بين علي و فاطمة كلام فدخل رسول الله (ص) ....... فأخذ رسول الله (ص) يد علي فوضعها على سرته و أخذ يد فاطمة فوضعها على سرته فلم يزل حتى أصلح بينهما ( وهذا يعني أن أحدهما على الأقل أغضب الآخر ) ، ثم خرج فقيل له يا رسول الله ! دخلت و أنت على حال وخرجت و نحن نرى البشرى في وجهك! قال: و ما يـمنعني و قد أصلحت بين اثنين أحب من على وجه الأرض إلي )).

-----------------------

((قال الإمام محمد الباقر عليه السلام في كشف الغمة بأنه اشتكت يوما فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أن عليا ما يأتيه من الأموال يقسمها بين الفقراء والمساكين؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أتريدين أن أسخط أخي وابن عمي؟ اعلمي أن سخطه سخطي وسخطي سخط الله، فقالت فاطمة: إني أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله) جلاء العيون للمجلسي ص61

---------------------------

هذا ولكم مني كل الشكر والتقدير


باسمه جل وعلا. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

إن من السهل علينا في أمثال هذا المقام اللجوء إلى الأسلوب الوهابي في الفرار، فنقول مثلا إن هذه الروايات غير صحيحة سندا، وهي ساقطة إذ ذاك. لكننا نربأ بأنفسنا أن ننزل إلى هذا الأسلوب، حيث إنه وبغض النظر عن مناقشة مدى صحة السند ووثاقته؛ فإنه لا تنقصنا الأجوبة على أمثال هذه الشبهات، سيما وأننا كما أوضحنا مرارا نميل إلى الاعتبار بكل رواية قدر الإمكان ونلتمس لها المحامل دون فحص السند بالضرورة إلا في ما يترتّب عليه حكم تكليفي تعبّدي، وذلك تورّعا عن ردّ قول المعصوم عليه السلام.

اعلم يا أيها الأخ الموالي أن هؤلاء القوم استحكم فيهم الجهل والغباء في آن؛ فترى شبهاتهم مترشحة من التمسك بكل قشّة للنجاة من الغرق، كما يتمسك بعض اليهود والنصارى بكل قشّة متاحة لتصحيح دينهم الفاسد والتشكيك بديننا العظيم.

إن اليهود والنصارى يقولون: إن قرآن المسلمين ورد فيه أن الله "ماكر"! فهل تصح عبادة إله ماكر؟! وهل يمكن أن يكون هذا دينا صحيحا؟!

ونحن المسلمون نقول في جوابهم: ما أجهلكم! إن ما ورد في كتاب الله سبحانه إنما هو من معاريض الكلام وينبغي على المدقق أن يفهم معناه دون أن يتوقّف عند اللفظ فقط، فالآية الشريفة هي: "وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" (الأنفال: 30) وهكذا نرى أن مكر الله جاء في قبال مكر الكافرين كمجازاة، فهو رد للعمل من جنسه، صيغ في تعبير مجازي القصد منه تبيان أن الكافرين مهما مكروا فلن يتغلبوا على الله تعالى، لأنه سيرجع مكرهم إليهم. وقد قال الله تعالى: "والله خير الماكرين" ولم يقل: "والله شر الماكرين"! ولهذا تروْن أن كهنتكم فهموا هذا المعنى ولم يجدوا فيه شناعة، فقد ورد في قاموس (المنجد) المعدّ من رجال دينكم في الكنيسة الكاثوليكية في لبنان ضمن مادة (مكر) أن معنى "مكر الله" هو: "يجازي على المكر". فكيف غاب عنكم ذلك؟ أو بالأحرى: لماذا غيّبتموه عمدا عن أذهانكم؟!

وهكذا ترى أقران اليهود والنصارى من النواصب يتبّعون الأسلوب ذاته، فيركزون على الألفاظ دون جواهرها، وعلى العبارات دون معانيها، وما ذلك إلا أملا منهم في في التشنيع على أئمتنا (صلوات الله عليهم) وشيعتهم الأبرار. وهذا هو دليل نصبهم.

وهاك الجواب مفصّلا:


عن الرواية الأولى: غاية ما فيها أن الزهراء (صلوات الله عليها) بكت، وقد تكون العلة في ذلك فراقها لأبيها الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) وانتقالها إلى بيت آخر وإن كان بيت أمير المؤمنين علي صلوات الله وسلامه عليه. وحتى على تقدير أن تكون العلة زواجها منه بالذات، فإن البكاء هنا نوع تعبير تصويري لإظهار فضيلته، إذ لولا ذلك لما أتيحت الفرصة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيان أن هذا الزواج المقدس إنما تم بأمر الله تعالى كرامة لعلي بن أبي طالب (صلوات الله عليهما) وأنه قد شرّع الخمس صداقا لها، وأنه ليس في أهل النبي خير من علي. فهذه فضائل نطق بها لسان من لا ينطق عن الهوى بعد إذ أظهرت الزهراء ذلك التعبير البكائي لتكتمل فصول الصورة وترتسم تلك الفضائل والمناقب العظيمة وليرسخ كل ذلك في الأذهان. وليس وقوع البكاء من الزهراء (صلوات الله عليها) على وجه الحقيقة، بل على وجه التصوير، فإنها كانت تعلم بمقام علي عليه السلام، كما كان الأمر بالنسبة ليعقوب (عليه السلام) الذي وقع البكاء منه رغم علمه بمكان يوسف (عليه السلام) وعدم غيبوبته عنه، لأن النبي لا يُحجب عنه شيء.


عن الرواية الثانية: معنى المهر الخسيس هو المهر القليل، وهذا حق في مقاييس أهل الدنيا، فإن الزهراء (عليها السلام) لم تأخذ إلا القليل من أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي لم يكن يملك شيئا يُذكر. وعلى هذا تتضح المقاصد على هذا النحو، أن الزهراء تقول لأبيها أن مهري قليل بمقاييس أهل الدنيا، فتُظهر ذلك ليأتي الجواب لنا وليسمعه العالم أجمع، ويثبت بلسان صاحب الشريعة (صلى الله عليه وآله وسلم) أن مهرها عظيم عظيم في مقاييس أهل التقوى، وهو خمس الدنيا إلى يوم القيامة! فما أعظمه من مقام وما أجلّها من منزلة. فهذا أيضا من ضروب التعبير التصويري. ولطالما استخدم الأنبياء (صلوات الله عليهم) هذه التعابير، كما في قصة موسى والخضر (عليهما السلام) فكل ما جرى بينهما إنما كان لتثبيت معاني تصل إلينا، لا أنه على وجه الحقيقة نزاع بينهما أو ما أشبه، فالنبي لا يتنازع مع نبي، ولا يقول بهذا إلا غبي!

على أن وصف الزهراء (صلوات الله عليها) لمهرها بأنه خسيس لم يكن ناشئا من اعتقادها بذلك، وإنما نقلت لأبيها ما كان شائعا في أوساط أهل الدنيا عن هذا الأمر كما أسلفنا، فقد ورد عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضوان الله عليه: "لما زوّج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة من علي (عليهما السلام) أتاه أناس من قريش فقالوا: إنك زوّجت عليا بمهر خسيس! فقال لهم: ما أنا زوجت علياً ولكن الله عزوجل زوّجه ليلة أُسري بي عند سدرة المنتهى، أوحى الله إلى السدرة أن انثري ما عليك فنثرت الدر والجوهر والمرجان، فابتدر الحور العين فالتقطن، فهن يتهادينه ويتفاخرن ويقلن: هذا من نثار فاطمة بنت محمد صلى الله عليه واله"! (البحار ج43 ص104).


عن الرواية الثالثة: إن إشكالهم يمتد أيضا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لو سلّمنا بفهمهم السقيم للرواية! لأنه رفض ذلك المولود الذي ستقتله أمته من بعده وقال: "لا حاجة لي في مولود تقتله أمتي من بعدي". فالإشكال إذن ليس منحصرا بالزهراء (صلوات الله عليها). ولو كان هؤلاء النواصب يعقلون لما أشكلوا بهذا الإشكال لأن الرواية نفسها تنفي ما ادّعوه، فقد عبّر النبي (صلى الله عليه وآله) عن رضاه بعدما أبلغه الله تعالى بما سيحبو به الحسين (عليه السلام) جزاءً لتضحيته، وكذلك فعلت الزهراء (صلوات الله عليها) إذ قال كلٌّ منهما: "قد رضيت". فأين ما يزعمون من أن الزهراء كانت كارهة بعدما أبدت رضاها؟! وهل يقول عاقل بأن ترتّب المعنى يكون على السابق دون اللاحق الذي ينسخه؟! على أن من عنده ذرة من عقل يفهم أن المعنى من هذه الرواية ليس الاعتراض على القضاء والقدر كما يزعمون، ولا كراهية ميلاد الحسين عليه السلام، كيف وقد فرح به على السواء رسول الله والزهراء وأمير المؤمنين صلوات الله عليهم، وإنما المعنى كراهية قتل الحسين (صلوات الله عليه) وتعرّضه وأهل بيته وانصاره إلى تلك الفجائع من الأمة التي تدّعي سيرها على هدي جدّه! والكراهية إنما هي شعور ذاتي، لا يستلزم بالضرورة اعتراضا على قضاء وقدر. أرأيت لو أصاب أحدا من الوهابيين مرض السرطان أو الإيدز، أكان بوسعه أن يقول أنه "يحب" هذا المرض بعينه لنفسه؟! لو قالها لأظهر أنه كالحمار يحمل أسفارا! إذ لا يقول بذلك عاقل، وإنما بوسعه أن يقول أنه يكره هذا المرض لنفسه ولغيره، لكنه يسلم بقضاء الله تعالى، فيرى هذا البلاء جميلا. وأما الآية الشريفة وتأويلها، فيتضح مما سبق، وهو أن القرآن قمة في البلاغة والتصوير الأدبي الفائق، لذا استلزم ذلك ذكر هذا التعبير المجازي. والأمر بمجمله أيضا هو نوع إرسال إشارات إلى الغير، فلا نسلّم بوقوع هذه المحاورات بين رسول الله وجبريل والزهراء (عليهم السلام) على وجه القصد الحقيقي، وإنما هي من باب: "إياك أعني واسمعي يا جارة".


عن الرواية الرابعة: سبحان الله! منذ متى كان حبيب بن أبي ثابت إماما معصوما حتى نقبل روايته لشيء لم يرَه؟! وكيف غاب عنهم أنه من المدلسين باعتراف رجاليّيهم كابن حجر في تهذيب التهذيب؟! هل هذه الرواية مسندة إلى معصوم؟! ما أجهلهم حقا. إنما جاء هذا الخبر عن طرق العامة، وهو مذكور في الأصل في طبقات ابن سعد، فلا يمكن الاعتداد به.


عن الرواية الخامسة: هذه الشكوى الشكلية الظاهرية إنما جاءت بهدف إظهار وتسجيل فضيلة من أعظم فضائل أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) وهي أن سخط أمير المؤمنين يساوي سخط رسول الله ويساوي تاليا سخط الله تبارك وتعالى. حتى يثبت ذلك أمام المسلمين جميعا، ويعلمون غدا أن عليا حينما يسخط على أبي بكر وعمر وأضرابهما (عليهم اللعنة) فيعني ذلك سخط الله تبارك وتعالى عليهم. ولولا موقف كهذا لما ثبت في الأذهان هذا المفهوم المهم الذي يحدد فارقا جوهريا بين الحق والباطل مستقبلا. وقد استخدم الله سبحانه بنفسه هذا الأسلوب، عندما أظهر عتابه – الشكلي لا الواقعي – على رسوله الخاتم (صلى الله عليه وآله) بقوله: "عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ" (التوبة:43). بينما أشار في موضع آخر من كتابه العزيز بأن هذا الإذن إنما جاء بأمره سبحانه لأنه كره خروج أولئك المتخلّفين عن القتال، بقوله عز من قائل: "وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ" (التوبة:46). وهكذا يستخدم المعصومون (عليهم الصلاة والسلام) الأسلوب القرآني في تصوير الأحداث، لتبيان نتيجة أهم، كما في هذا المثال، وأمثلة شتى. فأحيانا يستخدم البليغ صيغة للكلام ويرمي بها مرمى آخر. ولا يفهم ذلك إلا الفطن، والوهابيون لا فطنة فيهم، بل ويُشك في بلوغهم سن الرشد العقلي!

زادكم الله علما وفهما، وزاد المعاندين للحق جهلا وإثما. والسلام.

الثالث من ذي القعدة لسنة 1426 من الهجرة النبوية الشريفة.


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp