في البدء اود ان اشكر القائمين على الموقع لانهم استجابو لرسالتي.. سيد ياسر لقد قال لي صديقي في الكلية وهو من الطائفة \"السنية\" ان الدين الاسلامي هو دين فرح ودين يهدف الى اسعاد متبعيه فلماذا انتم ويقصد \"الشيعة\" تلطمون على شخص عظيم مثل الامام الحسين(عليه السلام) فبدلاً من ان تلطمون عليه استذكروا سيرته واستفيدو من العبر العظيمة التي ضحى الحسين(عليه السلام) بدمه الزكي من اجل اعلائها.. وبصراحة سيد ياسر لم استطع اجابته!!!سؤالي هو هل يوجد نص قراني اونص من الحديث او من الأئمة عليهم السلام ما يدعو المسلمين الى البكاء واللطم ؟؟؟ ام ان البكاء هو مجرد اضهار محبة شخص ما..ارجو التمعن بالسؤال جيداً
علي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
جواب المكتب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عظم الله لكم الأجر في مصابنا الجلل بسيدنا ومولانا أبي عبدالله الحسين عليه السلام وأهل بيته وأنصاره وسبي نسائه وعياله , جعلنا الله وإياكم من الطالبين بثأره مع إمام هدى منصور من أهل بيت محمد عليهم الصلاة والسلام.
إنّ اختلافنا مع ذلك الرجل هو في تشخيصه لمفهوم السعادة. نحن لا نحصر مفهوم السعادة في حدود ضيقة جدا لا تتجاوز محيط الذات. نحن الشيعة سعادتنا الشخصية هي ذرة في محيط أوسع لأننا نرى أنّ سعادتنا مرتبطة بسعادة وفرح من نحبهم ومن نقدمهم على أنفسنا لأنهم سبب هدايتنا وسعادتنا وفوزنا في الدنيا والآخرة وهم من ندين لهم بالفضل بعد الله تعالى وهؤلاء الاشخاص هم محمد وآله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. وفي هذا المعنى وردت أحاديث عدة منها قول الإمام الصادق عليه السلام: " شيعتنا منا يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا".
أما لماذا نحيي حزننا على الحسين و أهل البيت عليهم السلام بتلك الطريقة فذاك بصرف النظر عن كونه تعبيراً طبيعيا عن عاطفة إنسانية تجاه أفراد "استثنائيين". أقول بصرف النظر عن ذلك فإنّ محمد وآله قد حُربوا وظُلموا ظلماً يفوق حد الوصف وراح الطواغيت يحاولون التعتيم على هذه الحقائق وتعميتها عبر العصور فجاءت هذه الشعائر التي كان دأب الشيعة على إظهارها وإحيائها بتلك الحرارة والحماسة على مر العصور لتكون سببا في حفظ الحقائق التي سعى الطواغيت لتغييبها والتعتيم عليها.
سيفيدك الاطلاع على اجابات سابقة حول اللطم والبكاء (هنا) و (هنا) و (هنا) و (هنا)
هذا والاستفادة من سيرة الحسين عليه السلام أمر لا يتعارض إطلاقا مع إحياء تلك الشعائر إذ هي مظاهر تزيد المؤمن ارتباطا بخط الحسين عليه السلام لأنّ كل شعيرة تمثل رمزا لمعنى يحمل رسالة تربوية عظيمة مُستلهمة من أحداث قضية الحسين عليه السلام.
قد يقول القائل أنّ الاسلام يأمر بالصبر وهذا جزع. نقول هذا جزع في اللسان "العرفي" فقط ولكنه في الواقع والحقيقة ليس جزعا وستعرف السبب.
(هنا) تجدون جوابا يتعلق بسؤال حول هذا المقطع من زيارة عاشوراء ( اللهم لك الحمد حمد الشاكرين لك على مصابهم)
ايضا لمزيد من التوضيح نقول أنّ ما ورد في دعاء الندبة يفسر بوضوح تلك العبارة من زيارة عاشوراء المقدسة
( اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا جَرَى بِهِ قَضَاؤُكَ فِي أَوْلِيَائِكَ الَّذِينَ اسْتَخْلَصْتَهُمْ لِنَفْسِكَ وَ دِينِكَ ، إِذِ اخْتَرْتَ لَهُمْ جَزِيلَ مَا عِنْدَكَ مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ الَّذِي لَا زَوَالَ لَهُ وَ لَا اضْمِحْلَالَ)
القضاء هنا لا يعني الجبر بالتأكيد وإنما يعني إمضاء الاختيار لأنّ الانبياء والاوصياء اختاروا الشهادة في سبيل الله تعالى طلبا لرضا الله حيث اخبرهم الله تعالى أنّ الصلاح في هذا فسلموا أمرهم لله ومضوا شهداء "طائعين مختارين" وذلك في سبيل اعلاء دين الله تعالى وقد أمضى الله تعالى اختيارهم فجرى بذلك قضاؤه فيهم.
لقد اختار اولياء الله جل وعلا الشهادة ولقاءه سبحانه و نحن نحمد الله تعالى على قضائه الذي أجراه على اوليائه لأننا نعرف ونعلم يقينا بأنه تعالى جازاهم بأعلى الدرجات في الاخرة فيكون الحمد لله تعالى محصلةً ليقيننا بكون ما حلّ بأولياء الله من مصائب هو في "عاقبته "خير يستوجب الحمد لله تعالى وليس الحمد هنا يعني السرور والرضا بقتل الحسين عليه السلام من باب كونه جرما عظيما ومصابا أليما فلا عاقل يقول بهذا! إنما الحمد لله تعالى في الواقع هو على حُسن عاقبة ذلك الولي في الآخرة.
هذا لا يتنافى إطلاقا مع إظهار الجزع والحزن. النبي يعقوب الذي ابيضت عيناه من الحزن يسمي القران الكريم جزعه صبرا جميلا!
ماذا يقول المعترضون في يوسف الذي ابيضت عيناه من الحزن؟ هل هذا صبر وفق مقاييسنا؟
إن بكى أحدهم على عزيز غائب حتى تبيض عيناه وينطفيء نورها ألا يُقال عنه انه جازع وقليل الصبر؟مع ذلك الله سمى ذلك الفعل من يعقوب صبرا جميلا.
لماذا سُمي ذلك الفعل من يعقوب عليه السلام صبرا جميلا؟ لأنّ يوسف ليس مخلوقا عاديا كسائر البشر.
مصداق الجزع على يوسف يكون قتل النفس عن قصد وأما إن كان في حال الألم الشديد الذي ينتج عنه فقدان الشعور واندهاش العقل فحتى هذا لا يكون جزعا بل هو سلوك لا ملامة عليه لانه في حق نبي عظيم كامل كيوسف عليه السلام
بوضوح أكثر نقول أنه كلما علا وارتفع شأن الانسان كلما كان مصداق الجزع على مصابه أبعد, وبالمثل كلما كان حجم المصيبة أكبر كان مصداق الجزع أبعد.
على سبيل المثال لو فقدت امرأة ثلاثة ابناء في حادث مروري وكان أقصى ما عبرت به عن حزنها هو الامتناع عن الاكل والشرب والبكاء فإنّ مثل هذا الفعل منها يُعتبر صبرا لأنّ مصابها عظيم.
في المقابل لو أنّ امرأةً فقدت ولدا واحدا فكان حزنها بمستوى حزن تلك المرأة التي فقدت أربعة ابناء فإنّ عنوان الصبر لن يكون منطبقا عليها فرزيتها أهون.
إنّ قول "انا لله وانا اليه راجعون" ليس يتعارض مع ابداء الحزن والالم ولا يعني ان تكون صنما بلا إحساس فالدين لا يقهر الفطرة.
إن الذي يتنافى ويتعارض مع حقيقة الصبر هو ذلك الجزع المفضي إلى إظهار وإبداء السخط على الله تعالى وقضائه والتلفظ بكلمات تحمل معاني السخط على الله والكفر برب العالمين والعياذ بالله, أما مجرد الحزن على العزيز بمستوى ومقدار يتناسب ومنزلة ذلك الفقيد فإنه ليس مما يخالف الصبر وإلا فإنّ يعقوب عليه السلام وفق معاييرنا سيكون غير صابر والعياذ بالله.
إنّ بكاء العين حزنا على فراق يوسف حتى تبيض العين ويذهب بصرها هو صبر وليس اي صبر! صبرٌ جميل ايضا لكون نبي الله يوسف عليه السلام حقيق بأعظم واكثر من ذلك.
يعقوب هكذا صنع حزنا على يوسف الذي كان غائبا فقط ولم يقع عليه عشر معشار ما وقع على الحسين الشهيد المظلوم عليه السلام سبط رسول الله وريحانته سيد شباب اهل الجنة مهجة البتول سيدة نساء العالمين وشبل أمير المؤمنين شقيق السبط الثاني الحسن الزكي ووالد التسعة الاطهار المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين.
ـ ورود عبارة (على مصابي بهم) في نسخ اخرى لربما يشير الى الارتباط الوثيق بين المؤمن وبين مواليه عليهم افضل الصلاة والسلام وهذا ترجمان لقولهم عليهم الصلاة والسلام(يحزنون لحزننا) فبهذا يكون مصاب آل رسول الله لا شك هو مصاب شيعتهم. والله ورسوله اعلم.
ـ أخيرا فإنّ الانعكاس السلبي أو الايجابي لكل ممارسة يُعرف من خلال استقراء ردود أفعال الغالبية, ونحن نجد كل من يحيطون بنا يخبروننا أنّ في البكاء على الحسين عليه السلام وشعائره المقدسة سرا لايستطيعون تفسيره حيث المتعارف عليه هو أنّ من يدخل في حالة حزن وبكاء فإنه عادةً يخرج منها بنفسية منهزمة وحالة من الغم والضيق بينما العكس هو ما يحصل تماما بعد البكاء على الحسين عليه السلام وإحياء شعائره, فالمؤمنون يشعرون بحالة من الانفراج والسرور والاحساس بالنشاط والحيوية ولربما هذا يفسر جانبا من جوانب استمرارية تلك الشعائر وتجددها والاقبال المستمر والمتزايد عليها عبر العصور.
من الجيد الاطلاع على (هذه) المحاضرة لسماحة الشيخ حول التطبير.
وفقكم الله لمراضيه , والسلام
مكتب الشيخ الحبيب في لندن
23 صفر 1432