لا ينفك مشايخ ودعاة البكرية يثيرون عجب المتابعين بأساليبهم المبتكرة في المراوغة والتدليس والتهرب من المناظرات، إلا أن ما قام به المغربي عادل عطاف على البث المباشر فاق كل التوقعات! فعلى دأب سماحة الشيخ الحبيب واتحاد خدام المهدي (عليه السلام) في الأسابيع الماضية من دعوة مشايخ البكرية ودعاتها إلى المناظرة التي حُدِّد موضوعها ببحث إيمان أبي موسى الأشعري من نفاقه، تم التنسيق في حلقة يوم الجمعة ثالث عشر ذي القعدة الحرام لسنة 1444 للهجرة مع الشيخ السلفي المغربي عادل عطاف لمواجهة الشيخ ياسر الحبيب. افتتح جلسة المناظرة المرئية علي الإبراهيمي ببيان ما اتفق عليه الطرفان من شروط للمناظرة، كان أبرزها تحديد الوقت بعشر دقائق لكل طرف في المداخلة تعقبها عشر دقائق للطرف الآخر، وعدم إتباع أي من الطرفين ذكر الشخصيات الخلافية بالترضي أو باللعن.
استعرض الشيخ الحبيب في مداخلته الأولى ملخصاً للبحث الذي قدمه على مدار الأسابيع الماضية حول شخصية أبي موسى الأشعري، وإدانة حذيفة بن اليمان – رحمه الله – له بمحاولة اغتيال رسول الله صلى الله عليه وآله في العقبة. ووجه لخصمه الدعوة للتجرد من العصبية والاستعداد للتحرر من القيود التي فرضتها المذاهب البكرية على بحث إيمان طبقة الصحابة، كما أنه خطا بقبوله لمناظرة الرافضة خطوة تقدمية على تعاليم السلفية التي تنهى أبناءها عن خوض المناظرات وحوار مخالفيهم. أما الشيخ عطاف فكان الشق الأول من مداخلته في كيل المدائح لأبي موسى الأشعري وذكر ما روي في كتب أهل مذهبه من مناقب له، والشق الثاني في ذكر قصة حادثة العقبة، وما جاء في أي من الشقين بما يصب في موضوع البحث أو يدفع التهمة عن أبي موسى! ومع استمرار المناظرة وتأكيد الشيخ الحبيب المستمر على التركيز على محور البحث، ابتدأت مناورات الشيخ عطاف العجيبة في الدفاع عن أبي موسى الأشعري. وكان أولاها محاولته لتبرئة الأشعري بإخراجه من سياق الأثر الوارد عن حذيفة، بدعوى أن من خاصم حذيفة في الحادثة رجل آخر من المنافقين يقال له وديعة بن ثابت. وكان جواب الشيخ الحبيب حاضراً، فقد بين أن ذكر وديعة بن ثابت جاء في أثر ضعيف يعزى فيه الحديث إلى عمار بن ياسر – رحمه الله – وليس فيه ذكر حذيفة أصلاً!
أما الفضيحة الكبرى فكانت بدايتها حين أنكر الشيخ عطاف ورود اسم أبي موسى الأشعري في حديث حذيفة، وتحدى الشيخ الحبيب أن يثبت ذكر أبي موسى، مسلماً بانتهاء المناظرة إن استطاع الشيخ الحبيب إثبات ذلك! ولما بين الشيخ الحبيب ورود اسم أبي موسى بسند صحيح في رواية مصنف ابن أبي شيبة، طالب الشيخ عطاف بتخريج الرواية الكامل بالجزء والصفحة، وتعسف حتى جاء بالمصنف من مكتبته وطالب بتخريجها من الطبعة التي نسختها بين يديه، لا من الطبعة التي يقرأ منها الشيخ الحبيب. واستمر الشيخ الحبيب بمجاراته في طلبه، طالباً من مدير المكتب البحث واستخراج الحديث من ذات طبعة الشيخ عطاف، الأمر الذي استغرق وقتاً استمر فيه الشيخ عطاف بالإنكار وتأكيد انتهاء المناظرة بمجرد العثور على اسم أبي موسى، حتى جاءه تفصيل تخريج الحديث. والعجيب أن عطاف استمر في إنكار وجود اسم أبي موسى في الحديث حتى بعد عثوره عليه، والأعجب أنه قرأ الحديث من الكتاب الذي بين يديه وادعى عدم وجود اسم أبي موسى! والطريف أنه في سياق نفيه لوجود ذكر الأشعري أخذ يلوح بصفحة الكتاب يميناً وشمالاً، حتى وقعت عدسة الكاميرا على اسم أبي موسى الأشعري حتى لاحظه الشيخ الحبيب والمشاهدون! وحتى لما طلب الشيخ الحبيب من المخرج اقتطاع اللقطة التي ظهر فيها اسم أبي موسى واضحاً في الحديث، وتم عرضها أمام المشاهدين، استمر الشيخ عادل عطاف بإنكار وجود اسم أبي موسى! وما راع المتابعين إلا وهو يلوح بالتوقف عن المناظرة لاقتراب وقت صلاة المغرب، رغم أن قرابة خمس وأربعين دقيقة كانت تفصله عن موعد الأذان بتوقيت المغرب! وهكذا انتهت المواجهة بعد أن لم يستطع عادل عطاف رؤية اسم أبي موسى الأشعري، واستطاع المشاهدون في المشرق والمغرب رؤية اسمه في الكتاب الذي بين يديه!
توالت الاتصالات بعد انتهاء المناظرة من الشيعة والمخالفين، وكان أغلبها من أهل المغرب، الذين عبروا عن امتعاضهم الشديد من التدليس العلني والكذب الصريح أمام الملأ ممن يفترض به أن يمثل السلفية بصورة علمية. وكان من بين المتصلين من أعلن براءته من السلفية واعتناقه التشيع لمحمد وآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم، بعد ملاحظة الحال المخزية لكهنة ودعاة البكرية في الدفاع عن مذهبهم بالمراوغات والأكاذيب.
في نهاية الجلسة جدد سماحة الشيخ الحبيب دعوته لمشايخ الطائفة البكرية وأهل العلم عندهم في التقدم للمناظرة في موضوع نفاق أبي موسى الأشعري، معبراً عن أسفه من تكرر ظهور من يمثلهم في المناظرات العلمية بهذه الصور المخزية، وعدم جرأة من له أهلية المناظرة مع التحلي بأدنى حدود الأمانة العلمية وأدب الحوار. يُذكر أن المواجهة مع عادل عطاف هي ثالثة المواجهات في ضمن جلسات سماحة الشيخ الحبيب الأسبوعية في دورتها الحالية، بعد مواجهة مع الدكتور أحمد كريمة انتهت بانسحابه بعد إلقاء شيء أشبه بخطبة جمعة، ومواجهة هرب منها الشيخ مولود السريري فانتهت قبل أن تبدأ.