2008 / 10 / 25
استنكر الشيخ ياسر الحبيب الحكم الذي أصدرته المحكمة الكلية في الكويت مؤخراً بحبس حدثٍ ثلاثة أشهر لإساءته لأبي بكر وعمر وتحقيرهما بكتابة اسميهما على حذائه. وعبّر عن استيائه من صدور هذا الحكم المبني أصلاً على قانون مجحف يمنع الناس من التعبير عن آرائهم ومواقفهم ومشاعرهم ويعصم شخصيات تاريخية مختلف عليها من النقد والجرح دون سند شرعي أو أخلاقي.
وقال الشيخ الحبيب: إن اعتبار أبي بكر وعمر وغيرهما من الحكّام والسلاطين السابقين خارج دائرة النقد أو الجرح هو أمر باطل لم يحكم به الإسلام، فليس لهؤلاء ذوات مصونة، وللإنسان المسلم مطلق الحرية في اتخاذ موقفه منهم والتعبير عنه بما يرتئيه، تماماً كما يفعل المعارضون لبعض الحكام اليوم إذ يحرقون صورهم أو يدوسون عليها فيما هناك من يقف إلى جانبهم من مواليهم والمؤيدين لهم. فما فعله هذا الشاب الحدث لا يخرج عن هذا الإطار فيجب استيعابه والقبول به حتى وإن اختلف بعض الناس معه بسبب موقفهم المؤيد لهذه الشخصيات.
وتابع الشيخ الحبيب قائلا: لو كان تحقير أبي بكر وعمر غير جائز شرعاً لكنّا وجدنا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) يعاقب الذين حقّروهما وشتموهما بمحضره الشريف، غير أن ذلك لم يحصل البتة. فقد أخرج أحمد بن حنبل في مسنده في الجزء الثالث - الصفحة 167 عن أبي هريرة قال: «أن رجلاً شتم أبا بكر والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فجعل النبي يعجب ويتبسّم! فلما أكثر ردّ عليه بعض قوله، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم. وقال: فلحقه أبو بكر فقال: يا رسول الله، كان يشتمني وأنت جالس فلما رددتُ عليه بعض قوله غضبتَ وقمتَ! قال: إنه كان معك مَلَك يردّ عنك، فلما رددتَ عليه بعض قوله وقع الشيطان، فلم أكن لأقعد مع الشيطان».
وأخرج ابن كثير في السيرة النبوية في الجزء الثاني - الصفحة 165 أن دغفل النسّابة قال لأبي بكر في محضر النبي صلى الله عليه وآله: «والله لو ثبتَّ لأخبرتك أنك من زمعات (أي: أراذل) قريش! أَوَما أنا بدغفل؟! فتبسّم النبي صلى الله عليه وسلم».
وهذان الحديثان وأشباههما من الأحاديث تكشف عن أن تحقير وإهانة أبي بكر وعمر هو أمر لا يوجب عقاباً في الإسلام، وإلا لكان النبي (صلى الله عليه وآله) قد أوقع عقاباً على الذين فعلوا ذلك في محضره الشريف، غير أننا لا نجد حتى حديثاً واحداً ولا رواية تاريخية واحدة تثبت أن النبي (صلى الله عليه وآله) فعل ذلك، بل إنه - كما ورد في الأحاديث- كان يتبسّم حين يقوم بعض الأشخاص بتحقير أبي بكر وعمر وإهانتهما أمامه. فعلى أي أساس شرعي أو أخلاقي نصدر اليوم أحكاماً على الذين يفعلون ذلك بالسجن؟! وكيف نوقع على الناس عقاباً بغير ما أنزل الله تعالى وقد قال سبحانه: «وَمَن لمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ». «وَمَن لمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ». «وَمَن لمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ». (المائدة: 45 – 46 – 47). ولماذا نتعصّب لأشخاص ونغالي فيهم ونصبح ملكيين أكثر من الملك؟!
إن هذه الأحاديث تثبت بطلان ما يتصوّره بعض الناس من أن تحقير الشخصيات التي تولّت الحكم والخلافة هو أمر غير جائز شرعاً ويستوجب العقاب، وحيث أن هذا الحكم الصادر والقانون الذي استند إليه مبنيٌّ على هذا التصوّر، فإنه يكون حكما باطلاً لأن ما بُنيَ على باطل فهو باطل.
وعليه فنحن ندعو القضاء إلى إعادة النظر في هذا الحكم وإبطال القانون الذي شُرِّع لأجل سلب حق الناس في التعبير عن آرائهم ومشاعرهم تجاه الشخصيات المتنازَع عليها تاريخياً، وإلا فإن إيقاع مثل هذه العقوبات بحق الأبرياء فضلاً عن أنه يستنزل غضب الله تعالى فإنه يزيد من اتساع الهوة بين طوائف المجتمع ويولّد حالة من الاحتقان والغضب عند طائفة دون أخرى إذ تشعر بأنها مظلومة ومحرومة من حقّها في التعبير عن معتقداتها وآرائها، وهذا مع مرور الوقت ستكون له عواقب وخيمة سيندم عليها الجميع.