تلقى الشيخ ياسر الحبيب رسالة من ممدوح بن عبد العزيز آل سعود أخي الملك السعودي، هذا نصّها:
«الرقم: 3162/اح
التاريخ: 18/7/1432
ياسر بن يحيى الحبيب
(اللهم رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع ورب العرش العظيم، إن كان ياسر بن يحيى الحبيب جحد حقاً أو أقرّ بباطل فأنزل عليه حسبانا من السماء أو عذاباً أليما)
أوليس هذا ما كنت قد باهلت عليه!؟ فاتعظ واعتبر بما أنزل الله عليك وأوقعك به، ومع هذا فإنا نذكرك بأن باب التوبة مفتوح، فتب إلى الله توبة نصوحا قبل الممات، فإنك لا تزال في هذه الدنيا ولا يزال فرصة للنجاة من عذاب جهنم إن أنت تبت إلى ربك وواليت صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم وآل بيته وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين بل أكثر من ذلك فإني أدعوك بأن تترك التشيع إلى السنة ومهلا فلا تتسرع (بالانقباض) من قولي ذا.
ألم يأن لك بعد كل ما حدث لك ومنك أن تفكر بالرجوع إلى الحق قبل المنية يوم لا ينفعك شيء أبدا إلا ما قدمت؟ وماذا قدمت غير الضلال!
أرجوك فأنا أدعوك كبشر أن تنقذ نفسك وترجع عن كل ما ملأ رأسك وقلبك من فساد في الدين وتبدأ على الأقل بالتفكير وإن شئت أن يتم ما بيننا حواراً وليس هدفه تخطئة أحدنا الآخر بل النجاة من غضب الله إلى رضوانه والله لن ينجيك مما أنت فيه من عقاب إلا البراءة من سببه وأنا مستعد أن أساعدك عن بعد وعن قرب وأدعوك لزيارتي في مكة والمدينة لتوبة نصوحة والله ستنجو بإذن الله في الدارين.
وأما إن كنت لا تزال في غيك فأبشر بأليم عذابه في الدنيا والآخرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النور 23)
ممدوح بن عبد العزيز آل سعود
التوقيع»
وقد أرسل سماحته رسالة جوابية إلى الأمير السعودي هذا نصّها:
«19 رجب الأصب 1432
033025|11
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
إلى ممدوح بن عبد العزيز آل سعود
وصلني كتابك تدعوني فيه لأن أتعظ وأعتبر بما أنزل الله عليّ وأوقعه بي بعد المباهلة، وأحسبك لا تدري أن ما أشيع عن إصابتي بالمرض ليس إلا أكذوبة نشرها وروّجها المنكوس الكوس بلا خوف من الله تعالى ولا تبيّن ولا تحقيق، وقد قال سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ».
إني والحمد لله تعالى بخير وصحة وعافية، لم يصبني شيء ولا وقع عليّ عذاب، وقد خرجت بنفسي في بث على الهواء مباشرة على قناة فدك أكثر من مرة بعد رواج الإشاعة، ونفيتها بلساني الذي قالوا أني أُصبت به، فلا أدري ماذا أفعل حتى تكفّوا عن تصديق رجل كذاب مفترٍ لا يستحي من أن يكذب ويضلّل الناس ويوهمهم أنه قد انتصر في المباهلة وأني قد خسرت. وقد روينا ورويتم عن نبيّنا (صلى الله عليه وآله) قوله: «إذا لم تستحي فاصنع ما شئت».
ولئن كنتَ في شكٍّ من كلامي فأوعز إلى من تثق به في سفارتكم في لندن ليراجع المستشفى الذي زعموا أني أعالج فيه، وهو مستشفى (ويلينتجون) وليسأل هناك عمّا إذا كنت قد دخلته يوماً أو راجعته ساعة، فوالله الذي لا إله إلا هو إني لا أعرف مكان هذا المستشفى أصلاً، ولم أراجعه في حياتي، وقد نشرت جريدة (الوطن) الكويتية خبراً عن نفي المستشفى وجود اسمي ضمن قائمة مراجعيه، غير أن الكذاب الكوس خرج تالياً في تصريح لجريدة (عكاظ) محاولاً حفظ ماء وجهه فزعم أن تعليمات صدرت لإدارة المستشفى بأن تتكتم على أمري وأن تشدد الحراسة على تقاريري الطبية! فإنا لله وإنا راجعون، أنّى لي أن أردّ على مثل هذا السفه؟! إنما أفوّض أمري إلى الله تعالى، فهو الكفيل بأن يكشف أكاذيبهم وافتراءاتهم علينا، وبيننا وبين من أطلق علينا هذه الإشاعات الأيام. والذي يهوّن الأمر هو أن هؤلاء البلهاء الذين يكذبون ويطلقون الإشاعات - كالكوس وأضرابه - لا يدركون أنهم بهذا إنما يسهمون في التعجيل بسقوط دينهم ومذهبهم، فإن الشباب المثقف لا تنطلي عليه هذه الحيل المفضوحة، وكلما انكشفت كذبة من أكاذيبهم كلما دفع ذلك الشباب لأن يهتدي ويتشيّع، لأنه لا يرى من رجال التشيع إلا الصدق، فيما لا يرى من رجال ما يسمى بالتسنن إلا الكذب والافتراء والسفه. فالحمد لله الذي جعل أعداءنا من الحمقى، والحمد لله الذي يرينا نصره، فإن من آية المهزوم لجوءه إلى الكذب والاختلاق. وإن أكثر ما يريح بالي وسط هذا الضجيج الذي يثيره أعداؤنا؛ أن جموعاً من أهل الخلاف يتشيّعون على يدي، فيوالون محمداً وآله الطاهرين عليهم السلام، ويبرأون من أعدائهم أجمعين عليهم اللعنة.
وأما دعوتك إياي بأن أتوب توبة نصوحاً وأوالي من أسميتهم صحابة الرسول (صلى الله عليه وآله) وأمهات المؤمنين؛ فاعلم أني إنما أوالي منهم من كان على الإيمان، لم ينافق ولم يبدّل، أما الذي نافق أو بدّل أو حاد منهم، فحاشى أن يرى الله تعالى في قلبي مودة له كائناً من كان، وقد قال عز من قائل: «لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَـٰئِكَ حِزْبُ اللَّـهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ».
وما على المسلم من إثم في أن يعادي رجلاً وإن كان صاحب نبي، أو يعادي امرأة وإن كانت زوج نبي، بل إن هذا هو ما يتعيّن عليه إذا وجد حجة شرعية وعلمية تنهض به، فإن هذه الحجة تكون معذِّرةً له يوم القيامة وإن كان مخطئاً في اجتهاده، إذ ينال حينئذ أجراً واحداً. ويشهد الله عليَّ أني لم أعادِ أبا بكر وعمر وعثمان وعائشة وحفصة، ولم أشهد عليهم بأنهم في النار؛ إلا بحجج شرعية وعلمية وجدتها ناهضة بذلك، من حيث ظهور أمارات النفاق عليهم والمخالفة لأمر الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) بل الارتداد بعده. كما أني مثلاً لم أوالِ خالد بن سعيد بن العاص وأشهد على أنه في الجنة - مع أنه من بني أمية - إلا بحجج شرعية وعلمية وجدتها ناهضة بذلك، من حيث كونه ملتزماً بما أمر الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وصدق ما عاهد عليه من بعده. وهذا ما ينبغي أن يكون عليه المسلم، أن يوالي في الله وأن يعادي في الله، وأن يكون ما بينه وبين الله تعالى حجة يحتج بها يوم القيامة.
وإني لأرجو أن تتشجّع وتتحلّى بهذه الصفة، وتترك العاطفة جانباً، وأن تتبع ما أنزل الله تعالى لا الذي وجدتَ عليه آباءك، كما أني اتبعتُ ما أنزل الله تعالى لا الذي وجدتُ عليه آبائي الأقدمين، فإن آبائي الأقدمين كانوا يحملون عقيدتك أيضاً، وقد قال ربّنا تبارك وتعالى: «وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّـهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ» فمعاذ الله أن نكون من هؤلاء.
وإن من اتباع الله سبحانه أن لا نوالي أحداً حادّ الله رسوله (صلى الله عليه وآله) وإن كان من جملة الذين يُطلق عليهم (صحابة) أو من جملة اللاتي يُطلق عليهن (أمهات المؤمنين)، ذلك لأنّا نعلم بالضرورة أن الصحبة بذاتها لا تعصم من الارتداد والولوج في النار، وإلا لعصمت الرحّال الذي كان من أصحاب خاتم المرسلين (صلى الله عليه وآله) المعروفين بالعلم والعبادة، إلا أنه مع ذلك ارتد وصار من أتباع مسيلمة الكذاب لعنه الله. قال محمد بن عبد الوهاب في الدرر السنية (ج9 ص383) عن أصحاب مسيلمة: «شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، لكن صدّقوا بمسيلمة أن النبي أشركه في النبوة، وذلك أنه أقام شهوداً شهدوا معه بذلك، وفيهم رجل من الصحابة معروف بالعلم والعبادة يُقال له الرحّال، فصدّقوه لما عرفوا فيه من العلم والعبادة».
وكذلك؛ إن الزوجية بذاتها لا تعصم من الارتداد والولوج في النار، وإلا لعصمت قتيلة بنت قيس التي كانت امرأة خاتم المرسلين (صلى الله عليه وآله) حتى آخر لحظة من حياته إلا أنها مع ذلك ارتدّت وصارت من أتباع مسيلمة أيضاً. قال القرطبي في تفسيره (ج14 ص167): «ومنهن قتيلة بنت قيس أخت الأشعث بن قيس، زوّجها إياه الأشعث، ثم انصرف إلى حضرموت، فحملها إليه، فبلغه وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فردّها إلى بلاده، فارتدّ وارتدّت معه، ثم تزوّجها عكرمة بن أبي جهل». وغير بعيد عنك ارتداد زوجة نوح (عليه السلام) وزوجة لوط (عليه السلام)، فهذا يكشف عن أن مجرد ارتباط امرأة ما برباط النكاح بنبي ليس بعاصمٍ لها من الولوج في النار، وقد قال سبحانه: «ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّـهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ».
بل إن كون الرجل من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ليس بعاصم له من الارتداد والولوج في النار، فإن الإجماع قائم على أن عبيد الله بن جحش هو من السابقين الأولين، إلا أنه ارتدّ في الحبشة وانقلب على عقبيه، وقد قال سبحانه: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّـهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّـهُ الشَّاكِرِينَ».
وإنّا نعلم بالضرورة أن معظم أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) هالكون في النار، لما صحّ عندنا وعندكم من الأحاديث في ذلك، ومنها ما رواه البخاري في صحيحه (ج7 ص206) من قوله صلى الله عليه وآله: «أنا فرطكم على الحوض وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول: يا رب أصحابي! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك». وقوله صلى الله عليه وآله: «يرد على يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض فأقول: يا رب أصحابي! فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، انهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى» وقوله صلى الله عليه وآله: «بينا أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم، فقلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: وما شأنهم؟ قال: انهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم، قلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال: انهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم».
وإن حمل هذه الأحاديث على المرتدين أصحاب مسيلمة وسجاح وطليحة وغيرهم هو حمل غير سائغ، ذلك لأنه (صلى الله عليه وآله) يؤكد معروفية تلك الزمر عنده في قوله: «حتى إذا عرفتهم».
فاللازم إذن على المسلم أن يفحص في سيرة كل رجل وامرأة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليعرف من كان منهم من أهل الإيمان والصلاح وختم حياته بذلك؛ ومن كان منهم من أهل النفاق والفساد وختم حياته بذلك، فإنما العبرة بالخواتيم كما هو معلوم، فيوالي المسلم الصالح ويبرأ إلى الله من الطالح.
هذه هي الاستقامة في الاعتقاد والعمل، أما ما عداها فكلا.
وإني قد فحصت سيرة عائشة بنت أبي بكر، وتتبعت الأحاديث والآثار في ذلك، فقطعتُ على أنها منافقة من أهل النار، لي على ذلك من الدلائل والبراهين ما لا يمكن إيجازه، وقد أدرجت كثيراً منها في كتابي بعنوان (الفاحشة الوجه الآخر لعائشة) فإن رغبتَ بالاطلاع عليه؛ فإني أوعز إلى من يلزم بأن يوصله لك.
ولست أدري كيف يسوغ للمؤمن الإعراض عن كتاب الله تعالى الذي نطق بإدانة هذه المرأة وأختها حفصة؟! فإن الإجماع قائم على أن سورة التحريم إنما نزلت في ذمّهما وتجريمهما، ولولا أنهما أجرمتا لما طالبهما الله سبحانه بالتوبة ولما وصفهما بالزيغ عن الإيمان، وذلك قوله عز من قائل: «إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّـهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا»، فإن المطالبة بالتوبة لا تكون إلا من جُرم قد وقع، وصغت بمعنى زاغت عن الإيمان.
فهذا كتاب الله تعالى ينطق بإدانة عائشة وحفصة، ولا نجد آية قد نزلت بعد ذلك تفيد بأن الله عز وجل تاب عليهما كما تاب على الذين اتبعوا في ساعة العسرة، كما لا نجد حديثاً عن نبينا (صلى الله عليه وآله) يفيد بتوبتهما عما استوجب نزول هذه الآيات الغليظة في شأنهما، بل ولا نجد أثراً من الآثار في ذلك حتى ولو كان عنهما، فأي شيء على المرء إن أجرى الاستصحاب فاستصحب بقاء الإدانة لعدم نهوض دليل على رفعها من الكتاب والسنة؛ فبرئ إلى الله تعالى من المرأتيْن أو تخلّى عن توليّهما بهذه الحجة؟ بل إن ذلك هو مقتضى قواعد العلم والعمل والاحتياط.
وحتى إن انكشف في يوم الحساب أنهما قد تابتا فإنه ليس على هذا المرء المؤمن شيء، لأن الله سبحانه علم من عبده هذا أنه إنما تخلّى عن توليّ عائشة وحفصة وبرئ منهما بحجة شرعية ممضاة، فله أجر المجتهد المخطئ، فإنه إنما عاداهما في الله، لا لهوى في نفسه، فهو من هذه الجهة معذور.
وقد قال إمامنا أبو جعفر الباقر عليه السلام: «لو أن رجلاً أحبّ لله لأثابه الله على حبّه إياه وإن كان المحبوب في علم الله من أهل النار، ولو أن رجلاً أبغض لله لأثابه الله على بغضه إياه وإن كان المبغَضُ في علم الله من أهل الجنة».
وإني والله الذي رفع السماء بلا عمد لو قام عندي دليل معتبر على أن أبا بكر وعمر وعثمان وعائشة وحفصة من أهل الجنة، لعدلت عن معاداتي لهم ولتوليّتهم. فإنْ كان لك أن تقيم هذا الدليل لي فافعل مشكوراً، فإن الحوار والجدال بالتي هي أحسن خيرٌ مما جبهني به قومك من التكفير والحكم بإهدار الدم. ويحهم! لئن كنت عندهم كافراً فهلّا حاوروني كما كان خاتم المرسلين (صلى الله عليه وآله) يحاور الكفرة والملاحدة والمشركين! أوليس ذلك بأفضل مما صنعوه في حقي وحق أهلي وأبنائي من الظلم والتعدي والنفي والإبعاد؟!
وإني لأشكر لك دعوتك إياي للحوار، وها أنا ذا أقبلها وأرحب بها، فإن أردتَ أن تكون المحاورة عبر بث مباشر لقناة فدك، فذلك خير لتستفيد العامة، وإن لم تُرد وأحببتَ أن تجري بيني وبينك، فذلك لك، فاختر أن أحاورك كتبياً أو مشافهة عبر الهاتف مثلاً.
أما دعوتك إياي لأن أزورك؛ فذلك مما أقبله مسروراً أيضاً، لأني وإنْ تشرّفتُ بالحج مرتين؛ إلا أني قد اشتقت إلى الديار المقدسة، وأتوق لأن أجدّد عهداً بها، وقد حرمني في هذه السنين الأخيرة من ذلك ما أنت عالمٌ به، فإن استطعتَ رفع اسمي من قائمة الممنوعين، وأخذتَ لي ولمن معي ضماناً من أخيك بأن لا يتعرض لي أحد حتى أؤدي المناسك وآتيك وأحاورك ثم تبلغوني مأمني هنا؛ فهذا هو المطلوب الذي يجوّز لي شرعاً القدوم إليكم، لأنه ليس للمرء أن يعرّض نفسه للقتل أو السجن بلا مصلحة دينية.
أقبل هذا حتى وإن حظرتم عليَّ التحرك مستقلاً خوفاً من أن ألتقي بأحد من شيعة آل محمد (عليهم السلام) في بلادكم، إذ المهم هو أن أعتمر ثم نتحاور سوية، وتسمع مني وأسمع منك، على ما قرّرتَه من أن يكون الهدف النجاة من غضب الله إلى رضوانه، لا تخطئة أحدنا للآخر. وأتأمل من الله تعالى أن يكون لذلك الحوار دور في تبصيرك بالحق وأهله، فإن لم يتحقق هذا؛ افترقنا على خير إن شاء الله تعالى.
غير أني أسترعي انتباهك إلى أن زيارتي لك لا يمكن أن تتحقق الآن، لأني بعدما جرّدتني حكومتي من الجنسية لا أملك جواز سفر، كما أن وضعي القانوني ينتظر المعالجة من الحكومة البريطانية فلا أستطيع السفر، إلا أن تقوم حكومتكم بالاتفاق مع الحكومة البريطانية بنحو ما.
والظاهر أن الأمر يطول، لذا قد يكون من الأحسن أن تقدم علينا ضيفاً، تجدنا إن شاء الله ممن يحسن الضيافة والاستقبال، أو أن تقبل بالحوار على قناة فدك أو مراسلة أو عبر الهاتف، اختصاراً للوقت وإفادة للعامة.
وإني أدعوك بدعوة الإسلام، وهي دعوة التشيع لآل رسول الله (صلى الله عليه وآله) والبراءة من أعدائهم، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرنا بأن نتمسك بالثقلين؛ كتاب الله وعترة نبيه، وأن نسالم من سالمهم ونحارب من حاربهم. روى أحمد بن حنبل في مسنده ج2 ص442 عن أبي هريرة قال: «نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي والحسن والحسين وفاطمة فقال: أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم».
فلو جعلتَ هذا معيارك في الولاء والبراء، أن تسالم من سالمهم وتحارب من حاربهم، لنجوتَ. وأما إنْ أصررت على أن تسالم من حاربهم وتتولى من عاداهم، فالويل لك من رب العالمين. فالنجاة النجاة.. بركوب سفينة النجاة.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها سلم ومن تركها غرق». (مستدرك الحاكم ج2 ص373)
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «لا يجتمع حبنا وحب أعدائنا في جوف إنسان، إن الله لم يجعل لرجل من قلبين في جوفه فيحب هذا ويبغض هذا، فأما محبّنا فيخلص الحبّ لنا كما يخلص الذهب بالنار لا كدر فيه، فمن أراد أن يعلم حبنا فليمتحن قلبه فإن شاركه في حبنا حب عدونا، فليس منا ولسنا منه، والله عدوهم وجبرئيل وميكائيل، والله عدو للكافرين». (تفسير القمي ج2 ص171)
والسلام لأهله.
ياسر الحبيب
التوقيع».