رداً على سؤال وجّهه له الباحث عبد الله الخلّاف، حول ما تضمنته استشكالات الداعية البتري أحمد الوائلي على إقامة المؤمنين المقيمين في العاصمة البريطانية لشعائر أبي عبد الله الحسين «عليه السلام» وتحديداً لشعيرتي التطبير والتشبيه الحسينيتان، أكد من جانبه سماحة الشيخ ياسر الحبيب على ضرورة إستقاء أحكام الدين من أهل البيت عليهم السلام ومن فقهائهم العدول الذين تجتمع فيهم شرائط الفتيا وعدم أخذها من المتردية والنطيحة حتى وإن بلغوا من الشهرة ما بلغوا بسبب حناجرهم.
وأضاف ”أن مثل هذه التعابير السوقية – نرميهم في البواليع وما إلى هنالك من هذا القبيل – دلالة على مدى الضحالة التي يعيشها أمثال هذا الداعية البتري“، منبهاً سماحته على أنه بحسب التتبع في التاريخ الشيعي وجدنا من يحرّمون التطبير أو أياً من الشعائر الحسينية المتعارفة هم أفراد تقمصوا دور المرجعية وادّعوا الاجتهاد دون أن تعترف بهم الحوزات العلمية وهم من جاءوا وأعلنتهم السياسة والأحزاب مراجع وفقهاء وقادة لهذه الأمة وولاةً لأمورها، وليس فيهم فقهاء معتبرين تسلّم لهم الحوزات العلمية بالفقاهة والاجتهاد.
ولفت سماحته عناية الحاضرين إلى أن الداعية الذي نقِل إليه كلامه ليس مورداً لكي يحتج بأقواله أصلاً لأنه بتري منحرف العقيدة عادى جهاراً نهاراً وعلى الملأ مولاتنا الزهراء «صلوات الله عليها» وترضّى على قاتليها أبي بكر وعمر ووصفهما بالخليفتين – مما يعتبر إقراراً منه بشرعية خلافتيهما – ، وذلك خلافاً لموقف أهل البيت الشرعي المبدأي الأساسي تجاه هذين الطاغيتين الذين قال أهل البيت في من يرى أن لهما في الإسلام نصيبا أنه واحد من ثلاثة ”لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم“ وقولهم ”لو أن جبرئيل وميكائيل كان في قلبيهما ذرة من محبة أبي بكر وعمر لأكبهما الله على منخريهما في النار“، فناقض بقوله قول أهل البيت ليخرج من شيعتهم ويكون بترياً منحرفاً يناقض موقف الزهراء «عليها السلام» التي استشهدت وهي غاضبة على أبي بكر وعمر – بإجماع المسلمين – وصار بعيداً عن إتباع الزهراء وشيعتها، فكفاها قبحاً له هذه العقيدة، فكيف نأخذ منه أحكام ديننا؟
وأردف سماحته معقباً على ما تفوّه به الداعية البتري ”أن يا ليته استخدم هذه التعابير السوقية التي صدرت منه إتجاه المؤمنين في قبال أعداء الدين، فتكون عنده جرأة أن يقول أنه مستعد أن يرمي أبي بكر وعمر في البواليع مثلاً، فهذا الوقح ليست عنده جرأة على أن يطيل لسانه على قتلة الزهراء وإنما قدرته فقط على شيعة الزهراء وشيعة الحسين الذين يريدون أن يعبّرون بدمائهم عن ولائهم وفدائهم للحسين «صلوات الله عليه»“.
وتطرق سماحته إلى صلب إستشكالات الداعية البتري معلقاً بأنها إستشكالات الجاهل جهلاً مركباً، لأننا الآن نعيش في الغرب منذ أعوام ونرى في كل سنة كيف أن شعائر التطبير تقام ويحضرها معاينة بعضاً من الإنجليز وموظفي الصحة إلى جانب الشرطة البريطانية، ولم نسمع أحدهم يقول كلمة سلبية واحدة في ممارسة هذه الشعائر، بل العكس فأنك تجدهم يحترمونها ويقدّرونها وقد تلمست ذلك شخصياً حينما سقطت من جراء التطبير في أول سنة من وصولي إلى لندن حينما توجّه أحد الأخوة بالسؤال لموظفي الاسعاف فأجاباه بأنهما يحترمان هذه الشعيرة ويرانها حقاً حراً لممارسيها، فحتى النصارى عندهم شيء من شعائر إسالة الدماء فيما يسمى بإسبوع آلام السيد المسيح، وعليه لا أساس للقول بأن هذا الفعل يسبب تنفيراً للغربيين والذين هم أناس عقلاء ومثقفين إجمالاً وعندما يستوعبون أن هذه الحالة هي قمة الاندماج الروحي في التعبير عن الولاء والفداء لشخصية مقدسة ينظرون إليها عقلائياً بنظرة الإكبار والتبجيل لأن الدم من أغلى ما يملكه الإنسان وحينما يعبّر به الإنسان بعدما يجرح نفسه يرتفع شأنه عند الآخرين، فإشاعة أن الغربيين يتنفرون من شعيرة التطبير وغيرها من الشعائر هي كذبة كبرى ونحن لمسنا عدم صحتها بأنفسنا، ولا اعتداد بزعاطيط الغربيين الذين يذمون الإسلام بكل شعائره وأحكامه بما في ذلك ذمهم للمرأة المحجبة فهل علينا أن نأخذ سخريتهم مقياساً؟ أم نأخذ كلام العقلاء منهم مقياساً؟
فالأكاديميون الغربيون وأساتذة الجامعات وأساتذة علم النفس وأساتذة علم الاجتماع وأساتذة علم الميثولوجيا وأساتذة ما اشبه من هذه المباحث حينما تطرح عليهم مسألة شعائر مواساة الحسين وخاصة بالدماء مع بيان فلسفة هذا الأمر تراهم يقيّمونها بالتقدير والاحترام، وقد جربنّا هذا الأمر أيام وجودنا في الكويت حيث قام أحد الإخوة بإجراء مقابلة مع أحد أساتذة علم الاجتماع واسمه الدكتور جوزيف بولس الحلو وهو لبناني نصراني يعمل أستاذاً جامعياً في جامعة لبنانية في لبنان، فأجاب عندما سئِل عن نظرته للتطبير بأن هذه الممارسة من أقوى ممارسات استذكار الآلام فتنعكس من وجدان الإنسان وشعوره إلى أفعاله فيصبح مرتبطاً بمنهج تلك الشخصية التي استذكر آلامها، ثم أثنى ثناءاً مطوّلا ومفصّلاً نشرته مجلة المنبر فيمكن لمن يشاء أن يطلع عليه، فهذه هي نظرة العقلاء التي ينبغي أن ننظر إليها لا إلى نظرة سفلة الغربيين الذين يخرجون من الحانات.
واستطرد سماحة الشيخ الحبيب حديثه إلى شعيرة التشبيه، متسائلاً أين وجه الإشكال في هذه الشعيرة؟ فشعيرة التشبيه هي مجرد تمثيل ومسرحية لما جرى في واقعة الطف التي يمكن تصويرها في أي مكان سواءاً في حديقة هايدبارك أو في غيرها من الحدائق والبساتين في لندن أو غير لندن، فلا يعاديها في الحقيقة إلا المعقدين من الشعائر الحسينية، علماً بأن الإنجليز يصنعون هذا الفعل ذاته في هذه الحديقة في مناسباتهم التاريخية كذكرى الحروب وما أشبه فيأتون بخيول وأفراد يلبسون لباس المحاربين كما يأتون بسيوف ورماح ثم يقومون بممارسات في الشوارع والميادين العامة فيحتشدون الناس وينظرون ويعجبون بهذه الممارسات ويستذكرون تلك الواقعة كالحرب البريطانية الفرنسية على سبيل المثال، وعلى هذا فمن يعادي هذه الشعيرة هو من تعتمل في دماءه حالة أموية من العداء لمنهج أبي عبد الله الحسين «صلوات الله عليه» ولا تفسير لهذا العداء غير هذا التفسير سواءاً كان يشعر أو لا يشعر.
واختتم سماحته الإجابة بدعوة المؤمنين إلى فهم الأمور على ما ينبغي، وإلى الرجوع إلى الفقهاء العدول، وإلى الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» والأئمة المعصومين «صلوات الله عليهم» حيث أوصى الرسول الأكرم بهذا العمل وحدده ابتداءا من انتهاء مسافة شبر من الأنف وموضعاً بالمسافة ما بين طرف الإبهام وطرف السبابة على ما بين الحاجبين على الرأس وأسمى هذه الحجامة المفيدة بالمنقذة وفي رواية أخرى أسماها بالمغيثة لإغاثتها من الأمراض أو انقاذها من الأمراض على اختلاف التعبير وهو ما ثبت طبياً بأن حجامة الرأس بشكل منتظم تبعد السكتة الدماغية والجلطات وذلك لتنقيتها دم الرأس من الملوثات، وهذا التراث التعليمي النبوي من الرسول الأكرم ثابت في مصادرنا وفي مصادر المخالفين، فهل أن علينا أن نهمل هذا التراث العظيم لو سلّمنا جدلاً بأن كل الغربيين ضد هذا العمل؟ أم نعمل بقوله تعالى:{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}؟
أن علينا أن نعتز بممارساتنا وشعائرنا وديننا، ولا شأن لنا بمن في عقله خلل ولا يقدر أن يفهم أن مورد إشكاله يمده الكثير من الغربيين إلى الحج فيعتبرون ممارساته خرافية، فهل يصح اتخاذ هذا المنهج الانهزامي الذي يعاني صاحبه من عقدة نقص لإبطال الحج؟