الشيخ يدعو لتصحيح مسار الثورة في البحرين والساحل الشرقي للخليج

شارك الخبر على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

2012 / 03 / 19

ارتأى سماحة الشيخ ياسر الحبيب «حفظه الله» العدول عن ورقته البحثية التي عزم على طرحها في برنامج البث المباشر مع سماحته بقناة فدك الفضائية في مساء الجمعة 28 ربيع الأول 1433 هجرية، والذي أتى بالتقويم الميلادي بعد ثلاثة أيام من حلول الذكرى السنوية الأولى لانتفاضة الشعب البحراني المظلوم ضد حكومة أبناء البغايا من آل خليفة، والتي تضمنت فعاليات جديدة تخللتها مواجهات مع جلاوزة النظام الخليفي الجائر.

وتقدم سماحة الشيخ الحبيب، مع بالغ الأسى، بأحر تعازيه الخالصة لأهالي كل من حسين البقالي من البحرين، ومنير الميداني وزهير السعيد من القطيف، الثلاثة الذين كان نبأ سقوطهم في هذا اليوم سببا رئيسيا في عدوله عن تقديم ورقته البحثية في اللحظات الأخيرة، سائلا المولى عز وجل أن يحتسبهم في عداد الشهداء وأن يحشرهم مع محمد وآل محمد عليهم السلام، قبل أن يوجّه سماحته خطابا مفتوحًا للأمة الشيعية في الخليج لتصحيح مسار الثورة في البحرين والساحل الشرقي من الجزيرة العربية، منبهًا أن كلامه هذا وإن كان يحمل في بعض طياته صبغة سياسية إلا أن منطلقاته في إثارة هذا الكلام ليست منطلقات سياسية على ما هو المعهود من سائر من يتحدثون في هذا الشأن بل أنه كلام يتداخل مع العقيدة في طياته وجوانبه، وأساسه منطلقات عقائدية بحتة، ومؤكدًا في الوقت نفسه أن فرص نجاح الثورة البحرانية ضعيفة جدًا على هذا المسار الحالي الذي لم ولن ينجح في إسقاط النظام، راجيًا سماحته من الأخوة المؤمنين في البحرين والساحل الشرقي للخليج أن يأخذوا بمجموعة الملاحظات التي سيطرحها لتصحيح مسار الثورة القائمة حاليًا بحيث تنجح أولاً وتكون مرضية عند الله ورسوله والأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم ثانيًا.

جديرٌ بالذكر أن الشيخ قد قال بكل وضوح في كلمة مسجلة قبل حوالي سنة من هذا الخطاب أن ثورة البحرين لن تنجح، بخلاف بعض المعممين الذين كانوا يظهرون في دوّار اللؤلؤة وسط المعنويات العالية في أوج الثورة البحرانية وفقدان حكومة آل خليفة السيطرة على معظم أجزاء البحرين، بما فيها الحي التجاري، وكانوا يستغلون زخم سقوط نظامين للتو هما نظامي تونس ومصر واشتعال الثورات في كافة الدول العربية الأخرى ليعلنون بكل صراحة سقوط نظام آل خليفة ضاحكين بخطاباتهم هذه على هذا الشعب المسكين المغلوب على أمره، ففي غمرة تلك الأجواء والاستشعار بمقاربة النصر دعا سماحته في كلمة مسجلة لبرنامج جلسات الحوار، بثتها قناة فدك الفضائية في بداية دخول ما يسمى بقوات درع الجزيرة إلى البحرين، دعا الشيخ الأخوة والأخوات من البحارنة المؤمنين والمؤمنات إلى توفير أنفسهم ودماؤهم وأعراضهم وأموالهم وسائر تضحياتهم التي تذهب سدى لإسقاط نظام آل خليفة في هذا المسار، مبيّنا فيها قرائته المستقبلية للأوضاع التي ستؤول إليها أحداث الثورة، كما قال سماحته أن للمكلف الخيار الشرعي بالقعود مع القاعدين والعمل بالتقية من آل خليفة حقنـًا للدماء لتعود الأوضاع إلى ما كانت عليه، فليس القعود حرامًا شرعًا كما تقول بعض القيادات السياسية الضاحكة على الناس.

وأضاف سماحته، مخاطبًا المؤمنين في البحرين، أنه لو أردتم بالفعل أن يسقط هذا النظام وأردتم إقامة حكم جديد تستشعرون فيه العزة والكرامة وتستردون به حقوقكم فعليكم بتصحيح مسار ثورتكم على النحو الذي قررناه منذ ما يقارب سنة، وهو تعميم هذه الثورة لتشمل الشعب الشيعي في الخليج والمناداة بحق تقرير المصير لهذا الشعب الواحد المظلوم الذي قد صودرت وأزيحت حقوقه عنه وقطّعت أوصاله بعدما تم تخطيط المنطقة، ففصل بين أهل البحرين الصغرى وأهل البحرين الكبرى، فمثل هذا الطرح يدق أجراس العالم ويعيد ترتيب الكثير من المعادلات السياسية القائمة في المنطقة، فتتصاعد فرص النجاح لأن القضية ستتحول إلى قضية مظلومية شعب وأمة ويمكن حين ذلك التفاوض مع القوى الكبرى على قاعدة خذ وأعطي، وتقديريًا إذا تم تعديل المسار إلى هذا المسار فأن الأمر قد لا يستغرق عشرين عامًا لترفع بعدها راية البحرين الكبرى على الخليج كله من البصرة شمالا إلى أطراف عُمان جنوبًا.

وشدّد سماحته على أن المسار الحالي للثورة فاشل سياسيًا من الناحية التخطيطية، إذ يقصر الأمر على جزيرة البحرين وكأنها مقتطعة عن المحيط الأقليمي، ومن السذاجة الاعتقاد أن البحرين محكومة ممن هم في داخل البحرين، أي من آل خليفة، لأن جزيرة البحرين الحالية هي نقطة ترتكز عليها قوى إقليمية إحداها قوة آل سعود، فآل سعود يحكمون قطاعًا كبيرًا من حكم البحرين السياسي، إذ إن الحكم خاضع في جزءٍ كبيرٍ منه لحكومة آل سعود، ثم أن هذا النظام كذلك خاضع في جزءٍ كبيرٍ منه إلى لندن وخاضع في جزءٍ كبيرٍ منه لواشنطون، فالبحرين جزيرة صغيرة من الغباء الاعتقاد بأنه يمكن تفكيكها في العلاقات السياسية والحكمية والعضوية عن سائر الأنظمة في المنطقة ومن ثم الراعي الإقليمي لهذه الأنظمة في المنطقة، فمن غير المعقول أن تتصور أنك تتمكن أن تقتطع البحرين وتـُنجِح فيها ثورة وترى دول الخليج تقف مكتوفة اليدين ومعها الراعي الإقليمي واقفًا يتفرج مكتوف اليدين، فهذا كمن يفكر أن يذهب إلى بيت من البيوت ويقتطع منه الحديقة الخلفية فقط، فإن انتصر على حارس الحديقة الخلفية فإن من في البيت رجالٌ أشاوس سيخرجون من بيتهم هذا وسيأتون ويطردونه إلى خارج هذه الحديقة الخلفية لأنها حديقتهم الخلفية، أمّا إذا فكّر بأن يأخذ الحديقة الخلفية والبيت والبيوت المجاورة فهنا هدفه صحيح ويمكن أن ينجح، فهناك ميزان سياسي دقيق يسمح ببقاء عائلة آل خليفة حاكمةً في البحرين ولابد أن يقع بهذا الميزان اختلال حتى نرفع يد هذه العائلة عن البحرين وذلك بأن ترفع القوة الرئيسية التي تتحكم في هذه المنطقة يدها عن هذا التغيير، فتقبل بدخول لاعب جديد في المعادلة السياسية القائمة حاليًا.

وأوضح سماحته أن المشكلة تكمن في أن هذا اللاعب ليس موجودًا وهو اللاعب الشيعي الرافضي الذي ينطلق بثقة عالية في النفس ويطرح مشروعًا طائفيًا مذهبيًا يقول: ”أنا أريد حقوق طائفتي المظلومة في الخليج، فمن حقي أن أعيش كريمًا وعزيزًا وأن أكون سيّد نفسي“، لا اللاعب الشيعي المسيّس الذي هو موجود لكنه لا يفقه السياسة جيدًا من جهة ولا يعرف من أين تؤكل الكتف ولا يدري كيف يخطط فيكون خاضعًا لهذا الميزان الإقليمي ويحسب نفسه يحسن صنعًا، ولم ينتبه إلى أنه لابد أن يُحدِث اختلالاً في هذا الميزان الإقليمي، فتجد أن السقف الأعلى المطروح لدى هذا اللاعب الشيعي المسيّس الأبرز هو الملكية الدستورية، وهذه حماقة لأنه لا يمكن أن تنجح بمثل هذا الطرح الذي لن تحصل من وراءه لا على ملكية دستورية ولا على غيرها؛ ومن جهة أخرى فأن هذا اللاعب يظن بسبب تأصل الإنهزامية في ذاته أنه لو خطا خطوة اختلالية يتبنى فيها نظريتنا التي نطرحها فأن في ذلك دماره ودمار شعبه، والحال خلاف ذلك فأن التضحيات التي سنصرفها فيما لو اجتمعنا على خطة البحرين الكبرى ستكون أقل من التضحيات التي نصرفها الآن على خطة البحرين الصغرى، لأن التاريخ يثبت ذلك بل التشرع يثبت ذلك.

واستعرض سماحته نماذج معاصرة من ميادين أخرى مشابهة للوضع الحالي في الخليج، والتي يكون فيها اللاعب الطائفي أو الديني أو اللاعب العرقي موجودًا، كلاعب جبهة البوليساريو، ولاعب جنوب السودان الذي حقق هدفه وحصل على دولة مستقلة، ولاعب كوسوفو الذي حصل على دولة مستقلة اقتطعت من الصرب، وقبله لاعب البوسنة والهرسك، ولاعب إقليم التبت في الصين، ولاعب الحراك الجنوبي في اليمن، ولاعب أسكتلندا الذي يطالب بدولة مستقلة، منوّهًا سماحته أنه في كل نقطة من العالم تشهد صراعًا مثيلاً للذي يشهده الخليج وجزيرة البحرين على وجه الخصوص تجد أن هذا اللاعب الذي ينادي بحقوق طائفته موجودًا وصريحًا ويتحدث بكل صراحة وثقة عالية في النفس دون أن يعير اعتبارًا لما يقوله عنه الآخرين، إلا في الخليج فأن هذا اللاعب مفقود.

وتأسّف سماحته على قلة من يفهمون هذه الإطروحة في الوسط البحراني، كما تأسف أيضًا على كون صوت من يكون فاهمًا لهذه الإطروحات صوتـًا مخنوقـًا في الوسط السياسي البحراني كذلك، فلا يسمح له بالانطلاق وبأن يعلو صوته وأن يلتف الناس حوله، كصوت الأستاذ كريم المحروس وغيره ممن يدرك أن جوهر المشكلة يكمن في أن طائفة هي الأقلية تحكم الأكثرية، وأنه قد قطِعت أوصال شعب واحد ذا الدين الواحد والثقافة الواحدة والتاريخ الواحد والأنساب الواحدة وجُعِل جزءٌ منه تحت حكم آل خليفة وجزءٌ منه تحت حكم آل سعود وجزءٌ منه تحت حكم آل ثاني وجزءٌ منه تحت حكم آل الصباح، وفي المقابل كثرة المتفاعلين مع من يتنكر للمشكلة الطائفية والذي يطرح مشروع أننا شعب واحد ولا مشكلة طائفية بيننا ولا نريد حتى إزاحة آل خليفة بل نريد ملكية دستورية على غرار ديموقراطية ويستمنستر، ويستغبي بمطلبه هذا شعب بأكمله إذ يطالب أن يكون حال آل خليفة كحال الملكة اليزابيث وعائلة وندزور التي تعتبر مجرد رمز لبريطانيا حيث تكتفي بمصافحة السيّاح والحضور في مسابقات الخيول!.
وأردف سماحته أن هذا اللاعب المعارض الأبرز في البحرين الذي نتسائل هل أن له عقل أصلاً أم لا، يعتقد أنه من الحضارة إدارة الظهر للمشكلة الطائفية والمكابرة عليها بينما هذه السياسة ليست من الحضارة في شيئ، داعيًا سماحته هذا النموذج من البشر أن يأتي إلى بريطانيا لكي يتعلم التعامل مع المشكلة الطائفية من إيرلندا الشمالية التي عزلت شوارع ومناطق عن شوارع ومناطق أخرى بحواجز تفصل الأكثرية البروتستانت عن الأقلية الكاثوليك، فلا القيادات الإيرلندية ولا الحكومة البريطانية ولا الإعلام البريطاني يتنكر أو يكابر على أن في إيرلندا الشمالية هناك مشكلة طائفية فيستغفل ويستجهل الناس ويقول: ”نحن شعب واحد“، مؤكدًا سماحته أنه بعدم الوقوف على أصل المشكلة فأنك لن تصل إلى نتيجة في أمّة الشعارات والعناوين والإدعاءات الفارغة.
واستطرد الشيخ الحبيب – حفظه الله – أننا لا نرفض التعايش بل نرحب به حتى لو كان في إطار دولة مدنية كحكم استثنائي، لكن المشكلة أن هناك شعبًا شيعيًا مسحوقـًا في الخليج لابد أن يسمح له بأن ينطلق ويأخذ حقوقه ويستعيد كرامته، مؤكدًا أن هذه الدعوى يفهمها كل العقلاء في العالم ويتعاطف معها كل الشرفاء في العالم، فلماذا يراد تصويرها على أنها جريمة؟ لماذا يراد تصوير طارح اقتراح المطالبة بالبحرين الكبرى والمطالبة بحق استفتاء لتقرير المصير مجرى من قبل الأمم المتحدة، تكون فيه النتيجة للأكثرية كما هو المعمول في الشرائع الدولية، لماذا يراد تصويره على أنه مجرم؟! ، وخاطبَ سماحته الشعب البحراني بالقول: ”جرّبتم كثيرًا مغازلة الطوائف الأخرى فما وصلتم إلى نتيجة، فمن كان معكم بالأمس تسمونه سابقـًا مؤمن آل فرعون – كما كان يسميه عيسى قاسم وغيره – وهو رئيس التجمع البكري عبد اللطيف المحمود انقلب عليكم وصار نعثل بني أميّة!، فلماذا تمشون بهذا المسار؟“
وأضاف سماحته أنه مهما تغازل الطرف الآخر وتحاول أن تستميله بأن ترفع شعار «إخوان سنـّة وشيعة هذا الوطن ما نبيعه» فإنه لمّا يجد الجد وتحين الساعة كلٌ يتحزب إلى طائفته لأنه يرى أن امتيازات معيّنة موجودة بيده سيفقدها، وهذا شيئ فطري عند البشر لأن ليس كل الناس يعملون بالمبادئ فحين تأتي المصلحة فأن عادة الإنسان أنه يسحق مبادئه، فلا فائدة من هذه المغازلات التي لا توصل إلى شيئ.
وإذا أردنا أن نصل إلى شيئ فعلينا أن نجعل ثورتنا شرعية، ومعنى ذلك أن تكون دينية رافضية عقدية بالأساس، فإن أردنا أن نبايع أحد نقول له ”نبايعك على الطلب بثارات آل محمد عليهم السلام، وفي سبيل هذا الطلب فإن إحدى الوسائل هي أن نسمح لك بأن تقيم حكومة“ فلا يكون الهدف هو الوصول إلى الحكم بل يكون الحكم وسيلة للطلب بثارات آل محمد عليهم السلام وإعادة تصحيح وضع الأمة. وكتطبيق افتراضي نقول هل أن هذا لو وصل إلى الحكم سيقيم في يوم التاسع من ربيع الأول مهرجانا وطنيا ينادي فيه الأمة إلى أن تبرأ من الطاغية الثاني؟ فإذا كان الجواب لا، بل أن هذا الفرد يقوم بالصلاة بزيه الديني وراء الناصبي السعيدي النجس مثلاً فإذن هذه الثورة مع هذا الفرد ليست شرعية لأن الثورة الشرعية هي التي تطلب بثارات آل محمد.
وكشف سماحته أنه في أوائل أيام الثورة البحرانية تلقى مكتبه اتصالاً من دوار اللؤلؤة يفيد أن مجموعة من المؤمنين كانت ترفع شعار "لبيك يا حسين" فأتتها مجموعة لإسكاتها بالقول "لا ترفعون شعارات طائفية" وهذه المجموعة الأخيرة مرسلة من قبل قيادات يفترض أنها شيعية، فكيف يريد من يمنع شعار "لبيك يا حسين" أن يحصل على بركة في ثورته؟ بل كيف ينتظر من يضرب رافعي شعار "لبيك يا حسين" لإرضاء ثلاثة أو أربعة أشخاص من الطائفة الأخرى كانوا حاضرين في دوار اللؤلؤة حتى لا تؤخذ عنه فكرة أنه طائفي.. كيف ينتظر أن يحصل على بركة الإمام الحسين عليه السلام في ثورته هذه؟ والأصل في هذه الدنيا أنها للكافر لا للمؤمن، وهذا المؤمن لا ينال الدنيا والآخرة إلا إذا التزم بمبادئه على طول الخط، وماذا جنى هؤلاء الذين منعوا الهتاف باسم سيد الشهداء في دوار اللؤلؤة؟ ، فها هي النتيجة بعد منع الهتاف باسم سيد الشهداء.. أيضا قالوا عنكم ثورتكم طائفية ومرتبطة بإيران كما قال القرضاوي وغيره ممن كانوا محسوبين من المعتدلين في أؤلئك القوم.

وقال سماحته أن المطلوب الأول هو إعادة شعب البحرين الكبرى إلى أصوله الرافضية القديمة، كالذين سكوا شهادة "أشهد أن عليًا ولي الله" على عملة الدولة العيونية التي سبقت الدولة الصفوية في هذا العمل، وعلى الجهلة من أمثال محمد حسين فضل الله الذين يقولون أن شهادة "أشهد أن عليًا ولي الله" هي بدعة جاء بها الصفويون أن يأتوا إلى المتحف البريطاني ليشاهدوا المسكوكات النقدية لدولة البحارنة في ذلك الزمن، وهم من العرب الذين ينتسبون لقبيلة عبد القيس. مؤكدًا في الوقت نفسه أنه قبل أن تتسرب لشيعة البحرين أمراض التقية المغلوطة، والانبطاح والانهزام أمام الغير، والذوبان في الطوائف الأخرى، والجبن والخنوع والاستسلام والتبرع بالحقوق إلى الآخرين، وعدم الثقة بالنفس، فأن هذا الشعب في السابق كان مختلفـًا تماما إذ كان أفراده رافضة ذوي جلادة وصبر وتحمل وشجاعة فائقة النظير، وكانوا يجهرون بالبراءة من أعداء آل محمد «عليهم السلام» ولا يخافون في الله لومة لائم، وقد اعترف المؤرخون البكريون بهذه الحقيقة كياقوت الحموي – صاحب معجم البلدان – الذي كان يعيش قبل سبع قرون.
والمطلوب الثاني هو معرفة كيفية تحقيق الهدف سياسيًا، وذلك بأن يدخل اللاعب الشيعي في الملعب، لا أن يبقى خارج الملعب وهو ليس حتى على دكة الاحتياط بل وظيفته هي على خط التماس يجلب الكرة إلى اللاعبين إذا خرجت خارج الملعب! ، أما اللاعبين في داخل الملعب فهم اللاعب البكري واللاعب الاشتراكي واللاعب الليبرالي ومن أشبه من الاتجاهات المختلفة، وحينما ينظر إلى اللاعب الشيعي يرونه قد أذاب نفسه مع الغير ويقول أنا وطني وإخوان سنـّة وشيعة وهذا اللعب ما نبيعه، فيقال له إذن إبقى خارج الملعب فهذا البكري يمثلك حسب إدعائك.
وعلى هذا اللاعب النائم أن يعلم أن هنالك ملعب دولي، فأمريكا تريد إعادة تشكيل المنطقة بمساعدة البلاد الغربية والعواصم الكبرى، وهذا الملعب الدولي دخل فيه كل اللاعبين بمن فيهم صاحب اليمن الجنوبي وبعض العشائر والقبائل العربية داخل ما يسمى السعودية التي تفاوض الآن للحصول على مناطق تحكمها بعد سقوط آل سعود، وأضاف سماحته حتى أنهم بصراحة راسلونا لأننا نفهم هذه المعادلة، فلذا نقول أن على اللاعب الشيعي أن يوحد كلمته على مطالب واضحة هي دولة شيعية مستقلة في الخليج ليهز مراكز القوى في العالم فهو يمثل ثقل جماهيري وشعبي حيث أنه يمثل الأكثرية في الساحل الشرقي وهذا ليس بالشيئ القليل، وبهذا المطلب ستأتيه القوى الدولية للتفاوض معه لإدراكها أن مصالحها معه وليس من مصلحتها استعدائه، بخلاف لو ربط نفسه بإيران عبر قيادات سياسية غبية ترتبط بنحوٍ أو بآخر بالنظام الإيراني الذي لا تنفتح عليه الأنظمة الغربية.

واستطرد سماحته، قبل أن يقدّم المطلوب الثالث، أن المشكلة تكمن في أنه لو طرح أحد الشيعة هذا الطرح فأنه يجابه من الشيعة أنفسهم، ممن تقودهم الحالة الغنمية بكل غباء فيعتقدون أنهم لو قاموا بهذا الطرح فأن العالم لا يقف معهم، بينما العالم يفهم واقعًا القضية الطائفية التي مهما تحاول أن تنكرها فأن البكريين والدول الإعرابية سيقولون عنك أنك صاحب مشروع طائفي في كل الأحوال، وكذلك فالعالم يفهم القضية القومية كما فهم مشروع هوية الكرد في شمال العراق أيام الانتفاضة الشعبانية في سنة 1991 والذين جعلوا الدول الغربية تجبر صدام أن يعطيهم حكم ذاتي في كردستان فوفروا على أنفسهم الكثير من الدماء لأنهم كان عندهم قيادات تفهم كيف تحقق الهدف السياسي وتتكلم بصراحة دون أن تنجرف تحت الشعارات الوحدوية والاتهامات الانفصالية. مبينًا سماحته أن المطلوب الثالث هو أن تفهم الأمة أن من يتسمّون بمسمى العلماء ويتدخلون في القضايا السياسية البحرانية ويوجّهون الناس لمخالفة هذا الطرح هم بالعادة معمّمون منحرفون، فإما هم بتريون، وإما هم من جماعة الفلسفة والعرفان والخرفان، وإما هم من المتردية والنطيحة، بينما تفهم هذا الطرح المرجعيات الكبرى الشريفة ولكن لا يمكن لها أن تصرّح به بسبب توازنات وتعقيدات كثيرة تمنعها من أن تبدي تأييدها الصريح لهذا التوجّه.
فينبغي أن يجاب على من يقول أن هذا الطرح مخالف لتوجيهات "العلماء" بأن يقال له: من قال لك أن بقاء الحدود الإقليمية كما هي لكل دولة هو تشخيص سليم؟ من قال لك أن هؤلاء "العلماء" لا يخطئون ويزجوننا في هاوية لأنهم لا يفقهون الوضع السياسي جيدا؟
فمهما بلغ اعتقادك بواحد من هؤلاء المعممين الذي خدعت بأنه من كبار العلماء وأن توجيهاته لابد أن تكون كقرآن نازل، فافرض أن تشخيصه خاطئ واسمع الطرح الآخر ثم قيّم بين الطرحين والمشروعين فما تجده أقرب لعقلك فامضي فيه بلا تردد، وأعلم أنه على سبيل المثال كانت للمرحوم السيّد عبد الحسين شرف الدين – صاحب المراجعات – ، مع كل خدماته وعلمه ووعيه وثقافته العالية، كانت له أخطاء كثيرة إحداها أنه طرح مشروعًا سياسيًا لو كان قد نجح لرجعنا قرونـًا إلى الوراء، فعندما قاربت حقبة الاستعمار البريطاني والفرنسي على الدول العربية من الانتهاء أجري استفتاء لشعب لبنان كُلّفت باجراءه جامعة أمريكية مفاده ”هل أنكم يا شعب لبنان تريدون البقاء متحدين مع سوريا أم تريدون الاستقال؟“ فأجاب السيد عبد الحسين شرف الدين، زعيم الشيعة آنذاك في جنوب لبنان، بالرفض هادفًا ألا يحصل النصارى على دولة مستقلة، متغزلاً بملك سوريا الملك فيصل حتى حينما كان أميرًا بخطب ورسائل عديدة لادخال لبنان تحت حكومته، مجابهًا بذلك لجنة الاستفتاء الأمريكية.
وقد أثبت الزمن خطأ موقف السيد عبد الحسين شرف الدين «رحمه الله» لأن لبنان كان المتنفس الوحيد للتشيّع منذ ذلك العهد إلى ما قبل عشرين عاما أو أقل، حيث كانت كتب الشيعة العربية والنتاج الثقافي والتراثي والديني للشيعة تطبع في لبنان ولا يتمكن من طباعتها في الدول العربية الأخرى، بينما أثبت الزمن صحة موقف محمد علي جناح الذي أقام دولة للطائفة الإسلامية في باكستان الشرقية والغربية بالانفصال عن الهند بتحقيقه نتائج جيدة لطائفته.
وفي ختام الجلسة دعا سماحة الشيخ الحبيب المؤمنين الذين ينوون السير بمسار تحقيق دولة البحرين الكبرى العقائدية الرافضية التي هدفها الأول هو الانتصار لآل محمد من أعدائهم وقتلتهم، دعاهم سماحته إلى التحلي بالروح "الحمزوية – الجعفرية" والقتال إلى آخر نفس وألّا يتراجعون من السنوات الأولى إذ شاهدوا استنزافًا، ليحسموا الموقف في النهاية ولو بإتلاف النفس فهذا هو المشروع الذي يستحق إتلاف النفس عليه.

شارك الخبر على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp