2012 / 08 / 18
على مدى ست جلسات متواصلة ردّ سماحة الشيخ ياسر الحبيب «حفظه الله» على ما تفوّه به المدعو محمد عبدالملك الزغبي على قناة الخليجية الفضائية – إحدى قنوات الرقص والطرب والفسق والمجون سابقـًا – والتي هاجم من شاشتها الاحتفال المبارك بذكرى هلاك عدوّة الله عائشة المدانة من فوق سبع سماوات الذي أقامته هيئة خدام المهدي عليه السلام في لندن سنة 1431 للهجرة النبوية الشريفة.
وفي بداية الرد نوّه الشيخ الحبيب أن رد الزغبي عليه اتسم بالبهلوانية وتضمّن الكثير من التحريض والسباب رغم محاولة صاحبه اظهار نفسه بأنه يقدّم ردًا علميا؛ وأضاف «حفظه الله» أنه شاهد مقطعًا مصوّرًا للمذكور وهو يبكي كالنساء، لافتا النظر إلى ما ورد في الحديث النبوي الشريف: ”إذا اشتد نفاق الرجل ملكَ مآقي عينيه“، مؤكدًا في الوقت نفسه أن هذه الصفة كانت إحدى صفات أبي بكر «لعنة الله عليه» إلى جانب ما لديه من لغة التهديد والوعيد والقذف.
ووجّه سماحة الشيخ الحبيب كلامه للأخوة في المكتب لإضافة اسم هذا الرجل في قائمة المتهمين بالتحريض على القتل حتى يتم اعتقاله ومسائلته قانونيا إذا أراد دخول بريطانيا أو أيّة دولة من دول الاتحاد الأوروبي، عارضا سماحته على الزغبي قبول الدعوة للمباهلة على أن عائشة في النار أو أن عائشة فاجرة بشروط معيّنة يتم الاتفاق عليها، وهي شروط مستقاة مما رواه الأئمة عليهم السلام، مقابل أن يتنازل سماحته عن تقديم بلاغ ضده للسلطات البريطانية.
ثم استعرض سماحته سيناريو بهلوانيات الداعية البكري محمد عبد الملك الزغبي، والذي بدأ كلامه بديباجة سياسية أراد أن يقحم بها الشيخ بقضايا سياسية لا آخر لها ليوهم الناس أن الشيخ الحبيب مدفوع من قبل "إيران" لخدمة سياستها الإقليمية في المنطقة! ، وهو ما يدل إمّا على جهله وغبائه العادي أو على جهله المركب الذي يريد أن ينقله إلى الآخرين فيُظهِر نفسه وكأنه لا يعلم بالخلافات الواسعة بين الشيخ الحبيب وبين حكومة إيران، ويريد بذلك أن يقفز على الواقع ليؤلب في خطابه سياسيًا.
فعلـّق «حفظه الله» على هذا الإسفاف تعليقا مطوّلاً استعرض فيه أمثلة معاصرة تؤكد أن كافة المشايخ البكريين هم إجمالا مجرّد دمى تتشكل بأيدي حكام الأنظمة السياسية في المنطقة، وأنهم يُوجّهون بواسطة الحكومات بنحوٍ أو بآخر، مضيفـًا سماحته أن من بينهم هذا الزغبي نفسه إذ أنه فعلاً موظف سياسي، والدليل أن الموضوع هو «عائشة.. هل هي في النار أم في الجنة؟» ولا دخل له في السياسة مطلقا.
وذكَرَ سماحته أن رد المذكور والذي كانت هذه ديباجته.. كانت خاتمته هي البكاء! ، وهو الأمر الظريف الذي حدَا بالشيخ الحبيب أن يعبّر عن «سيناريو رد الزغبي» بأنه «فلم هندي كامل» قبل أن يبدأ سماحته بالرد على أيّ شيء.
وأسردَ الشيخ «حفظه الله» في بيان تسلسل أحداث السيناريو..
بعد انتهاء الزغبي من هذه الديباجة السياسية العصماء عرضوا مقاطع من كلمتنا في الاحتفال، ونتوجه لهم بالشكر لأنهم نشروا كلامنا، فدخل الزغبي بعد عرض المقاطع في اتهام حسن نصر الله ومقتدى الصدر وخامنئي ورفسنجاني والسيستاني بأنهم يدعموننا وتحدّاهم أن يتبرّأوا منـّا.
وهنا توقف سماحته ليسخر من هذه الدعوى الواضحة البطلان مفندًا إياها بقوله: ”لو كان كل هؤلاء يدعموني فليس من المفروض أن يكون عندي بناية فاخرة واحدة – كما كتبوا في جرائد الكويت – وإنما المفروض أن يكون عندي بنايات فاخرة متعددة وتكون بورصة لندن كلها في جيبي!“
مستطردًا سماحته الموضوع إلى الرد على القذف الذي جاء به الزغبي تجاه سماحته حينما قذفه الزغبي بأنه "ابن زنا" ، مستدلا بما رواه السمرقندي في كتابه (تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين) عن أحد علمائهم أنه قال "النمّام ولد زنا" ، معقبًا كلامه بما مؤداه "أن من يتكلم عن عائشة فهو نمّام و النمّام ابن زنا"! ، ثم أراد أن يتم استدلاله من القرآن فأتى بالآيات الكريمات {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ • هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ • مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ • عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} مدّعيًا أن هذه الأوصاف التي جائت في الآيات الكريمات تنطبق على الشيخ الحبيب!
فكان رد الشيخ هو الطلب من هذا الضيف على قناة الخليجية أن يصحح معلوماته، مبيّنا له أن هذه الآيات لا تنطبق عليه وإنما تنطبق على عمر بن الخطاب لعنة الله عليه؛ سائرًا سماحته في إثبات ما صح عن النسّابين أن عمر بن الخطاب كان ابن شبكة معقدة من العلاقات السفاحية، وتعضيد ذلك بما ترويه هذه الآيات نفسها من صفات عمر الأخرى.
وقال سماحته.. أن أول الأدلة هي أن "عُتُلّ" تعني "غليظ" وهي صفة ثابتة في عمر لا تحتاج إلى نقاش، وأما أن عمر كان (حَلاَّف مَّهِين) فيمكن إثباتها من قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} وهي الآية التي نزلت في بيعة الشجرة، وكان عُمَر من بين المبايعين، وشرط البيعة فيها كان عدم الفرار من الزحف؛ وهو ما نكثه عُمَر كما جاء في (مصنف ابن أبي شيبة/ ج7/ ص417) بأن عمر فر من الزحف مثل الجرذان في معركة حنين التي وقعت بعد بيعة الرضوان.
أمّا الصفة الثالثة من صفات عمر (همّاز مشـّاء بنميم) فطبقا للروايات الصحيحة الواردة عند أهل الخلاف؛ كان يهمز على رسول الله ويبث النميمة في أوساط المسلمين تجاه مواقف وأعمال رسول الله، وكمثال ما صنعه عمر في صلح الحديبية حيث قام بالطعن في رسول الله وعيبه فيما صنع، مما تسبب في تمرّد المسلمين على أوامر رسول الله وإغضابه صلى الله عليه وآله، ناهيك عن طعنه الآخر في رسول الله حينما قال: إن الرجل ليهجر.
وأضاف سماحته.. وفقا لروايات أئمتنا (صلوات الله عليهم) هذه الآيات نزلت في عمر، ففي (تفسير القمي/ج2/ص380) جاء: "الحلاف عمر؛ حلفَ لرسول الله صلى الله عليه وآله أنه لا ينكث عهدا؛ همّاز مشـّاء بنميم: كان ينم على رسول الله صلى الله عليه وآله ويهمز بين أصحابه".
وبالمحصلة أوصل الشيخ «حفظه الله» المتابعين الكرام إلى النتيجة الختامية وهي أن عمر ابن زنا، بما ورد عن النسابين، وبما تم تركيبه من استدلالات من طرق المخالفين، وبما ورد عن أهل البيت عليهم السلام.
ثم تطرق «حفظه الله» إلى اتهام الزغبي له بالنميمة، والذي تضمن السخرية من معتقدات الشيعة بإمامهم المهدي عليه السلام حين عرّف الزغبي الإمام حجة الله بأنه الموجود في السرداب، فردّ سماحته هذا القول مثبتا عدم صحته قبل أن يؤكد على أن الأكاذيب والمغالطات هي إحدى سمات الملة البكرية التي تستحل الكذب على الأحياء والأموات، مستعرضا سماحته جملة من الأكاذيب التي روّجتها وسائل الإعلام والصحافة البكرية ضدّه والتي تبيّن الانحدار في الطرح.
وأخذ الشيخ الاستطراد في حديثه إلى ما أرسله الزغبي في سياق ردّه على سماحته حينما إدّعى أن عبدالله بن مسعود قال عن عائشة "هي أمكم في الدنيا وزوج نبيكم في الآخرة"، وأن المقداد وعلي بن أبي طالب والحسن بن علي كلهم قالوا هذا الكلام نفسه منكرًا بذلك على من يخالف هذا الكلام بأنه كافر!
ففند سماحته هذا القول بطرق متعددة أولها التنبيه على أن صاحب هذا القول لم يذكر مصدرًا واحدًا لهذه الروايات التي نقلها، فضلا عما يُعرف عن طائفته من التشدد في الأسناد والذي لجأ إلى لعبتها ليردّ فيما بعد رواية الطبري في قول عائشة "اقتلوا نعثلا فقد كفر" فطعن في رواة الرواية وقال أنهم ليسوا من الثقاة! بينما ترجع بعض الروايات التي ارسلها إرسال المسلّمات إلى نفس المصدر وإلى نفس الرواة الذين طعن بهم.
وأجمل سماحة الشيخ الحبيب أن لعبة الأسناد هي لعبة سهلة مثل الماء تتشكل في أي وعاء، إذ لا توجد رواية إلا وقد ردّها البعض ولا يوجد رواة مجمع عليهم بالكامل بأنهم ثقاة أي لا يوجد حديث واحد لم يُجرح أحد رواته على الإطلاق من قبل أي أحد. ثم أن التعامل مع أحاديث الآثار والسيرة والتاريخ والتفسير يختلف لأن الروايات التاريخية جلّها مرسلات بلا أسناد إلا نادرا، كما أن مبنى التصحيح والتضعيف في هذه الروايات يختلف عن مبنى التصحيح والتضعيف في روايات الفقه والعقائد والأحكام، وهذا الأمر يعرفه أبسط مشتغل بالعلم فتلك الروايات يحتاج المتعامل معها إلى أن ينظر إلى المتن والقرائن والشواهد لا إلى السند فقط كي يردّها أو يحكم بصحتها.
وعقـّب الشيخ أنه على فرض أن كل هذه الروايات التي ساقها الزغبي صحيحة ومعتبرة على مبانيهم فأننا نقول له خذ رواياتك هذه كلها وبللها وأشرب مائها، لأنها رواياتكم فلماذا تحتجّ بها علينا وتلزمنا بها؟
وعلى فرض أننا قبلنا هذه الروايات فهنالك ما هو أقوى منها ويعارضها ويسقطها؛ فهذه الروايات مهما تكن هي روايات آثار عن الأصحاب وليست أحاديث مسندة إلى النبي، بينما نحن نمتلك أحاديث أنتم تروونها عن النبي صلى الله عليه وآله تنفي إمكانية التحاق عائشة به في الجنة. فقد روى المتقي الهندي في (كنز العمال /ج12 / ص142) عن الطبقات الكبرى لابن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وآله جمع أزواجه وقال لهن "أيتكن اتقت الله ولم تأت بفاحشة مبينة ولزمت ظهر حصيرها فهي زوجتي في الآخرة" وهذه الشروط لا تنطبق على عائشة ومن يجادل في عدم اتفاق الشرط الأول والثاني عليها فليس له أن يجادل في الثالث.
ثم ساق سماحته جملة كثيرة من الروايات والأحاديث التي تعضد هذه الحديث النبوي الشريف الموافق لقوله تعالى في القرآن الكريم: {وَقـَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ}، خاتما حفظه الله جملة استدلالاته بأن عائشة عصت الله تبارك وتعالى وعصت رسول الله في أمره لأزواجه في حجة الوداع ومن يعصي الله ورسوله ويتعدّ حدوده فأنه يدخل النار مع الداخلين خالدا فيها أبدا؛ مبديًا سماحته ثقته التامة بالنفس في التوصل لهذه النتيجة واستعداده للمباهلة بها مع الداعية البكري المذكور بشبك اليدين بين الطلوعين ليرى العالم كله أن الصاعقة إذا نزلت فإنها ستنزل على أيٍّ من الفريقين؟ مثبتا بهذا الاستدلال
كون عائشة ليست زوجة لرسول الله في الآخرة.
ووصل حديث سماحته إلى الرد على استدلال الزغبي السخيف..
أن الآية الكريمة {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} تفيد بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (الذي قد تزوّج عائشة بالوحي بسبب قدوم جبريل إليه في المنام ليريه صورتها قائلاً له "هذه زوجك") قد أمره الله ألا يتزوّج على هؤلاء الأزواج اللائي سيصبحن أزواجه في الدنيا والآخرة، كما قد نهاه عن أن يستبدل أية زوجة من هذه الزوجات –ومن بينهن عائشة– بأن يطلقها ويأتي بإمرأة أخرى.
والذي أتبعه بقوله أن المكذّب الذي يقول أن عائشة بالذات ليست زوجة لرسول الله هو مكذّب لله من فوق سبع سماوات! فمن يقول من الشيعة بخلاف هذا التفسير فأنه يتهم الله بأنه يجهل، وهذا ما يعرف عندهم بالبداء والذي يعني أن الله يفعل الشيء ثم يظهر له غير ذلك فيندم!
فعقـّب سماحة الشيخ الحبيب على هذه النقطة..
أننا لا نكذب بأن عائشة كانت يومًا ما زوجة للنبي «صلى الله عليه وآله» وإنما ننفي أن عائشة الآن في الجنة وهي زوجة للنبي هناك، لأننا نرى أنها بانت عن النبي صلى الله عليه وآله في الدنيا.
مرجئا سماحته الرد على الزغبي في مسألة البداء إلى وقت آخر بعد تفسير الآية المذكورة وتفصيل تفسيرها السليم، مستنكرًا أن يكون هذا مستوى من يدّعي العلم والمشيخة، مؤكدًا حفظه الله أن الآية الكريمة {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} لا تأتي دلالتها على ما يقول هذا الجاهل الأحمق بأن رسول الله قد حُرِّم عليه أن ينكح إمرأة أخرى من بعد نسوته الحاليات أو أن يطلق إحداهن ويستبدل بها غيرها فضلا عن قوله أن هذه الآية تفيد بأنهن كلّهن سيلتحقن برسول الله في الآخرة حتمًا.
معقبًا سماحته أن بقراءة سياق الآية في سورة الأحزاب بما جاء قبلها من آيات يجلّي لنا المعنى، إذ أن الله كان يحدّث نبيه بإحلاله زواج النبي من اللاتي دفع لهن مهرًا ومن الجواري اللائي دخلن في ملكه من الحروب والفتوحات ومن بنات عمه و بنات عمّاته و بنات خاله و بنات خالاته اللاتي هاجرن معه ومن المرأة المؤمنة التي تهب نفسها له، وبأنه يجوز للنبي أن يُبعد من يشاء منهن ويقرّب من يشاء منهن، ثم تأتي هذه الآية لتبيّن أن هذه هي أصناف النساء المحللة للنبي ولا يحل له غيرها، فالآية تأتي في صدد إبطال أحد أنكحة الجاهلية وهو تبادل الزوجات، وليست واردة في تقييد رسول الله بأزواجه اللاتي كن في عصمته وقت نزول هذه الآيات وتحريم تطليقه لإحدى نسائه والزواج من إمرأة أخرى بدلا منها.
وأكمل سماحته نقضه لهذا الاستدلال المغلوط بقوله.. أننا لو سلّمنا بأن الله حرّم على رسوله الزواج بإمرأة أخرى من بعد هذه الآيات فأن رسول الله يكون واقعًا في معاصي لأنه تزوّج بعد نزول هذه الآيات من أكثر من إمرأة، ومن بينهن قتيلة بنت قيس التي ارتدت من بعده وكفرت إذ آمنت بمسيلمة الكذاب ومن بينهن أيضا أسماء بنت النعمان كما طلق «صلى الله عليه وآله» بعض أزواجه.
وشدّد سماحة الشيخ الحبيب على أنه ليس في هذه الآية دلالة على ما يريده الزغبي الأحمق بأن هؤلاء الأزواج سيكن أزواج رسول الله في الآخرة، إذ أن الآية لا تنفي إمكان كفرهن وارتدادهن ولا ينفي ذلك سياق الآيات، وليس هناك من قرائن لتدعم هذا التفسير السخيف، بل العكس فأن على أقل التقادير هناك إحدى أزواج النبي وهي قتيلة بنت قيس لن تلحق بالنبي في الآخرة لأنها تزوجت من بعده بعكرمة بن أبي جهل والمرأة التي تتزوّج على بعلها الأول فأنها تلحق بالأخير يوم القيامة في الجنة – إن كانت هي وزوجها الأخير من أهل الجنة– ما يعني أنها لا تجتمع مع النبي آنذاك كسائر أزواجه كما يقول الزغبي الذي يُستحسن له أن يعمل مهرّج أو أن يقوم بتسفيه التاريخ وأصحاب السير الذين نصوا على أنه كان هناك إمرأة إسمها قتيلة بنت قيس ولها أخ ملعون اسمه الأشعث بن قيس آمن معها بمسيلمة الكذاب.
ومن طريق آخر نقض سماحته ما أراده الزغبي من أن عائشة لم ترتد وستكون زوجة لرسول الله في الجنة؛ بتذكيره بالآية الكريمة {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا} وهي الآية التي تحدد شرطا يخوّل المرأة من نساء النبي صلى الله عليه وآله في الدنيا لتكون زوجة له في الآخرة.
وأشار سماحته إلى أن من تخضع في القول مثلاً تنفصم عن عروة النبي فلا يكون زوجًا لها بالآخرة، متسائلا من الزغبي.. قل لي بالله عليك إذا نظرنا في سيرة عائشة هل نستشم شيئا من التقوى في سيرتها؟
معددًا سماحته في عُجالة جملة من مخالفات عائشة.. كسفك دماء المسلمين، وتشريع رضاع الكبير، والخضوع في القول، مبيّنا سماحته نماذج من هذا الخضوع والمتمثل في أحاديثها الجنسية التي هدفت من ورائها إلى تصوير النبي في صورة الرجل الشهواني، إلى جانب الاختلاء بالرجال والشباب اليافعين.
ومن السنة المطهّرة استدل سماحته.. أن رسول الله جمعَ أزواجه ذات مرة ووضعَ لهن شرائط ليقترنّ به بالجنة، إحداها أن تلزم الواحدة منهن ظهر حصيرها فلا تخرج من بيتها بعد رحيله صلى الله عليه وآله، وكذلك استدل حفظه الله بحديث إقرار عائشة بأنها أحدثت من بعده صلى الله عليه وآله أي ابتدعت وضلّت وأضلّت في الدين بما يؤهلها لاستحقاق اللعنة ودخول النار.
وعاد سماحته لكشف اللبس عن البداء موضحا أن البداء هو إبداء الله ما كان مكتوبا، وليس يعني أن الله فعلَ أمرًا بجهالة ثم ندم عليه!
وأكّد الشيخ عقب ذلك اعتقاد الشيعة بأن كل أفعال وأعمال رسول الله محمد وكذلك سائر الأنبياء والمرسلين والأئمة المعصومين هي بأمر الله تبارك وتعالى دون أيّ شك ولا ريب، وأنه لا فائدة في قول الزغبي بأن الله أمرَ نبيّه أن يتزوّج عائشة، إذ أن هذا ليس دليلا على صلاح عائشة.. فالله أيضا أمر نبيّه أن يتزوّج من قتيلة بنت قيس التي ارتدت وكفرت، وأمرَ نبيّاه نوح ولوط عليهما السلام أن يتزوّجا إمرأتيهما الملعونتين الخائنتين الكافرتين.
مبرزاً «حفظه الله» الغاية من زواج النبي بعائشة والتي وضّحها أمير المؤمنين «عليه السلام» وعمّار بن ياسر «رضوان الله عليه» في حديثهما بأن الله ابتلى الأمّة بها ليعلم إياها يطيعون أم رسوله، كما ابتلى من قبلهم أمّة موسى بزوجة موسى السابقة ”صافوراء“ والتي خرجت على وصيّ موسى الشرعي يوشع بن نون.
أمّا بخصوص «أن جبرائيل عليه السلام جاء بصورة اتش دي لعائشة، ملفوفة بخرقة من الجنة، فأراها النبي في المنام وقال له هذه زوجك» فقد أبطل سماحة الشيخ الحبيب حفظه الله هذه الأكذوبة التي اختلقتها عائشة لعنها الله لنفسها، بدعوة المخالفين إلى التنبّه أولاً إلى أن كل فضائل عائشة ترويها عائشة فقط بخلاف فضائل أهل البيت «صلوات الله عليهم» التي يرويها حتى أعدائهم، منوّهًا سماحته بتهافت وسقوط اعتبار رواية أبي هريرة في هذا الشأن لما فيها من التعارض والتضارب كقوله (أن النبي أراد أن يتزوّج عائشة في المدينة) بينما الاجماع قائم على أنه تزوّجها في مكة، ثم أن أبا هريرة متأخر ولم يرو هذا عن النبي إذ لو أن النبي حدّث به لبان وإنما أخذه عن عائشة وهي التي ثبتَ كذبها على رسول الله في حديث المغافير وفي حديثها لأسماء بنت النعمان، فكيف نقبل حديثها الذي تريد من وراءه أن ترفع من نفسها وقد أرسله عنها المتأخرون؟
وأشار سماحته إلى نموذج من أحاديث هذه الإكذوبة مفندًا إياه بأنه في حد ذاته حديث يبطل نبوة خاتم الأنبياء «صلى الله عليه وآله وسلم» لأن النبي في ذلك الحديث يشك فيما رآه في المنام أهو من عند الله أم من عند الشيطان؟ ويكسر بذلك القاعدة المعروفة بأن رؤيا الأنبياء وحي، وهي القاعدة الثابتة في البخاري نفسه، مضيفا سماحته أن من يتدبر قليلا في هذا النموذج من الأحاديث يكتشف أنه مختلق. (للمراجعة أنظر صحيح البخاري/ ج4/ ص252)
وأفاد سماحته أن المذيع الذي أجرى المقابلة التلفزيونية مع الزغبي سأل الزغبي سؤالا هرب منه الزغبي مولّيًا دبره، وقد كان سؤال المذيع.. نحن نقول المبرّأة من فوق سبع سماوات ودليلنا القرآن في آيات الإفك، وهم يقولون المدانة من فوق سبع سماوات فبأيّة آيات؟
معلّقا «حفظه الله» أن آيات الإفك لم تنزل في عائشة، كما أنه ليس هناك في هذه الآيات إسم عائشة أصلاً، فالآيات لم تشخّص تلك المرأة المؤمنة التي قذِفت بالزنا، وعليه فإنه لمعرفتها يلزم الرجوع إلى السنة المطهرة، وسنة أهل الخلاف تقول أن عائشة هي المبرأة؛ ورواياتهم لا حجة فيها علينا لا سيما وأنها تنتهي في كل الأحوال إلى عائشة وهذه الروايات بينها الكثير من التباين والتناقض، بينما المرأة المبرأة في هذه الآيات عندنا هي السيدة الجليلة الطاهرة ماريا (رضوان الله عليها) والتي حسدتها عائشة لأنها كانت جميلة وضاءة، وكانت ذات دين وخلق كما وصفها رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد تعرضت بسبب ذلك إلى هجمة شرسة من عائشة وحفصة آذت النبي فاضطر إلى أن يُخرجها من بيوت المسجد النبوي الشريف ويخصص لها منزلا بعيدا عن ضرائرها، عُرِفَ فيما بعد بمشربة أم إبراهيم، ولمّا ولدت ابنها إبراهيم (عليه السلام) صرّحت عائشة بأنها حملها الحسد فقالت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ”لا أرى شبهًا بينك وبين هذا الولد“ فانقبض رسول الله؛ وقد صحّ عندنا ما رُويَ عن طريق أئمتنا عليهم السلام وثقاتهم أن عائشة كانت هي القاذفة في آيات الإفك واشترك معها كذلك حفصة وأبوبكر وعمر (لعنة الله عليهم) حيث قالوا لمّا رحل إبراهيم وحزنَ والده رسول الله عليه حزنا شديدا ”ما يحزنك عليه إنما هو ابن جريج“؛ وجريج هو خادم قبطي تربطه صلة نسبية بماريا كما في بعض الروايات وفي روايات أخرى أنه كان مجبوبا وقد خصصه رسول الله ليوصل الطعام إليها.
وأكمل الشيخ (حفظه الله) تعليقه على هذا السؤال.. أن جواب الزغبي كان ”بآيات الكفرة هؤلاء، هم عندهم تسعة أنواع من القرآن“ ومن ثم دخل على موضوع آخر هو موضوع الشاة المسمومة التي قدّمتها إمرأة يهودية للنبي! مردفا سماحته أن هؤلاء القوم يستحلون الكذب لأن ليس لهم حجة يجيبون بها، ليجيب بدوره على سؤال المذيع بآيات أخرى تدين عائشة غير آيات الإفك المختلف على تفسيرها، متناولاً سماحته المصحف الكريم فاتحًا إياه على سورة التحريم التي تفضح عائشة وحفصة وتدينهما من فوق سبع سماوات، وهو التفسير الذي أجمعت الأمة عليه، منوهًا سماحته أنه لم يشذ مفسّر واحد عن القول بأن هذه السورة نزلت في عائشة وحفصة على أشد ما يكون من الذم.
وطلب الشيخ الحبيب من الداعية الزغبي والمذيع وبقية أهل الخلاف، في الجزء الرابع عشر من رده على الضجة المفتعلة من أنصار عائشة، طلب منهم الاستماع إلى سورة التحريم والتأمل في كيفية إدانة الله تعالى لعائشة، داعيا لهم جميعا بالهداية قبل البدء بقراءة الآيات والتوقف على معانيها العظيمة التي تدل على عِظم جريمتهما وإثبات عداوتهما لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنها في مستوى عداوة إمرأتا نوح ولوط لهذين النبيين العظيمين عليهما السلام، كما تدل على أن في هذه الأمّة نساء خير من عائشة وحفصة فيهن صفات مغايرة لهن، منها الانتماء إلى دين الإسلام، والالتزام بالإيمان، والقنوت، والتوبة، والعبادة، والصيام، كما تتوعد الآيات عائشة وحفصة على خيانتهما لرسول الله بأن مأواهما النار وبئس المصير إن لم تتوبا.
وهاجم سماحته المهرّج الزغبي مستفسرًا منه عن سبب تفاديه الحديث عن هذه السورة ومراوغته وتهربه عن الجواب على سؤال المذيع، مؤكدا في الوقت نفسه أن هذه هي آيات المسلمين وليست آيات الكفرة كما إدّعى كذبا في حديثه وهو يفر من هذه الحقيقة.
وفي هذه الأثناء أخبرَ أحد الحاضرين الشيخ الحبيب ببشرى تلقي قناة فدك في اليوم الأول لبثها (11 شوال 1431 هجرية) اتصالا من صعيد مصر من أحد المشاهدين البكريين الذي اتصل لكي يبدي تأثره واقتناعه بما يطرحه الشيخ الحبيب في دروسه ومحاضراته، فعلّق الشيخ بعد الصلاة على محمد وآل محمد.. أن هذه الأمّة مقبلة للعودة إلى أهل البيت عليهم السلام ومشايعتهم والتحرر من خديعة عائشة وأبوبكر وعمر وعثمان وغيرهم من شياطين الإنس المضلين الذين وافقوهم وتابعوهم في إبعاد الأمّة عن نور أهل البيت عليهم السلام؛ مشددا على أن الشيعة سيصبحون أكثرية المسلمين خلال سنوات مع تهاوي النسخة المزيفة من الإسلام.
واستطرد سماحته الحديث إلى التعليق على النقطة الجديدة التي حوّل الداعية البكري إليها موضوعه، حينما قال ”انظر إلى هذه النقطة التي أتيت بها إليه.. سأذبح بها!“ قبل أن يطرح هذا السؤال الجديد.. كيف أن النبي عندما دُعيَ إلى بيت زينب بنت الحارث وقدّمت له كتف شاة مسمومة وأخذ منها قطعة ولاكها قال ”أرفعوا أيديكم أن ذراع الشاة تخبرني أنها مسمومة“ بينما تزني عائشة طوال فترة زوجيتها مع رسول الله وثم تضع له السم والنبي لا يقول لها ”أنتِ التي وضعتِ لي السم يا عائشة“ ؟ !
مبديًا سماحته سخريته الشديدة من جهل هذا الداعية البكري من خلال النظر في تركيبة صيغة سؤاله المتهافتة، معلّقـًا.. أننا من اليوم فصاعدًا علينا أن نسلّم كرسي التدريس إلى هذا الرجل (أي الزغبي) لاستدلاله العجيب هذا الذي لا يخطر على قلب بشر، ناصحًا سماحته برمي دروس المنطق وعدم تعلّمها من اليونان والذهاب للتعلم من الزغبي دروسًا في كيفية الاستدلالات المنطقية.
وصحح «حفظه الله» هذه المغالطة العجيبة بتعديل صيغة السؤال قائلاً.. لكي نجعل هناك على الأقل مماثلة وقياس بين الأمرين فعلينا أن نقول أن السم نفسه هو الذي ينبغي أن يتكلم في الحالة الثانية.. هذا أولا؛ ثانيا نحن لم نقل أن عائشة كانت تزني في زمان النبي وإنما نقول على قدرنا المتيقن إنها قد فعلت ذلك مع طلحة وهي في طريقها إلى البصرة بعد أكثر من خمسة وعشرين عاما من استشهاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وأضاف الشيخ الحبيب.. أن الزغبي أضاف احتجاجا آخر أيضا قال فيه ”أن الله سبحانه وتعالى أنبأ نبيه بسر بين زوجتيه فهل يخفى على الله وضع عائشة السم للنبي وخيانتها له وكفرها به طوال هذه المدة؟“ أي أنه يريد أن يقول أنه لا يُعقل أن الله تعالى لا يعلم، مع أننا لم نقل بذلك، وأنه لا يُعقل أن النبي لا يعلم، مع أننا أيضا لم نقل بذلك بل نقول أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يعلم أن عائشة ستسمه وأن هذا الذي لدّ به هو السم بعينه، وعلى هذا الداعية البكري أن يدقق ويتأمل كيف أن طائفته تروي حديث اللدود الذي وضعته عائشة في فم رسول الله صلى الله عليه وآله وهو في حال الإغماء؛ سائلا إياه.. كيف تفترض أن النبي لابد أن يعلم بأن هذا سم فيمتنع عنه وهو في حال الإغماء؟
وفند سماحة الشيخ الإستدال الثاني للزغبي بعرض اعتقاد طائفته البكرية، حيث أكّد سماحته على أن اعتقاد طائفة الزغبي لا يمانع من القول أن النبي لم يكن يعرف أن هذا سم؛ إذ إنهم يعتقدون أن النبي غير مطلع على الغيب كله فكثيرا من الأشياء باعتقادهم لم يُطلِع الله نبيه عليها، وهم يستدلون لتصويب رأيهم السقيم من ظاهر القرآن في ما جاء بسورة التوبة {وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم}.
وأستتبع سماحته.. الآن نحن إذا تنزلنا وسلّمنا باعتقادهم فبإمكاننا أن نقول أن رسول الله – بما أنه ليس مطلع على الغيب كله– فأنه لم يكن يعرف بقضية هذا السم ولم يكن يعرف أن عائشة منافقة، فأين الإشكال في ذلك؟ مبطلا بذلك احتجاج الزغبي في هذه النقطة.
ونبّه الشيخ «حفظه الله» إلى أن رسول الله كان يعلم بالمنافقين جميعا، وأن تأويل هذه الآية في سورة التوبة هو أن رسول الله لا يعلم بالمنافقين إستقلالا من دون الله، بينما يأتي عدم إتيان الله بباقي العبارة لحكمة مجملها أن ذلك كي لا يعرف المنافقون أن رسول الله يعلمهم فيتغير تعاملهم معه ومع المجتمع الإسلامي.
أمّا الإشكال الذي قد يتوجه إلى الشيعة باعتقادهم أن المعصومين تناولوا السم باختيارهم من يد قتلتهم وهم يعلمون أن هذا سم، فالجواب باختصار كما جاء في الروايات الشريفة أن هذا هو ما كان تكليف رسول الله وبعض أئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم) إذ كان يحرم عليهم أن يخالفوا أمر الله كما كان يحرم على إسماعيل ألا يمتثل لأمر الله بأن يذبحه أبوه إبراهيم عليه السلام.
وقدّم سماحته في هذا الشأن حديثين واردين عن الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم، متبعًا إياهما بالتأكيد على إطلاع رسول الله صلى الله عليه وآله على الغيب وتسليمه بقضاء الله وقدره، لا من باب الجبر وإنما من باب الاختيار والامتثال لإرادة الله تعالى، ليمضي بذلك شهيدا فلا يتفوّق عليه غيره من الأنبياء في هذه الخصلة؛ مشددا سماحته على أن (أو) في الآية الكريمة {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} تفيد التأكيد بالأمر الثاني.
عارجًا سماحته إلى الكلام التافه الذي قاله الزغبي حيث إدعى أن النبي قد مضغ مضغة من تلك الشاة المسمومة، بإكمال سماحته مزاعم هذه الطائفة المبتدعة في قولها أن النبي قد مات لاحقا بسبب هذا السم، منوها بأن هذا القول بحد ذاته أحد أسباب ضحك النصارى على هذا الدين وترويجهم بأن هذا النبي هو نبي كاذب والعياذ بالله إذ أنها ليست بمعجزة أن يقضم أحد قضمة من شاة مسمومة فيحس بالسم ثم يقول إنها تخبره بأنها مسمومة!؛ منبهًا سماحته إلى أن الحادثة الحقيقية تفيد بأن النبي صلى الله عليه وآله لم يتناول من تلك الشاة شيئا، وقال بأنها مسمومة بمجرد أن وضعوا الطعام وقد أكل أحد الذين لا يحترمون أنفسهم منها سابقا النبي فمات.
وأضاف الشيخ.. أن القول بأن النبي أكل من تلك الشاة جاء للتغطية على جريمة عائشة بسمّ النبي الأعظم إذ إن زينب بنت الحارث أجابت بجواب رصين مضمونه أنها أرادت أن تعلم بأن هذا نبي صادق أم سلطان من السلاطين فإن كان سلطانا أراحت الناس منه وإن كان نبيا فسينجيه الله، فعفا رسول الله عنها وكانت هذه الحادثة قبل ثلاث سنوات من رحيل النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وقد أسلمت المرأة لذلك؛ مردفًا سماحته.. أننا لو سلّمنا بقول البكريين الأغبياء بأن النبي أكل من تلك الشاة ثم بسبب ذلك استشهد بعد ثلاث سنوات، فكيف نفسّر عدم ظهور حالة التدهور الصحي للنبي طوال هذه السنوات؟
وأضاف سماحته أيضا.. أن تدهور الحالة الصحية للنبي صلى الله عليه وآله في آخر أيام حياته كاشف عن وقوع شيء لهذا النبي في تلك الأيام، وتفسّر ذلك روايات أهل البيت عليهم السلام وأحاديث اللدود التي تبيّن أن هنالك مادة غريبة سقيها النبي صلى الله عليه وآله مع أنه قد نهاهم عن أن يسقوها له ولذا لمّا أفاق النبي أمرَ أن تسقين قاتلاته من هذه المادة فامتنعن عن أن يسقين بها، واتهمت عائشة وصويحباتها العباس بن عبد المطلب بوضع هذه المادة في فم النبي صلى الله عليه وآله وكذبهن النبي.
فالتسليم بالروايات القائلة بأن رسول الله صلى الله عليه وآله قد استشهد بسبب سم زينب بنت الحارث يعني إبطال نبوة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله، إذ إنها حددت بوفاة النبي أو نجاته من سمّها كذب نبوته في الحالة الأولى وصدقها في الحالة الثانية؛ والقول باستشهاد النبي يعضده قول سعد بن أبي وقاص بأنه مستعد إلى أن يحلف تسع مرات على أن رسول الله مضى مقتولا خيرا له بأن يحلف واحدة بأن رسول الله لم يُقتل؛ كما أن وجهة النظر الشيعية هي الأقرب للتصديق فيما لو تم عرض القصتين على أي محقق جنائي منصف.
وأفاد الشيخ أن الزغبي عرج بعد ذلك إلى نقطة أخرى قال فيها أن النبي اختار في آخر يوم من حياته أن يكون في بيت عائشة حبًا لها بدلاً من أن يكون في بيت ميمونة ثم جاء أبوبكر وحل التنازع حول الموضع الذي يدفن فيه رسول الله فقال يدفن الأنبياء حيث ماتوا فدفن النبي في غرفة عائشة، وهنا توقف سماحته ليعلق بأن هذا القول من موضوعات عائشة إذ هي التي روته وهو من جملة أساطيرها الكثيرة التي لا يمكن التسليم بها، وينقض هذا القول روايات أخرى معارضة ترويها عائشة نفسها ويرويها عنها جميع بن عمير بأن رسول الله صلى الله عليه وآله مات في حِجر علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وعلي هو الذي حلّ الاختلاف حول موضع دفن رسول الله حين قال: أن أحب البقاع إلى الله مكان قبض فيه نبيه. (مسند أبو يعلى/ج10/ص125)
ونصح سماحته أن يقوم أحد طلبة العلم أو المحققين بتأليف كتاب تحت عنوان (تناقضات عائشة) يجمع فيه روايات عائشة المتناقضة ويشرح فيها الأحاديث ويبين أسنادها وما شابه، مؤكدا أن الكتاب قد يصل إلى خمسمائة صفحة ويكون كتابا جيدا لأنه سوف يوضح أن عائشة كذابة تختلق الأحاديث على رسول الله صلى الله عليه وآله وذلك ببيان التضاد في رواياتها.
وبخصوص معراج الأراجوز محمد عبد الملك الزغبي إلى ارسال كلامه إرسال المسلّمات بأن النبي دُفِن في حجرة عائشة، وطرحه هذا التساؤل بسخرية: كيف أن الله يختار لنبيّه أن يُدفن في دار التي دسّت له السم؟
عمَدَ سماحة الشيخ الحبيب إلى تفنيد أكذوبة (أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد دُفِن في حجرة عائشة) بطرح علمي مفصّل يُثبت فيه أن النبي قد دُفِن في الحجرة النبوية التي كان يستقبل بها صلى الله عليه وآله وسلم الوفود، وهي الحجرة التي كانت داخل المسجد ولها جدار قصير يرى بسبب قصره المصلين رسول الله وهو واقف فيها يصلي.
ومختصر الردود تتلخص في هذه النقاط:
•أنه ليس من المعقول أن تكون هذه حجرة عائشة لأنها كانت بالأساس مكشوفة للناظرين.
•حُجر أزواج النبي كلها كانت خارج المسجد بجهة الجنوب وكان يربطها ممر صغير مع الحجرة النبوية داخل المسجد، ولم يكن في المسجد النبوي حُجَر سوى هذه الحجرة وحجرة علي وفاطمة لأنهما طاهرين مطهرين بخلاف أزواج النبي اللاتي كن يحضن ويجنبن.
•تصريح عائشة بأنها لم تعلم بدفن رسول الله إلا في ليلة الأربعاء. (مسند أحمد بن حمبل/ ج6/ ص62)
• قدوم محمد بن أبي فديك إلى المسجد النبوي سائلا محمد بن هلال عن مكان حجرة عائشة بين حُجَر أزواج النبي التي رآها خارج المسجد من جريد مستورة بمسوح الشعر، وجواب محمد بن هلال له بأن بيت عائشة كان بابه من وجهة الشام. (الأدب المفرد للبخاري/ ص168)
•تصريح ابن عمر بن الخطاب بأنه ليس في المسجد النبوي بيت غير بيت علي عليه السلام. (فتح الباري في شرح صحيح البخاري/ ج11/ص3)
•اعتراف النووي بأن حجرة عائشة كانت خارج المسجد النبوي وعندما وقع الاضطرار لهدم حجر أزواج النبي لتوسعة المسجد النبوي الشريف تم هدمها مع جملة ما تم هدمه. (شرح صحيح مسلم /ج5 /ص14)
وفي صعيدٍ آخر هو اظهار الزغبي نفسه بأنه واقف على إشكال الشيخ على عائشة في الاحتفال المبارك بهلاكها حين أدانها باتهامها رسول الله صلى الله عليه وآله بأنه قد سُحِر من اليهود، وبأنها بذلك تضاهي قول المشركين فتكون ملحدة كافرة تستحق دخول النار؛ حيث اتهم الزغبي الشيخ الحبيب «حفظه الله» بأنه جاهل بما في كتب المخالفين وأنه لم يفهم الرواية حول سحر النبي، زاعما أن هذا السحر أصاب النبي في بدنه ولم يصبه في عقل، طلب الشيخ الحبيب من الزغبي أن يصحح معلوماته، متحديا إياه بأنه أعلم منه بما في كتبه بل وأعلم من مائة من أمثاله من أكابر مشايخ طائفة أهل الخلاف بما في كتبهم كلها؛ داعيا إياه إلى قول هذا الكلام ذاته عن علماء طائفته الذين توصلوا إلى النتيجة نفسها إلا أنهم سعوا إلى إسقاط هذه الروايات، مذكرًا إياه بما ساقه من براهين في الاحتفال عند بيانه أقوال إثنين من كبار مشايخ الفرقة البكرية هما أبوبكر الجصاص وأبوبكر الأصم الذين صرّحا أن روايات عائشة تفيد بأن النبي قد سحر في عقله لا في بدنه.
وأضاف سماحته قولا ثالثا للقاضي عياض، وأتى لاستعراض قول رابع لمحمد عبده في هذا الشأن وخامس لمحمد بن جمال الدين القاسمي في بيان إنكارهم على أحاديث عائشة في سحر النبي صلى الله عليه وآله، داعيا الزغبي إلى وصم شيوخه بالجهل وعدم المقدرة على الاستيعاب اشتراكا مع سماحته في ذلك الوصم التسفيهي.
وأعرب الشيخ الحبيب قرب وصوله إلى ختام ردوده على الزغبي عن تعجبه من تنظير الزغبي وقومه بأن الأحاديث الواردة عن ”سحر النبي“ لا تصادم كتاب الله، ومن ثمّ ذبهم عنها بتأويل سخيف وتافه هو إخراجها عن مرادفة قول المشركين، وكلُ هذا كي لا يخدشوا عائشة أو رواة البخاري أو البخاري نفسه!
وشدد حفظه الله على أن أحاديث عائشة تؤكد على إصابة رسول الله –حاشاه– في عقله لا في بدنه، ومن بين تلك الأحاديث التي تجلّي هذا المعنى الأحاديث المنقولة في كلمة الاحتفال والتي قالت فيها عائشة:
"سُحِر النبي صلى الله عليه [وآله] وسلّم حتى كان يخيّل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله." (صحيح البخاري/ ج4/ ص91)
" سُحر رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن!." (صحيح البخاري/ ج7/ ص29)
وأضاف سماحته.. أن هذه التهمة التي جائت بها عائشة هي عينها التي جاء بها عمر بن الخطاب حينما اتهم رسول الله بالهجر والهذيان (مسند أحمد/ج1/ص24). وهي تهمة تقود إلى التشكيك بالسلامة العقلية لرسول الله صلى الله عليه وآله وبالتالي الشك في نبوته وفي كل آيات القرآن الكريم.
قبل أن يستطرد.. أننا لو سلّمنا بالمعنى الثاني وهو أن رسول الله قد أصيب بمرض في بدنه ممن يريد سحره.. فإن الإشكال يبقى على حاله، لأن الله يعصم أنبياءه من السحر لكون السحر لا يقع إلا باستعانة الساحر بالشياطين كما ثبت بالقرآن، والقرآن ينفي إمكانية تأثير الشيطان على رسول الله في قوله {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} إلى جانب قوله عن الشيطان {إنَّه لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} فالقول بأن للشيطان سلطان على سيد المؤمنين والمؤمنات والخلق أجمعين بأن يصيبه بمرض في بدنه هو كفر صريح بالقرآن من قِبل الزغبي وقومه الجهلة الغير قادرين على الإستيعاب.
وأكد سماحة الشيخ الحبيب أن الداعية البكري محمد عبدالملك الزغبي يتمتع بنسبة كبيرة من الغباء، مردفا سماحته أنه قد شاهد مقطع فيديو في اليوتيوب للمذكور من مقابلة يسأله فيها المذيع عن الشيعة فيجيبه أن الشيعة ثلاث فرق (الإمامية، والجعفرية، والإثنا عشرية) دون أن يعرف أن هذه كلها مترادفات تشير إلى فرقة واحدة.
وأخيرًا انتقل (حفظه الله) إلى الرد على آخر الشبهات التي أثارها الزغبي ألا وهي الشبهة التي عنوانها:
”إذا كانت عائشة خبيثة إلى هذه الدرجة فكيف تزوجها رسول الله الأكرم والله يقول {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ}؟“
فأجاب عليها سماحته.. أن المقاصد من وراء زيجات الأنبياء (صلوات الله عليهم) هي مقاصد متنوعة تأتي بأمر الله تعالى، ومن يريد أن يقول أن كل زيجات رسول الله كانت من نساء طيّبات فأنه يكذب الواقع الخارجي المحسوس لأن الأمّة مجمعة على أن لرسول الله أزواج طلقهن وطلاقهن كاشف عن أنهن كن خبيثات؛ كفاطمة بنت الضحّاك الكلابية، وأسماء بنت النعمان، والشنباء بنت عمرو، وليلى بنت الخطيم، بالإضافة إلى قتيلة بنت قيس التي لم يطلقها النبي إلى آخر يوم من حياته لكنها آمنت بمسيلمة الكذاب من بعده؛ فضلا عن خبث زوجتا نبيّا الله نوح ولوط عليهما السلام وطيب آسيا إمرأة فرعون عليه اللعنة والعذاب؛ مشددا سماحته على أن العبرة بخواتيم الأمور ولا اعتبار للعلقة الزوجية بتحديد الطيّب من الخبيث ومن هو في الجنة ومن هو في النار كما يفعل أصحاب هذا المنطق البكري الغبي.