بعد إمامته صلاة عيد الفطر لهذه السنة 1433 بإلحاح من بعض المؤمنين في لندن ألقى الشيخ ياسر الحبيب خطبتي العيد مبتدئا بحمد الله تعالى والثناء عليه والدعوة إلى التقوى، ثم أهدى سماحته المؤمنين بهدية أو عيدية من نوع خاص! وهي عبارة عن حديث شريف يرويه بنفسه عن مشايخه العظام بسند متصل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله قال: «الجنة محرمة على الأنبياء حتى أدخلها، ومحرمة على الأمم كلها حتى تدخلها شيعتنا أهل البيت».
وقد ذكر الشيخ أن هذا الحديث معتبر مصحح، وهو ما يكشف عن كون جميع رواته ثقات. ويبدأ السند بالشيخ وينتهي إلى الإمام الباقر عن آبائه عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله.
ودعا الشيخ جميع المؤمنين إلى تكثيف جهودهم في نشر الإسلام والتشيع، معتبرا التقصير في ذلك إثما في مثل هذا الزمان الذي تموج به الفتن.
وفيما يلي نص كلام سماحته في الخطبتين:
● الخطبة الأولى:
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
القول مني في جميع الأشياء قول آل محمد عليهم السلام فيما أسرّوا وفيما أعلنوا وفيما بلغني عنهم وما لم يبلغني.
الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ ۖ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا. الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، ولله الحمد، الحمد لله على ما هدانا وله الشكر على ما أولانا، والحمد لله الذي جعل لنا هذا اليوم عيدا. الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّـهُ ۖ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ۖ وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ. الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ. لا نشرك بالله شيئا ولا نتخذ من دونه وليا. والْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ. يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۚ وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ. كذلك الله لا إله إلا هو إليه المصير. والحمد لله الذي يُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۗ إِنَّ اللَّـهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ. والْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا. قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا. مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا. والْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. والْحَمْدُ لِلَّـهِ وَسَلَامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ.
معاشر المسلمين! خذوا مني هذا الحديث الشريف المعتبر المصحح الذي أرويه لكم بسندي المتصل عن سيدي الصادق الشيرازي عن أبيه الميرزا مهدي الشيرازي عن الشيخ عباس القمي عن الميرزا حسين النوري عن الشيخ الأعظم الأنصاري عن المولى أحمد النراقي عن السيد بحر العلوم عن صاحب الحدائق الفقيه البحراني عن المولى محمد رفيع بن فرج الجيلاني عن العلامة المجلسي عن أبيه المولى التقي المجلسي عن الشيخ البهائي عن أبيه الشيخ حسين بن عبد الصمد الجُبَعي العاملي عن الشهيد الثاني زين الدين الجُبَعي العاملي عن المحقق الشيخ علي بن عبد العالي الميسي عن المحقق الشيخ علي بن عبد العالي الكركي عن شيخ الإسلام علي بن هلال الجزائري عن العلامة أحمد بن فهد الحلي عن الشيخ زين الدين علي بن خازن الحائري عن الشيخ ضياء الدين علي بن محمد العاملي عن أبيه الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي عن فخر المحققين محمد بن الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي عن أبيه العلامة الحلي عن خاله المحقق الحلي عن الشيخ تاج الدين الحسن بن علي الدربي عن الشيخ رشيد الدين محمد بن شهراشوب المازندراني عن السيد عماد الدين أبي الصمصام ذي الفقار الحسيني المروزي عن شيخ الطائفة الطوسي عن الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العُكبري البغدادي عن الشيخ أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن أبيه محمد بن قولويه الجمال عن سعد بن عبد الله الأشعري عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري عن سعيد بن جناح الأزدي عن عبد الله بن محمد الجعفي عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عن أبيه علي بن الحسين زين العابدين عن أبيه الحسين بن علي السبط عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: «الجنة محرمة على الأنبياء حتى أدخلها، ومحرمة على الأمم كلها حتى تدخلها شيعتنا أهل البيت»!
ألا فاعرفوا قدر أنفسكم يا من سبقتم الأمم بإيمانكم وجهادكم وصبركم في الدنيا، وستسبقونها إلى الجنة في الآخرة إنْ بقيتم على العهد الذي عاهدتم به نبيكم صلى الله عليه وآله، وتحلّيتم بالتقوى والورع والعمل الصالح.
أنتم شيعة آل محمد صلوات الله عليهم، منار الإسلام وشعاعه، وذِروته وسنامه، عليكم تُعقد الآمال في إنقاذ هذه البشرية من براثن الكفر والجاهلية والتخلف والفساد والضياع. جدوا واجتهدوا ولا تبخلوا بما أنعم الله عليكم به من نور الإسلام والإيمان، أنيروا بما معكم من النور غيركم حتى يتبدد ظلامه.
كل شيعي مبلّغ، وكل شيعية داعية، لا يهدأنّ الواحد منكم ولا يقعدنّ، انشطوا في دعوة الناس إلى الإسلام والتشيع، كذلك توفون بالعهد وتشكرون النعمة، وكذلك تهزمون عدوكم، وألدّ أعدائكم اليوم الشيطان، فاهزموه.
إن احتكر أحد هذا النور فهو ظالم، وإن قصّر أحد في نشره فهو آثم. لا يتركنّ أحدكم صديقاً له، أو زميلاً، أو جاراً، على غير دينه دون أن يدعوه وينصحه ويقرّبه إلى الإيمان. لا يموتنّ الواحد منكم قبل أن يُسلم أو يتشيّع على يديه مئة على الأقل. تسلّحوا بالعلم، وتخلّقوا بالحزم، وتودّدوا إلى الناس، وسارعوا ليسارع الناس إليكم، واصبروا كما صبر نبيكم وأئمتكم عليهم السلام، فإن الشيطان وجنوده ليسوا بتاركيكم، فأغيظوهم بصبركم ومقاومتكم ومثابرتكم على الدعوة والتبليغ بالحكمة والموعظة الحسنة، وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ. وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّـهِ مَا لَا يَرْجُونَ.
لقد مرّت أعوام قصّر فيها من قصّر في نشر الإسلام والتشيّع متذرّعاً بضيق الخناق، ألا وقد زال الخناق فما من عذر لأحد إلا من ندر. وها أنتم هؤلاء يعيش كثيرٌ منكم في أمان وراحة، فلا تركنوا إلى الدَّعة والكسل، بل اجتهدوا في العمل يرحمكم الله وينتصر بكم لدينه ويمنحكم مقام الشفاعة، وأي مقام أعظم من هذا تريدون؟
قد أنبأنا إمامنا الباقر عليه السلام على ما رواه الصدوق أن موسى النبي عليه السلام قال: «إلهي! ما جزاء من دعا نفساً كافرة إلى الإسلام؟ قال: يا موسى! آذن له يوم القيامة في الشفاعة لمن يريد! قال: إلهي! فما جزاء من دعا نفساً مسلمة إلى طاعتك ونهاها عن معصيتك؟ قال: يا موسى! أحشره يوم القيامة في زمزة المتقين».
الحمد لله حمداً كثيراً كما هو أهله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله، وأن عليا صلى الله عليه وليّه وحجته.
معاشر المسلمين! قد ماجت بهذه الأمة الفتن المنكرة، والمظالم المتكثرة، وما ذاك إلا لجحد أكثرية هذه الأمة لولاية الذين عيّنهم الله ورسوله صلى الله عليه وآله لقيادتها. فأنقذوا إخوانكم، وأرشدوهم إلى الأئمة الشرعيين ليأتمّوا بهم، واصبروا على الأذى الذي ينالكم فإنه لقليل ما هو ثمناً للجنة التي عرضها السماوات والأرض أُعدِّت للمتقين. الله الله لا تتراجعوا عن نشر ولاية الأئمة مهما ساءت الظروف. واحذروا قطاع الطرق الذين هم بالإسلام وبالتشيّع يتلبّسون ويلوون ألسنتهم بالكتاب والعترة لتحسبوه منهما وما هو منهما. هؤلاء أشد خطراً وأخوف على أمتنا. وقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوله: «ما أخاف على أمتي مؤمناً ولا كافراً، أما المؤمن فيحجزه إيمانه، وأما الكافر فيدفعه كفره، ولكني أخاف عليها منافقاً يقول ما يعرفون ويعمل ما ينكرون».
قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام على ما رواه الصدوق: «إن في جهنم رحى تطحن خمساً، أفلا تسألون ما طحنها؟ فقيل: فما طحنها يا أمير المؤمنين؟ قال عليه السلام: العلماء الفجرة، والقرّاء الفسقة، والجبابرة الظلمة، والوزراء الخونة، والعرفاء الكذبة».
اضمنوا لأئمتكم أربعاً يضمنوا لكم الجنة إن شاء الله تعالى: أن تقيموا فرائض الله، وأن تجتنبوا محارم الله، وأن تحسنوا الولاية لأهل بيت نبي الله، وأن تبرأوا من أعداء الله عز وجل. إنْ ضمنتم ذلك فلتدخلوا من أي أبواب الجنة الثمانية شئتم. هكذا قال الصادق صلوات الله عليه.
اللهم إنّا نسألك أن توفقنا لإقامة فرائضك، واجتناب محارمك. اللهم إنّا نُشهدك أنّا توليّتنا أهل بيت نبيك، وبرئنا من أعدائهم أعدائك. اللهم إنّا نُشهدك أنّا لوليّ أمرنا الذي جعلته لنا إماماً في زماننا هذا متبعون، وله منتظرون.
اللهم إنا نسألك بحقك العظيم العظيم أن تصلي على محمد وآله الطاهرين، و أن تصلي عليهم صلاة تامة دائمة، وأن تدخل على محمد وآل محمد ومحبيهم وأوليائهم حيث كانوا وأين كانوا في سهل أو جبل أو بر أو بحر من بركة دعائي ما تَقَرّ به عيونهم. احفظ يا مولانا الغائبين منهم، وارددهم إلى أهاليهم سالمين، ونفّس عن المهمومين، وفرّج عن المكروبين، واكسُ العارين، وأشبع الجائعين، وأرْوِ الظامئين، واقضِ دَيْن الغارمين، وزوّج العازبين، واشفِ مرضى المسلمين. وأدخل على الأموات ما تَقَرُّ به عيونهم، وانصر المظلومين من أولياء آل محمد عليهم السلام، وأطف نائرة المخالفين.
اللهم وضاعف لعنتك وبأسك ونكالك وعذابك على اللَّذيْن كفرا نعمتك، وخوّنا رسولك، واتهما نبيك، وبايناه، وحلاّ عقده في وصيه، ونبذا عهده في خليفته من بعده، وادّعيا مقامه، وغيّرا أحكامه، وبدّلا سنته، وقلّبا دينه، وصغّرا قدر حججك، وبدءا بظلمهم، وطرَّقا طريق الغدر عليهم، والخلاف عن أمرهم، والقتل لهم، وإرهاج الحروب عليهم، ومنع خليفتك من سد الثُّلَم، وتقويم العِوَج، وتثقيف الأَوَد، وإمضاء الأحكام، وإظهار دين الإسلام، وإقامة حدود القرآن. اللهم العنهما وابنتيهما وكلّ من مال ميْلهم وحذا حذوهم وسلك طريقتهم، وتصدّر ببدعتهم، لعنا لايخطر على بالٍ ويستعيذ منه أهل النار، العن اللهم من دان بقولهم، واتّبع أمرهم، ودعا إلى ولايتهم، وشكّ في كفرهم من الأولين والآخرين.
وصلّ يا ربّ على الدليل إليك النور المنير محمد المصطفى، وعلى أخيه علي المرتضى، وعلى ابنته فاطمة الزهراء، وعلى سبطيه الإمامين الحسن والحسين، وصل على يا رب على أئمة المسلمين، علي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والحجة القائم المهدي.