أدان سماحة الشيخ ياسر الحبيب «حفظه الله» في الليلة الثامنة من محرم الحرام لسنة 1433 هجرية، وبطرح علمي جريء مدعـّم بالأدلة والبراهين من سيرة أهل البيت الطاهرين «عليهم السلام» في سابقة فريدة من نوعها على المنابر الحسينية، أدان سماحته المدعو محمد باقر الصدر الذي داس على جراحات السيدة الزهراء «عليها السلام» لأجل مصالح سياسية محضة في مطلع الثمانينات من القرن الماضي.
وكان سماحة الشيخ الحبيب قد أجاب في وقت سابق على سؤال عن موقفه تجاه المذكور في موقعه الرسمي، إلا أن الجواب صار مثارًا للجدل والمراء والعناد بالباطل لدى ضعاف النفوس الذين لم يجدوا بدً من تسقيط الشيخ لعجزهم عن ردّ ما ورد فيه من حجج وأدلة نقلية وعقلية على انحراف صاحبهم.
وبتفاصيل أكثر هذه المرة أعاد سماحته طرح القضية على منبر سيّد الشهداء الحسين بن علي «عليهما الصلاة والسلام»، بهدف استلهام الدروس من سيرته العطرة في رفض مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة» والذي يعرف اليوم بمبدأ الزنديق الإيطالي ميكافيلي.
وأكد الشيخ في افتتاح حديثه أن الأئمة الأطهار عليهم السلام توافقت سيرتهم مع معلمهم الأول رسول الله «صلى الله عليه وآله» الذي كان أول الرافضين لهذا المبدأ، حيث عُرضت عليه المغريات من كبار شخصيات قريش بتنصيبه ملكًا عليهم على أن يترك دعوته فأبى ذلك، ولم ينتهج هذا المبدأ الأحمق أي لأصبح أنا سيّدًا على قريش إلى أن استفرد بالسلطة ثم فجأة أعلن الإسلام وحينها لا أحد يتمكن من مخالفتي!، بل بقى «صلى الله عليه وآله وسلم» ثابتا على دعوته ولم يتزحزح عن مبادئه.
وأوضح سماحته أن القبول بهذا المبدأ المعوج يعني فشل الدعوة مستقبلا، إذ لن يقبل بها أحد إلا بالقهر والغلبة لا بالاقتناع، فللمعترض أن يقول أنك طوال هذه السنوات قبلت الملك والحكم وقبلت بعبادة الأصنام ولم تتكلم ولم ترفض هذه العبادة والآن جئت لتفرض علينا الإسلام؟ إنك لو كنت مبدئيا لرفضت منذ البداية دين الشرك والوثنية، فماذا عن هؤلاء الذين ماتوا طوال فترة ملكك وهم على دين الشرك والجاهلية؟ على أي أساس ضحيت بهم وتركتهم يذهبون إلى النار؟ أنك لست مبدئيا ولست صاحب مُثل عليا!
وكنموذج آخر على رفض هذا المبدأ، أشار سماحة الشيخ الحبيب لرفض معلّم البشرية الثاني إمام المتقين علي بن أبي طالب «عليهما السلام» القبول بالحكم بعد مقتل الطاغية عمر بن الخطاب إثر الاشتراط عليه بأن يسير بسيرة أبي بكر وعمر «عليهما اللعنة والعذاب» واللذان كانا يسيران بخلاف تعاليم القرآن وسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فآل الحكم إلى عثمان.
كما بيّن الشيخ «حفظه الله» أن عمل أمير المؤمنين لا يخالف قاعدة الأهم والمهم إذ أن حفظ الدين هو (الأهم) والأولى والمقدم على كل شيء، وعليه لا يتحول حكم الحرام بالعنوان الأولي إلى حلال بالعنوان الثانوي لو أوجب الإقدام على ذلك العمل المحرّم ضلال الناس فيجب حينذاك الرفض حتى لو أدى ذلك لهلاك النفس، أما في غير ذلك فأن الحكم الثانوي قد يتحول إلى واجب كما لو أوشك شخص في الصحراء على أن يموت لولا أن يسد رمقه بالميتة أو الخمر لحفظ النفس.
وأدان سماحة الشيخ الحبيب بعض العمائم العفنة التي ترى أن الإمام علي عليه السلام قد أخطأ سياسيًا بتضييع الفرصة من يده للوصول إلى سدة الحكم إذ كان عليه أن يقبل اختصارًا للطريق بشرط القبول بسيرة الشيخين ثم ينقلب عليه، وسمّى الشيخ أحد هؤلاء المعتوهين القائلين بهذا القول قبل أن يذكر سماحته أن إحدى الصحف الإيرانية في عهد ما يسمى الثورة الإسلامية في إيران قد نشرت مقالاً سياسيًا بعنوان ترجمته هي (أخطاء أمير المؤمنين عليه السلام) وأكد الشيخ أنه يحتفظ بصورة للمقال من تلك الصحيفة الواسعة الانتشار في إيران، مضيفا أنهم أدرجوا من بين تلك الأخطاء المزعومة هذا الرفض كأحد الأخطاء السياسية.
ودافع سماحته عمّا قرره أمير المؤمنين عليه السلام بأنه عين الصواب لأنه إذا ما قبل بسيرة الشيخين الكافرين المنافقين أبي بكر وعمر لما كان لأحد اليوم أن يرفض منهجهما، ولما كان هناك من سبيل للرد على دعاة البكرية أو البترية التي تدعو إلى توليهما مما يعني بالتالي دمار الإسلام والقبول بالبدع والعودة إلى سنن الجاهلية.
وكنموذج عملي على مخالفة هذا المبدأ النبوي العلوي على أرض الواقع في زماننا المعاصر والاقتداء بمبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) في أوساطنا المريضة والمعقدة تحدث الشيخ «حفظه الله» عن النداء الثالث للهالك محمد باقر الصدر والذي جاء فيه:
”وأريد أن اقولها لكم يا أبناء علي والحسين وأبناء أبي بكر وعمر أن المعركة ليست بين الشيعة والحكم السني، أن الحكم السني الذي مثله الخلفاء الراشدون والذي كان يقوم على أساس الإسلام والعدل حمل علي السيف للدفاع عنه إذ حارب جنديًا في حروب الردة تحت لواء الخليفة الأول أبي بكر، وكلنا نحارب عن راية الإسلام وتحت راية الإسلام مهما كان لونها المذهبي“
حول هذه العبارة توقف الشيخ الحبيب ليبيّن أن مناسبة اطلاقها من المذكور كانت للتحريض على اسقاط الحكم البعثي في العراق، بعد أن شاهد قائلها نجاح الخميني في إسقاط حكم الشاه المقبور فانتفخ سحره وسال لعابه لتقليده بإعلان ثورته اعتمادًا على ما لديه من محبة جماهيرية عند العراقيين ناتجة عن كونه متحدثـًا بارعًا مثقفـًا يحمل صفة قيادية جيدة تؤهله أن يصبح خميني العراق.
ونوّه الشيخ الحبيب «حفظه الله» أنه لا اختلاف هنا على أن نظام البعث الكافر هو نظام ينبغي اسقاطه لإزالة الظلم والجور عن كواهل المؤمنين، إلا أن الاختلاف في الضوابط والشروط التي ينبغي اتباعها من أجل ذلك، فيحرم العمل بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة الذي اتخذه هذا الرجل بالدوس على الشرع من أجل تحقيق الهدف.
وبدأ سماحته بشرح وتحليل المفردات والجمل التي جاءت في هذا الخطاب المشؤوم:
(وأريد أن أقولها لكم يا أبناء علي والحسين وأبناء أبي بكر وعمر).. لا إشكال.
(أن المعركه ليست بين الشيعة والحكم السني).. إذا كنت تريد من الحكم السني هو حكم أبي بكر وعمر فهذه مغالطة، إذ أن معركة الشيعة هي مع حكم أبي بكر وعمر وإلا فما هي معركتنا منذ يوم السقيفة والانقلاب على آل رسول الله إلى الآن غير مع الحكم المناوئ لعترة النبي ومع منهج حكمه؟ أما اذا كنت تقصد من الحكم السني حكم رسول الله وسنته صلى الله عليه وآله أي حكم أهل البيت فمن الطبيعي أن لا يكون للشيعة معركة مع هذا الحكم.
ولكنك هنا وقعت في مغالطة أخرى إذ أنك حددت بعد ذلك وصف الحكم السني بقولك (أن الحكم السني الذي مثله الخلفاء الراشدون).. فمن هم الخلفاء الراشدون؟
الخلفاء الراشدون هم الأئمة الأثنى عشر، أما أبي بكر وعمر وعثمان فهم ليسوا خلفاء ولا راشدون، وإن قال شيعي بأن هؤلاء خلفاء راشدون في غير موضع التقية فإنه خارج عن التشيّع، لأن رسول الله لم يستخلف هؤلاء بل استخلف عليًا والحسن والحسين كخلفاء راشدون أول وثاني وثالث على هذه الأمة، وعليه فهذا اللقب خاص بهم ولا يجوز اطلاقه على غير الأئمة الإثنى عشر كما هو الحال مع لقب أمير المؤمنين الذي لا يصح اطلاقه على غيره.
فإن قلت أنني أقصد ما تعارف عليه الناس قلنا هذا لا اعتبار له فالناس تعارفوا على أن عيسى إله فهل نقول مثلهم؟ نحن ترجع اصطلاحاتنا وتعابيرنا لمبادئ ديننا، فلا يصح أن نقول عن عيسى بأنه ابن الله كما لا يصح أن نقول أن أبو بكر خليفة رسول الله هذا حرام، ولا اعتبار بما يقوله غيرنا من طوائف فأبو بكر ليس الخليفة الأول بل هو من يمكن أن نسميه بالطاغية الأول، فأهل البيت وغيرهم لم يقروا لهؤلاء بأنهم خلفاء ولا نتحدث ههنا عن روايات التقيّة وإنما نتحدث عن المعروف من الروايات المفهومة.
(والذي كان يقوم على أساس الإسلام والعدل).. الله أكبر، أتعلم معنى هذه الكلمة؟ هذا تسديد سهم إلى قلب الزهراء البتول صلوات الله عليها، فأنت حينما تقول أن أبي بكر وعمر وعثمان خلفاء راشدون وحكمهم كان حكما سنيا يقوم على أساس الإسلام والعدل فهذا يعني أن ظلمهم لبنت رسول الله كان إسلاما وعدلا! ولا معنى آخر لهذا الكلام إذ أنك حكمت على تصرفاتهم بأنها إسلامية عادلة أي أنهم لم يظلموا أحدا بينما الزهراء كانت تصيح وتبكي من ظلم أبي بكر، ناهيك عن ظلمهم لعمار بن ياسر وسلمان وأبي ذر وغيرهم من بني الإسلام إلى جانب بدعهم، أهذا كان من العدل؟ ماذا تركت لنا في قبال المخالف إذ أننا طوال 1400 سنة نجاهد ونقاوم ونقول للمخالف أن أبا بكر وعمر كانا ظالمان والزهراء استشهدت وهي غاضبة عليهما وإذا بك نسفت كل ذلك إذ كأنك تقول أن الزهراء كانت متجنية عليهما.
(حمل علي السيف للدفاع عنه).. علي بن أبي طالب حملَ السيف دفاعًا عن حكم أبي بكر وعمر؟ متى؟ كيف؟ من أين أتيت بهذا الكلام؟
(إذ حارب جنديًا في حروب الردة تحت لواء الخليفة الأول أبي بكر).. هل سمع أحدكم بأن أمير المؤمنين عليه السلام شارك في حروب الردة؟ لو كان هذا حقـًا لاشتهر الأمر لأن صولات وبطولات أمير المؤمنين يتناقلها الألوف من الناس وليست مخفية على أحد، كل تاريخه العسكري في المعارك معروف بالدقة فما هذا الجهل؟
أن هذا الأمر لو كان حقـًا لاحتجّ به أهل الخلاف، إذ أن المعروف أن أمير المؤمنين من يوم السقيفة اعتزل القوم ولم يخرج من بيته إلا للمسجد والبستان وحل القضايا التي يتوقف عليها أمر الإسلام، ولم يعرف عنه أنه رفع سيفا في فترة اعتزاله أو خرج من المدينة.
وأضاف سماحة الشيخ الحبيب «حفظه الله» بأنه سوف نأتي على فضيحة هذا الرجل فيما تشبث به ليقول هذا الكلام عن عدم فهم وتتبع، قبل أن يستأنف سماحته قراءة بقية فقرات النداء المشئوم:
(أن الحكم السني الذي كان يحمل راية الإسلام قد افتى علماء الشيعة قبل نصف قرن بوجوب الجهاد من أجله، وخرج مئات الآلاف من الشيعة وبذلوا دمهم رخيصًا من أجل الحفاظ على راية الإسلام ومن أجل حماية الحكم السني الذي كان يقوم على أساس الإسلام)..
التعليق: هنا يتحدث عن ثورة العشرين، فهل أننا حينما أقمنا ثورة العشرين أقمناها لحماية الحكم السني على ما يدعيه هو؟ هل أننا اقمنا ثورة العشرين للدفاع عن حكم العثمانيين؟ ما هذه المزايدة على الناس؟ أن العشائر التي هبت في العراق لمحاربة الاحتلال البريطاني أو الاستعمار البريطاني في ثورة العشرين كانت تدافع عن حسب فتوى مجتهديهم دفاعا عن الإسلام لا دفاعًا عن حكم أبي بكر وعمر الذي يمثله العثمانيون الأتراك. ما هذه البعثرة للأوراق؟
أيقول قائل الآن أن الشيعة في لبنان هبوا للدفاع عن الحكم النصراني الماروني ضد الصهاينة؟ أم أنهم يدافعون عن الإسلام والمسلمين؟
(أن الحكم الواقع اليوم ليس حكم سُنيًا).. يتكلم عن حكم البعث.
(وإن كانت الفئة المتسلطة تنتسب تاريخيا إلى التسنن).. كيف هذا؟ يعني حكم صدام ليس حكمًا بكريا؟!
(أن الحكم السني لا يعني حكم شخص ولد من أبوين سنيين، بل يعني حكم أبي بكر وعمر الذي تحداه طواغيت الحكم في العراق في كل تصرفاتهم)..
يقول لا، حاشا أبوبكر وعمر فهذا صدّام ليس على منهاج أبي بكر وعمر!
أنا أسألكم بالله يا قوم.. صدام وجرائمه أليست شعبة من حكم أبي وعمر لعنهما الله من يوم السقيفة؟
أن منهجية صدام وغيره من الطواغيت بلا مزايدة واستحماق واستغفال للناس أتت من منهجية أبي بكر وعمر، وهذا القول كمن يقول اليوم أن آل سعود يتحدون حكم أبي بكر وعمر، وهو قول لا يقبل به أحد إلا إذا كان حمارًا، لأن حكم أبي بكر وعمر كان أبشع من حكم آل سعود إذ أنهما أقاما المقابر الجماعية لمعارضيهما كما فعل صدام بمعارضيه بالدجيل، فأبي بكر حفرَ حفرًا لرافضي دفع الزكاة له ودفن الناس فيها أحياءًا وكذلك فعل عمر بقرية عرب سوس إلا أن هذه الأمور لا تكشف للعلن.
وقد استفاض عن أئمتنا الأطهار عليهم السلام أنه ما من جريمة في الإسلام إلا وأثمها في أعناقهما أي عنقيّ أبي بكر وعمر لأنهما أسسوا أساس الظلم والجور.
(وهم ينتهكون حرمتهم للإسلام وحرمة علي وعمر معًا في كل يوم وفي كل خطوة من خطواتهم الإجرامية).. حرمة علي وعمر انتهك صدام! متى صارت حرمة عمر عِدلا لحرمة علي؟ وهل لعمر حرمة في الإسلام بالله عليكم! هذا الكلام مخالف للأحكام الشرعية فأئمتنا قالوا: ثلاثة ليس لهم حرمة إمام جائر، وفاسق معلن بفسقه.
وهذين العنوانين ينطبقان على أبي بكر وعمر فمن أين أصبح لعمر حرمة حتى تقرن مع حرمة أمير المؤمنين؟ ثم في ماذا هتك صدام حرمة عمر؟ أ قصفَ قبر عمر مثلا؟ أن هذا القول كمن يقول أن آل خليفة انتهكوا حرمة الحسين ويزيد فهم لا يمثلون الحكم السني! فلماذا هذا الخلط للأمور؟ أن أمير المؤمنين خط وعمر خط آخر.
(ألا ترون يا أولادي وأخواني أنهم أسقطوا الشعائر الدينية التي دافع عنها علي وعمر معا).. إذن عمر كان يدافع عن الشعائر الدينية وبشكل قوي أيضا!
(ألا ترون أنهم ملئوا البلاد بالخمور وحقول الخنازير وكل وسائل المجون والفساد التي حاربها علي وعمر معا).. جيد جدًا عمر كان يحارب المجون! ولذلك فإن من شدة محاربته للفسق والمجون والخمور كانت آخر شربة شربها في حياته بعدما طعنوه خمرًا، عمر الذي ذات مرة سكَرَ أحد من آنيته فأجرى عليه الحد فقال له إنما شربت من آنيتك فأجابه إنما أقيم عليك الحد لسكرك لا لشربك!
أ هذا بالله عليكم كان يدافع عن الشعائر الدينية أم يبتدع في الشعائر الدينية كصلاة التراويح والطلاق البدعي وغير ذلك من المنكرات التي لا مجال لإحصائها، بالإضافة لظلمه الواضح وضوح الشمس وفسقه ومجونه أيضا، فهكذا بكل تبجح تأتي وتقول انه كان لعمر حرص على الدين، أي زمنٍ تعيسٍ هذا الذي أنجب لنا أمثالك ليقودوا أمتنا الشيعية خلافا لأحكام آل محمد عليهم السلام؟
واستطرد الشيخ أن الإدعاء الباطل الذي إدعاه محمد باقر الصدر ”أن أمير المؤمنين عليه السلام قد رفع السيف وحارب جنديا تحت لواء الخليفة الراشد الأول أبي بكر“ حسب تعبيره لم يذكره أحد من المؤرخين ولكنه قد تمسّك بهذا القول وذكر مصدره في أحد كتبه وهو كتاب (فدك في التاريخ) والذي هو بحد ذاته كتاب يحتوي على طامات كثيرة منها على سبيل المثال تعبيره عن أبي بكر بالصدّيق! (فدك في التاريخ/ص99)
وهذا بحد ذاته إهانة للزهراء فكأنه يقول هنا بأن بنت رسول الله متجنية على هذا (الصدّيق) وكاذبة عليه وإلا فكيف يكون صدّيقا، و العجيب أنه يرسل كلامه هذا دون أن يخجل من نفسه لكونه من سلالتها ومن سلالة أمير المؤمنين الذي يقول ”أنا الصدّيق الأكبر ولا يقولها بعدي إلا كذاب“، ولا مجال هنا لمن يريد أن يأتي ويتفلسف ويقول أن الرجل يعمل بالتقيّة إذ انه ليس مكرهًا على ذلك عند إضافته لقب (الصدّيق) بعد اسم أبي بكر في كتابه، وهذا بحد ذاته أمر محرّم شرعًا وأشد حرمة من أكل لحم الخنزير كما أفاد الأئمة (بحار الأنوار/ج26/ص234)، إذ هو بمثابة قول (الصادق الأمين) عن مسيلمة الكذاب.
وعلى أي حال فأنه ذكر المصدر في كتابه (فدك في التاريخ/ص106) كما جاء في هامش كتابه والمصدر هو (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي/ ج4/ ص165) وعندما رجعت لذلك وجدته في (ج17/ص153) في الطبعة الموجودة عندي فوجدت أن المصدر الأصلي للرواية هو (تاريخ الطبري/ج2/ص476).
وهذا هو سند ونص الرواية التي رواها أبو جعفر محمد بن جرير الطبري:
حدثني السري قال حدثنا الشعيب، عن (سيف)، عن سهل بن يوسف، عن القاسم بن محمد قال: مات رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم واجتمعت أسد وغضفان وطيء على طليحة [المتنبي الكذاب] ... فعزم الله لأبي بكر على الحق وقال لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه وكان عقل الصدقة على أهل الصدقة مع الصدقة فردهم فرجع وفد ممن يلي المدينة من المرتدة إليهم فأخبروا عشائرهم بقلة من أهل المدينة واطمعوهم فيها وجعل أبوبكر بعدما أخرج الوفد على أنقاب المدينه نفرا عليًا والزبير وطلحة وعبد الله بن مسعود وأخذ على أهل المدينة بحضور المسجد وقال لهم أن الأرض كافرة وقد رأى وفده منكم قلة وأنكم لا تدرون أ ليلا تأتون أم نهارا... إلخ.
ومضمون الرواية هو أن أبوبكر أحس بالتهديد الذي سيأتي من المرتدين فوضع حراسًا على المدينة منهم علي بن أبي طالب.
وبالنظر فيها فأنها حتى أن موضوعها لا يقول بأن أمير المؤمنين شارك في حروب الردة.
أما في رجال السند فقد وجدنا (سيف) ومن هو سيف؟ سيف بن عمر التميمي الوضـّاع الكذاب الزنديق الذي اتفق الخاصة والعامة على أنه من الوضـّاعين، وهو واضع الأسطورة الشهيرة بأن الشيعة أصلهم يهودي يرجع إلى عبد الله بن سبأ.
وبيّن الشيخ الحبيب أن للمخالف أن يحتج على الشيعة في رفضهم روايات الوضـّاع سيف بن عمر التميمي بأن يقول هذا شهيدكم محمد باقر الصدر يقول أن عليًا شارك في حروب الردة وهي رواية سيف بن عمر لا راوي لها غيره، فإن اقررت بأن عليًا شارك في حروب الردة تحت لواء أبي بكر أو أنه وقف حارسًا على المدينة حماية لها من المرتدين يجب عليك الاقرار بوجود شخصية ابن سبأ اليهودي وأنه بالفعل مؤسس التشيّع لأن الراوي واحد فإذا صدّقته بهذه يلزمك أن تصدقه بتلك أيضا.
وأضاف الشيخ «حفظه الله» أن هذا النداء المشئوم فضلا عن أنه يجلب الخزي والعار لصاحبه وأمثاله فأنه يكشف أيضا عن مستواه المتدني في التحقيق والتتبع، ولكنه للإنصاف بارع في الإنشاء ويستخدم أسلوب تعبيري جميل لكنه مع محتوى غير جميل ينخدع به عوام من غير المحققين المتتبعين الذين يقفون على محتوى كلامه الذي لا يقوله المخالف نفسه.
فالدافع إذن هو التملق لاسترضاء واستمالة أهل الخلاف لمشروع سياسي على حساب الشرع والمبادئ العقدية، وهذا المبدأ مرفوض في المنهج الحسيني فعن شريف بن سابق عن الفضل بن أبي قرة عن الصادق عليه السلام: كتبَ رجل إلى الحسين «صلوات الله عليه» عظني بحرفين، فكتب إليه: من حاول أمرًا بمعصية الله كان أفوت لما يرجو وأسرع لمجيء ما يحذر. (الكافي/ج2/ ص373/ح3)