2013 / 07 / 02
بناء على ترشيح من الشيعة المصريين أجرت جريدة «الوطن» المصرية حوارا صحفيا مع الشيخ الحبيب وصفته بأنه «حوار شامل وصادم» تحدث فيه سماحته عن الكثير من النقاط الحساسة حول العقيدة الشيعية والمد الشيعي والأزمات التي تعيشها المنطقة على وقع الاحتدام الطائفي.
الجريدة نشرت مقاطع مجتزئة من أجوبة سماحته تحت عنوان: «الزعيم الشيعى المُبعد من الكويت ياسر الحبيب: الشيعة المصريون سيتحولون إلى أكثرية قريباً.. وسننشر الحسينيات بالقوة».
ونظرا لذلك نعيد نشر الحوار كاملا بما في ذلك المقاطع الممنوعة من النشر.
● ما التشيع؟ وهل هو مذهب متفرع عن الإسلام أم هو الإسلام نفسه؟
- التشيع هو الإسلام الأصيل، الذي أرسى أصوله ودعائمه رسول الله صلى الله عليه وآله حين حدّد المرجعية من بعده بالكتاب والعترة وجعلهما خليفتيْن من بعده، كما ورد متواترا في الأحاديث، ومنها ما رواه أحمد بن حنبل وأقرّ الألباني بصحته عن زيد بن ثابت قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء و الأرض؛ وعترتي أهل بيتي. وإنهما لن يتفرّقا حتى يردا عليَّ الحوض».
وليس الشيعة سوى أولئك الذين التزموا بما أمر به رسول الله صلى الله عليه وآله من الانقياد للكتاب والعترة، ورفضوا ما سواهما، سواءً كان الإسرائيليات التي زاحمت الكتاب، أو الحكام والسلاطين الذين زاحموا العترة وأعلنوا أنفسهم خلفاء باطلا. فكل ما عدا هذين مرفوض عند الشيعة لأن النبي صلى الله عليه وآله لم يستخلف غيرهما، وهذا ما يميّز الشيعة عن الطوائف الأخرى المنتسبة إلى الإسلام، التي قبلت تلك الإسرائيليات وقبلت أولئك الحكام فضاع دينها وتلوّث وابتعد عن الأصالة النبوية والشرعية الإسلامية. وقد دفع الشيعة - وما زالوا - الثمن باهظا من أرواحهم ودمائهم وحرياتهم بسبب التزامهم المبدئي هذا، وهم مستعدون لدفع المزيد.
والتشيع إنما نشأ في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله بأمر وتوجيه منه، فإنه حرصاً منه على أن لا يضل المسلمون؛ أمرهم بمشايعة - أي اتباع - ولي عهده ووصيه الشرعي الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما الصلاة والسلام، وضمن الجنة لمن يلتزم بذلك. تشهد بهذه الحقيقة الأحاديث والآثار التي رويناها ورواها مخالفونا على السواء، الناطقة باسم التشيع والشيعة في صدر الإسلام، فمن تلك التي من طرقنا ما أرويه بسندي المعتبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: «الجنة محرمة على الأنبياء حتى أدخلها، ومحرمة على الأمم كلها حتى تدخلها شيعتنا أهل البيت». ومن طرق مخالفينا ما رواه الطبري في تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «أنت يا علي وشيعتك». وقد اعتبر ابن تيمية تفسير الطبري أصحّ التفاسير، ونفى روايته فيه عن المتهمين، وذلك قوله في مجموع الفتاوى: «وأما التفاسير التي في أيدي الناس فأصحها تفسير محمد بن جرير الطبري، فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة، وليس فيه بدعة، ولا ينقل عن المتهمين». وروى الطبراني في المعجم الأوسط عن أبي هريرة حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله قال فيه مخاطبا لعلي عليه السلام: «إني وأنت والحسن والحسين وفاطمة وعقيل وجعفر في الجنة، إخوانا على سرر متقابلين، وأنت معي وشيعتك في الجنة».
إلى غيرها من الأحاديث المستفيضة التي تذكر لفظة (الشيعة) في شتى المصادر لدى مختلف الفرق، وتدل هذه الأحاديث دلالة واضحة على أن المؤسس الأول الحقيقي للتشيع هو خاتم المرسلين صلى الله عليه وآله. ويزيدك اطمئنانا ويقينا بهذه الحقيقة أن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كانوا في حياته معروفين بوصف الشيعة، فقد قال الفخر الرازي في الزينة عن لفظة (الشيعة) ما نصّه: «إن اللفظة اختصت بجماعة ألفوا على حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وعرفوا به، مثل سلمان الفارسي وأبي ذر والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر».
● بعض المخالفين للشيعة يقولون إن مؤسس التشيع شخص يهودي متآمر على الإسلام يُدعى عبدالله بن سبأ؟
- دعوى أن التشيع صنيعة رجل يهودي يُدعى عبد الله بن سبأ أو ابن السوداء، فما تلك إلا أضحوكة على طريقة (رمتني بدائها وانسلّت) روّجها خصوم التشيع لخداع السذج وصرفهم عن الالتفات إلى حقيقة أن غير الشيعة هم الذين أخذوا من اليهود كثيرا من عقائدهم وأحكامهم. ففي الوقت الذي يعترف به مخالفونا بالوجود الحقيقي لشخصية كعب الأحبار اليهودي أستاذ عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة وغيرهم ممن تعتبرهم الطائفة المخالفة سلفاً صالحاً لها؛ ليس لمن سُمي بعبد الله بن سبأ أو ابن السوداء وجود حقيقي بتلك الصورة الأسطورية، فالروايات الطريفة حول هذا الموضوع منقولة عن الكذابين المشهورين بمعاداة التشيع، وليس فيها ما يرقى إلى الصحيح أو المعتبَر، بل هي شخصية اختلقها الحاقدون على التشيّع محاولة منهم لإحلال شخصية يهودية أسطورية محل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في تكوين التشيع وبذر بذرته. وقد اعترف بذلك المنصفون كالأستاذ طه حسين في كتابه (الفتنة الكبرى) فقال ما نصه: «وأقل ما يدل عليه إعراض المؤرخين عن السبئية وعن ابن السوداء في حرب صفين أن أمر السبئية وابن السوداء كان أمرا متكلفا منحولا قد اخترع حين كان الجدال بين الشيعة وغيرهم من الفرق الإسلامية على أشده وأراد خصوم الشيعة أن يدخلوا في أصول هذا المذهب عنصرا يهوديا إمعانا في الكيد لهم والنيل منهم، ولو كان أمر ابن السوداء مستندا إلى أساس من الحق والتاريخ الصحيح لكان من الطبيعي أن يظهر أثره وكيده في هذه الحرب المعقدة المعضلة التي كانت بصفين، ولا كان له أثر في أمر الخوارج. إن ابن السوداء لم يكن إلا وهما وإن وجد بالفعل فلم يكن ذا خطر كالذي صوره المؤرخون وصوروا نشاطه أيام عثمان وفي العام الأول من خلافة علي وإنما هو شخص ادخره خصوم الشيعة للشيعة وحدهم ولم يدخروه للخوارج».
وإن تنزّلنا وافترضنا وجود هذه الشخصية، فإنها لم تكن بذلك الحجم الأسطوري الذي يجعلها صاحبة قدرة خارقة في التأثير على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، وزرع عقيدة التشيع والقول بالوصية في نفوسهم، ثم الثورة على عثمان، ثم تأسيس بنيان عقدي متكامل له أصوله وفروعه! إنما كانت هذه الشخصية - على فرض التنزل بوجودها - مجرد شخصية منحرفة أظهرت الغلو، فعوقبت، كما ورد في بعض مصادرنا، وهذا كل ما في الأمر. ولا أدل على أن هذه الشخصية ليست من رموز التشيع أنك تجد ذكرها في آثار الشيعة متبوعا بالذم والتنديد.
أما شخصية كعب الأحبار اليهودي، فهي محل احترام عند مخالفينا، حتى أن بعضهم يجعل اسمه متبوعا بعبارة (رضي الله عنه)! وهم لا ينكرون أن كبار سلفهم أخذوا عنه العقائد الإسرائيلية.
قال محمود أبو رية في كتابه (أضواء على السنة المحمدية): «ذكر علماء الحديث في باب (رواية الصحابة عن التابعين، أو رواية الأكابر عن الأصاغر) أن أبا هريرة والعبادلة ومعاوية وأنس وغيرهم، قد رووا عن كعب الأحبار اليهودي الذي أظهر الإسلام خداعا وطوى قلبه على يهوديته، ويبدو أن أبا هريرة كان أكثر الصحابة انخداعا به، وثقة فيه، ورواية عنه وعن إخوانه، كما كان أكثرهم رواية للحديث، ويتبين من الاستقراء أن كعب الأحبار قد سلط قوة دهائه على سذاجة أبي هريرة لكي يستحوذ عليه وينيمه ليلقنه كل ما يريد أن يبثه في الدين الإسلامي من خرافات وأوهام، وكان له في ذلك أساليب غريبة، وطرق عجيبة».
● وما مدى صحة ادعاء البعض بأن التشيع صناعة قومية فارسية؟
- هذه أيضا أكثر سخرية من الأولى! فإن الفرس كانوا إلى أكثر من ألف سنة من تاريخ الإسلام من أتباع أبي بكر وعمر! ولم تكد تجد فيهم من أتباع أهل البيت عليهم السلام إلا القليل، ذلك لأن الحواضر الشيعية كانت أساساً في البلاد العربية، كالحجاز، والبحرين، والكوفة، واليمن، وجبل عامل. ثم بعد ذلك دخل هؤلاء الشيعة العرب بلاد العجم بهدف نشر التشيع هناك، فتشيّعت إحدى الأسر الشافعية وهي أسرة صفي الدين الأردبيلي الشافعي، والتي ينحدر منها أول حاكم شيعي لإيران وهو الشاه إسماعيل الصفوي. فكيف صار التشيع صناعة قومية فارسية؟! إن تشيع الفرس حديث قياسا بتشيع العرب، فالعرب سبقوهم بالتشيع نحواً من ألف عام. وإنك لو نظرت إلى أسماء علماء المذاهب، لوجدت أن مخالفي الشيعة فيهم من العلماء العجم ما هو أضعاف ما في الشيعة، فبعد هذا يُقال أن التشيع صناعة قومية فارسية؟! إن البخاري مثلاً عجمي ذو أصل مجوسي، فلماذا لا يُقال أن ما يسمى (التسنن) صناعة قومية فارسية خلال ألف عام؟! لم يمضِ على التشيع في بلاد العجم سوى أقل من خمسمئة عام، فعلى هذا القياس كان ما يسمى (التسنن) أولى بالتهمة من التشيع لأن عمره في تلك البلاد ضعف عمر التشيع!
إن خصوم التشيع حين يعجزون عن مواجهته بالعلم والدليل والبرهان، يلجئون إلى مثل هذه الاتهامات السخيفة التي تغذي العنصرية القومية لتشكيل حاجز بين التشيع وبين الأقوام والشعوب، ولكنها محاولة فاشلة فلا ريب، فهاهو التشيع ينتشر في شتى البلدان على اختلاف قومياتها وأعراقها.
● ما موقف المسلمين الشيعة من أصحاب النبى وزوجاته؟ هل يحترمون جميعهم أم يتبرأون من جميعهم أم يميزون بينهم؟
- الشيعة يميّزون بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وأزواجه، فيحترمون من يستحق الاحترام، ممن لم يحدث ما يخرجه عن حد الإيمان أو العدالة ويبعده عن الجنة، ويذمون من يستحق الذم ممن أحدث. هذا هو المعيار عند الشيعة، وهو معيار شرعي، أخلاقي، علمي. فليس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله سواء، بل قد لا يصح أن نطلق وصف الصحبة على الذي أحدث أو ابتدع أو خان أو أجرم منهم، فإنما الصاحب الحقيقي لرسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي يدخل معه الجنة.
كان سلمان رضوان الله تعالى عليه من أجلّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو المشهود له بأنه من أهل البيت، والذي يجمع المسلمون جميعا على اختلاف طوائفهم أنه من أهل الجنة، ومع ذلك؛ تجده حين جاءه الأشعث وجرير بن عبد الله - كما روى الذهبي في سير أعلام النبلاء – وسألاه: «أنت صاحب رسول الله»؟ يجيب: «لا أدري»! فيرتاب الرجلان، فيقول سلمان: «إنما صاحبه من دخل معه الجنة»!
فما أروعها من كلمة قالها سلمان، لو أدركها المسلمون اليوم لعلموا أن الحق مع الشيعة، فإنهم يقولون أن الصاحب الحقيقي الذي يستحق الاحترام إنما هو ذاك الذي يلحق النبي صلى الله عليه وآله ويدخل معه الجنة، أما غيره فلا.
والذي يمكننا من التمييز بين هؤلاء هو النظر في أعمالهم، وما نطق القرآن والحديث فيهم، فعلى سبيل المثال، إن القرآن الحكيم قد نطق في سورة التحريم بإدانة عائشة وحفصة من فوق سبع سماوات، وذلك بإجماع المسلمين، وذلك قوله تعالى: «إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّـهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا» والصغو من صفات الذين لا يؤمنون بالآخرة لقوله تعالى: «وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ». ولم ينزل قرآن بعدئذ يفيد بتوبة الله تعالى على عائشة وحفصة، أو أنهما رجعتا إلى الإيمان بعد ثبوت صغو قلوبهما عنه، فلذا يستبقي الشيعة الأصل، ويعلنون البراءة من هاتين المرأتين، وإن كانتا زوجتين لسيد الخلق صلى الله عليه وآله، فإن ذلك لا يعصمهما من دخول النار، لقوله تعالى: «ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّـهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ». وعلى هذا المثال فقس.
● ما رأيكم فى لعن وتسقيط رموز أهل السنة المختلف عليها بينهم وبين الشيعة؟ وما موقفكم من الفتوى الشهيرة لأحد رجال الشيعة المعاصرين بتحريم النيل من رموز أهل السنة مطلقاً؟
- الشخصيات المختلف عليها تاريخيا ليست أصلا من أصول الدين ولا فروعه ولا ضرورياته، فالاجتهاد في تقييمها وإبداء النظر فيها مفتوح، وإذا كان من حق من يعتقد بصلاحها أن يعبّر عن احترامه لها بملء فمه؛ فمن حق المسلمين الشيعة التنديد بها إذا اختلف تقييمهم لها ورأوها شخصيات قد أجرمت في حق الإسلام أو في حق سيد الأنام وعترته الطاهرة صلوات الله عليهم، ويبقى الفيصل هو للنقاش العلمي والجدال بالتي هي أحسن، فحكم الإسلام يتسع للجميع، ولا موجب لأن يجبر أحد أحداً على النزول على تقييمه الشخصي لتلك الشخصيات الغابرة، كما لا داعي لتكميم الأفواه ومصادرة حريات الناس في التعبير أو تهديدهم بالقتل والسجن ونحو ذلك مما ولّى زمنه.
إن إعادة قراءة التاريخ وإعادة تقييم شخصياته أمر محبذ فيه صلاح هذه الأمة وتصحيح اعوجاجها، أما غلق هذا الباب بحجة عدم إثارة الحساسيات الطائفية فهو الذي يزيد ضراوتها ويترتّب عليه ضياع هذه الأمة أكثر مما هي ضائعة الآن. لذا فموقف المسلمين الشيعة هو الإصرار على إبقاء هذا الباب مفتوحا على مصراعيه، وذلك كفيل مع مرور الوقت بنزع فتيل التوتر لأن الجميع سيعتاد على اللغة النقدية للشخصيات، وسيدرك عاجلا أم آجلا أن الإسلام أكبر من أن يتوقف أمره على مثل هذه الشخصيات، صعدت أم نزلت.
أما عن الفتوى المشار إليها فنحن لا نعلم فتوى من أحد سوى من علي خامنئي حاكم إيران، وفتواه لا قيمة لها في أوساطنا لأنها صادرة من غير ذي صفة، كون الشخص المذكور ليس مرجعا حائزا على أهلية الإفتاء، وإنما جُعِل في هذا المنصب لدواعي سياسية لا علمية، ولم يعترف أحد باجتهاده أو مرجعيته حسب السياقات الأصيلة المعمول بها في الحوزات العلمية. إنما هو رجل سياسي يعتمر عمّة ليس إلا، والشيعة لا يأخذون فتاواهم من السياسيين، إنما يأخذونها من المراجع الكبار العدول.
● ما رأيكم فى محاولات التقريب بين عقيدة المسلمين الشيعة وعقيدة المسلمين السنة، وهل هذا التقريب ضرورة لتحقيق التعايش بين الطائفتين؟
- نحن لا شك مع التقريب، وذلك يكون بمناقشة المسائل الخلافية للوصول إلى كلمة سواء، فإن لم نصل كفانا الاتفاق على التعايش المشترك والتنمية المشتركة لمجتمعاتنا الإسلامية، وفسح هامش للاختلاف العقدي والفكري في ما بيننا بحيث لا يؤثر سلبا على هذا التعايش وهذه التنمية. لكن الذي نراه الآن تحت مسمى التقريب لا نراه يمت له بصلة، فما هي سوى مؤتمرات مسرحية يجتمع فيها المجتمعون أمام الكاميرات ليجترّوا الكلام المعهود ذاته من قبيل: «ديننا واحد، إلهنا واحد، نبينا واحد، كتابنا واحد، قبلتنا واحدة،.. إلخ» ثم يتعانق المجتمعون ويقبّل بعضهم بعضاً وينفضّ الجمع ويولّون الدبر دون مناقشة قضية خلافية واحدة! فلم نسمع مثلا أن مؤتمرا تقريبيا جاء وناقش المسألة التالية: «أيهما أصح؟ نظرة الشيعة لأبي بكر وعمر وعائشة أم نظرة مخالفيهم»؟ فهذه هي المسألة الخلافية التي تحتاج إلى تقريب في وجهات النظر المختلفة. وإن لم يجسروا على ذلك فليناقشوا مثلاً هذه المسألة: «هل يسع الإسلام من يرفض هذه الشخصيات أم لا بد من قتله وتصفية وجوده؟! وهل يمكن التعايش في ما بيننا مع إعذار بعضنا بعضا»؟! هكذا يكون التقريب الحقيقي، بأن نناقش هذه المسائل الخلافية التي تعصف بنا، لا أن نجتمع ونجامل بعضنا بعضا ثم نعود أدراجنا بلا تحقيق أي تقدم لوقف الصدامات التي تقع في خارج تلك القاعات!
إذا انعقد مثل هذا المؤتمر التقريبي الجدي في القاهرة، فإننا سنكون أول الحاضرين إن شاء الله تعالى. أما هذه المؤتمرات المسرحية التي تنبعث من قاعاتها روائح النفاق والمجاملات والمداهنات، فليس من ورائها طائل.
على أنك إذا أردت الصدق والصراحة، فهذه التي تسميها محاولات تقريبية إنما يدفع باتجاهها طرف واحد، هو النظام الحاكم في إيران وعملاؤه والمتناغمون معه، وهو إنما يقوم بها لأنه يرى حاجته السياسية إليها. إنه يريد تجنيد أنصار له في الخارج يؤثرون على الرأي العام، كحال أي نظام آخر يعاني من اضطرابات داخلية ومواجهات خارجية تقتضي منه أن يلعب لعبة التأثير على الرأي العام الإقليمي والعالمي لإنقاذ نفسه في الأزمات، لذا فهو يعمد إلى دفع المبالغ الطائلة وإغداقها على مثل بعض مشايخ الأزهر ومشايخ الصوفية والمقرئين والكتاب والإعلاميين لكسب هذا التأييد باسم التقريب والوحدة، حتى إذا وقعت إيران في حرب أو اشتد عليها الحصار والتهديد، وقفوا معها وجيّروا شعوبهم لهذا الموقف. والطريف في الأمر أن هؤلاء المتعاملين مع أنهم يقبضون، تراهم بعد برهة يتخلون عن النظام بل وينقلبون عليه، كما حدث مع القرضاوي! فقد كان نصيرا للنظام الإيراني ومشاركا أساسيا في مؤتمراته التقريبية، وقد قبض من النظام الكثير بعنوان «الهدايا»، ثم هو الآن قد انقلب عليه! وهكذا تغدو المحاولات «التقريبية» الإيرانية في هذا السبيل من قبيل (الحب من طرف واحد) فلا زواجا مثمرا له!
● ما معنى التقية؟ وإلى ماذا يستند هذا التشريع؟ وهل ما زال لها حاجة فى عصرنا هذا؟
- التقية هي أن تتقي الضرر بإظهار ما يدفع عن نفسك القتل أو ما أشبه من أضرار اضطراراً، وذلك يكون في الحالات الحرجة. والتقية متأصلة في القرآن الحكيم، وذلك قوله سبحانه: «لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّـهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّـهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّـهِ الْمَصِيرُ» وقوله تعالى: «مَن كَفَرَ بِاللَّـهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّـهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ».
وليست التقية حكما يختص به الشيعة كما قد يظنه الجهلة، بل هو حكم يشترك فيه معهم الآخرون، وقد مارسه علماؤهم أيضاً صراحة. فمثلا يتحدث الشوكاني في كتابه (نيل الأوطار ج9 ص442) عن قصة قيام معاوية بن أبي سفيان باستلحاق زياد بن أبيه وتسميته بزياد بن أبي سفيان لأن أباه أبا سفيان قد زنى بأمه سمية في الجاهلية فأولدها إياه، مخالفا بذلك حكم رسول الله صلى الله عليه وآله: «الولد للفراش وللعاهر الحجر». المهم في الأمر أن المحدثين من أهل العلم المخالفين آنذاك كانوا ينسبون زيادا إلى أبي سفيان مع علمهم بأن هذا حرام في شريعة الإسلام، وما كان ذلك منهم إلا تقية من معاوية وبني أمية! هكذا يقول الشوكاني بالنص في المصدر المذكور: «وقد أجمع أهل العلم في تحريم نسبته إلى أبي سفيان، وما وقع من أهل العلم في زمان بني أمية فإنما هو تقية»!
وعليه، فإذا كانت التقية قد مارسها علماء المخالفين منذ ذلك التاريخ، فلماذا يشنّع بها على الشيعة وحدهم حين يضطرون إليها لحفظ أرواحهم ودمائهم وأعراضهم؟! ماذا تتوقع من الشيعي إذا سُلَّ السيف على رقبته وقيل له: «إما أن تحترم عائشة أو لنقتلنّك»؟ ألا تراه معذورا حينئذ إذا اضطر إلى احترامها تقية وصوناً لدمه؟
على أن للتقية عند الشيعة شروطا، منها أن لا تؤدي إلى الفساد في الدين، وأن لا تتسبب في محق الحق وتقوية الباطل، وأن لا تؤدي إلى إهراق دم آخر، إلى غيرها من شروط. قال الإمام الصادق عليه السلام: «للتقية مواضع، من أزالها عن مواضعها لم تستقم له، وتفسير ما يُتّقى مثل أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم وفعلهم على غير حكم الحق وفعله، فكل شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقية مما لا يؤدي إلى الفساد في الدين فإنه جائز».
واليوم بحمد الله لم يعد الشيعة بحاجة إلى أن يتقوا أحدا، فإن قوتهم ظاهرة، وعزتهم مانعة. ولم يعد مثل بنو أمية يجثمون على صدور المسلمين يسومونهم سوء العذاب حتى يضطر أحد للتقية.
نعم؛ قد يضطر بعض الشيعة في بعض البلاد لكتمان بعض عقائدهم وآرائهم دفعا عن أنفسهم خطر القتل أو الضرر الشديد، فمثلا، لقد كان هناك قانون شُرِّع في الكويت في السنة الماضية يقضي بالإعدام على من يندد بعائشة وأبي بكر وعمر! وقد أبطله أمير البلاد لكنه أبقى على عقوبة مشددة تصل إلى عشرة أعوام سجناً، فمن الطبيعي جدا أن ترى بعض الشيعة هناك يدارون ويتحفّظون عن التعبير بوضوح عن موقفهم من عائشة، والطريف أن الوهابية والمخالفين هناك يتعمّدون أن يسألوا الشيعي عن عقيدته في عائشة وهل أنها من أهل الجنة أم من أهل النار؟ فحين لا يجيب الشيعي أو يجيب بشيء من التورية يصرخ الوهابي أو المخالف: «لا تصدقوه! إنه يكذب عليكم! إنه يعمل بالتقية»! فماذا يفعل الشيعي؟! إذا أجاب بما يعتقد صدر عليه حكم بالإعدام أو السجن! وإذا لم يجب كذبوه! ولهذا نقول بصراحة لمخالفينا وخصومنا: إذا أردتم من كل شيعي في العالم أن يترك التقية ويعبّر عن عقيدته بكل وضوح وصراحة فما عليكم سوى إلغاء تلك القوانين الجائرة حتى لا يشعر الشيعي بأي تهديد حين ينطق بما يراه حقا. هكذا هو الأمر بكل بساطة!
● ما زواج المتعة؟ وهل له أحكام وضوابط كالعدة مثلاً؟ ومن الذى شرعه؟ ولماذا يرفضه أهل السنة؟
- زواج المتعة هو الزواج المؤقت المحدد بأجل ينقضي بانقضائه، وقد أحلّه رسول الله صلى الله عليه وآله ومارسه «الصحابة والصحابيات» بإجماع المسلمين، وهذا ثابت في البخاري ومسلم.
روى البخاري في باب ما يكره من التبتّل والخصاء من كتاب النكاح وروى مسلم في باب نكاح المتعة من كتاب النكاح عن عبد الله قال: «كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء، فقلنا: ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك، فرخّص لنا بعد ذلك أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ علينا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّـهُ لَكُمْ».
وهذا الحديث يثبت أن نكاح المتعة إنما هو من الطيبات، فليس هو زنا كما يقوله من لا يخافون الله تعالى. كما يثبت هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله أحلّه واستشهد بالآية الشريفة لمنع تحريمه، وحلاله حلال للأبد.
وقد مارس «الصحابة والصحابيات» هذا النوع من النكاح بلا حرج، وهذا ثابت في صحيح مسلم بسنده عن جابر بن عبد الله قال: «كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث».
وهذا الحديث يثبت أن «الصحابة والصحابيات» كانوا يتمتعون بهذا النكاح لبضع أيام، ويجعلون المهر زهيدا حتى أنه لم يكن يتجاوز قبضة من تمر أو دقيق، وكان كل ذلك بمرأى من سيد المرسلين صلى الله عليه وآله، واستمر الأمر على هذا المنوال إلى زمان حكومة أبي بكر بن أبي قحافة، ثم نهى عنه عمر في قضية خاصة تتعلق بعمرو بن حريث.
وهنا وقع الخلاف بيننا وبين مخالفينا، ففي حين خضع المخالفون لحكم عمر، أصر الشيعة على أن لا يخضعوا إلا لحكم رسول الله صلى الله عليه وآله، لأن حلاله حلال للأبد، وحرامه حرام للأبد، وليس لعمر ولا لغيره الحق في تحريم ما أحلّه الله ورسوله صلى الله عليه وآله.
فإن قيل: إن هذا الحكم قد نُسخ. قلنا: لم يثبت ذلك، فإجماع أهل البيت عليهم السلام أنه باقٍ ولم يُنسخ، وهم أعرف بشريعة جدهم صلى الله عليه وآله، وروايات المخالفين في نسخه متضاربة مما يؤكد أنها موضوعة لأجل تصحيح ما فعله عمر من عند نفسه. ثم إن علم أصول الفقه يقضي في مثل هذا المورد من الشك بأصالة عدم النسخ، واستصحاب حكم حلية هذا الزواج.
وإن قيل: كيف نقبل على أخواتنا وبناتنا هذا؟ وهل هو إلا منافٍ للمروءة والغيرة؟ قلنا: كما قبل «الصحابة» على بناتهم وأخواتهم «الصحابيات» هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، ولم يُرَ في ذلك عيب أو منافاة للمروءة والغيرة، ولم توجّه سهام الطعن إلى آباء أو إخوان تلكم «الصحابيات» اللاتي تمتّعن بأن كيف قبلتم على بناتكم أو أخواتكم هذا النكاح. بل لقد كانت بعض «الصحابيات» يسعين في ذلك، كما رواه الطبري في تهذيب الآثار عن أم عبد الله ابنة أبي حثمة: «أن رجلاً قدم من الشام فنزل عليها فقال: إن العزبة قد اشتدت عليَّ، فابغيني امرأة أتمتع معها. قالت: فدللته على امرأة. فشارطها، وأشهدوا على ذلك عدولا، فمكث معها ما شاء الله أن يمكث، ثم إنه خرج، فأُخبر عن ذلك عمر بن الخطاب فأرسل إليَّ فسألني: أحقٌّ ما حُدِّثت؟ قلت: نعم. قال: فإذا قدم فآذنيني به. فلما قدم أخبرته فأرسل إليه، فقال: ما حملك على الذي فعلتَه؟ قال: فعلته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم ينهنا حتى قبضه الله، ثم مع أبي بكر، فلم ينهنا حتى قبضه الله، ثم معك، فلم تُحدِث لنا فيه نهيا. فقال عمر: أما والذي نفسي بيده لو كنت تقدمتُ في نهي لرجمتك! بيّنوا حتى يُعرف النكاح من السفاح».
وهذا الحديث يثبت أن هذه «الصحابية» لم تكن ترى عيبا في أن تدل رجلا آخر من «الصحابة» على امرأة أخرى من «الصحابيات» يتزوّجها هذا النوع من الزواج. وأما تهديد عمر الرجل بالرجم مع أنه لم يفعل إلا ما أحلّه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله؛ فلا عبرة فيه. وليس أحدٌ أغيَرُ من رسول الله صلى الله عليه وآله، فلو كان هذا الزواج عيباً لما أحلّه ولما رخًّص فيه.
وينبغي أن يُلاحَظ أن الشيعة ليسوا وحدهم من يحلّون هذا الزواج، فقد أحلّه بعض كبار علماء مخالفيهم، كمالك بن أنس إمام المالكية في إحدى قوليه. قال الزيعلي ناقلا قول مالك في مسألة زواج المتعة: «هو جائز، لأنه كان مشروعاً، فيبقى إلى أن يظهر ناسخه». ونسب هذا القول إلى مالك السرخسي في المبسوط، والتفتازاني في شرح المقاصد، والعسقلاني في فتح الباري. كما روي عن أحمد بن حنبل إمام الحنابلة إباحة المتعة حال الضرورة اقتداء بالصحابة. قال ابن كثير في تفسيره متحدثا عن المتعة: «قد روي عن ابن عباس وطائفة من الصحابة إباحتها للضرورة، وهو رواية عن الإمام أحمد».
ومن أبرز من أفتوا بجواز زواج المتعة وزير الأوقاف المصري الأسبق الشيخ أحمد حسن الباقوري أحد كبار علماء الأزهر وأستاذ أجيال من علمائه، والمرشد الأسبق لما يسمى (حركة الإخوان المسلمين)، فقد قال في كتابه (مع القرآن) ص179 ما نصّه: «وبهذا النظر تخيّرنا القول باباحة هذا النوع من الزواج، وارتأينا ما يراه فقهاء أهل البيت من مشروعيته مشروعية دائمة غير منسوخة؛ فإنهم في هذا - رضي الله عنهم - كانوا من سعة الافق وبعد النظر، بحيث لايملك المسلم المنصف الا أن يسلك طريقهم، ويأخذ برأيهم ايثاراً للحق، وابتغاء لصالح المسلمين».
إن هذا الزواج يحلّ مشكلة اجتماعية كبيرة، خاصة بالنسبة للأرامل والمطلقات اللاتي لا يجدن زوجا دائما، وقد شرع الله سبحانه هذا الزواج لأجل القضاء على الانحراف، فلا تلجأ تلك النسوة للبغاء، كما لا يلجأ الرجال للزنا. وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام منددا بما فعله عمر كما رواه الطبري في تفسيره: «لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي». وها أنتم ترون اليوم تفشي الزنا في المجتمع بسبب المنع من هذا الزواج الذي هو على سنة الله ورسوله صلى الله عليه وآله.
وينبغي الالتفات إلى أن شروط زواج المتعة هي كشروط الزواج الدائم، فلا يصح على المشهور الزواج بفتاة باكر دون إذن من وليها، كما لا بد من تحديد المهر والمدة، ثم إذا انقضت أو وهب الزوج باقي المدة إلى زوجته المتمتع بها فعليها أن تعتد بعدة الزواج، أما إن توفي عنها فعليها أن تعتد بعدة الوفاة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام، وما يولد للزوجين بزواج المتعة هو ولد شرعي يرث منهما ويرثان منه.
وهكذا فإن هذا الزواج يؤطر العلاقات الجسدية بإطار من الشرع ويضبطها بضابط من الطهر والعفاف، فلا تختلط الأنساب ولا ينكح رجل امرأة حراماً، ويُقضى بذلك أيضا على جميع الممارسات الشاذة وينقى المجتمع من اللوث الأخلاقي، لأن هذا الزواج يكون مقنّناً ومشهوداً.
● هل الممارسات المعروفة عند المسلمين الشيعة في عاشوراء راجحة شرعا؟ وما الحكمة من هذه الممارسات؟
- نعم هي راجحة شرعا، فأدناها هو البكاء على سبط رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو مشروع إجماعاً، فإنه رحمة. وأشدّها هو الجزع بإلإدماء، وهو نوع من أنواع الحجامة التي دعا إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وحثّ عليها في أحاديث روتها الخاصة و العامة، مضافاً إلى ما فيه من المواساة واستذكار آلام أهل بيت النبوة عليهم السلام في كربلاء، وتدريب النفس على التحلي بالشجاعة وطرد الخوف، وهذه المقاصد مطلوبة شرعاً.
وعلة الإصرار على ممارسة هذه الشعائر هي التي بيّنها مفتي حلب الأسبق قاضي القضاة الشيخ محمد مرعي الأمين الأنطاكي، وهو أزهري شافعي، كان قد تخرّج على الشيخ مصطفى المراغي والشيخ محمد أبو طه المهني وغيرهما من مشايخ الأزهر الكبار، لكنه في خاتمة أمره آمن بالتشيّع. يقول في كتابه (لماذا اخترت مذهب أهل البيت؟) ص471: «ولا أدري لماذا تنقمون على الشيعة بإقامتهم التعازي على شهيد الحق والإنسانية، الإمام ابن الإمام، حفيد الرسول صلى الله عليه وآله، وسلالة الزهراء البتول، سيد الشهداء، الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام في مصابه العظيم الذي زلزلت له أظلة العرش مع أظلة الخلائق، والحادثة المروعة التي لم يسبقها في العالم الإسلامي، ولا في غيره سابق، ولا يلحقها لاحق إذ أنه جلل عم خطبه العظيم جميع الأمة الإسلامية حتى الجن والطير والوحش، راجع كتب (المقاتل) تعرف. وبعضكم يعترض على الشيعة بأن الحسين عليه السلام قتل منذ زمن بعيد يربو على 13 قرنا فأي فائدة في البكاء عليه، واللطم على الصدور، والضرب بالسلاسل بحيث يسيل الدم! فاعلموا إن عمل الشيعة هذا هو عين الصواب، أولا: لو أنهم لم يستمروا على إقامة ذكرى سيد الشهداء لأنكرتموه كما أنكرتم يوم الغدير وحديثه المشهور المعترف به المؤلف والمخالف، فرواه أكثر من مائة وثمانين صحابيا، فيهم البدري وغير البدري، ومن التابعين أكثر فأكثر، فالشيعة لم يأتوا بشيء إذن.
ثانيا: الشيعة اقتفوا أثر أئمتهم في ذكرى أبي عبد الله الحسين عليه السلام، فلو وقفتم على كتب الشيعة، لما أوردتم عليهم نقدا (...) ثم أيها الإخوان إن الشيعة مقتدون بسلفهم الصالح إذ جاء في حديث معتبر مأثور أن عليا زين العابدين بن الحسين عليه السلام لما عاد من أسره هو ومن معه من أسارى أهل البيت عليه السلام من دمشق، جعلوا طريقهم على العراق، ولما وصلوا كربلاء أخذ هو ومن معه في البكاء يندبون الحسين عليه السلام.
فأي بأس على الشيعة في أمثال هذه الأعمال المقدسة المحبوبة عند الله ورسوله والصفوة من آله؟
لكن البأس كل البأس، والنقد الشديد موجه عليكم، وهو إنكم أخذتم ببدعة يزيد بن معاوية الطليق ابن الطليق، إذ أنه جعل في كل سنة في العشر الأول من المحرم عيدا يقيم فيه الأفراح، وينصب الزينة، وتقام المهرجانات، ويسميه عيد النصر والفوز!
وأشفعه ببدعة أخرى تدل على خسته ودناءته! فإنه قد أتى بمومسة تشبه في صفتها جدته (هند بنت عتبة) فيجمع الأخساء من بني شجرته الملعونة، ويأتي بآلة الطرب والخمر، وكل ما يلزمه من الأشياء، وتعزف الموسيقى، وتقوم تلك المرأة ذات العهر والفجور للرقص!
فأي الفريقين أحق بالأمن يا مسلمون؟! فدعوا الشيعة وشأنهم، فإنهم هم الفرقة التي عناها رسول الله صلى الله عليه وآله من الثلاث والسبعين فرقة، لذلك اعتنقنا هذا المذهب الشريف، وتركنا المذهب السني».
وللعلم فإن هذه الشعائر المقدسة كانت تجري في القاهرة عند مسجد الإمام الحسين عليه السلام بشكل طبيعي وتلقائي، وبلا قمع أو اضطهاد، كما ذكره الأديب المصري الشهير زكي مبارك المتوفى سنة 1952. ذكر ذلك في كتابه (المدائح النبوية) حيث قال: «كانت عادة النوح على الحسين في يوم عاشوراء تجري في القاهرة إلى زمن قريب، وكنت أسمع بأخبار ذلك وأنا طالبٌ بالأزهر فلا أصدّق، لأني كنت أقضي يوم عاشوراء بين أهلي في الريف، فبقيت في القاهرة عمداً في أحد الأعوام ورأيت الموكب بعيني، وكان الشيعة يطوفون حول مسجد الحسين رضي الله عنه وأجسامهم مخضبة بالدماء».
فإذا كان الشيعة المصريون حتى ذلك العهد يقومون بشعائرهم المجيدة هذه في القاهرة، فإن ذلك يعني أن هذه الشعائر لم تكن تمثل مشكلة اجتماعية، ولم تسبّب مشكلة لأحد، فلماذا يخاف منها اليوم دعاة السلفية والوهابية وأمثالهم من المتخلفين حتى ملأوا الدنيا صراخاً وفزعاً من عودة هذه المظاهر للقاهرة؟
إن من حق الشيعة المصريين ممارسة جميع شعائرهم بحرية في بلادهم، وليس لأحد الحق في منعهم من ذلك، ومن يمنعهم بالإرهاب أو القوة سنضطر إلى إرغام أنفه بالقوة، فحق الإنسان في التعبّد بشعائره الدينية والدفاع عنها حق مقدس كفلته جميع المواثيق والأعراف الإنسانية.
● ما تفسيركم لتحذير علماء أهل السنة المستمر للناس من الانفتاح على الفكر الشيعي والاطلاع عليه؟
- لأن هؤلاء يعلمون مدى قوة الفكر الشيعي وضعف الفكر المخالف، وأن القبول بانفتاح المجتمعات على الفكر الشيعي يعني كتابة شهادة الوفاة للفكر المخالف، فما هي إلا سنوات إلا ويتحوّل الجميع إلى التشيع لما يرونه فيه من نور الحق وسلامة الفطرة ورجاحة العقل ونبل الأخلاق.
هذا هو سر الرعب من انفتاح المجتمعات على الشيعة والتشيع، وهذا هو سر القلق من أي تواصل ثقافي أو حضاري مع المجتمعات الشيعية.
إنهم لا يرتعبون من أهل الكتاب، لأن أي مسلم لديه أقل إلمام بالخطوط العريضة لدينه يكون محصّنا من عقيدة الكتابيين وفكرهم، فعقيدة وفكر أهل الكتاب لا جاذبية فيه مطلقا، وما هو إلا ركام من الهوس الغنوصي واللاعقلانيات. أما التشيع ففيه من الجاذبية ما يأسر الإنسان، وما ذلك إلا لأنه دين الله الحق، دين الإسلام بأصالته وروعته وجماله.
إن المعادين للتشيع يقودون معركة خاسرة ضده، لأن سلاحهم في مواجهته هو سلاح سن القوانين وإصدار القرارات الجائرة التي تحاول حجبه عن أعين وأسماع الناس، وصولا لحجبه عن قولهم. إن هذا السلاح فاقد للقيمة الآن، فالثورة المعلوماتية كسرت كل القوانين والقرارات الجائرة، ونسفت كل الحواجز، واستطاعت جميع الأيديولوجيات أن تقفز على كل سواتر المنع والحظر. لذا فإن من ينتصر ويبقى هو الأقوى عقيدة وفكراً فقط. ولأن المعادين للتشيع يعلمون أنهم الأضعف، فإنهم الآن يحاولون جاهدين مواجهة التشيع بالأسلحة القديمة غير ذات الجدوى.
نحن مثلا من جانبنا نرحب أيما ترحيب بكل مخالف لنا في أن يأتي لبلادنا ويطرح كل ما في جعبته. ليأتِ لنا مشايخ الأزهر مثلا وليتحدثوا بكل حرية عن دينهم ومذهبهم، وليدعوا أبناء الشيعة إليه في عواصمهم! لا مشكلة لدينا على الإطلاق في هذا، لماذا؟ لأننا واثقون من أنه لن يكون لذلك تأثير يُذكر على أبنائنا، فالقوي لا يتأثر بالضعيف. أما العكس فهو واضح، وهذا يفسّر سبب كل هذا الرعب لدى مشايخ الأزهر من مجرد التواجد الشيعي في مصر.
● ما ردكم على ادعاء بعض علماء أهل السنة بأن المسلمين الشيعة يستحلون دماء أهل السنة وأن المسلمين الشيعة يقتلون أهل السنة في العراق والأهواز وسوريا والبحرين وغيرها؟
- ما تلك إلا أكذوبة يخدع بها هؤلاء الكذابون أقوامهم، فإننا لا نعرف فقيها من فقهاء الشيعة أفتى بجواز قتل المخالفين مطلقا. أما الحوادث الدموية الطائفية التي جرت في العراق، أو تجري في سورية، أو باكستان، فهي حوادث متبادلة في سياقات مواجهات أهلية تشتد حينا وتضعف حينا آخر كما هو معلوم، وكل من لديه أدنى حد من الإنصاف يعلم أن المبغي عليه والمعتدى عليه هم الشيعة، وأن غيرهم كان هو البادئ. إنك لا تسمع أبدا بتفجير انتحاري قاده شيعي في وسط مجتمع غير شيعي، لكنك تسمع دائما عن التفجيرات الانتحارية في أوساط الشيعة. فماذا يعني هذا؟ إننا لا نطلب سوى قليل من الإنصاف.
ومع ذلك، فإننا لا نقبل بكل هذه الحوادث، ولا نقبل بأن يقتل أحدنا الآخر، وحرمة دم المسلم عندنا حرمة مقدسة، سواءً كان شيعيا أم لم يكن. إن لنا أن نخطّئ غير الشيعي، أو نضلّله، أو نكفّره، لكننا أبدا لا نبيح دمه، فكل من يتشهّد الشهادتين عندنا فهو مسلم في الحكم، له ما للمسلمين، وعليه ما على المسلمين. وإذا ظلم شيعي أحداً غير شيعي فإنك ستجدنا أول من يقف بوجهه. وأنا شخصيا لا أرضى أبداً بأن يُعتدى على البكريين، فهم أهلنا وإخواننا وجيراننا، وإني صاحب المقولة المشهورة: «من آذى بكريا فقد آذاني».
● هل لمصر مكانة عند المسلمين الشيعة؟ وهل هناك علاقة بين انتشار التشيع في مصر وبين ظهور الإمام المهدي؟
- نعم إن لها مكانة، وأية مكانة. إن لمصر في قلوبنا حبا جما، فمنها اتخذ نبينا وأئمتنا صلوات الله عليهم خيرة النساء الطاهرات للاقتران بهن، ومنها نجب النجباء من أنصار أهل البيت وشيعتهم. وأهل مصر هم أهل الخير الذين ثاروا على طغيان عثمان بن عفان وبني أمية، بينما كان أهل الشام حينذاك من أنصاره وأنصارهم، ولذا نجد أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليهما السلام يقول كما رواه الثقفي: «إن مصر أعظم من الشام خيرا، وخيرٌ أهلا».
ونحن نستقرئ من مجمل الآثار الشريفة وفحواها أن لأهل مصر دورا أساسيا في ظهور الإمام المهدي من آل محمد صلوات الله عليهم. وما تشهده مصر اليوم من انتشار هائل للتشيع هو مما يبعث على التفاؤل بقرب ظهور الإمام المهدي صلوات الله عليه وعجل الله فرجه الشريف.
● هل تؤيدون مطالبات الشيعة المصريين المستمرة بالسماح لهم ببناء مساجد وحسينيات خاصة بهم؟ وما هي نصيحتكم للشيعة المصريين؟
- نعم نؤيد وندعم، فالشيعة المصريون هم مصريون أولا وآخرا، فكيف يُحرمون من حقوقهم في عبادة الله تعالى حسب عقيدتهم ومذهبهم؟! وعلى أي سند من شرع أو قانون أو عرف يُصادَر منهم هذا الحق؟!
إن نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله لم يمنع اليهود في المدينة المنورة من أن يتعبّدوا حسب شريعتهم مع أنهم كانوا يطعنون عليه ويكذبونه، وقد كانت لهم دور عبادتهم الخاصة بهم. وإمامنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه لم يمنع الخوارج في الكوفة من أن يتعبّدوا حسب مذهبهم مع أنهم كانوا يطعنون عليه ويكفرونه، وقد كانت لهم مساجدهم الخاصة بهم. هذا هو الإسلام في سيرته المشرقة، فالذين يحاولون اليوم حرمان أحد من المسلمين - أيّاً كان مذهبه - من التعبد طبقا لشعائره بحجة أنه يطعن على الغير من رموز مذاهب أخرى؛ هؤلاء هم بلا أدنى شك بعيدون تماما عن روح الإسلام وسيرته المشرقة وسعة رحابته. فليكن الشيعة طعّانين على أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وأضرابهم، فإن ذلك لا يسلب منهم شرعا الحق في التعبّد حسب شعائرهم في ديار الإسلام، على أن طعنهم على هؤلاء إنما لهم الحجة فيه لثبوت نفاقهم وإحداثهم، وهم في ذلك يتبعون توجيهات القرآن والعترة.
إذا لم يكن يريد المناوئون أن تكون للشيعة في مصر مساجدهم الخاصة بهم؛ فعليهم بأن يفتحوا أبواب المساجد القائمة حاليا لهم، وأن يسمحوا لهم فيها بإقامة صلاة الجماعة والخطب والدروس والشعائر الإسلامية الشيعية المختلفة. حينذاك قد لا يجد الشيعة ضرورة إلى تأسيس مساجد خاصة بهم، أما وهم ممنوعون من التعبد في المساجد القائمة حاليا، فإنهم مضطرون إلى تأسيس مساجد خاصة بهم، فمن يمنعهم من هذه أيضا يكون متجاوزا للحد، ولا بد حينئذ من تأديبه. وسيفعل الشيعة عاجلا أم آجلا، وستُرى المساجد الشيعية تملأ مصر إن شاء الله تعالى بالنور والإيمان والدعوة لأهل بيت المصطفى صلوات الله عليهم أجمعين.
إن الشيعة في مصر اليوم يتجاوز عددهم خمسة ملايين بحسب تصريح الدكتور سعد الدين إبراهيم مدير مركز ابن خلدون لحقوق الإنسان، هذا يعني أن المواطنين الشيعة المصريين وحدهم أكثر من مواطني الكويت والبحرين وقطر والإمارات وعمان مجتمعين بمن فيهم الشيعة وغيرهم!
إنه شعب شيعي كامل يعيش داخل مصر ولا يوجد له مسجد واحد فيما لليهود والنصارى معابدهم! فأية عين لا ترى ذلك اضطهادا إلا أن تكون عوراء؟!
يوما ما سيغدو الشيعة هم الأكثرية في مصر، فهل ستقبل الأقلية حينئذ بأن يعاملهم الشيعة بالمثل؟! متى سيفهم خصوم التشيع أن الأيام دول، وأنك كما تدين تدان؟!
أما النصيحة التي نوجهها للشيعة المصريين فهي أن يتكتلوا جيدا ليشاركوا في صياغة واقع جديد لمصر المحروسة يقوم على مبادئ الخير والعدالة واحترام حقوق الإنسان، وأن يقابلوا الإساءة بالإحسان ما استطاعوا مع عوام الناس، أما أئمة الإرهاب الفكري من السلفية والوهابية والإخوانية الذين مازالوا يهددون الشيعة وكل من يخالفهم بصنوف التهديدات؛ فعلى الشيعة أن يصفعوهم ولا يخافوهم، فهم أجبن وأحقر من أن يشكلوا تهديدا حقيقيا للشيعة الأبطال.
على الشيعة أن يُظهروا أنفسهم على السطح بلا خوف، وأن يؤمنوا بمقولة الإمام السادس من أئمة أهل البيت جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام: «من خاف الله أخاف الله منه كل شيء»، وكذلك عليهم أن يطبقوا وصية الإمام السابع من أئمة أهل البيت موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام: «قل الحق وإن كان فيه هلاكك فإن فيه نجاتك».
● ما هي حدود الحرية المطلوبة للمسلمين الشيعة في مصر؟ وهل هذه الحرية تشمل حرية الدعوة للتشيع؟
- لا يطلب الشيعة في مصر سوى العدالة والمساواة، فما يُتاح لغير الشيعي مطلوب أن يُتاح للشيعي كذلك. هذا فقط.
غير الشيعي له الحق في أن يبني مسجدا يتعبّد فيه ويخطب فيه ويمارس فيه شعائره، فالشيعي كذلك.
غير الشيعي له الحق في أن يؤسس قناة فضائية يدعو فيها إلى مذهبه، فالشيعي كذلك.
غير الشيعي له الحق في أن يؤلف كتابا ويطبعه وينشره حسب رؤيته الدينية، فالشيعي كذلك.
غير الشيعي له الحق في أن يؤسس جمعية أو حزبا، فالشيعي كذلك.
غير الشيعي له الحق في أن يدعو إلى مذهبه وإن كان بنقد العقائد والرموز الشيعية، فالشيعي كذلك له الحق في أن يدعو إلى مذهبه وإن كان بنقد العقائد والرموز غير الشيعية.
الأمر بهذه البساطة، وهو أن يعامَل جميع المواطنين سواسية أمام الدستور والقانون، كما هو الحال في الدول المتقدمة والمتحضرة، فهل في هذا كارثة؟!
إن الذين يصرخون اليوم داخل مصر منادين بمنع الشيعة من هذه الحقوق خوفا من انتشار المد الشيعي؛ إنما يصرخون لفقدانهم الثقة في صلابة مذهبهم أمام القوة الإقناعية الشيعية. كأنهم يعترفون قائلين: «مذهبنا ضعيف، ركيك، لا يمكنه الصمود أمام قوة الشيعة»!
ما أغباهم! إن الرعب الشديد الذي يظهرونه من الشيعة والتشيع هو عبارة أخرى عن اعترافهم بضعف عقيدتهم ومذهبهم! فالقوي لا يخاف الضعيف، إنما الضعيف يخاف القوي.
هل وجدتم يوما أن أحدا من الشيعة يصرخ من «المد السني» مثلا؟! كلا! أبداً! لماذا؟ لأن الشيعة على يقين من أنهم على الحق، واثقون من صلابة عقيدتهم ومذهبهم، وأن جميع حملات ومحاولات التأثير على أبناء الشيعة لصرفهم عن عقيدة آل محمد – صلوات الله عليهم – ستبوء بالفشل، كما باءت عبر التأريخ، رغم ما رُصدت لها من ميزانيات، ورغم ما رافقها من ترغيب، أو ترهيب.
لقد كانت هنالك امبراطوريات عالمية تحاول القضاء على التشيع، كالامبراطورية الأموية، والامبراطورية العباسية، والامبراطورية العثمانية. أنهار من الدماء الشيعية الطاهرة أهريقت في مجازر وحشية جماعية عبر التأريخ، وجبال من الذهب والفضة وُزِّعت على مشايخ ودعاة وقصاصين من أجل اختراق الشيعة والتأثير على أبنائهم ليتركوا عقيدتهم ومذهبهم، لكن ذلك كله لم يقضِ على التشيع، بل زاده قوة وانتشارا!
التاريخ يعيد نفسه، فاليوم في مصر، بدلا من أن يتدارك خصوم الشيعة أنفسهم ويُظهروا أنفسهم ولو لمرة واحدة في التاريخ أنهم مستعدون لمقابلة الحجة بالحجة، ومواجهة الفكر بالفكر؛ تراهم يمارسون الخطة الغبية ذاتها في مواجهة التشيع: إشاعة الفزع والرعب! الصراخ! التحريض! التهديد!
فمثلاً؛ شخص امتلأ بلاهة امتلاء جسمه بالشحوم والدهون كمنتصر الزيات، لا يجد حرجا من أن يقول: «أي شخص شيعي سيدعو للتشيع داخل مصر فسوف أقوم بنفسي بفصل رأسه عن جسده»! هكذا يتحدث هذا الأخرق بمثل هذه اللغة الإرهابية مع أنه يفترض به كمحامٍ أن يتحدث بلغة القانون! ولكن أنّى له ذلك وهو صاحب السجل الحافل بالدفاع عن الجماعات الإرهابية؟!
هل يظن منتصر الزيات أنه بمثل هذه التهديد الأجوف قد أرعب الشيعة؟! أم هل يظن أنه بذلك يوقف المد الشيعي في مصر؟! كلا! إنه في الواقع يخدم الشيعة والتشيع! فالمواطن المصري الشريف تشمئز نفسه من هذه اللغة الإرهابية، وتنجذب نفسه في المقابل للغة الشيعة، إذ يجدها لغة تفيض عزة وشموخا وعقلانية ورحمة وإنسانية. ليس في قاموس الشيعة إرهاب، أو تحريض على تصفية الآخر، أو تهديد لمن يدعو إلى ما يخالف التشيع بالقتل أو التعذيب أو السجن. فحين يقارن الإنسان بين هذين المنهجين، والقاموسين، واللغتين، فإنه بلا شك يقترب أكثر فأكثر من اعتناق التشيع رغم كل هذا الفزع والصراخ والصياح والتهديد والوعيد!
سيصحو يوما منتصر الزيات ويجد ابنه قد تشيّع! فإن لم يجده ابنه فسيجده حفيده! وهكذا يحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون! إنها مسألة وقت فقط، والتاريخ بيننا!
● ما هي الأدلة الشرعية التي تجيز لعن أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم؟
- الأدلة كثيرة لا يمكن تعدادها، فنكتفي بهذا الدليل على سبيل المثال، وما أراد الاستزادة فعليه بالبحث:
أخرج الخرائطي في مساوئ الأخلاق (برقم: 180) والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة (برقم: 1547) بسند صحيح صحّحه الألباني (برقم: 2608) عن أنس بن مالك قال: «كانت العرب تخدم بعضها بعضا في الأسفار، وكان مع أبي بكر وعمر رجل يخدمهما فناما، فاستيقظا لم يهيئ لهما طعاما، فقال أحدهما لصاحبه: إن هذا ليوائم نوم نبيكم! فأيقظاه، فقالا: ائت رسول الله فقل له: إن أبا بكر وعمر يقرئانك السلام، وهما يستأدمانك، فقال: أقرئهما السلام وأخبرهما أنهما قد ائتدما! ففزعا! فجاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله، بعثنا إليك نستأدمك فقلت: قد ائتدما، فبأي شيء ائتدمنا؟ قال: بلحم أخيكما! والذي نفسي بيده؛ إني لأرى لحمه بين أنيابكما! قالا: فاستغفر لنا. قال: هو فليستغفر لكما»!
إن هذا الحديث يثبت أن هذين الرجلين قد سخرا من نوم رسول الله صلى الله عليه وآله حتى شبّها صاحبهما بأنه نام نوما عميقا كنومه صلى الله عليه وآله فلم يستيقظ ويهيئ لهما طعاما! ومن يسخر من النبي صلى الله عليه وآله وحالاته مستحق للعنة بلا إشكال.
ومن جهة أخرى فإن هذا الحديث يثبت نفاق الرجلين، لأن البخاري في الأدب المفرد قد أخرج حديثا (برقم: 732) بسنده عن جابر قال: «هاجت ريح منتنة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ناسا من المنافقين قد اغتابوا أناسا من المسلمين فبُعثت هذه الريح لذلك». وعليه فاغتيابهما لأخيهما وأكلهما لحمه بين أنيابهما في تلك الواقعة يثبت كونهما من المنافقين، خاصة مع امتناع النبي صلى الله عليه وآله من الاستغفار لهما، وسكوت الحديث عن تحقق استغفار من اغتاباه. والمنافق مستحق للعنة كذلك بلا إشكال في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله.
والشيء بالشيء يُذكر، فإن مما يؤكد نفاق عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله قد امتنع من الشهادة لها بالإيمان، وقال لأبيها: «وما يدريك أمؤمنة هي أم لا»؟ وذلك في الحديث الذي أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (برقم: 1148) أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعائشة: «أطعمينا. قالت: ليس عندنا طعام! فقال: أطعمينا يا عائشة. قالت: والله ما عندنا طعام! فقال أبو بكر: يا رسول الله, إن المرأة المؤمنة لا تحلف بالله إنه ليس عندها طعام وهو عندها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يدريك أمؤمنة هي أم لا»؟!
● كتب السنة ورد بها كثير من فضائل أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة في حين أنكم تستشهدون بروايات يراها السنة صادمة وغير صحيحة ولا يعترفون بها، فهل تعطيني أمثلة على صحة رواياتكم من الموجود في كتب السنة أو القرآن ان أمكن؟
- تلك فضائل مخترعة مكذوبة لا أصل لها، تصادم الكتاب حينا، والحديث الثابت حينا آخر، والعقل حينا ثالثا، والتاريخ حينا رابعا، والتحقيق العلمي حينا خامسا. فعلى سبيل المثال:
روى البخاري بسنده عن أبي موسى الأشعري قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كَمُل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران. وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام»!
والتحقيق العلمي يأبى قبول هذا الحديث ويحكم ببطلانه، وذلك من وجوه منها:
الوجه الأول؛ أن الحديث رُويَ عن أبي موسى الأشعري بغير هذه الزيادة، أعني قوله: «وإن فضل عائشة..» إلى آخره، بل مقتصراً على قوله: «كَمُل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون» كما رواه أحمد بن حنبل في الفضائل. وهذا يرجّح أن تكون هذه الزيادة مختلقَةً مُضافةً على أصل الحديث.
الوجه الثاني؛ أن الحديث رُويَ عن أبي موسى الأشعري بغير هذا اللفظ، بل بلفظ مقاربٍ لحديث نساء أهل الجنة الأربع ثم وردت فيه الزيادة محلّ البحث، وذلك قوله: «كَمُلَ من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع: آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد. وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» كما رواه الطبراني وأبو نعيم والثعلبي وغيرهم. وهذا يرجّح وقوع تصرّف في أصل الحديث حيث حُذِف منه اسما خديجة وفاطمة (عليهما السلام) ثم جيء بزيادة اسم عائشة. ثم الحديث الأخير بهذه الصيغة متضعضع، إذ قد جعل الاستثناء من النقص لأربعٍ من النساء عدّدهنّ وذكرهنّ، فأي وجهٍ لذكر عائشة بعدهنّ وهي خارجةٌ عن هذا العدد والوصف؟! أعني عدد الأربع ووصف الكمال والاستثناء من النقص، فليس ثمة سنخية بين مقطعيْ الحديث. ولو رجعنا لتطبيق الموافقة إلى الحديث المشهور في سيدات نساء الجنة الأربع لكان مورد الاطمئنان ههنا ثبوت نصّ الحديث مقتصراً عليهنّ، وأن ما جاء في ذكر عائشة إنما هو زيادة منحولة.
الوجه الثالث؛ أن حديث الثريد هذا وجدناه مروياً عن عائشة نفسها! وذلك ما رواه أحمد بن حنبل والنسائي وابن راهويه وغيرهم عن أبي سلمة عن عائشة قالت: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام»! وهذا يومئ إلى أنه كان بالأصل حديثان، الأول عن أبي موسى وفيه ذكر النساء الأربع، والآخر عن عائشة وفيه ذكر نفسها! ثم جاء مَن بعدَها وتصرّف في الحديث الأول وحشر فيه حديثها. وأيّاً يكن فإن حديث عائشة هذا مردود لأن شهادة المرء لنفسه غير مقبولة، وكيف لنا أن نصدّق عائشة في ما تدّعيه وهي مَن هي؟! وحيث نردّ هاهنا حديثها فإن ذلك يقوّي ردّ ذيل حديث البخاري إذ هو بعينه وإنْ نُسب إلى أبي موسى أو أنس، سيّما أن روايات بعضٍ غير البخاري - كابن حنبل - خَلَتْ منه كما تقدّم.
الوجه الرابع؛ أن كل من خبر الأحاديث الشريفة وتذوّق طعمها ووقف على لسانها البديع يستبعد أن يكون هذا الحديث الركيك المزعوم صادراً حقاً من سيد الفصحاء والبلغاء صلى الله عليه وآله وسلم، ذلك لأنه بعيد عن أدبه ولا يتجانس مع سائر ما صدر منه في سياق التفضيل، فلم يُعهد عنه (صلى الله عليه وآله) وهو مَن حاز جوامع الكلم استخدامه مثل هذه الاستعارات والتشبيهات الركيكة في مقام المدح أو التفضيل وكأنه - حاشاه - لا همَّ له إلا بطنه فيضرب الأمثال بصنوف الطعام وأنواع المأكولات! ثمّ إنّا لا ندري لمَ ضُرب المثل بالثريد دون غيره من صنوف الطعام مما ورد عنه (صلى الله عليه وآله) مدحه أو التوصية بأكله أو ذُكر أنه كان أحبّ أنواع الطعام إليه صلى الله عليه وآله وسلم، فقد روى أحمد ابن حنبل أنه (صلى الله عليه وآله) قال: «ليس شيء يجزي مكان الطعام والشراب غير اللبن» وروى أيضاً عن أنس قال: «كان القرع من أحب الطعام إلى رسول الله» فيما روى الصالحي الشامي عن أنس قوله: «كان أحبَّ الطعام إلى رسول الله البقل» فلِمَ لم نجده (صلى الله عليه وآله) يشبّه عائشة أو غيرها باللبن أو البقل أو القرع من هذا الباب؟!
الوجه الخامس؛ أن الأحاديث المستفيضة تشهد بأن حديث الثريد هذا مكذوب موضوع، ذلك لأنها تنقض ما ورد فيه من تفضيل عائشة على سائر النساء، ومن تلك الأحاديث الحديث المشهور في تفضيل نساء العالمين الأربع (مريم وآسية وخديجة وفاطمة) عليهنّ السلام، ومنها ما رواه أحمد بن حنبل عن مسروق عن عائشة قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء. قالت: فغرتُ يوماً فقلتُ: ما أكثر ما تذكرها! حمراء الشِّدق قد أبدلك الله عزّ وجلّ بها خيراً منها! قال: ما أبدلني الله عزّ وجلّ خيراً منها، قد آمنتْ بي إذ كفر بي الناس، وصدّقتني إذ كذّبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عزّ وجلّ ولدها إذ حرمني أولاد النساء».
ومنها ما رواه ابن عبد البرّ عن عائشة قالت: «كان رسول الله لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيُحسن الثناء عليها، فذكرها يوماً من الأيام فأدركتني الغيرة فقلتُ: هل كانت إلا عجوزاً فقد أبدلك الله خيراً منها! فغضبَ حتى اهتزّ مقدَّم شعره من الغضب! ثم قال: لا والله ما أبدلني خيراً منها، آمنت بي إذ كفر الناس وصدّقتني إذ كذّبني الناس وواستني في مالها إذ حرمني الناس ورزقني الله منها أولاداً إذ حرمني أولاد النساء».
ولهذه الأحاديث ونظائرها عمد بعض علماء المخالفين إلى تأويل حديث الثريد وحمله على معنى أن عائشة أفضل نساء النبي (صلى الله عليه وآله) بعد خديجة (صلوات الله عليها) لا أفضل نساء الأمة أو الأمم على الإطلاق، غير أن هذا الحمل ساقط أيضاً لثبوت أن بعض زوجات النبي (صلى الله عليه وآله) الأخريات كنَّ بالنصّ خيراً من عائشة وحفصة! فمن ذلك ما رواه الترمذي والطبراني وغيرهما عن كنانة عن صفية قالت: «دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: ما يبكيك يا ابنة حييّ؟ قلتُ: بلغني أن عائشة وحفصة تنالان منّي وتقولان: نحن خيرٌ منها! نحن بناتُ عمّ رسول الله وأزواجه. قال: أَ فلا قلتِ: كيف تكونان خيراً مني وأبي هارون وعمّي موسى وزوجي محمد»؟!
وإذ ذاك لا يكون لحديث الثريد معنى ولا واقع مع ثبوت أن نساءً كثيرات خيرٌ من عائشة وأفضل منها، وهذا ما حيّر علماء المخالفين ودفعهم إلى التأويل مهما يكن لتصحيح الحديث والإبقاء على منزلة عائشة كمنزلة الثريد على سائر الطعام! ومن هؤلاء الآلوسي الذي لم يستطع مقاومة الأحاديث والأدلة الكثيرة التي تجعل من عائشة مفضولة حتى بالنسبة إلى بنات النبي صلى الله عليه وآله، فقال في تفسيره مقرّاً بأن الحديث مشكل: «بل لو قال قائل: إن سائر بنات النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من عائشة لا أرى عليه بأساً، وأُشْكِلَ ما في هذا الباب حديث الثريد، ولعل كثرة الأخبار الناطقة بخلافه تهوِّن تأويله، وتأويلُ واحدٍ لكثيرٍ أهون من تأويل كثيرٍ لواحد، والله تعالى هو الهادي إلى سواء السبيل»!
ولئن كان الآلوسي قد لجأ إلى التأويل؛ فإن محمود أبو ريّة قد خلّص نفسه وحكم بأن حديث الثريد موضوع من قبل البكريّة! فقال في أضوائه: «مما وضعته البكرية حديث أن رسول الله قال: فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام! وفي حديث: أن صورتها قد جاءت النبي في سرقة من حرير مع جبريل وقال له: هذه زوجتك في الدنيا والآخرة! وفي حديث آخر: خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء! وفي رواية: خذوا شطر دينكم.. إلخ، وهذا باب واسع لا يمكن إحصاء كلّ ما فيه»!
● ما حقيقة مصحف فاطمة وهل تشكون في أن أبي بكر وعمر قد حرفا في القرآن؟
- مصحف فاطمة عليها السلام هو بمعنى (كتاب فاطمة) لا (قرآن فاطمة) كما يتوهم الجهلة، فإن أحاديث الأئمة الأطهار عليهم السلام نصّت على أنه ليس في مصحف فاطمة من القرآن شيء، إنما هو كتاب فيه أحاديث قدسية ليس إلا، كانت هدية من الله سبحانه وتعالى إلى سيدة إمائه فاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام.
ولا نقول أن أبا بكر وعمر حرّفا نصّ القرآن الحكيم، إنما قد حرّفا تأويله.
● أعطنا صورا ونماذج من كتب السنة تثبت أن الإمام علي والسيدة فاطمة قد تعرضا للظلم والعدوان من أبي بكر وعمر، وما هي قصة الجبت والطاغوت؟
- أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح عن أسلم أنه «حين بويع أبو بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان علي والزبير يدخلون على فاطمة ويشاورونها ويرجعون في أمرهم، فلما بلغ ذلك عمر خرج حتى دخل على فاطمة فقال: ما من الخلق أحد أحبّ إليّ من أبيك، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بهم أن يُحرق عليهم البيت»!
إن هذه رواية نسوقها هنا كنموذج واحد فقط من نماذج شتى تكشف الوجه القبيح لأبي بكر وعمر وظلمهما لآل النبوة صلوات الله عليهم. هذه هي سيدة الإسلام وسيدة نساء أهل الجنة وبضعة النبي المختار التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها؛ لا يتأثّم عمر بأمر من أبي بكر من أن يروّعها ويهدّدها ويهدّد بعلها أمير المؤمنين من أن يحرق عليهم البيت إذا استمروا في معارضة حكومة أبي بكر بن أبي قحافة والامتناع عن مبايعته!
معنى ذلك أن عمر لا يرى حرمة لدم علي والزهراء عليهما السلام! ولا يجد غضاضة في أن يحرق بيتا يضمهما ويضم سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين عليهما السلام فيقتلهم جميعا!
ما هي الجريمة التي ارتكبها علي والزهراء عليهما السلام ومن اجتمع في بيتهما الشريف؟ عدم القبول بأبي بكر خليفة؟ وهل تلك جريمة؟ إذا كان الأمر كذلك وأرادت الدول اليوم تطبيق منهج أبي بكر وعمر فسوف يكون من حق كل حكومة أن تقمع المعارضة وأن تحرق بيوت جميع المعارضين السياسيين الذين لم يبايعوا الحاكم أو لم ينتخبوه!
إذا لم يكن هذا هو الطغيان والإجرام والإرهاب فأي شيء يكون الطغيان والإجرام والإرهاب؟!
البرادعي وزعماء جبهة الإنقاذ في مصر مثلا يكون حكمهم بحسب دستور أبي بكر وعمر أن تحرق بيوتهم وتدمر على رؤوسهم ورؤوس نسائهم وأطفالهم لأنهم رفضوا حكم محمد مرسي العياط!
لماذا لا يعمل إذن هذا العياط بهذا المنهج؟ أليس يفخر بأبي بكر وعمر ويحرص على الاقتداء بسيرتهما «العادلة»؟! ولئن رفض هذا العياط هذا المنهج لأنه يحرجه ويجده معارضا لما يتبجّح به من الحرية والديموقراطية وحق الإنسان في المعارضة السياسية؛ فاللازم عليه أن يرفض إذن أبا بكر وعمر ويعترف بأنهما ظلما سيدة نساء أهل الجنة فاطمة الزهراء وسيد المؤمنين بعد رسول الله الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين.
روى العالم البكري الكبير ابن قتيبة في الإمامة والسياسة: ثم إن عليا كرم الله وجهه أتي به إلى أبي بكر وهو يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله. فقيل له: بايع أبا بكر! فقال: أنا أحق بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتأخذونه منا أهل البيت غصبا؟ ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمد منكم، فأعطوكم المقادة، وسلموا إليكم الإمارة، وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، نحن أولى برسول الله حيا وميتا، فأنصفونا إن كنتم تؤمنون وإلا فبوؤا بالظلم وأنتم تعلمون. فقال له عمر: إنك لست متروكا حتى تبايع! فقال له علي: إحلب حلبا لك شطره، واشدد له اليوم أمره يردده عليك غدا. ثم قال: والله يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايعه (...)وإن أبا بكر رضي الله عنه تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده. لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها، فقيل له يا أبا حفص. إن فيها فاطمة؟ فقال وإن، فخرجوا فبايعوا إلا عليا فإنه زعم أنه قال: حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن، فوقفت فاطمة رضي الله عنها على بابها، فقالت: لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم! تركتم رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا، ولم تردوا لنا حقا. فأتى عمر أبا بكر، فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة؟ فقال أبو بكر لقنفد وهو مولى له: اذهب فادع لي عليا، قال فذهب إلى علي فقال له: ما حاجتك؟ فقال يدعوك خليفة رسول الله، فقال علي: لسريع ما كذبتم على رسول الله! فرجع فأبلغ الرسالة، قال: فبكى أبو بكر طويلا. فقال عمر الثانية: لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة، فقال أبو بكر رضي الله عنه لقنفد: عد إليه، فقل له: خليفة رسول الله يدعوك لتبايع، فجاءه قنفد، فأدى ما أمر به، فرفع علي صوته فقال سبحان الله! لقد ادعى ما ليس له! فرجع قنفذ، فأبلغ الرسالة، فبكى أبو بكر طويلا، ثم قام عمر، فمشى معه جماعة، حتى أتوا باب فاطمة، فدقوا الباب، فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبت يا رسول الله! ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة! فلما سمع القوم صوتها وبكاءها، انصرفوا باكين، وكادت قلوبهم تنصدع، وأكبادهم تنفطر، وبقي عمر ومعه قوم، فأخرجوا عليا، فمضوا به إلى أبي بكر، فقالوا له: بايع، فقال: إن أنا لم أفعل فمه؟ قالوا: إذا والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك! فقال: إذن تقتلون عبد الله وأخا رسوله! قال عمر: أما عبد الله فنعم، وأما أخو رسوله فلا! وأبو بكر ساكت لا يتكلم، فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك؟ فقال: لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه، فلحق علي بقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصيح ويبكي وينادي: يابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني»!
أما عن قصة (الجبت والطاغوت) فهاتان وصمتان في أحاديث العترة الطاهرة عليهم السلام لأبي بكر وعمر لنفاقهما وإجرامهما.
● ما رأي سماحتكم في نظام الإخوان الحاكم في مصر حاليا؟ وما موقف سماحتكم من جماعة الإخوان عموما؟
- النظام الحاكم في مصر حاليا هو نظام الدمار والفشل لمصر، وليس أدل على ذلك من الانهيار الأمني والاقتصادي والسياسي والأخلاقي الذي أصاب مصر في عهد هذا النظام الركيك.
هذا النظام أكثر سوءا وفشلا من نظام حسني مبارك. مع الأسف! لقد سُرقت ثورة المصريين وانتهت إلى وضع أسوأ من الوضع الذي ثاروا عليه، ولئن استمر هذا النظام فإنه يُخشى أن تتفكك بنية الدولة المصرية تماما.
أما ما يسمى بجماعة الإخوان المسلمين، فهي جماعة منافقة ماكرة ثعلبية، تُظهر عكس ما تبطن، تتخذ الدين آلة للدنيا، ولعل من أصدق الأوصاف عليها ما قاله أحمد شوقي:
مخطئ من ظنّ يوماً أن للثعلــب دينــا!
وعلى أية حال، فإن تجربة حكم هذه الجماعة وإن كان سيلحق أسوأ الأضرار والآثار بشعب مصر؛ إلا أنه في المقابل سيكتب شهادة الوفاة لهذه الجماعة إذ سينقلب عليها الناس بعدما جرّبوا حكمها الآثم والفاشل، وسيصحو الذين انخدعوا بها وانساقوا وراءها في غفلة من عقلوهم. والمسألة أيضا مسألة وقت، فربّ ضارة نافعة ولو بعد حين. والأمل بالله تعالى.