الملخص التام لمناظرتي الشيخ الحبيب مع الدكتور يوسف الصدّيقي (رئيس قسم الدعوة والثقافة بكلية الشريعة في جامعة قطر)

شارك الخبر على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

2013 / 08 / 27

خلال حلقتين متتابعتين في برنامج الليالي الرمضانية مع الشيخ الحبيب بإحدى السنوات الماضية على شاشة قناة فدك الفضائية، وبدون اتفاق أو ترتيب مسبق اتصل الدكتور يوسف محمود الصدّيقي – رئيس قسم الدعوة والثقافة بكلية الشريعة في جامعة قطر – محاولاً الاستشكال على منهج الشيخ الحبيب وما يطرحه في برنامجه اليومي من بحوث ومحاضرات تنسف المعتقد البكري، عبر اختزال تعليقه في مفردتين هما أن المطروح كله ما هو إلا سب وشتم. وبعد أن واجهه الشيخ الحبيب مناقشـًا إياه في رؤيته تطوّر الوضع إلى مناظرة ممتعة تلتها مناظرة أخرى في اليوم التالي مباشرة، إلا أن الدكتور القطري اعتذر فيما بعد عن المواصلة معللا انسحابه بدواعي السفر والالتزامات العملية، ولكن بعدما تبيّن الحق إن شاء الله للملأ العام، وفيما يلي الملخص التام لكافة مجريات الحديث.

الدكتور الصديقي: السلام عليكم، أنا يوسف محمود الصديقي، أستاذ أكاديمي جامعي وقد عملت كثيرا في مجالات التقارب بين الأديان، وبين الحضارات، وبين المذاهب، ويؤسفني أن أسمع هذه الألفاظ والشتائم على عائشة من قبل الخصم الذي يستشهد بأقوال لعلي بن أبي طالب من كتاب نهج البلاغة مع علمه بأن هذا الكتاب وردت عليه بعض الانتقادات والآراء التي ترفض القول بأن علي بن أبي طالب قد أتى بلفظ مسيء، سواءًا تجاه عائشة أو تجاه أي من صحابة رسول الله، ألم يقرأ هذا في التاريخ أن أبي بكر كان يستعين بعلي بن أبي طالب وكذلك عثمان؟

الشيخ الحبيب: أنا أستوعب إلى حد كبير فورة الدكتور، وأظن بأن ذلك بسبب أنه يرى قداسة هذه الشخصيات في حين أننا لا نرى قداستها، المنطلق يختلف، نحن علينا أن نحرر مورد النزاع في منطلق تقييم هذه الشخصيات، ألا وهو هل أن هذه الشخصيات المذكورة هي شخصيات لأهل الإيمان أم شخصيات لأهل النفاق؟ فما يترتب على هذا يمكن أن نستوعبه فيما بعد، المشكلة هي عند الخصم أنه يبني حديثه على أساس أن هذه الشخصيات من أهل الإيمان، لذلك فأنه إذا سمع قدحًا فيها أو شتيمة تقع فيها فأنه يعتبر ذلك أمرًا مخالفـًا لأخلاقيات الإسلام، في حين أنه لو اتفق معنا على أن هذه الشخصيات لأهل النفاق فحينئذ سيستوعب الحكم الإسلامي وهو أن المنافق لا حرمة له، فعليه ألا يطلق الكلام على عواهنه آخذا بالتعميم بلا منهجية علمية، وجوابًا على سؤاله: هل أنت تعتقد بأن عليًا يتلفظ بهذه الألفاظ؟ الجواب: نعم يتلفظ بهذه الألفاظ ولكن تجاه من؟ أتريد أن أغالطك بنفس المغالطة؟

أنا أسئلك الآن هل تعتقد بأن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلّم» وهو أستاذ علي بن أبي طالب «صلوات الله عليه» كان يسب أصحابه أم لا؟ إن قلتَ لا، فأنك قد تعاميت عمّا في صحاحك، والتي إن أردت الآن أحضرها لك، لترى بعينك تلك الروايات التي تفيد بأن نبي الله – كما تروي صحاحك. كان يسب جمعًا من أصحابه ممن خالفوا أمره، هذا وَرَدَ في الحديث، كمثال واحد من الأمثلة ورد ذلك في رواية تتحدث عن توجّه النبي «صلى الله عليه وآله وسلّم» إلى غزوة تبوك، حيث تشير الرواية إلى أنه قُبَيل أن يصل إلى عين ماء طلب من أصحابه ألا يسبقوه إليها، ثم بعد وصوله إليها «صلى الله عليه وآله وسلّم» اكتشف أن هنالك رجلين من أصحابه قد سبقاه إلى هذه العين، فتقول الرواية بالنص: فسبّهما النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ما شاء الله. (صحيح مسلم/ج7/ص60/ح3302).

فلا يسعك أن تنكر أن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلّم» كان يسب، ولكن كان يسب من؟ كان يسب من يستحقَّ السب، وما هو السب، السب هو الانتقاص، وعليه فأن من يخالف أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلّم» ولو في هذا الأمر الجزئي فهو بالنتيجة مستحق للسب وتسقيط حرمته، وإن شككت في هذا الحديث فأنه لا يسعك أن تشكك في كتاب الله عز وجل، حيث ورد فيه السب والنيل والتحقير، فماذا تفعل مع قوله تعالى حين يصف أحبار اليهود «مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا»، فهذه الآية إلى اليوم ينازعنا في شأنها اليهود فيقولون أن كتابكم المقدس يشتم أحبارنا، أي أنه يشتمنا، لماذا يصفنا بالحمير؟ وجوابنا عليهم أن هذا ليس تفحُّشـًا من القرآن، بل هذا واقع الحال أي أن الذين أخذوا التوراة وكانت بين أيديهم ناطقة بالحق ثم أهملوها ولم يحملونها فهؤلاء لا شك كالحمار الذي لا ينتفع بالأسفار على ظهره.

مثال آخر: القرآن وصف بلعم بن باعوراء الذي أعطاه الله الاسم الأعظم – لكنه بعد ذلك ارتدّ – بقوله «كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث»، فهذا الأسلوب هو أسلوب قرآني، ومن خلاله نعرف أن عليًا قد اتخذ أسلوبًا قرآنيًا فهو القرآن الناطق.

وكذلك رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» كان يصف قومًا بالإلحاد، وكان يلعن أقوامًا، وقد ورد في صحاحك أنه كان يلعن أقوامًا حتى في صلاة الفجر، أي في قنوت الصلاة، وعليه فالمشكلة عندك هي هذه: (قولك كيف تلعنون، وكيف تسبون، وكيف تحكمون على الناس بالنار وبالإلحاد مع أن من تتكلمون عنهم هم أصحاب النبي وأمهات المؤمنين)، وجوابها كما قلنا: حرر مورد النزاع، هل المتحدث عنهم (أبي بكر، عمر، عثمان، عائشة، حفصة، ومن أشبه) هم من المؤمنين أم من المنافقين، ثم ناقش في ذلك.

نحن نقول أن عائشة منافقة، أنت تقول أن عائشة مؤمنة، فلنبحث في هذه النقطة ثم إذا تبيّن أمام الناس أن عائشة مؤمنة فكل الناس سيصبحون ضدنا، أما إن تبيّن أن الحق معنا وهو أن عائشة منافقة فالناس ستصبح ضدك أنت، وترى أنك في تمجيدك لها مبطل.

على سبيل المثال، نحن الآن لا نختلف في أن عبدالله بن أبي بن سلول كان منافقـًا، رغم أنه كان من المبايعين للنبي «صلى الله عليه وآله وسلم» تحت الشجرة، كما تثبت الدلائل، فهل يصح لأحدٍ اليوم أن يشنـّع علينا لطعننا في عبدالله بن أبي بن سلول؟ ها هم المسلمون أربعة عشر قرنـًا يطعنون فيه ويقدحون فيه ويلعنونه ويسبّونه ويشتمونه وينالون منه وينظمون الأشعار في هجائه، هذا أمامك تراث المسلمين كله، فهل يصح لنا أن ننحدر هكذا لنستبشع ذلك منهم ونقول كيف تسبون صحابيًا جليلاً يا دكتور، كم أتأسف عليك أن تجعل عقلك تحت رحمة الركام، ركام الباطل دون أن تتحرر وتنطلق.

نحن أخي الكريم لدينا عقول أكرمنا الله بها، فحين نرى الدليل يقوم على أن عبدالله بن أبي بن سلول منافق، مع أن الدليل ليس من القرآن، كذلك دلتنا الآثار في كتب السيرة وكتب الحديث على أن ننحي جانبًا العمومات القرآنية في مدح أصحاب النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» الذين بايعوه تحت الشجرة فنزلت فيهم آية الرضوان «لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ»، بأن المنافقين منهم غير مشمولين بهذا الرضوان، والقرينة موجودة «لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ»، لا عن المنافقين، فكما أخرجت عبدالله بن أبي بن سلول من المؤمنين لقيام الدليل على نفاقه كذلك نحن أخرجنا أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة من هذه العمومات. فما مشكلتكم في البحث بشخصيات العهد الأول، لماذا رفعتم عنها النقد، مع أنكم أخرجتم منها من أخرجتم، كعبيدالله بن جحش زوج أم حبيبة الذي قيل بأنه قد تنصّر في الحبشة، فإذا افترضنا مثلا أنك أكتشفت بأن قصة اعتناقه للنصرانية كانت مكذوبة هل يكون عليك لوم يوم القيامة؟ وكيف سترى من يأتي إليك ويضخّم الموضوع ويقول لك كيف تطعن في هذا الصحابي مع كونه من السابقين الأولين؟، وبنفس هذه السطحية والتسافل في الإدراك، يأتي إليك ويخرجك من الملّة! أجبني..

أخبرني بالله عليك ألم ينزل القرآن في ذمَ وإدانة عائشة وحفصة؟ لا يسعك أن تنكر، إجماع المسلمين قائم على أن سورة التحريم نزلت فيهما، فما قولك في قوله تعالى بسورة التحريم «إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا»؟ فسّر لنا ما معنى صغت قلوبكما، أليس معناها حادت، أي ألحدت، فعليه عائشة وحفصة ملحدتان حادتا عن الدين إذ مالت قلوبهما عن الإيمان، لذا طالبتهما السورة بالتوبة «إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ» وحذرتهما من ترك التوبة، فثبت لدينا بالدليل القاطع حيدتهما عن الإيمان، إذ ضُرِبَ فيهما المثل بإمرأتين كافرتين خائنتين، هما زوجة نوح وزوجة لوط عليهما السلام، بعد هذا كيف تعتذر لهما؟ لا تجيب بسورة النور المختلف فيها، أجب هل لديك دليل من القرآن أو من السنة المطهرة تدل على أنهما تابتا بعد ذلك وقبل الله توبتهما؟ أجبني..

مدير الحوار: الدكتور أغلق الهاتف وسأطلب من أحد الأخوان أن يتصل عليه حتى يتداخل معكم، ولكن من بين النقاط التي أنا سجلتها ولم تعلّقوا عليها، هو أنه قال أنكم تستشهدون بكتاب نهج البلاغة مع أنكم تعلمون بأن هذا الكتاب محل إشكال، في أن بعض الأقوال التي قيلت فيه ليست لعلي عليه السلام، وأنه يتحداك أن تأتي بلفظ واحد مسيء في أقوال علي بن أبي طالب تجاه عائشة أو أيٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم.

الشيخ الحبيب: لو تابع الدكتور الليالي الماضية فسيرى أننا تحدثنا عن كتاب نهج البلاغة، فقلنا أن هذا الكتاب يرجع إلى أصول ومصادر، فمثلا الخطبة التي كانت محل حديثنا في الليالي الماضية أخرجناها كاملة من كتاب (نصر بن مزاحم) الذي كان في القرن الثالث وكتاب (الإمامة والسياسة) لابن قتيبة وهو من علماء أهل الخلاف الكبار في القرن الرابع، فهذان متقدمان على الشريف الرضي جامع نهج البلاغة، فذكرنا محل الشاهد وهو أن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام قال عن طلحة والزبير (فكان نقضهما كردتهما)، كما أننا في الليالي الماضية أيضا جئنا بدليل صريح من صحيح مسلم يقول بأن عليًا كان يرى أبي بكر وعمر آثمين غادرين خائنين كاذبين.

الدكتور الصديقي: أنا لم أقطع الخط وإنما انقطع وأشكر الأخوان على إعادتهم الاتصال بي، نعم أن ما ينبغي لنا هو الحوار والنقاش، دعني أتحدث عن الآيات القرآنية التي برّأت عائشة، وعن حديث الإفك، هل قرأتم عنه؟ حيث قال الله في سورة التحريم «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ» والحادثة موجودة في تفاسير أهل السنة وتتحدث عن إحدى زوجات الرسول.

الشيخ الحبيب: قرأت عنه يا دكتور؛ كان الكلام عن سورة التحريم، قلت لك لا تتحدث عن سورة النور الآن، وأجبني على أسئلتي فقط.

الدكتور الصديقي: نعم سأجيبك على أسئلتك، ولكن دعني أبيّن للآخرين أن الله سبحانه وتعالى برّأ عائشة زوج النبي وهذا الأثر غير موجود عندكم، أنتم يا إخوان أي الشيعة هذا الأثر غير موجود عندكم، أمّا عندنا أهل السنة فهذا الأثر موجود، هذه نقطة، النقطة الثانية إذا كانت عائشة زانية كما تدّعي وأنها قد كانت تأتي بالرجال إلى دارها، فألم يكن بالأجدى من الله ألا يوقع نبيه بهذه الآثمة؟ يعني هل الله سبحانه وتعالى كان غافلا عن هذه الجزئية؟ ألا يستطيع الله أن يضع آية واحدة أو شطر من آية يبيّن فيه موطن عائشة كما تدعي وتقول؟ كذلك.. كيف تريدنا أن نسمح لأنفسنا بالحديث عن زوجة رسول الله؟ لا أحد منـّا يرضى بأن يتحدث شخص ما عن أهل بيته أو أقاربه، وهذه نقطة ثانية. نقطة ثالثة: أنت تقول أننا ننظر إلى الصحابة نظرة القداسة، لا أبدًا، نحن نقول أن الصحابة لهم وعليهم، ولكننا مع إعمال قاعدة حسن النية نقول بإيمانهم وأن أمرهم متروك إلى الله سبحانه وتعالى، نعم وقع شجار بين صحابة رسول الله، وقع خلاف نعم، أول سيف سُنَّ في الإسلام سيف الخلافة نعرفه قرأناه ونقوله ونعيده على أبنائنا لكننا نقول الأمر لله في النهاية، هؤلاء بشر لهم وعليهم، أمرهم متروك لله سبحانه وتعالى! نقطة رابعة: أن علي بن أبي طالب إن كان له حق فكيف يسكت عنه؟ نعم معاوية كان له بعض التجاوزات، إذ قام بإعمال الوراثة، وهذا أمر معروف. نقطة خامسة: نحن الآن في وقت نسعى فيه إلى التقريب وتوحيد صف المسلمين، فكيف تأتي أنت وتقول عائشة زانية وأنها تأتي بالرجال إلى دارها، بالله عليك؟

مدير الحوار: يا دكتور لقد تشعبت كثيرًا في الموضوع، الشيخ طرح عليك جواب حول سؤالك الذي تحديته فيه بالإتيان بلفظ مسيء من أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام تجاه من سمّيتهم صحابة وسمّيته سب وشتم، فهل نقول بأنك أقررت بهذه الجزئية؟

الدكتور الصديقي: كلا أنا لم انتقل إلى جزئيات أخرى، هو قال أننا ننظر إلى الصحابة نظرة قداسة فأنا رددت وقلت هذا كلام غير صحيح، أننا لا ننظر إليهم بنظرة قداسة أبدًا، ثم قلت أنه يحتج بسورة التحريم وقال إنها نزلت في عائشة وهذا غير صحيح، أنا أرد عليه الآن، قال إن هذه السورة نزلت في عائشة، هذا الكلام غير صحيح، فليقرأ تفاسير أهل السنة!

الشيخ الحبيب: تحداني الدكتور بأن آتي له بلفظ صريح وصحيح عن علي عليه السلام فيه طعن أو سب لأحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأرشدته إلى الدليل وهو في صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، ورقم الحديث 3302، وهو يتحدث عن قصة منازعة علي والعباس في أمر الميراث من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حيث جاءا إلى عمر فقال لهما عمر: فلما توفي رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فجئت تطلب ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها، فقال أبو بكر: قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم ما نورث ما تركناه صدقة، فرأيتماه كاذبًا آثمًا غادرًا خائنـًا، والله يعلم أنه لصادق بار راشد تابع للحق.

ثم توفي أبو بكر وأنا ولي رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وولي أبي بكر فرأيتماني كاذبًا آثمًا غادرًا خائنـًا والله يعلم إني لصادق بار راشد تابع للحق. (إلى آخر الحديث)، وهذا الحديث دلّس فيه البخاري، حيث أخرجه أيضًا في صحيحه في كتاب النفقات، باب حبس نفقة الرجل قوت سنة على أهله، رقم الحديث 5385، حتى تعرف البخاري كيف يشطب عنكم الحقائق، قال: وأقبل على علي والعباس تزعمان أن أبا بكر كذا وكذا والله يعلم أنه فيها صادق بار راشد تابع للحق، فحذف قوله ”كاذبًا آثمًا غادرًا خائنـًا“ وجعل مكانها ”كذا وكذا“، الآن هل تتنازل أو تقرّ بأنه قد ثبت في الصحيح، صحيح مسلم، أن عليًا سبَّ أبا بكر وعمر وكذلك العباس قد سبهما ووصفاهما بالكاذبين الآثمين الغادرين الخائنين أم لا؟

الدكتور الصديقي: لي سؤال، هل هذا حديث عن الرسول؟ فنحن لا ننظر إلى صحيح مسلم بنظرة القداسة!

الشيخ الحبيب: الحديث ليس عن النبي «صلى الله عليه وآله وسلم»، ولكن تحديك لم يكن هاتوا لي حديثا عن النبي يشتم فيه أبا بكر وعمر، بل أن تحديك كان هاتوا لي حديثـًا عن علي أنه شتم أحدًا من أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» وقد جئتك بالحديث من صحيح مسلم، فإن قلت أن هذا الحديث مكذوب فعليه صحيح مسلم يسقط عن الاعتبار.

الدكتور الصديقي: كلام جيّد دعني أكمل ما أريد أن أصل إليه، قلت هذا الحديث لم يرويه الرسول، هنا فلننظر من هو محمد بن أبي بكر؟ هو ربيب من؟ هو ربيب علي بن أبي طالب، فكيف لعليّ أن يشتم ويسب أبا بكر أمام ابنه الذي هو ربيبه؟

الشيخ الحبيب: ما دخل محمد بن أبي بكر بالموضوع يا دكتور؟ نحن كلامنا في جزئية إشكالك الذي تفضلت وطرحته، في تحديك لنا بأن نأتي بحديث عن علي يطعن فيه بأحد أصحاب رسول الله، وخصصت أبي بكر وعمر وعائشة ومن أشبه، أليس كذلك؟ جئتك بالدليل، فهل تُسَلِّم به؟ أم ستنسب إلى مسلم صاحب الصحيح أنه أخرج حديثاً مكذوبًا موضوعًا فيه طعنٌ من علي بأبي بكر وعمر؟ هذا هو نقاشنا فلماذا تريد أن تحرفه نحو محمد بن أبي بكر؟

الدكتور الصديقي: أنا سألت أولا هل هذا الحديث عن الرسول، لأصل إلى إجابة فأتسلسل وأبيّن القضية وفق المنطق أو التسلسل المنطقي كما يقال.

مدير الحوار: تسلسل على راحتك.

الدكتور الصديقي: ما أردت أن أصل إليه عندما ذكرت ربيب علي بن أبي طالب محمد بن أبي بكر مرتبط بالجزئية الأولى، وهي إذا كان محمد بن أبي بكر (الصدّيق) ربيب علي بن أبي طالب، وعلي يتكلم على أبيه ويشتمه، فكيف محمد بن أبي بكر يرضى بذلك ويسكت؟ هذا ما يرتبط بالجزئية الأولى، أما عن الجزئية الثانية فحينما سألت هل هذا الحديث عن الرسول وقلتم لا، فهنا أريد أن أبيّن أنه لنا منه موقف.

الشيخ الحبيب ضاحكًا: على ما يبدو أن الدكتور لم يتسحّر جيّدًا، ولذلك يتضح أن التسلسل المنطقي له لم يأت به كما يريد، يا دكتور أنت الآن لم تجب على سؤالي، حيث تحديتني بأن آتيك بجواب على سؤالك، فأعطيك فرصة أخرى كي تجيب علينا كما تشاء والأمر سهل يسير، علمًا أن كل المشاهدين الآن شاهدوا بوضوح أنك تحديتنا في شيء فرددنا عليك فجررت النقاش إلى أمرٍ آخر.

الدكتور الصدّيقي: صحيح مسلم صحيح إذا كان الحديث عن الرسول ورواه الثقات الأمناء.

الشيخ الحبيب: يعني تسلّم بالأمر الأول أم لا، حتى المشاهد يفهم، أنه كلام هذا الشيخ الرافضي كلام صحيح، فقد أثبت أن عليًا سبّ أبا بكر وعمر..

الدكتور الصديقي: إن كان أمير المؤمنين قد تلفظ بهذه الألفاظ (كاذبًا آثمًا غادرًا خائنـًا) فأنها ألفاظ فيها وصف وأدب وليس فيها سب وقذف وشتائم!

الشيخ الحبيب: كاذبًا آثمًا غادرًا خائنـًا، هذا هو كلامي، فعليه أني في كلامي كنت مؤدبًا، حيث قلت أن أبي بكر وعمر كانا خائنين، وقلت أن أبو موسى الأشعري خائن، فأنت قلت أن هذا اللفظ غير مؤدب فكيف تقول أن كلام عليًا كان مؤدبًا وأن كلامنا غير مؤدب بينما كلام علي هو ذاته كلامنا؟

الدكتور الصديقي: ألم تقل عن عائشة بأنها زانية، وأنها قد كانت تأتي بالرجال إلى دارها؟

الشيخ الحبيب: لا تنتقل إلى نقطة أخرى قبل أن نحسم النقطة الأولى، وإلا لن نصل إلى نتيجة، ماذا تقول عن هذا الحديث في صحيح مسلم، هل تقول أنه حديث موضوع؟

الدكتور الصديقي: علي بن أبي طالب كان يستعين في كثير من قضاياه ومشاكله بأبي بكر!

الشيخ الحبيب: ماذا تفعل مع هذا الحديث في صحيح مسلم؟

الدكتور الصديقي: لا أستطيع أن أجزم في هذا الحديث لأني أنا إنسان موضوعي، أنا أتحدث في جزئية السب والقذف، أما علي بن أبي طالب فهو بشر ومن الممكن أن ينفعل فيتلفظ بألفاظ كهذه، لكنه لم يصل إلى حد القذف والشتائم ضد الشخصية التي أمامه، ولم يقل عن عائشة بأنها زانية مثلاً أو أنها تأتي بالرجال إلى دارها، أنا حديثي في هذه الجزئية.

الشيخ الحبيب: لو أنك دققت فيما نقلته لك، فأنه كان حديثا لم يرد فيه أن عليًا قد انفعل أصلا، بل أن المتحدث هو عمر بن الخطاب، إذ كان يوجّه كلامه لعلي والعباس وهو يقول فرأيتماني، ويقول فرأيتما أبا بكر كاذبا آثمًا غادرًا خائنا، أي أن هذه هي منزلته ومنزلة أبي بكر عندهما، في رؤيتهما أو وجهة نظرهما، فلم يكن بالموضوع انفعالاً نفسيًا وشجارًا، وعليه فالإشكال الذي عليك الآن هو: هل قال علي هذا الكلام أم لا؟ فإن قلت هذا الحديث لا أسلّم به وفي نفس الوقت ألتزم بما في صحيح مسلم فهذا تناقض، إلا إن قلت أن صحيح مسلم فيه ما هو صحيح وما هو غير صحيح فذلك أمر آخر، فإن قلت بذلك وصلنا إلى نتيجة وعرضنا لك ما في صحيح البخاري وما في صحيح مسلم على المشرحة بما في ذلك حديث الإفك الذي جاءت به عائشة، والذي صدّعتم رؤوسنا به، فنتناقش فيه ونتجادل ببقية المشوار حتى نثبت لك أن المقذوفة في هذه الآية هي السيدة ماريا لا عائشة.

وإن أردت دليلا على أن عليًا قذف عائشة فالدليل موجود، وقد أخرجناه في كتابنا (الفاحشة الوجه الآخر لعائشة)، حيث كانت عائشة تقول أن عليًا كان مسلّمًا في شأنها، ونص الحديث عن الزهري قال: قال لي الوليد بن عبد الملك: أبلغك أن عليًا كان فيمن قذف عائشة؟ قلت: لا ولكن قد أخبرني رجلان من قومك، أبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو بكر بن عبدالرحمن بن الحارث، أن عائشة قالت لهما: كان عليٌ مسلـِـّمـًا في شأنها. (صحيح البخاري/ج5/ص60)

الدكتور الصديقي: حديث الإفك معروف ومشهور، وما قاله علي هذا مشهور عندنا ومعروف أسلّم به، ومعناه أن هنالك في النفس شيء، أعني أن عائشة في نفسها شيء من علي بن أبي طالب، فالمسألة هنا خلافية بين عائشة وعلي، فدعنا نتحدث عن آية الإفك، أنت تقول أنها نزلت في تبرئة ماريا، نحن لا نسلّم بهذا بل نقول أنها نزلت في تبرئة عائشة، فلماذا الآن تريدنا أن نترك الحاضر ونذهب إلى سبر التاريخ والتراث حتى نخرج هذه الأمور التي وقعت بين الصحابة من تشاجر وخلاف وتناحر فنبرزها إلى السطح؟ والحال أن الصحابة – بعيدًا عن نظرة القداسة – لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، اللهّم أنتم ترون العصمة في علي ونحن لا نراها إلا للأنبياء!

ثم كيف تقول أنك مجتهد وإن أخطأت فأن لك أجر، بينما الاجتهاد يكون في الأحكام والعبادات والمعاملات لا في أعراض الناس وسيرهم؟

أنت مخطأ ولذا كثير من الأخوان الشيعة لا يتقبلون ما تطرحه في كثير من الجوانب، لأنك متشدد لا تسعى للتقريب بأي حال من الأحوال، نعم هناك بعض المتشددين من جهتنا ونعترف بذلك. نقطة أخرى: أنت تأتي ببعض الأحاديث من البخاري ومسلم بينما هناك الكثير من علماء السنّة قد سجلوا ملاحظاتهم حول الأحاديث بهذين الكتابين، فعليه نحن لا ننظر بنظرة القداسة إلى كل الأحاديث الواردة هاهنا ونقول بأنها كلها صحيحة، ولكننا لا نتطرق إلى ذوات الأشخاص وأعراضهم فنقذفهم ونشتمهم. نقطة أخيرة: لو كانت عائشة فعلا بهذه السيئات، فلماذا الله سبحانه وتعالى زوّجها نبيّه؟

الشيخ الحبيب: أعيد وأكرر، كان على الدكتور ألا يتغافل عن النقطة الأولى التي تحداني بها، فتنازله شيئا ما إلى أن وصل للقول بأن جماعة من علمائه ينقدون ما في (البخاري ومسلم) فلا يقولون بأن كل ما فيهما صحيح، لكنه لم يبيّن بأنه مع أي الرأيين بالضبط إذ أن علمائه الذين قالوا بأن ليس كل ما في الصحيحين صحيح هم قلة وشرذمة مقاطعون في الوسط البكري، بل أن جماعة كالوهابية ترميهم بالكفر والارتداد، نعم فيهم بعض الأزهريين مثلا كالدكتور جمال البنـّا شقيق حسن البنـّا وهو ممن ينقد ما في الصحيحين ويكذب بعض الأحاديث ويرميها بأنها موضوعة ومختلقة بكل جسارة، لذا فليحدد الخصم مع أي الجهتين هو حتى نعرف كيف نناقشه جيدًا، في مسألة حادثة الإفك لأنه الآن إن طالبناه بالدليل سيقول موجود في البخاري ومسلم!

فإن كان الدكتور ذو شجاعة أدبية فليقل أنه ليس مع تصحيح كل الأحاديث في الصحيحين وإنما هو مع الرأي القائل بأن ليس كل ما في البخاري ومسلم صحيح، وإن كان رأي الأقلية، وبعدئذ فليبحث معنا مسألة الإفك وفق ما جاء من أحاديث تكون فيها نسبة احتمال الصواب لديه مساوية لنسبة احتمال الخطأ مبدئيًا تبعًا للمنطق.

أمّا من جهتي فأنا صرفت عمري في البحث وغربلة جميع الأحاديث الواردة في هذا المسألة، فقد محصّتها وقدّمت خلاصة ما عندي في شأنها بكتاب الفاحشة، حيث جمعت وراجعت كل الأحاديث في خصوص نزول آيات الإفك في تبرئة عائشة، فأفردت منها ما يعزى لعائشة وما يعزى لغيرها، ثم وجدت أن ما يعزى لغير عائشة كله يعود بالنهاية إلى عائشة نفسها! فأي صاحب منطق علمي يشك بحقيقة أمر كهذا المدعى بأنه قد شهده الألوف بينما تعود كل رواياته إلى شخص واحد انحصر فيه طريق كل الرواة!

ثم أن الروايات الموجودة في هذا الشأن لا تتفق مع السياق التاريخي، فبينها تضارب في المضامين والتفاصيل، لذا فصّلنا القول في ذلك، وواصلنا البحث إلى أن وجدنا قصة أخرى مروية من أكثر من طريق تقول أن المقذوفة المبرأة إنما هي السيدة الجليلة ماريا القبطية، وهناك وجدنا الأحاديث أثبت وأقوى وأكثر انسجامًا مع السياق التاريخي ومع الآيات القرآنية، وفيها وحدها لفظة (الإفك)، ورغم ورودها في صحيح الطائفة المخالفة وجدناها تطابق ما ورد عن الأئمة الشرعيين من آل محمد عليهم السلام، فعرفنا بطلان القول الآخر. ثم أننا فتشنا في كتاب الله تبارك وتعالى فوجدنا سورة كاملة نزلت باتفاق المسلمين في إدانة عائشة وحفصة، باتفاق الشيعة وغيرهم، فأخذنا بهذا المتفق عليه وتركنا ذلك المختَلَف فيه وهذا من الاجتهاد. بينما أنت تغافلت عن الجواب عمّا جاء في سورة التحريم، من ذم لعائشة وحفصة وإثبات حيدتهما، فلم تجب. نقطة ثانية: أن الاجتهاد يكون في التفسير أيضا، فلماذا حصرت الاجتهاد بالعبادات والمعاملات؟ أي عالم قال أنه لا يحق للمسلم أن يجتهد في التفسير فحَصَرَ الاجتهاد بما ذكرت؟ ثم ما بالك تقول أن الاجتهاد محصور في العبادات والمعاملات وانتم تقولون أن سيّدكم معاوية قد اجتهد وأخطأ في سب علي؟ فهل هذه كانت من العبادات والمعاملات بالله عليك؟ وتقولون أن سيّدتكم عائشة قد اجتهدت واخطأت في حرب الجمل، فهل القتال وسفك الدماء اجتهاد في العبادات والمعاملات؟

أن الاختلاف بيننا وبينكم هو في منهج الجرح والتعديل فأنتم وصلتم إلى التابعين وتوقفتم عمّن تسمونهم صحابة، أمّا نحن فتعدّينا هذا الطور فلم نقل بعدالتهم أجمعين، بل قلنا أنهم فيهم الصالح وفيهم الطالح، وأبو بكر مثلا وجدناه ساقط العدالة.

أرجع إلى كتب الجرح والتعديل عندكم، ككتاب لسان الميزان لابن حجر، فستجد فيها ما فيها من الطعون في أشخاص الرواة وفي أعراضهم مع ذكر المعايب والخوض في تفاصيلها، فكيف تريد منا ألا نبحث ونفتش في شخصية عائشة وسيرتها يا أخانا مع أنها جاءت لنا بآلاف الأحاديث؟

ثم أن محاولة التشنيع بالقول أنه كيف الله يختار زوجة لنبي هكذا، تعد محاولة فاشلة، لأن هذا الإشكال لا قيمة له، إذ أثبت القرآن أن الله اختار لنبي الله نوح ولنبي الله لوط عليهما السلام زوجتين بمنتهى السوء، ولم يطلقانهما، فهب أن زوجة كانت صالحة في حياة النبي فما عليه إن صارت طالحة بعد استشهاده وكتاب الله لم ينف عن أزواج النبي الفاحشة من بعده بل قال «يا نساء النبي من يأتِ منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين»، فذكر الله الخيانة في كتابه العزيز، فإلام يومئ الله بهذا؟

وختامًا تقول حتى بعض الشيعة لا يقبلون كلامك، أولا أنت قلت كل الشيعة وهذا غير صحيح، أنا لا أحب لغة التعميمات، ليس كل الشيعة يؤيدوني ولكن طائفة من الشيعة تؤيدني وهي في ازدياد بحمد الله وفضله، وأنا لا أدّعي أني أمثـّل كل الشيعة في العالم، هذا رأيي ورأي الذين أمثلهم لا أكثر ولا أقل. فإن أخذت بهذا المنطق قلت لك أن بعض علمائكم قد تغوطوا على البخاري ومسلم و طعنوا فيهما، فقالوا عنهما أنهما متسوقان وكذا وكذا، فطعون الآخرين لا دخل لها بالبحث العلمي، ثم أنك إذا لاحظت وجدت أن من أنكروا علينا ليسوا بشيء في العالم الشيعي، فهم من نسميهم مراجع الحكومة الإيرانية، أما المراجع المعتبرين في النجف وقم المقدسة فقد التزموا الصمت تجاهنا ولم يخرجونا من الملة والعدالة.

أجدد قولي.. أن ما يخفف وطئة التباين العقدي بيننا هو النقاش العلمي المحترم في المسائل الحرجة ، خصوصا في ما يتصل بمسألة عائشة مثلا، فعليه يلزمنا أن نصل إلى نتيجة أقلها أن يستوعب كلٌ منا ما لدى الآخر، كي يبتعد الصوت الاستفزاعي عند الحديث عن الشخصيات المختلف عليها بيننا، فنتقارب ونتعايش بسلام في شتى مجالات الحياة.

الدكتور الصديقي: أولاً الدين الاسلامي يأمرنا بأن لا نتتبع عورات الناس، هذه قاعدة شرعية حكيمة، ثانيًا هناك قاعدة فقهية تقول تدرء الحدود بالشبهات، فانظر مثلا إلى قضية ذلك الزاني الذي ذهب إلى النبي أكثر من مرة حتى سأله النبي أفي عقله شيء، هذا مع إصرار الرجل واعترافه بأنه قد زنا، فكيف تريدنا أن نتغافل عن هذه (القواعد) بهذه المسائل المتعلقة بتتبع الصحابة وأمهات المؤمنين؟

الشيخ الحبيب: لقد بيّنت أن الدافع الذي يدفعنا إلى البحث في سير أصحاب رسول الله هو نفسه الدافع الذي يدفعكم إلى البحث في سير التابعين ومن يتلوهم من طبقات المحدثين والعلماء، انتم في كتبكم الرجالية (كتب الجرح والتعديل) ما تركتم عورات هؤلاء بل تتبعتموها، فعلماؤك يجيبون عن هذه الشبهة بقولهم أن ما يدفعنا الى تتبع عورات هؤلاء القوم وبيانها هو اضطرارنا إلى ذلك حتى نعرف أن نحدد من يؤخذ منه الدين ومن الذي يترك ولا يؤخذ منه الدين فيما يرويه، فالدين أولى من حفظ كرامات الأشخاص. الفرق فيما بيننا وبينكم أنكم توقفتم عند حد التابعين بينما وصلنا نحن إلى حد أصحاب رسول الله وأزواجه صلى الله عليه وآله، فمثلا لماذا نتتبع سيرة أبي هريرة وندرس شخصيته وننتبع عوراته؟ لأنه روى لنا كم هائل من الأحاديث، فإذا ثبت لدينا أن ما جاء بشأنه من العورات صحيح فأننا لا نؤخذ منه ديننا، وعائشة مثله كذلك، فالاجتهاد في شأن هذه الشخصيات ليس أمرًا ترفيًا بل أمرٌ تنبني عليه العقيدة. على سبيل المثال، هل تريدنا أن نأخذ بأحاديث عائشة في موضوع رضاع الكبير؟ هناك إشكال الآن بين المسلمين، فهناك من يؤخذ بها وهناك من لا يؤخذ، ونحن الذين لا نؤخذ نقول أن عائشة ليست مؤتمنة لرواية الأحاديث، فلذلك نرفض أيضا أحاديثها في موضوع نسيان النبي لآيات القرآن وتذكير الآخرين له بما نسى قراءته مما أوحي إليه، فهذا أمر مناقض لكتاب الله تعالى الذي يقول «سنقرؤك فلا تنسى»، وعليه فأنك إذا أخذت بهذا الاعتقاد ولم تكفر به وتنزّه النبي اختلط عندك الحق بالباطل، لذا يلزمنا للفرز بين الأمرين أن ننظر في شخصية عائشة، هل أنها صادقة أم كاذبة، حتى نتمكن أن نرد هذا الحديث، والنظر في شخصيتها يستلزم منـّا النظر في معايبها وعوراتها، ولا يحق لأحد أن يقول لنا هاهنا أن هناك قاعدة تلزمنا بعدم تتبع عورات الناس، لأننا سنقول له لماذا لم يقل أحد ما لابن حجر العسقلاني صاحب كتاب (تهذيب التهذيب) قف هاهنا ولا تتبع عورات الناس؟!

الآن فللنظر، مثلا، ماذا تقول في قائل يقول لرسول الله: أني ما أرى ربك إلا يسارع في هواك. (صحيح البخاري/ج٦/ص24)، هذه مقولة يتهم فيها القائل الله بأنه ينزل أحكامه تبعًا لهوى إنسان، فهل هذا من الحكمة في شيء، هل هذه المقولة يقولها المسلم الحقيقي أم أنها مقالة كفرية؟ ..أجبني.

الدكتور الصديقي: ليس هناك أي عاقل يقول ان الله سبحانه وتعالى يحكم بالهوى، ولا يجوز طرح هذا التسائل، أن الله سبحانه وتعالى لا يقيم العدل على الهوى أبدًا.

بخصوص مسألة أخذ الدين عن الرجال أو عن الصحابة ووجود منهجية الجرح والتعديل فهذا أمر ثابت عندنا، بل أن هناك كتاب بهذا العنوان: (الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة) يعني أن الصحابة أنفسهم عملوا بالجرح والتعديل فيما بينهم في عصر الرسول، إذ كانوا يعدّلون لبعضهم بعضا ما وقعوا فيه من أخطاء، فهذا يسمى جرح وتعديل ولا يسمى تتبع عورات، إذ التعديل هو الاستدراك.

مسألة هل أن كل ما في الصحيحين صحيح أم لا، أجبت عنها بأن هناك من علماء السنـّة من قال أن بعض الأحاديث فيها أخذ و رد، وهم كثر.

مسألة هل نأخذ الدين من عائشة أم لا؛ جوابها أن عائشة لم تأت بدين وإنما هي شارحة ومبيّنة وناقلة للدين الذي جاء عن الرسول.

أما عن كتاب (تهذيب التهذيب) لابن حجر وما ذكره فهذا ثابت عندنا ونعترف به ليس فيه أي خلاف، ولكن أنا أريد أن أنبهك إلى وجود منهجية علمية دقيقة، فنحن الآن عندما نأتي ونبحث في واقعة ما، في زمن ما، وفي مكان ما، ينبغي لنا أن لا نخرج الحادثة عن أطارها الزمني آنذاك.

فمثلا إذا ذهبنا إلى كتب علم الكلام للمعتزلة، الذين ينظر إليهم على أنهم شيعة أو متقاربين مع الشيعة، فهناك مسائل سياسية تتعلق بثنايا هذه القضايا الكلامية البحتة المطروحة في هذه المؤلفات، أضرب لك مثال، لو ذهبت إلى كتاب المُغني للقاضي عبدالجبار ستجد أن بأحد فصوله هذا العنوان: (التكليف بما لا يطاق)، أي أن الله إذا كلف شخصًا ما بأمر فأنه لا يستطيع أن يحيد عنه؛ هذه مسألة مثلا أدخلها الوضع السياسي الذي كان سائدًا آنذاك بين الصحابة، حيث واجه بعض الصحابة خطر الخروج من الخلافة فجاءوا بهذه المقولة كي تصبح سائدة بين الأنصار والعباد لتسهيل القبول بهذا الحاكم أو الخليفة. فرجاءا حينما تبحث في مسألة انظر إليها من جميع الجوانب الخاصة، فالقضايا العقدية التي تمس الدين لا ينبغي أن نتغافل فيها عن هذه الجزئية، فإذا عملت بذلك أستطيع أن أقول لك أنك ستفهم هذه القضايا بشكل فيه مرونة و يسر لك ولغيرك.

مسألة أخرى، أنت قلت أنكم تنظرون إلى الصحابة على أنهم غير معصومين؛ فإذا كان علي بن أبي طالب من الصحابة، معنى قولك أن علي بن أبي طالب غير معصوم، هذا مردود كحجة عليك! وعلى أي حال فأن نظرتنا إلى الصحابة أنهم بشر، ولذلك وجدناهم يستدركون على بعضهم البعض، فهم لدينا مجرد شرّاح ومبيّنين للسنة الواردة عن الله والرسول.

الشيخ الحبيب: كأني هنا استمع لذي مذهب مستقل في تعريفاته، فمما ذكره الدكتور وكتمت نفسي من الضحك عليه، تعريفه للتعديل بأنه الاستدراك، حينما قال أن من سمّاهم الصحابة كانوا يعدّلون لبعضهم بعضا بعض الأمور فهذا هو التعديل، بينما (التعديل) المقصود هاهنا ليس بالمعنى الدارج بالمحكية اليوم، فمعنى التعديل هو تعديل فلان لفلان، أي هل أن فلان يرى فلانا عنده عادلا يؤخذ بأقواله أم أنه ساقط العدالة والاعتبار؟، ولكني سأتغاضى عن كل هذا التشعب، المنهجية العلمية وعلم الكلام والقاضي عبدالجبار .. إلخ، أنا لست مع هذا التفريع كله الذي لا محل له.

دعني أحصر النقاش في النقطة الخلافية التي أريد منك الإجابة عليها، هل أن مقولة أن الله تعالى يحكم أو يشرّع طبقا للهوى، من ذلك القائل، أهي مقولة كفرية أم لا؟ فأنا لم أسألك هل أنك تستقرب صدور هذه المقولة أم تستبعدها حتى تقول لا عاقل يقول بمثل هذه المقولة، سؤالي ما جنبة الحكم في هذه المقولة؟

الدكتور الصديقي: أنا لا استطيع بحال من الأحوال أن أكفر أحدًا. الشيخ الحبيب: السؤال عن المقولة بذاتها أهي كفرية أم ليست بكفرية؟

الدكتور الصديقي: كل من يشهد أن لا إله الا الله وأن محمدًا رسول الله ليس بكافر عندي بأي حال من الأحوال، فتكفير أحد هاهنا خلاف المنهج القرآني.

الشيخ الحبيب: هل أن قوم أو أصحاب مسيلمة كانوا يشهدون الشهادتين أم لا؟ الجواب بالاتفاق نعم، ولكنهم جاءوا بناقض من النواقض التي هي من مستلزمات هذه الشهادتين، إذ قالوا بوجود نبي بعد محمد «صلى الله عليه وآله وسلم» هو مسيلمة، وأنه مشترك معه في النبوة، وعليه فقولك أنك لا تكفر أحدًا ما إذا كان يشهد الشهادتين على الاطلاق، هذا قول ليس علمي ولا شرعي، لأن من يشهد الشهادتين ويقول بمقولة ناقضة لأسس العقيدة فأنه يكفر.

فالسؤال بتعبير آخر، هل أن مقولة القائل بأن الله ينزل الأحكام وفق هوى أناس، هي مقولة إيمان تنسجم مع القرآن والسنة، أم أنها مقولة قدح في حكمة الله تبارك وتعالى، ما يعني المجيء بناقض من نواقض الدين، أجبني..

الدكتور الصديقي: أولاً قلت لك أنه ليس بعاقل من يقول هذا الكلام، ثانيا ينبغي أن لا تتشبث بمثل هذه المصادر والمراجع التي بين يديك.

الشيخ الحبيب: بناءا على استبعادك (ليس بعاقل من يقول هذا الكلام) فلنفترض مثلا أنك سمعت قائل يقوله، فماذا ستقول لذلك القائل؟

الدكتور الصديقي: عليك أن تكون موضوعيًا فتتحرر من أخذ هذه المقولات، فلا تسلّم بمقولة قائل دون أن تتبّع كلامه وأقواله الأخرى، فتنظر هل أنه قال ذات الكلام في موطن آخر أو بصيغة أخرى أم لا، وهكذا.

الشيخ الحبيب: بعد التثبت والتحري من صدور هذه المقولة من القائل، سؤالي ما حكمه وما حكم مقولته!؟

الدكتور الصدّيقي: عليك أن تتبع مقولاته المتعددة وحينذاك إن وجدته قد قال هذا الكلام نفسه بمواقف أخرى، سننظر في محاسبة هذا القائل، لا أن نخرجه هكذا من الدين جزافا، فأنت هل شققت عن قلبه حتى تحكم عليه؟

الشيخ الحبيب: أولاً هذا جواب عجيب وغريب، بعيد عن لغة الفقه والفقهاء، لأن الفقيه حين يرفع إليه أن فلانا قال هذه المقولة فيتحرى فيجدها ثابتة على القائل فأنه حين ذاك يصدر حكمه لا أقل على المقالة ويقول أنها مقالة كفرية أو أن يقول أنه لا إشكال فيها.

ثانيا أنت بنفسك لو كنت بين قومك وسألوك عن رجل رافضي قال أن عائشة قد زنت لقلت عنه أنه كافر أو لعلك ستقول أن هذه مقولة كفرية بناءا على اعتبارك أنها تصادم كتاب الله في سورة النور التي أبرأت هذه المرأة من فوق سبع سماوات كما تقولون، وحينها لن تقول أنا لا أكفر أحدًا ما دام يتشهد الشهادتين، فلماذا أنت تتحرز كل هذا التحرز من اصدار حكم في قائل هذه المقولة الثابتة على أحد من تحترمهم ولا تريدهم ان يسقطوا من أعين الناس؟

نحن نريد منك شيئا من الانصاف وقوة القلب، فإما أن تقول أن هذه كلمة كفرية وتريحنا، وأما فاعذرنا فيما نذهب إليه من معاداة قائل هذه المقولة لأنها تطعن في الذات الإلهية مباشرة لا في النبي وحسب، فقائل هذه المقولة بالاتفاق هو عائشة.

هذه مقالة عن عائشة وردت في كتب الحديث الصحاح وفي كتب السيرة، وقد استبشعها حتى بعض من علمائكم، والرواية عن هشام عن أبيه قال: كانت خولة بنت حكيم من اللائي وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه [وآله] وسلّم، فقالت عائشة: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل؟ فلما نزلت الآية «تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء» قالت عائشة لرسول الله: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك! فهنا هذه المرأة تتهم الله عز وجل بأنه يسارع في الهوى مع أن الله نزه نبيه عن الهوى إذ قال: «وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى • إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى»، فجوابا على سؤالك: لماذا لا تحترم عائشة؟ هذه هي حجتي التي تجعلني أبرأ إلى الله من هذه المرأة، ولكن علمائك كالقرطبي مثلا مع أنهم استبشعوا هذه المقولة ارجعوها إلى (الغيرة) مع أن هذه الكلمة لا يحل لمسلم أن يقولها وجوابنا على هذا أن الغيرة لها حدود فلا يمكنك أن تبرر لإمرأة طعنها في الذات الإلهية بهذا الدافع وإلا لانهدم الدين كله من أساسه ولكان عليك تبرئة المرأة الكويتية التي احرقت خيمة كان يقام فيها عرس زوجها السابق والتي باحراقها قتلت 80 نفسًا، وكل ذلك بداعي الغيرة. الآن طبّق كلامك (ما من عاقل يقول بهذه المقالة) طبّقه على عائشة وقل أنها ما كانت عاقلة، ثم أجبني بعد ذلك، لماذا تريدنا أن نأخذ بأحاديثها؟

ثالثا: أن علماء الجرح والتعديل حين يتحدثون عن راوي يترجمون له يقولون أن النبش في سيرته يأتي لكونه ناقل للدين، أي أننا نتلقى منه الدين لذا ينبغي أن نبحث في شخصيته لنرى هل أنه عادل صدوق أم مجروح كذوب، ولا يقولون أنه قد أتى بدين جديد، فقولك أن الدين يؤخذ فقط من الله ورسوله ولا يؤخذ من هؤلاء اعجب حقيقة منه، فجوابك أجنبي عن ما تريد أن تلزمني به وهو أني قد ادعيت أن مصدر دين فأنا قلت أن عائشة ناقلة للدين لذا نريد أن نبحث في شخصيتها ولم أقل أنها نبيتكم وإن كانت واقعًا كذلك عندكم، فنحن بين أمرين إما أن نأخذ الدين المنقول عنها إن وجدناها مؤمنة صادقة وإما أن نرفضها إن وجدناها منافقة كاذبة، وما قدّمناه كاف لنزع صفة العدالة منها.

الدكتور الصديقي: لقد عملت جاهدا على أن تكفر (السيدة) عائشة من خلال هذه المقولة القائلة وأنا ما زلت مصرًا على عدم تكفير أحد وفقا لمنهجيتي. ففي كم من موطن قالت (السيدة) عائشة أن الله سبحانه وتعالى يسارع في الهوى؟!

إن أردت أن تكون منهجيًا فأت بأكثر من مقولة ولا تتشبث بمقولة واحدة وتلتف حولها، فأنا أشك في أنها قالت هذا القول ولكن إن قالته فله تأويله ومبرراته، فما هو مفهوم الهوى في ذلك المجتمع، عليك أن تتبع الاصطلاح وترى مفهومه، إذ قد يكون قد تغيّر كما تغير مصطلح (العلمانية) وتبدّل إلى أن وصل إلى معنى عدم الإيمان بالله سبحانه وتعالى بعدما كان معناه منهج الأخذ بالأسباب. وللعلم فأن أنا تخصصي في الاصطلاحات، وعليه أصحح لك أنت قلت الغيرة بكسر الغين بينما الصحيح أن تقول الغيرة بفتح الغين. أما عن التبرير لموقف عائشة بأنه غيرة نسوية فالرأي مقبول، ولكن ماذا تقول في مسألة خزن العلم إذ أنتم تقولون بأن العلم أنزله الله (دُفعة) واحدة على النبي ومن ثم النبي خزنه في علي ثم توارثه الأئمة، فلماذا لا تقبلون النقاش في هذه المسألة؟

الشيخ الحبيب: اعتقد أن الدكتور يتعمد أن يشتت موضوع الحوار بالدخول في مواضيع أخرى، بجر الحديث نحو الاصطلاحات وما إلى هنالك، ولكني هنا أنزه الدكتور عن ذلك، نحن الآن أخذنا منك جوابًا وهو قولك أنك تشك في صدور هذه المقولة من عائشة وأن تبرير علمائك لها هو أن دافعها الغيرة، بكسر الغين حسب اللفظة الدارجة، فلو شئت أن أتتبع سقطاتك في ضبط الكلمات لقلت لك أنك قلت (دُفعة) بضم الدال بينما الصحيح هو (دَفعة) بفتح الدال، فعلى أي حال دعنا نتكلم كما نتكلم، في بعض الأحيان بالفصحى وفي بعض الأحيان بالدارجة حتى لا يتشتت النقاش.

أنت قلت أنك تشك في أن هذا القول صدر من عائشة، بينما أخرجه البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل وجماعة من أهل السنن، فهل تراه مكذوبا؟ أريد جوابًا حول هذه النقطة حتى نفتح الباب في النقاش بما في البخاري ومسلم.

ثانيًا أنت قلت هل أنك بحثت في مفهوم الهوى بذلك المجتمع لتعرف ما هو المراد به؟ الجواب: أن المفهوم يفسره الحديث نفسه أو الرواية نفسها في البخاري، إذ يتضح مقصود عائشة من لفظة (الهوى) من نص الرواية التي تقول ما مضمونه: كانت خولة بنت حكيم من نساء الأنصار المؤمنات اللائي وهبن انفسهن للنبي فنزلت هذه الآية «وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ» بإجازة الهبة، فقالت عائشة حينها: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك، فمفهوم الهوى هنا واضح وهو ما يهواه النبي وهو أنه يهوى أن يأخذ هؤلاء النساء اللائي وهبن أنفسهن له، فلا نحتاج الى إن نشرّق ونغرّب ونأوّل وندخل في المصطلحات و المفاهيم وإثبات معنى الهوى ها هنا. أنت تذكرني هنا بمن كان يلف ويدور ويقول تعال أثبت أن معنى (من كنت مولاه) هو معناه أنه الأولى بالتصرف، ومن ثم يلف ويدور!

اذا كان الأمر هكذا فأنا لي أن أتعسف في فهم الكلام الواضح جدًا بلغة العرب، مما تقوم عليه القرينة في سياق الكلام، فلي مثلا أن أتعسف معك في فهم معنى قول (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) فأقول لك تعال أثبت لي هنا أن المقصود بكلمة (الفضل) هو الأفضلية، فمن معاني الفضل في اللغة كما أنت متخصص بها هو (المتبقي) أي ما ينبذ من الطعام، ولكني لا أريد أن اتهابط في الطرح إلى هذه الدرجة في فهم الكلام الواضحة والصريحة.

الدكتور الصدّيقي: ما زال الشيخ ملتزمًا بتكفير عائشة عبر هذه المقولة (أن الله يسارع في هواك)، فلم يتقبل أي تبرير من المبررات، ولا بحث المفهوم الاصطلاحي للفظ المعنى، فالآن أسأله سؤالاً: لو أني قلت أن الله سبحانه وتعالى يسارع في أن يُلهم الشيخ أن يتلفظ بهذه الألفاظ وأن ينظـّم أفكاره، هل هذا يعني بأني قد كفرت؟ أجبني.. وعلى أي حال فبخصوص ما تمسكت وتشبثت به من مقولة وحيدة لتكفير (أم المؤمنين) عائشة، فعلى أقل تقدير هذه فيها غيرة نسائية ولا اعتقد أن عائشة بتلفظها قد خرجت عن الإيمان، فهذا الموطن الذي لا أسلّم لك به إذ أين رد الرسول عليها في نفس الوقت؟ ثم لماذا لم تجب عن أسئلتي حول موضوع خزن العلم وأمور أخرى؟

الشيخ الحبيب: اسألتك التي لم أجب عليها قلت لك من البداية أنها تشتيت للموضوع، فحصرت نقاشي بهذه المسألة التي بدأت النقاش حولها فبدأت اعرض حججي الواحدة تلو الأخرى في اثبات أن موقفي سليم في تكفير هذه المرأة و اسقاط عدالتها و ضرورة البراءة إلى الله تعالى منها، فوجدتك منذ البداية تريد حرف الموضوع نحو التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي، ثم أنت لم تجبني على أسألتي التي كانت في صلب الموضوع كما الكل شاهَدنا وسَمَعَنا ووَقفَ على أننا لم نخرج عنه.

أما مسألة أنك لو قلت (أن الله يسارع في تنظيم أفكار الشيخ) فهذه المقولة ليست من جنس تلك المقولة، إلا إذا قلت أن الله يسارع في هواك، فهنا ستنسب إلى الله أنه يشرّع أحكامه وفق امضاء الهوى، أي هنا يكون كلامك محل إشكال إذ أنك ستجيز على الله العمل على امضاء الهوى، بينما نحن نعلم أن الهوى منزه عن النبي فكيف بالذات القدسية لله تعالى، أمّا الخلط بين الأمرين فهو شيء عجيب وبعيد عن الأكاديمية.

شارك الخبر على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp