التزاماً منه بتقديم نماذج معاصرة لفرز منهجي المختار الثقفي ومحمد بن الحنفية اللذان تقدّم ذمهما في الحلقات السابقة من الليالي الحسينية لسنة 1434 هجرية بالتقويم الرافضي، سلّط سماحة الشيخ الحبيب الضوء في الثامن من محرم الأخير على إحدى الشخصيات المعاصرة التي تسلّقت الظهور بدعوى الانتهاج بالنهج الحسيني، وذلك في سياق بيان معنى قول الإمام الحسين (عليه السلام) في قنوته: ”وأعذ أولياءك من الافتتان بي، وفتّنهم برحمتك لرحمتك في نعمتك تفتين الاجتباء، والاستخلاص بسلوك طريقتي، واتباع منهجي“ (مهج الدعوات الصفحة 59).
وشدد الشيخ الحبيب على أن مثل هذا الافتتان الخطر كان سببا للوبال على الأمة الشيعية، إذ ساهم بعض أسلاف الشيعة – إن جاز التعبير – في قيام دول ضالة مستأكلة بأهل بيت النبوة كالدولة المختارية والدولة العباسية، واللتان أدى وصول دعاتهما إلى سدة الحكم لإنشاء فرق منحرفة في العقيدة، و بالتالي جر المضاعفات السيئة على أئمة الهدى ودين الحق (صلوات الله عليهم أجمعين)، معيداً سماحته التذكير بأن الدولة الأولى تسببت بظهور الدولة الثانية حيث دعا المختار الثقفي إلى إمامة ابن الحنفية حتى انتقلت هذه الإمامة المزعومة إلى ابنه أبي هاشم قبل أن تنتقل إلى عبدالله السفاح أول ملوك الدولة العباسية، ونصح الشيخ (حفظه الله) كافة المؤمنين بضرورة الانتباه لعدم الوقوع في خديعة كل من يدّعي نفسه حسينياً يسير على المنهج الحسيني، بأخذ العظة من صفحات التاريخ.
وعلى مرآة الحاضر عكس الشيخ الحبيب الصورة في خضم بحثه حول هذه الشخصية، داعيا المنخدعين بها إلى تقويم مسارهم بسحب تأييدهم لها ولمن جاء بعدها، بالرجوع إلى الحق المبين، بعيدا عن الهوى والعاطفة، بعد التأمل في منهجها المغاير والمخالف لأهل البيت (عليهم السلام). ولتقريب الصورة إلى الأذهان ضرب الشيخ مثالا بشخصية ”خندف الأسدي“، الذي قتله المخالفون لجهره بالبراءة من أبي بكر وعمر وعثمان، مشيراً سماحته إلى عدم احترامه وتقديسه لهذه الشخصية لكونها شخصية منحرفة الاعتقاد حيث يقول صاحبها - الذي نعاه الشاعر المعروف بكُثَيّر عَزّة - بإمامة أبي هاشم ابن محمد ابن الحنفية، مشدداً سماحته (حفظه الله) بأن دعوة ”الخميني“ ما هي إلا دعوة شبيهة بدعوة المختار الذي كان طالبا للرئاسة والحكم باستعارة المفردات والعناوين الثورية الحسينية، وأردف الشيخ أن هذا الرجل بعد نجاحه في التغلب على الشاه المقبور أسس حكما معاصراً باقٍ إلى هذه اللحظة على خلاف منهاج المعصومين (عليهم السلام)، وذلك بشكل واضح لكل من يستفتي ضميره.
وهناك الكثير من الجرائم التي ارتكبها النظام الإيراني الحالي والنظام السابق، منها ما فعله الخميني بإرساله في أول سنة من حكمه ألفين من أنصاره المتوحشين إلى دار المرجع السيد محمد كاظم الشريعتمداري للهجوم عليه في بيته والتنكيل بأتباعه واعتقالهم وزجهم بالسجون، مع قتل بعضهم جوراً وعدواناً لكون أن مرجعهم الشريعتمداري قد خالف قائدهم في مسألة ولاية الفقيه، ووجهوا تهمة محاولة قلب نظام الحكم إليه، ومنها أيضا تبنّيه نشر الفلسفة والعرفان الباطل، هذا بغض النظر عن الجرائم الأخرى التي تعرض لها مراجع وعلماء آخرين يدل على مدى إجرام النظام الإيراني، فآثر الشيخ الحبيب أن يقدّم علامات واضحة وجلية يقف عليها المكلف العامي لفرز ما يطابق منهج الحسين (عليه السلام) عمّا يباينه.
وكأولى النماذج التي تُبيِّن فساد منهج مؤسس هذا النظام أشار الشيخ الحبيب إلى ما ترجمه أحد المعممين البحرانيين من الكتب الفارسية عن حادثة جرت مع الخميني حيث صاغها بهذا النص: ”كتب أحد العلماء رسالة إلى الإمام الخميني يطلب فيها مالاً لبناء مدرسة دينية في المدينة التي كان يسكنها، وذكر فيها مبرره ودافعه لهذا المشروع بأن في المدينة يعيش سنة وشيعة، فالسنة عندهم مدرسة دينية والشيعة ليست لهم مدرسة، فلما قرأها الإمام الخميني رحمه الله قال بغضب: لا ينبغي التقابل مع السنة، لا يكفي هذا الدليل مبررا فلأن عندهم مدرسة إذًن يجب أن تكون عندنا مدرسة أيضا!“. (قصص وخواطر للمهتدي البحراني - الصفحة 515).
وعلى هذا النموذج علّق الشيخ الحبيب أنه يُفترض من العالِم الذي يخشى على التشيّع، أو الذي لديه الحرص على بقاء منهاج الحسين وأهل البيت (عليهم السلام) أن يكون غضبه على عدم وجود مدرسة شيعية أو حوزة في مدينة ما وليس العكس، فعلى من يدعى بهذه الدعوة أن يُظهر غيرته على الدين لأن هذا باب ضلال، والمرسل لم يطلب إغلاق مدرسة المخالفين أو الحجر على آرائهم بتلك القرية وإنما كل ما طلبه هو عدم ترك الساحة خالية وشاغرة للفكر الضال الذي يمثل الانحراف عن الدين الإسلامي، فلماذا الغضب واعتبار ذلك كارثة وأن هذا المبرر غير مقبول؟! متسائلا سماحته: ”إن لم يكن هذا مبرر للتحرك فما هو المبرر المطلوب؟! إن القعود هنا يعني إتاحة المجال للمخالفين لتربية جيل كامل على المذهب الباطل وعلى العداء لآل محمد (عليهم السلام) والنتيجة هي انجراف الأمة إلى الضلال والإقلال من عدد أتباع أهل البيت (عليهم السلام) وإخماد صوتهم مع علو الصوت المخالف“.
وأضاف سماحته: ”العجيب في الأمر أن الساذج الذي ألّف هذا الكتاب أخذ القصة على أنها دليل صلاح ذلك الرجل وأنها من محاسنه إذ أنها تشير إلى أن منطقه هو وجوب توحيد الصف الإسلامي ونبذ التفرقة والشخوص بالأبصار عن منابع الفتن في الأمة الإسلامية مع أن هذه القصة هي فضيحة وخزي لصاحبها، إذ العجيب أن يصبح تأسيس مدرسة تربي الأجيال على منهج أهل البيت (عليهم السلام) وعلومهم منبعاً للفتنة في الأمة الإسلامية!، فانظروا إلى هذا المنطق الأعوج الذي يرى الحق باطلا والباطل حقا، الذي يرى المعروف منكراً والمنكر معروفاً!
فهذا يُخبِرُنا أن هذا الرجل - الذي وضع العمامة على رأسه - ليس لديه أي إحساس بالمسؤولية، فقضيته الأولى ليست هي الدعوة لأهل البيت (عليهم السلام) ونشر معارفهم، ولذا لا يظهر منه الحرص على الإسلام عند سماعه خبر وجود مدرسة في قرية من قرى إيران تنشر فكر وعقيدة الباطل، وأن تلك المدرسة تعلّم الناس تعاليم أبي حنيفة مثلا، بل تراه يغضب من دعوته لتأسيس مدرسة تعلّم الناس تعاليم الباقر والصادق (عليهما السلام)؛ وذلك لأن أولويته هي السياسة والعسكرة، أما أبعد ما يفكر به فهو تقريب الناس إلى أهل البيت (عليهم السلام). وإن ادّعى أحد أن ذلك لأجل مقاومة الصهاينة قلنا أن الشخص الذي يقاوم ولا يفكر بالدعوة لأهل البيت (عليهم السلام) فهو ليس مقاوما حقيقيا ولا فائدة من مقاومته، فأهل البيت (عليهم السلام) قاوموا جبهات الشرك والنفاق وكانوا مع ذلك يدعون إلى التشيّع، فالإمام علي بن أبي طالب مثلا وهو في معركة الجمل جاء إليه رجل ليسأله مسألة عقدية، فنهر أصحاب الإمام ذلك الرجل، لكن الإمام (صلوات الله عليه) أجابه عليها في ساحة القتال، وقال ما مضمونه: نحن نقاتل من أجل العقيدة لا من أجل الملك.
وعليه فإن هذه القصة ترسم لنا صورة من فكر وتوجه هذا الرجل وسبب تأسيسه لهذا النظام، بما يتنافر مع منهج الإمام الحسين (عليه السلام) الذي قام قبيل ثورته بإلقاء خطبة في منى بموسم الحج، يدعو فيها الناس لكي تلتف حول العقيدة الطاهرة، وحثهم فيها على بث الحقائق المرتبطة بالتشيّع إلى الآخرين حتى لا يندرس الحق - وذلك قبل هلاك معاوية بسنتين - أي في ظل تلك الأجواء الصعبة. (راجع الاحتجاج للطبرسي - الجزء 2 - الصفحة 18). فالذي يحمل منهج الحسين (عليه السلام) هو الذي يسير على هذا الدرب، فرسالة ذلك العالم مفادها أننا نخاف أن يندرس الحق بهذه القرية بوجود مدرسة للمخالفين فيها، فمن يكون حسينيا حقا هو الذي يندفع فيؤسس بالمقابل بدلا من مدرسة واحدة عشر مدارس لنقل علوم ورسالة أهل البيت (عليهم السلام) كيلا يندرس الحق آجلا أو عاجلا.
والواقع أن ذلك قد جرى فقد اندرس الحق في بعض قرى إيران الواقعة على الأطراف الحدودية، بسبب هذا النظام التعيس، فهناك إحدى القرى مثلا بحسب الإحصائيات في بداية الثورة الإيرانية كان عدد الشيعة فيها 80 بالمئة، لكن المخالفون هنالك اجتهدوا وعملوا، بينما تخلت الدولة عن الشيعة وانشغلت بفكرها خلال ثلاثين سنة بالسياسة البحتة، مع دعوى مقاومة الاستكبار والاستعمار وأمريكا و”إسرائيل“، والنتيجة أن نسبة الشيعة صارت في هذه القرية حوالي 40 بالمئة - أي قد تفوّق المخالفون فيها على الشيعة حاليا - وهذه الإحصائية كانت قبل حوالي 11 سنة، فمن الطبيعي على هذا أن التناقص في نسبة الشيعة قد ازداد الآن، لأن الطرف الشيعي لم يقدم بضاعته أمام بضاعة الغير ولم يسع إلى إكثار أولياء أهل البيت (عليهم السلام) ولم يجعل من هذه القضية قضيته الأولى ورسالته الأولى. والعجيب أيضا من هذا الخط أنه يقول لا ينبغي التقابل مع البكرية، ولكنه بالمقابل يتقابل مع التيارات الشيعية الأخرى، فتراه يتقابل مع مناوئيه الشيعة كلما أسسوا مسجدًا أو حسينية!
وكذلك فإن هذا الموقف وجدناه يتضاد مع قول الأئمة المعصومين المعروف ”رحم الله من أحيا أمرنا“، إذ طلب المساعدة هنا يأتي لإحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام) لكي لا يموت أمرهم، فإن كان هذا الرجل لا يعتبر أن أخذ المخالفين للأجواء بنشر مذهبهم هو إماتة لأمر أهل البيت فعلى تشيّعه السلام“.
وأضاف الشيخ نموذجا ثانٍ، حيث قال: ”اقرأوا في كتاب (الأئمة الأثني عشر عليهم السلام لجعفر السبحاني - الصفحة 13)، حيث يقصد المؤلف بـ ”الإمام“ شخص ”الخميني“، وهو مسترسل في سياق حديثه عن دعوة هذا الرجل إلى الوحدة الإسلامية في الحج، فيقول ما هذا نصه: ”كما أن الاطلاع على فتاوى الإمام (رضوان الله تعالى عليه) يكشف بوضوح عمق توجهه إلى هذا الأمر الحيوي والدقيق وتأكيده عليه فمن توجيهاته رحمه الله إلى الحجاج نورد هذه الملاحظات المختصرة: يلزم على الأخوة الإيرانيين والشيعة في سائر البلدان الإسلامية أن يتجنّبوا الأعمال السقيمة المؤدية إلى تفرقة صفوف المسلمين، يلزم الحضور في جماعات أهل السنة والابتعاد بشدة عن تشكيل صلاة الجماعة في المنازل ووضع مكبرات الصوت بشكل غير مألوف، وعن إلقاء النفس على القبور المطهرة في البقيع، وعن الأعمال التي قد تكون مخالفة للشرع، يلزم ويجزي في الوقوفين متابعة حكم القاضي من أهل السنة وإن حصل لكم القطع بخلافه، على عامة الأخوة والأخوات في الدين أن يلتفتوا إلى أن واحد من أهم أركان فلسفة الحج إيجاد تفاهم وترسيخ الأخوة بين المسلمين“.
علق الشيخ بقوله: ”نحن لسنا ضد الوحدة الإسلامية والأخوّة بين المسلمين، ولكن هذه التعاليم تخالف منهج أهل البيت (عليهم السلام)؛ لأن فيها ذبح الحق، فإنّ دعوة أبنائنا كي يصلوا صلاة باطلة خلف من لا يصح الإئتمام بهم، والدعوة إلى ترك شعائرنا والتنازل عنها، هي دعوات للتنازل عن الولاية لأهل البيت والبراءة من أعدائهم، وعلى الناس التفريق في المعنى. فالوحدة المطلوبة هي التي تكون بمخالطة المخالفين كمؤاكلتهم ومصاهرتهم ومزاورتهم ومجاورتهم وعيادة مرضاهم وحضور جنائزهم والتعامل معهم بالحسنى، هذه هي الوحدة الإيجابية التي ينبغي أن ننشدها دون أن يؤدي ذلك منّا إلى سلب ديننا وشعائرنا فنقدّم التنازلات العقدية في عباداتنا للطرف المخالف دون جبرٍ منه ودون اضطرار لذلك. وعليه فإن هذه الفتوى هي فتوى شيطانية تخالف ضروريات عقيدة أهل البيت (عليهم السلام)، وللتأكيد على ذلك ننقل لكم كلام المحقق الخوئي الموجود في كتاب (مستند العروة الوثقى - الجزء 5 - الصفحة 394) حيث نقل في باب الصلاة تعليقه على عبارة المحقق اليزدي (صاحب كتاب العروة الوثقى) في فصل شرائط إمام الجماعة، والتي أكد اليزدي أن من ضمنها شرط الإيمان وشرط العدالة، فكان تعقيب المحقق الخوئي في شرح شرط الإيمان هو: ”أي الاعتقاد بالأئمة الاثني عشر عليهم السلام بلا خلاف ولا إشكال، وقد دلت عليه جملة من النصوص كصحيح زرارة عن الصلاة خلف المخالفين فقال عليه السلام: ”ما هم عندي إلا بمنزلة الجُدر“ (الكافي - الجزء 3 - الصفحة 373)، وصحيحة البرقي قال: ”كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) أتجوز الصلاة خلف من وقف على أبيك وجدك؟ فأجاب لا تصلي وراءه“ (من لا يحضره الفقيه - الجزء 1 - الصفحة 379)، وصحيحة إسماعيل الجعفي قال: ”قلت للإمام أبي جعفر (عليه السلام) رجل يحب أمير المؤمنين ولا يتبرأ من عدوه ويقول هو أحب إليّ ممن خالفه، قال عليه السلام: هذا مخلِّط وهو عدو فلا تصل خلفه ولا كرامة إلا أن تتقيه“، وصحيحة ابن مهزيار قال: كتبت إلى محمد بن علي الرضا (عليهما السلام) أصلي بمن يقول بالجسم ومن يقول بقول يونس؟ فكتب عليه السلام: فلا تصلوا خلفهم ولا تعطوهم من الزكاة وابرأوا منهم برئ الله منهم“ (الأمالي للصدوق - الصفحة 352) ونحوها غيره.
ثم يعلق المحقق الخوئي في شرح شرط العدالة قائلاً: ”أي الاستقامة في جادة الشرع وعدم الانحراف يمينا وشمالا واعتبارها لدى الخاصة مما لا خلاف فيه ولا إشكال بل من الواضحات الغنية عن الاستدلال، بل عدّها المحقق الهمداني من ضروريات الفقه“. فعليه إن من ضروريات فقه الشيعة أنه لا تجوز الصلاة خلف المخالف وخلف غير العادل، أما هذا الرجل فبكل جسارة يخالف الضروريات الفقهية بدعوى وحدة المسلمين، وذلك على حساب التخلي عن فقهنا وأحكامنا لإرضاء المخالفين، فهذه هي الفوضى بعينها.
ثم أن دعوته لعدم إلقاء النفس على القبور المطهرة المهدمة للأئمة (عليهم السلام) هي دعوة مخالفة للروايات الواردة عندنا في الزيارات، إذ أنها تخبر بأن هذا لا ينافي الشرع بل أنه عمل قد حث الأئمة عليهم (الصلاة والسلام) شيعتهم عليه.
فاقرأ مثلا في كتاب (المقنعة للشيخ المفيد - الصفحة 475) ما كتبه تحت عنوان (باب: مختصر زيارتهم عليهم السلام)، إذ جاء ما هذا نصه: ”تغتسل كما قدّمناه، وتقف على قبورهم بحسبما رسمناه، وتقول: السلام عليكم يا خزّان علم الله، وحفظة سره، وتراجمة وحيه، أتيتكم يا بني رسول الله زائرا، عارفا بحقكم، مستبصرا بشأنكم، معاديا لأعدائكم، مواليا لأوليائكم، بأبي أنتم وأمي، صلى الله على أجسادكم وأرواحكم، ورحمة الله وبركاته، اللهم إني أتولى آخرهم كما توليت أولهم، وأبرأ إلى الله من كل وليجة دونهم، آمنت بالله، وكفرت بالجبت والطاغوت واللات والعزى وكل ند يدعي من دون الله، اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعل زيارتي لهم مقبولة، ودعائي بهم مستجابا يا أرحم الراحمين. ثم انكب على القبور، فقبّلها، وضع خديك عليها، وتحول من مكانك، فصل ست ركعات، وإن جعلت زيارتك هذه للأئمة الأربعة فصل ثماني ركعات إن شاء الله“.
فهذا ما كان الشيعة الإيرانيون يقومون به بينما سماه هذا الرجل (أعمالا مخالفة للشرع)!“.
وأضاف نموذجاً ثالثاً، وقال: ”وهو (النموذج الثالث) الأمَرّ والأدهى والأكثر كسراً وإدماء للقلوب، ارجعوا إلى كتاب اسمه (صحيفة نور - المجلد 15 - الصفحة 319)، وهو كتاب جُمِعت فيه خطب وأقوال هذا الرجل، تجدون فيه نص خطبة له ألقاها بتاريخ (15 نوفمبر 1981م) أي في اليوم الموافق للتاسع عشر من شهر محرم الحرام بتلك الفترة، وذلك في ”جمران“ بشمال طهران، وهذا هو النص الذي فيه موضع الشاهد، انظروا ماذا يقول: ”إن حاجتنا إلى التضامن اليوم أكثر من أي وقت مضى، إننا نواجه اليوم جميع القوى وأنها تقوم بالتخطيط في الداخل والخارج حتى تقضي على هذه الثورة، وعلى هذه النهضة الإسلامية والجمهورية الإسلامية، وهذا واجب إلهي إذ أنه من أهم الواجبات التي فرضها الله بمعنى أن صيانة الجمهورية الإسلامية أهم من الحفاظ على حياة شخص واحد ولو كان إمام العصر؛ لأن إمام العصر أيضا يضحي بنفسه لأجل الاسلام“.
علق الشيخ قائلا: ”هذه كلمة كفر تدل على انعدام الغيرة على إمام العصر، الإمام المظلوم الذي باسمه تأسس هذا الحكم، يقول له هذا الرجل هنا: لو اضطررنا يوما ما أن نضحي بنظام الجمهورية الإسلامية أو نضحي بك أنت، فإننا سنختار أن نضحي بك أنت لأنك تضحي بنفسك لأجل الإسلام!
فهنا يختزل هذا الرجل الإسلام كله في نظامه وحكمه السياسي، وأن من لا يقبل به فإن إسلامه يكون غير مقبول، بينما الإسلام هو إمام العصر وهو الذي يجب حمايته، وعليه فهذا المنهج ليس هو منهج الإمام الحسين (صلوات الله عليه)، بل أنه دين المُلك والسياسة ولا عجب من هذا الرجل إذ اتخذ السياسة له دينا.
انظروا أيضا في نفس الكتاب (صحيفة نور - الجزء 21 - الصفحة 208) كيف أن هذا الرجل يدعو إلى جر المجالس الحسينية لتكون في فائدة نظام سلطته السياسية إذ يقول: ”لا تنحصر فوائد مجالس العزاء في البكاء على سيد الشهداء (عليه السلام) واكتساب الأجر والثواب جراء ذلك، بل المهم الجانب السياسي من هذه المآتم، ولا شك أن مجالس العزاء هي التي حافظت على كيان الجمهورية الإسلامية بالرغم من المخططات الاستعمارية التي تخطط لها القوى الكبرى وتهاجمها بكل صوب“.
خاتمة التعليق وخلاصة البحث: هذا الرجل يدعو هنا إلى تسييس المجالس الحسينية وغيرها من المظاهر الشيعية، فيدعو إلى توظيفها لحماية النظام وتقويته، فليس المهم عنده أن لا يتلاعب أحد ما بالشرع، أو أن لا يفتي أحد ما بفتاوى مخالفة لضروريات الفقه، ليس المهم عنده أن يعلّم الناس دينهم ومذهبهم، أو أن يحيي أمر أهل البيت (عليهم السلام) ولا يترك الساحة كلها للمخالفين، فما دام حكمه قويا فأنه مستعد للتضحية بإمام العصر (صلوات الله عليه) من أجل بقاء النظام، فوا إسلاماه!
هذه هي المختارية الجديدة في عصرنا التي سقط فيها الكثير من الناس عندما أتاهم هذا الاختبار، أنها مذهبٌ جديد يعلّم أبناءه عقيدة وحدة الوجود والموجود، ويربيهم على النزعات البترية الخبيثة، إنه مذهبٌ مسيّس مهجّن يعلّم أبناءه أن أصول الدين ستة حيث ابتدع أصلا سادساً اسمه ”ولاية الفقيه“ جعله الأصل الخامس عنده وأصّل لذلك في مناهجه الدراسية، والتي يدرّس بعضها في لبنان مع الأسف.
وعليه أنتم جميعا مدعوون إلى هذه الوقفة الجادة، بتحمل ما يأتيكم من أولئك المفتونين بهذا النظام، فهذا صوت المعارضة الشيعية الرافضية الأصيلة التي تقدّم الدلائل وأنتم عليكم أن تحكمون، إياكم أن تغتروا، إياكم أن تفتتنوا كما فتن من قبلكم باسم الحسين (عليه السلام) فانجروا نحو عقائد جاهلية باطلة، تبرّأوا من هذه العقيدة ومن هذا المنهج، فإن سقط رجل يبقى التشيّع أكبر وأعظم من الرجال“.