استضافت إحدى حلقات البث المباشر لجمع التبرعات لقناة فدك الفضائية الدكتور اللبناني الأصل المتشيّع رامي جراد، وكان من دواعي سروره أن يروي لقناة فدك ومشاهديها الكرام شيئاً من التفصيل حول قصّة تحوّله إلى التشيع العظيم وركوبه سفينة النجاة.
بدأ الدكتور حديثه بحمد الله تعالى على هذه النعمة والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الأطهار، مؤكدا أن حديثه ليس لتزكية نفسه وإنما هو في معرض حديث عام لينتفع به من يمر بمثل هذه المرحلة، ومن باب فذكّر فأن الذكرى تنفع المؤمنين.
قال الدكتور رامي: ”إن الله أنعم علي بدراسة أدلة الأديان للوقوف على أحقية دين الإسلام على سائر الأديان الأخرى، فاهتديت إلى القطع بصحة دين الإسلام عبر ما رأيته من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم“. وأضاف قائلا: ”ولذا جمعت رفاقي الذين يدرسون معي الطب لمناقشة الأدلة التي كان منها ما أخبره القرآن عن تفاصيل توصّل إليها علم الأجنة حديثا، فيما يتمثل بقوله تعالى: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ • ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قرَارٍ مَّكِينٍ • ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ»، ولكن اللطيف في الأمر أن بعضهم أراد أن يستدل بهذه الآية على بطلان الإسلام زاعماً أن اللحم ينبت قبل العظم، فأتيتهم بكتاب في علم الأجنة يؤكد هذه الحقيقة المحجوبة عن الأنظار بأنه في آخر الأسبوع السابع يظهر ما سيعطي العظم ثم تظهر الخلايا في أول الأسبوع الثامن فتكسى العظام باللحم ثم ينشأ خلقاً آخر يمكن أن نسميه طفل صغير“.
وأكمل الدكتور قائلا: ”إنني من بعد أن تمسكت بهذا، واصلت التعلّم لما أوجبه الله علينا، فوجدت الناس مختلفين وبدأت رحلتي الشاقة والصعبة. عندها قرأت كتاب ”إحياء علوم الدين“ لأبي حامد الغزالي ثم رأيت الطرطوسي المالكي يسمّيه ”إماتة علوم الدين“، ورأيت ابن القيّم الجوزية - تلميذ ابن تيمية - يرد على الغزالي فاحترت، ثم أنني حينما كنت أتعلم أمور الفقه تفاجئت أن الوضوء عند الشافعي فيه خمس فرائض وهي: (النيّة، ويضيف إليها غسل الوجه، وغسل اليدين إلى المرافق، ومسح الشعر، وغسل الرجلين) ثم رأيت أن الوضوء عند مالك بن أنس يختلف باشتراطه الترتيب والموالاة، ووجدت الوضوء عند أبي حنيفة يختلف أيضا، فكلٌ منهم يقول أن هذا هو وضوء الرسول (صلى الله عليه وآله) ويأتي بوضوء مختلف، بل أنهم اختلفوا حتى في شأن الأذنين فمنهم من جعلها تابعة للرأس فيوجب مسحها معه، ومنهم - كالشافعي - قال بتخصيص مسحة ثانية لها! كل هذا الاختلاف في أكثر الأمور التي كان يؤديها الرسول أوقعني في حيرة، خصوصاً أن رسول الله كان يجدد وضوءه أكثر من مرة وهو على طهارة رغم أنه ليس في حاجة إلى وضوء لأنه مطهّر من عند الله سبحانه. وكذلك وجدتهم مختلفين في كيفية الصلاة، وكيفية وقوف المأموم بالنسبة للإمام، والجهر بـ ”بسم الله الرحمن الرحيم“، فعاهدت الله إذا هداني إلى ما كان عليه حال الرسول (صلى الله عليه وآله) أن لا أتركه أبداً - لكثرة ما وقع في قلبي من مرارة الاختلاف والتضارب في روايات الأمور العملية والاعتقادية بين الأصحاب الذين هم من المفترض أن يكونوا أقرب ما يكون لرسول الله - إلا أنهم أوصلونا إلى ما وصلنا إليه من الحيرة. فهداني الله للتعرّف على إسلام آل محمد (صلوات الله عليهم) وتبيّن لي ذلك بالأدلة القاطعة، رغم ما لقنوني إياه من أن ما عليه الشيعة هو الكفر ومن يشك ويتوقف في هذا فقد كفر، وتحريمهم علينا النظر في كتب الشيعة وزراعة العُقد في قلوبنا منهم، إلا أنني مضيت فيما عاهدت عليه الله وهو أن أصل إلى ما كان عليه الرسول (صلى الله عليه وآله) فتجاوزت كل ما تلقّنته من ترهات ضد هذا المذهب ببحثي في كل مسألة أزعجتني من الشيعة، وأشهد الله أنني لم أكن سهلا معهم بل حاولت تخطئتهم في كل مسألة وبشتّى النواحي كالناحية اللغوية وما أشبه إلا أنني كنت أجد كلامهم هو الحق في كل المسائل وأدلتهم تأتي من كتب مخالفيهم“.
وأضاف الدكتور رامي: ”إنني وجدت في التشيّع الإجابة على كل تساؤلاتي، وقد دوّنت رحلتي منذ أن كنت في الفرقة الصوفية مرورا بدخولي إلى المذهب السلفي الوهابي وصولاً إلى اعتناقي دين الإسلام الحق - الإسلام الشيعي - وذلك في كتاب جاهز للطبع، فأنا بطبيعتي كنت أحب الكتابة منذ صغري بغرض محاسبة النفس وتقويمها ولذا ساعدني هذا في تأليف عدة كتب في هذا الحقل“.
وشدد الدكتور على ضرورة أن يعي المكلف في ضميره وعقله أن الإسلام هو دين الحق بتعلم الأدلة والبراهين والمنطق، وأن يتبع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الأمور الدينية بتقوية إيمانه بالله تعالى وكلماته الذين هم الأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم) ليكون من المهتدين ولا يكون من الضالين الذين عصوا الله ورسوله بابتداعهم في دين الله ما يدخلهم في نار جهنم مع غيرهم من الهالكين المطبوع على قلوبهم، ممن تخلّوا عن طريق المحجّة البيضاء الواضح كالشمس في رابعة النهار.
وأشار الدكتور رامي إلى أنه وُلِد في أسرة بكرية عادية، لكن ما ساقه للدخول في فرقة ”الأحباش“ هو أنه وجدهم يزعمون بأنهم يأخذون الدين من شيخهم، وشيخهم أخذ من شيخه، وهكذا في سلسلة تمتد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فصدّقهم الدكتور في بادئ الأمر إلى أن لاحظ عليهم الدخول في وساوس وأمور غريبة، منها ما حصل لأحد الأطباء وهو طبيب مصري من ”الإسكندرية“، جاؤوا له بشيخ من ”الأحباش“ ليوبّخه على دخوله في نقاش مع أفراد من فرقة ”شهود يهوه“ النصرانية، قائلا له: إنك بسؤالك لهم عن دينهم تثبتهم على دينهم فأنت الآن كفرت ودخولك على زوجتك أصبح زنا! ثم احتاروا كيف يدخلون هذا الطبيب المصري في الإسلام مرة أخرى بعد أن ترددوا بين كفره وإيمانه قائلين: إذا كان هو الآن كافر فما يعيده للإسلام هو أن يعيد التشهد بالشهادتين ليسلم، وإذا كان مؤمن ونطق بالشهادتين ففي ذلك إشكال لأنه يعني أنه قد اعتبر نفسه كافرا ليعود إلى الإسلام!
كما أنهم أباحوا خروج المرأة التي تطلي جسدها بالدهان الأحمر كـ ”البيتادين“ أو ”الأيوزين“ ومن ثم تخرج في الشارع شبة عارية مظهرة مفاتنها أمام الناس، لأن الواجب عندهم هو ستر اللون وليس ستر الجسد كما قال النووي وزكريا الأنصاري صاحب كتاب ”أسنى المطالب شرح روض الطالب“!
وأكمل الدكتور جراد حديثه: ”راعتني هذه الفتاوى الحقيرة التي ما أنزل الله بها من سلطان فلم أجد بداً من أن لا ألتمس لهؤلاء العذر بعد أن رأيت كثرة هذه الفتاوى التي تأباها الفطرة“.
أما عن تجربته الثانية والتي تركزت في الجوانب العقدية فقد أفاد الدكتور أن ما تسبب تعطّلها هو عدم انتشار الكتب الدينية في فرنسا، خصوصاً في فترة أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، وقلة الخبرة في استطلاع الكتب الحديثية التي يتطلب فهمها عناءً كبيرًا، فتأخرت مطالعته حتى ظهرت الكتب وبدأ يطالع ما جاء في البخاري وطامات البخاري الذي يقول في كتابه أن الله صعد إلى العرش ومن مصدر آخر يقول أن الله ارتفع إلى العرش فيحدد لله مكاناً، وأردف الدكتور رامي جراد حول هذه المسألة: ”لو كنت أدري بقول الشيعة في هذا الأمر لاختصرت على نفسي الطريق، فإنني كنت اعتقد أن الشيعة يبغضون القرآن والإسلام وأنهم منافقون أشر من اليهود والنصارى لا يجدر النظر في كتبهم، فدخلت في السلفية ولكني أقنعت نفسي بأن لا أشبّه الله بخلقه، ولكن بعد فترة بدأت تتجمع عندي الملاحظات على هذا المسلك، وتدور حول ابن تيمية والتويجري الهالك صاحب كتاب ”بيان عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن“ ومقرِّر هذا الكتاب أعمى البصر والبصيرة ابن باز (لعنة الله عليه) لما جاء في هذا الكتاب من اعتماد على التوراة المحرّفة لإثبات معتقدهم بتشبيه الله (عز وجل) بخلقه.
واستطرد الدكتور: ”إنني لولا إيماني الجازم بصحة القرآن لكفرت شر كفر بهذا الدين، ولهذا استمررتُ في البحث بل والتأليف للرد على المنحرف الألباني الذي يأمر المرأة بكشف وجهها بناء على أحاديث باطلة بأن الرسول (صلى الله عليه وآله) نظر إلى امرأة فأعجبته فترك الصحابة وقام إلى مجامعة إحدى زوجاته ورجع مبللاً، فأخبر أصحابه بما فعل وطلب منهم أن يفعل الواحد منهم مثل فعله إذا رأى إمراة أعجبته! فقد كنت أرد عليه لما وجدته منه من تصحيح هذا الحديث الباطل الإسناد وغيره من الأحاديث التي فيها طعن بالنبي (صلى الله عليه وآله)، وغيرها من الأمور، إلى أن جاءت النوبة بأن طعن أحد مشايخي في يوم ذكرى عاشوراء - بسبب ما يثيره الشيعة من زخم إعلامي لقضية الحسين - بالحسين نفسه، حيث قال أن في يوم عاشوراء قام الحسين (رضي الله عنه) ضد الخليفة يزيد (رضي الله عنه)، والحسين أخطأ بخروجه على الخليفة الشرعي يزيد! فاستشطت غيظا وغضباً وقلت له بعد الخطبة: الحسين سيّد شباب أهل الجنة أنت تقول أنه أخطأ؟! قال: نعم، فقلت له: إن الحسين صحابي ويزيد ليس صحابي، فقال لي: ولكن يزيد كان عبدا صالحا وابن عمر زكّاه، فقلت له: ابن عمر لم يزكِّ يزيد ولا يمكن أن يقول هذا الكلام، فأجابني: بلى لقد زكّاه.. هل أنت سلفي؟ فقلت له: نعم أنا سلفي. ومن هنا بدأ المشوار للخروج القسري من السلفية ولكني لم أفكر في البحث عن التشيّع، لما كان في نفسي وخشيتي من مضيعة الوقت، إلا أن موضوع الحسين (عليه السلام) الذي هو سيد شباب أهل الجنة كان أمراً مستحقا للبحث، فبحثت في الموسوعة الشاملة لكتب المخالفين على الإنترنت فلم أجدها تحوي كتاباً يروي الغليل أو يشفي العليل للدفاع عن الحسين، فاحترت وزادت حيرتي وتراكمت عندي الأسئلة، فتوقفت عن البحث لأسأل الله أن يعينني، ثم خطر في بالي أن أكتب في جوجل (الحسين عليه السلام، كربلاء، ..) وما أشبه، فوجدت في النتائج كتب ومقالات قرأت منها كتاب ”معالم المدرستين“ وكتاب ”النفيس في بيان رزية الخميس“ وبعض مقالات وخطب الشيخ ياسر الحبيب (حفظه الله) التي كان يصرّح فيها بما يخفي أولئك إلا أني كنت قد فهمت من كلامهما أن هناك مأخذاً على عمر لأنهما لم يكونا يقولان (رضي الله عنه)، ثم واصلت البحث حتى اتضحت لي الحقيقة بشكل واضح بأن الانقسام يرجع إلى انقسام الأصحاب بعد رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى قسمين أحدهما مع علي (عليه السلام) والآخر ضده، فأعلنت تشيّعي على هذا الأساس وهو أني من القسم الأول لاستكراهي كلمة ”شيعي“ فكنت أقول: ”أنا من شيعة علي (عليه السلام) ولا علاقة لي بالشيعة الحاليين الذين هم يكرهون القرآن والإسلام“، لكني في نهاية البحث رأيت أن (هؤلاء الكتّاب الثلاثة) كلهم يسمّون أنفسهم شيعة، فقلت لا يمكن أن هؤلاء يكرهون القرآن وهم يستشهدون بالقرآن فتأكدت أن دين الشيعة هو دين الحق وأن هذا هو معنى الحديث النبوي الشريف: ”تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك“، وقوله: ”يكون من بعدي اثنا عشر أميرا“ وغيرها من الروايات.
وختم الدكتور كلمته بحمد الله تعالى على نعمة الهداية، سائلاً المولى عز وجل الثبات عليها إلى دخول الجنة.