النص الكامل لأجوبة الشيخ الحبيب على أسئلة جريدة الوطن الكويتية

شارك الخبر على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

2007 / 11 / 23

■ من ضغط لكي يتم اعتقال الشيخ؟
■ من الذي ساعده على الخروج من السجن وكيف استطاع مغادرة الكويت؟
■ ما هي محطات رحلته بعد المغادرة؟
■ ما هي طبيعة النشاط الدعوي للشيخ؟
■ هل صحيح أنه تعرض للتعذيب والضرب في السجن؟
■ هل طالب الشيعة في ”السعودية“ بالعصيان والخروج المسلح على الدولة؟
■ هل منحته بريطانيا حق اللجوء السياسي؟
■ هل نادى بهدم وتدمير مساجد ”السنة“؟
■ ما هي شروطه للعودة إلى الكويت وهل سيسلك الخطاب الدعوي نفسه الذي كان يسلكه؟
■ ما هو تقييمه لما يحدث على الساحة السياسية الكويتية حاليا؟
■ كيف أسس هيئة خدام المهدي (عليه السلام) وما هي طبيعة نشاطاتها؟

‏السادة القائمين على مكتب فضيلة الشيخ /ياسر الحبيب
تحية طيبة وبعد
برجاء التكرم بالموافقة على إجراء لقاء صحفى مع الشيخ ياسر عبر الهاتف أو الاميل أو الفاكس أو كما يترأى لكم وذلك لنشرة فى جريدتى الوطن والديلى ستار (الصادرة بالغة الإنجليزية)
مع خالص تحياتى
أحمد زكريا صحفى بجريدتى الوطن والديلى ستار


1- هل يمكن أن تروى لنا تفاصيل خروجك من السجن ومن ثم من الكويت كلها؟

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.

ج1: بعد اعتقالنا وإيداعنا السجن في السادس من شوال 1424 (30 نوفمبر 2003) لم تمرّ إلا أيام قلائل حتى اتضحت الصورة بالنسبة لنا، وهي أن خروجا سريعا من السجن لا يلوح في الأفق رغم أن الحكم القضائي لم يصدر بعد، ذلك لأن نار التحريض علينا من قبل الجماعات المناوئة لم تهدأ حتى صيّرت قضيتنا قضية سياسية عامة على مستوى البلد، وأصبحت القضية محلّ توافق سياسي بين معظم الكتل السياسية من جهة، والحكومة من جهة أخرى، التي تقاطرت عليها الوفود المطالبة بإيقاع أقصى العقوبة علينا.

وكان طبيعيا والحال هذه؛ أن تتعقد القضية أكثر فأكثر، وأن تتجه إلى التأزم لا إلى الانفراج. وبدلا من أن يكون مضي الأيام كفيلا بتخفيف التوتر وتهدئة الساحة لتأخذ الأمور مجراها الطبيعي قضائيا؛ وجدنا أن الجماعات المناوئة كانت تسعِّر النار أكثر، فتصدر البيانات تلو البيانات، والتصريحات تلو التصريحات، وتجتمع برئيس الحكومة غير مرّة، وتعقد المهرجانات الخطابية التصعيدية، وتثير القضية تحت قبة البرلمان، وعلى منابر المساجد، وتعدّ مشروع قانون لتشديد العقوبة على من يمسّ ما يسمى بالصحابة، وتشكّل تكتلا جديدا تحت مسمى الدفاع عن ثوابت الأمة، وتطبع ملصقات للسيارات وتنصب لافتات في الشوارع لترويج عبارة "أنا أحب الصحابة" كردّ علينا.. وهكذا حملت علينا حملة ضخمة متكاملة، الهدف منها كما كنا ندركه، هو أن لا تمرّ هذه القضية مرور الكرام، وأن نكون نحن "عبرة" لغيرنا ممن قد يتشجع ليخترق مجددا دائرة المحظور الديني والتاريخي، ولو من الزاوية المذهبية.

لذا كنا قد فقدنا أدنى قناعة بانغلاق ملف القضية سريعا، وأعددنا النفس لتقبّل واقع الحبس لمدة طويلة، وتأكد لنا ذلك مع تحويلنا من سجن المباحث الجنائية المخصص للموقوفين، إلى السجن المركزي المخصص للمحكومين عادة.

أضف إلى ذلك أن المسؤولين عن وضعنا والمؤثرين فيه سلطويا، كانوا أيضا متحاملين علينا بشدّة بفعل انتماءاتهم الدينية والسياسية، فوزير العدل كان أحمد باقر وهو سلفي وهابي، والنائب العام كان حامد العثمان وهو ذو خلفية إخوانية. والحكومة من جهتها كانت مرتاحة على ما يبدو لأن نبقى في الحبس، ربما بسبب مواقفنا السياسية السابقة إذ وجدتها فرصة لمعاقبتنا وتصفية الحساب، على ما اتضح لنا أثناء التحقيق في أمن الدولة، حيث جوبهنا ببعض مقالاتنا السياسية القديمة التي لا صلة لها بموضوع هذه القضية. أما المجلس فواقع كعادته في الصراخ والاستصراخ ولا يمكن أن يكون إلى جانبنا بحال. وبهذا اجتمعت علينا كل مراكز القوة والقرار والتأثير، تشريعيا، تنفيذيا، وقضائيا. وحتى السلطة الرابعة الإعلامية، فقد اتخذت هي الأخرى قرارا هو الأول من نوعه، إذ أعلنت أنها لن تنشر كل ما له علاقة بموضوعنا، وجاء هذا القرار بعدما نشرت عشرات التصريحات والبيانات والمقالات ضدنا، ولم تتح في المقابل فرصة نشر الردود لمن أحبّ الدفاع عنا وتوضيح الحقائق، فأتى ذلك أيضا علينا وتسبّب في اختلال الصورة لدى رجل الشارع العادي، إذ قرأ للمهاجمين، ولم يقرأ للمدافعين، وكان الأجدر بالصحافة أن تكون على الحياد والتزام المهنية، لكنها لم تفعل وآثرت الانحياز، ثم إنها بنفسها كسرت قرارها! فكانت تنشر بالتتابع تطوّرات قضيتنا، وبعض التعليقات عليها من هذا وذاك. وهكذا اجتمع الكل علينا، وما دام قد اجتمع الكل فيكون طبيعيا أن نقضي في الحبس مدة طويلة، إذ لا يقتنع هؤلاء بأن نقضي فيه شهرا أو شهرين، أو سنة أو سنتين، إنهم يريدون توجيه ضربة مؤلمة لنا.

لهذا لم يعجبهم أن يحكم قاضي المحكمة الابتدائية بأقصى عقوبة في قانون المطبوعات، وهي الحكم سنة مع غرامة ألف دينار، فضغطوا باتجاه تحويل القضية من جنحة إلى جناية، ثم تصييرها قضية أمن دولة، لتكون العقوبة أشد، وهكذا صدر علينا حكم بالسجن عشر سنوات، والذي انضم إليه حكم آخر بالسجن خمس سنوات، ثم حكم ثالث صدر أخيرا بالسجن عشر سنوات، فأصبح المجموع خمسا وعشرين سنة، أي ربع قرن، وهو أول حكم من نوعه في تاريخ البلاد في قضية من قضايا الرأي.

هذا المسار التصعيدي كان واضحا منذ البداية ومنذ الأيام الأولى كما أسلفنا، فكان لا بد لنا من أن نوطن النفس على تحمّل قضاء فترة طويلة نكون فيها محرومين من الحرية. إلا أن الأمل بالله تعالى، والثقة بتأييد المولى صاحب العصر والزمان (أرواحنا وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء) كانا سببا لعدم اليأس أو القنوط. فانشغلنا في أيام السجن المريرة بالدعاء الذي هو سلاح المؤمن، واجتهدنا بالتوسل بمن أمر الله أن نتوسل إليه بهم، وهم نبينا الأكرم وآله الأطهار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. والحق أننا رغم ما كنا نعاني منه في السجن، إلا أن العبادة كانت سلوتنا، وقد قضينا في السجن أروع لحظات الانقطاع إلى الله جل وعلا في حياتنا كلها، إذ لم يتأتَّ لنا الوصول إلى هذه الدرجة من التوجه الروحي من ذي قبل، كما لم يتأتَّ لنا مثله حتى الآن، إلا مرّتين أو ثلاث في العتبات المقدسة.

وعلى أية حال فقد خاطبنا ونحن في السجن مولانا قمر بني هاشم أبا الفضل العباس (صلوات الله وسلامه عليه) ورجوناه أن يتكرّم علينا بالشفاعة عند الله تعالى وعند أخيه الحسين سيد الشهداء (صلوات الله وسلامه عليه) حتى يمنّ الله تعالى علينا بالعودة إلى الحرية والخلاص من السجن، معاهدينه على استكمال مسيرة الدفاع عن حق آل محمد (صلوات الله عليهم) بكل ما نملكه من طاقات. ثم نذرنا نذرا شرعيا وهو أن لو نجونا؛ لنرفعنَّ الأذان شخصيا في حرم سيدنا العباس (عليه السلام) في كربلاء المقدسة.

وقبل أيام قلائل من مناسبة اليوم الوطني لسنة 2004، وتحديدا قبل ثلاثة أيام منه؛ كنا قد استيقظنا كالعادة لأداء صلاة الصبح، وكانت عادتنا أن ننشغل عقبها حتى ما بعد شروق الشمس بالدعاء والزيارة، فكما ورد في وصايا أهل البيت (عليهم السلام) فإن فترة ما بين الطلوعين – طلوع الفجر وطلوع الشمس – تكون من أفضل فترات استجابة الدعاء، ثم إننا بعد ذلك نأخذ قسطا من الراحة والعودة إلى النوم لساعة أو ساعتيْن إذ لا نكون قد أخذنا ما فيه الكفاية بسبب سهرنا ليلا.

واتفق في ذلك الصباح؛ أن رأينا في ما يرى النائم وكأننا في ساحة كبيرة يقف في أقصاها مولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، فهرعت إليه وأنا أهتف به: "يا علي يا ولي الله.. يا علي يا ولي الله" قاصدا عرض مشكلتي وحاجتي، وهي التحرر من السجن.

كنت أتقدّم إليه (صلوات الله عليه) بخطى سريعة وأنا أرى شخصه الشريف لكنني لم أستطع تمييز ملامح وجهه الشريف بسبب شدة توهج النور المنبعث منه، وما إن وصلت قريبا منه حتى تفاجأت باختفائه ولست أدري كيف! إلا أنه ظهرت لي في الحال القبة الذهبية لمولانا أبي الفضل العباس (صلوات الله عليه) ووجدت نفسي فجأة أمام باب قبلة الحرم العباسي في كربلاء المقدسة! فشعرت وكأن أمر قضاء حاجتي قد أحيل من لدن أمير المؤمنين إلى ابنه العباس عليهما السلام، فممددت يدي باتجاه القبة الشريفة وصرخت قائلا: "يا أبا الفضل العباس.. وحقك أخرجني من السجن"!

ويشهد الله عليَّ؛ أنني حينما أتممت هذه العبارة وجدت شخصا يوقظني من منامي وهو يقول لي: "قم، استيقظ، إنهم قد طلبوك في قسم التصنيف". فاستيقظت متفائلا بالخير، وذهبت إلى هذا القسم في السجن، وهو المتخصص بتصنيف القضايا وتنفيذها، وكان صدى العبارة التي خاطبت بها المولى العباس (عليه السلام) ما زال يرنّ في أذني، وما إن وصلت إلى ذلك القسم حتى وجدت رجل أمن قادم من الخارج وبيده كشف فيه أسماء مكتوبة بخط اليد، فقال لي: "أنت ياسر الحبيب"؟ فأجبته بنعم، فأردف قائلا: "أبشرك! ستخرج بعد ثلاثة أيام بمناسبة العفو الأميري بالعيد الوطني"! قلت له: "حقا ما تقول"؟ فقال: "نعم.. كل ما عليك هو أن تدفع غرامة الألف دينار المنصوص عليها في حكمك".

كان الأمر بالنسبة لي أشبه بالخيال إلى درجة أنني شككت في كوني يقظا! فعدت إلى زنزانتي وعيناي تدمعان وقلت في نفسي: "فعلها العباس ورب الكعبة"! ثم فرشت سجادتي ووقفت لأصلي صلاة الشكر على هذه النعمة.

في اليوم نفسه زارني ذويَّ، فأوعزت إليهم بضرورة دفع مبلغ الغرامة، وقد فعلوا ذلك في اليوم التالي لدى إدارة تنفيذ الأحكام بمنطقة الجابرية، مع أنهم كانوا متعجبين وفي شك من حقيقة الأمر، فجميع الوساطات قد باءت بالفشل، ولم يكن ثمة مؤشر على أن هناك تدخلا من قبل الديوان الأميري لإلحاقي بقائمة المشمولين بالعفو السنوي، خاصة أن شروط وقواعد العفو لا تنطبق عليَّ، فحكمي ليس نهائيا بل هو حكم ابتدائي! وقضيتي ليست من جنس القضايا المشمولة بالعفو أصلا! ولم أقضِ من محكوميّتي نصفها كما يُشترط! ثم إن الأعجب من هذا كله أن جلسة محكمة الاستئناف في قضيتي كانت قبل يوم واحد من إطلاق سراحي المفترض أي في الرابع والعشرين من شهر فبراير وقد حضرتها فعليا! فكيف أكون مشمولا بالعفو والحال هذه؟! ومن له القدرة على إدراج اسمي في القائمة والحال أن جميع المسؤولين عن الموضوع هم على طرف المعاداة لي لا المحاباة! فهل أن النائب العام مثلا يرغب في إطلاق سراحي؟ أم وزير العدل؟ أم وزير شؤون الديوان الأميري؟ وكيف خفي اسمي على كل هؤلاء فوقعوا على قرار الإفراج؟! بل من له الجرأة على التدخل في أمر كهذا في قضية نوعية كهذه؟!

إنها قدرة الله تعالى، والحمد له كما هو أهله. وتلك هي شفاعة العباس النبراس صلوات الله عليه. ففي صبيحة يوم الخامس والعشرين من شهر فبراير 2004 وبعد إجراءات مكثفة من التدقيق في ملفات السجناء أشرفت عليها لجان متخصصة من وزارة الداخلية ووزارة العدل والنيابة العامة؛ أُطلق سراحنا وخرجنا من باب السجن لنسجد سجدة الشكر. ولم نكن قد قضينا من محكوميتنا سوى شهرين وخمسة وعشرين يوما فقط!

ونحن نعلم أن الجماعات الوهابية المصدومة بما جرى لا يروق لها الإذعان لحقيقة أن إطلاق سراحنا كان تدخلا إلهيا، لذا هي تصرّ على طرح احتمالات تبعث على السخرية، كالقول بأن هناك من الشيعة المناصرين لنا من عمد إلى إقحام اسمنا في قائمة المشمولين بالعفو! أو القول بأن الإفراج عنا كان بتواطؤ مع الحكومة! والجواب لهؤلاء: أن ائتونا بشيعي واحد في النيابة العامة أو وزارة العدل أو وزارة الداخلية أو الديوان الأميري له علاقة بموضوعنا وله هذه القدرة حتى يتمكن من التدخل بهذه الجرأة لكسر حكم قضائي صادر ضد الشخص الذي قامت الدنيا بأسرها ضده! أو ائتونا بتفسير منطقي لقيام الحكومة بالتواطؤ معنا ولأية مصلحة؟ بل مصلحتها هي في خلاف ذلك كما هو معلوم لأنها بتواطئها قد تفتح على نفسها بابا لا يُغلق، فالقضية حساسة بل في أعلى درجات الحساسية، وأن يخرج هذا الشخص بالذات من السجن وبهذه السهولة ولأول مرة في تاريخ البلاد هو ليس بالأمر الهيّن! وما الفائدة التي يمكن أن تتوخاها الحكومة من هذا التواطؤ المزعوم؟!

ثم إن الحكومة بنفسها قد أقرّت في جوابها لمن سألها في البرلمان، وكذا في ردّها على تقرير الخارجية الأميركية في شأن حقوق الإنسان والذي تعرّض إلى أمر اضطهادنا بالاستنكار؛ أقرّت أن الإفراج عنا كان قد وقع عن طريق "الخطأ في الإجراءات"، وهو ما يعني أن الإفراج عنا كان خارجا عن إرادتها، وأن الأمر كان قضاءً وقدرا ليس لها فيه الحيلة، وهي إلى اليوم لا تعرف كيف قد وقع هذا الخطأ ومن قبل مَن مِن المسؤولين أو الموظفين؟! وهذا معناه أن القدرة الإلهية قد تدخلت في الموضوع، فهل للجماعات الوهابية والإخوانية وغيرها من الجماعات المناوئة لنا أن تحاسب الله تعالى على حسن صنيعه بنا وكسره لآمالها في إبقائنا في الحبس! قد استجاب الله لدعائنا وفرّج عنا وأنقذنا بمنّه، ولم يستجب لدعائهم علينا بالهلاك والبقاء في عذاب السجن! فأي برهان أعظم من هذا على أننا على الحق وأننا لم نرتكب جرما يوجب سخط الله سبحانه؟!

إن مشكلتنا مع هؤلاء أنهم قد جرّمونا باسم الله! والله بريء من ذلك إذ لم يجعلهم ناطقين رسميين باسمه! فعلى أي أساس وعلى أي شرع اعتبرونا مذنبين؟! وهل لهم أن يناظروننا في الدين ليعرف الكافة أينا على حق وأينا على باطل؟! إني أعلنها لهم وللجميع أني أسأل ربي أن يتلقاني بما صنعت في كشف حقيقة أعدائه وأعداء رسوله وأوليائه عليهم السلام، فلئن كان ذلك موجبا لسخط أهل الدنيا من المخدوعين برجال الماضي، فإنه موجب إن شاء الله تعالى لرضاه ورضى رسوله وأهل بيته (عليهم السلام) في الآخرة.

بعدما تم الإفراج عنا؛ لم تمضِ ساعتان حتى اكتشف القوم أننا قد خرجنا من السجن، فذهلوا مما وقع وكانت خطتهم هي في استدراجنا مجددا إلى السجن كما استدرجونا أول مرة إلى أمن الدولة، حيث كنا قد تلقينا آنذاك اتصالا هاتفيا صباح يوم اعتقالنا يطلب حضورنا إلى "مخفر المدينة" للتحقيق في القضية فقط، فذهبنا طواعية وليس كما أشيع من أنه قد تم إلقاء القبض علينا، لأننا كنا نعتقد ولا نزال أننا لم نرتكب جرما يستحق السجن، حتى على أصول القانون الكويتي، وفي هذا كلام مطوّل ليس هنا محله.

في هذه المرة؛ أي بعد إطلاق سراحنا كنا قد وصلنا إلى بيت أهلنا حيث كانوا هناك قد تجمعوا كما هي عادتهم الأسبوعية في إقامة مجلس عزاء الإمام السجين موسى بن جعفر الكاظم (صلوات الله وسلامه عليهما) بنية سلامتنا، كما كان بعض الأصدقاء متواجدين هناك لاستقبالنا وتهنئتنا. وفي تلك الأثناء اتصل أحدهم من وزارة الداخلية وعرّف نفسه، ذلك بعد أقل من ساعتين من الإفراج عنا، وقال لنا بلطف مريب: "إذا أمكن أن تحضروا إلى مبنى إدارة تنفيذ الأحكام بالجابرية ومعكم جواز السفر! لا تقلقوا ولا تخافوا! إنها مجرد إجراءات روتينية يجب استكمالها بسبب العفو"!

كانت لهجة ذلك الرجل مثيرة للريبة طبعا، فاستخرنا الله تعالى على الذهاب إليهم كما طلبوا فأشارت الخيرة بالنهي الشديد، فازداد قلقنا، ثم استخرنا الله تعالى على الخروج من المنزل فأشارت الخيرة بالحض المؤكد، فأخذنا جواز سفرنا وبعضا من المتعلقات الشخصية وخرجنا قاطعين على الأهل فرحتهم بعودتنا إليهم، حيث إنهم بعد ذلك لم يروْنا!

وكان ذلك الخروج من بيت الأهل رحمة من الله تعالى لنا، إذ كانت قوة أمنية متوجهة إلى هناك للقبض علينا، فضاعت الفرصة من بين أيديهم. واشتعلت القضية سياسيا مرة أخرى، وإذا بأصوات الجماعات المناوئة تتعالى من جديد متوعدة ومهددة ومطالبة الحكومة ببذل جهدها للقبض علينا، ووقعت الحكومة حينها على ما يبدو في حرج شديد أخلّ بهيبتها كثيرا، مما حداها إلى التفاوض، فأوصل المسؤولون إلى الأهل غير مرة رسائل مفادها "أنه فليسلّم نفسه أولا ونحن نتعهد أنه بعد شهر سيتم العفو عنه ويتم إطلاق سراحه بعد تقديم كتاب استرحام منكم! ولكن دعونا أولا أن نهدئ السلفيين حاليا فهم ثائرون لما جرى"!

وقد أبينا الاستجابة لهذا العرض، لأن المؤمن لا يُلدغ من جحر مرّتين، إضافة إلى أن الاستخارة التي أجريناها في هذا الصدد لم تكن مشجعة. ومع إصرارنا على عدم تسليم النفس والوقوع في شرك المتآمرين، لم تجد الحكومة بدا من إقامة نقاط التفتيش في المناطق التي يتوقع تواجدنا فيها، وتوقيف الأهل والأصدقاء أكثر من مرة واستجوابهم، عدا عن مراقبة تحركاتهم. إلا أن الله تعالى أبى أن يوقعنا في قبضتهم مرة أخرى، فعشنا فترة في البلاد نتنقل فيها من بيت إلى بيت، استقبلنا فيها الأهالي المخلصون الأوفياء، وتحمّلوا فيها من أجلنا ما تحمّلوه من مخاطر، ليس لشيء سوى إيمانهم بعدالة قضيتنا والتماسا للأجر من الله تعالى، والقرب من أهل بيت النبوة عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام. فجزاهم الله خير جزاء المحسنين.

ثم إننا وجدنا أن استمرار الوضع على هذا النحو ليس بالمقبول ولا المرضي، فآثرنا اللجوء إلى خارج البلاد اضطرارا، لأن البقاء كان يعني تعطيل العمل التبليغي الدعوي، ونحن إنما نعيش لأجله، فإذا تعطل كنا كالأموات! فلا خير في حياة بلا دفاع عن محمد وآله عليهم السلام. ومن هنا صممنا على الخروج والهجرة، واستطعنا بحمد الله تعالى وبكرامة من أهل بيت النبوة (عليهم السلام) أن نجتاز الحدود إلى العراق خفية، بمعية بعض المخلصين الشجعان، ليتحقق لنا شرف زيارة الأئمة الأطهار (عليهم السلام) مجددا، وكانت هذه هي المرة الرابعة التي نتشرف بها في الزيارة، والأولى بعد محنة هي الأشد علينا.

وتحقق لنا أيضا أداء نذرنا الذي نذرناه للخلاص والنجاة، فاتجهنا إلى حرم المولى أبي الفضل العباس (أرواحنا فداه) واتفقنا مع المسؤولين على أن نرفع أذان الظهر في يوم الجمعة رسميا، وكانت لحظة من أروع لحظات الحياة بالنسبة لنا، إذ يكفينا فخرا يوم القيامة أن نكون من جملة من يصدق عليهم لقب "مؤذن حرم العباس بن علي".. وقد قام بعض الأصدقاء هناك بتسجيل وتصوير الحادثة لتبقى شاهدة حية إلى ما شاء الله تعالى.

ثم إننا مكثنا في العراق فترة، تنقلنا فيها بين المدن المقدسة، النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء وبلد، إضافة إلى رحلات متفرقة إلى العاصمة بغداد، وعشنا في تلك الفترة بين أصدقائنا الأوفياء الذين أحاطونا برعايتهم رغم الأحداث الأمنية المأساوية اليومية، جزاهم الله خير الجزاء. وتهيأ لنا الاستقرار فترة في مدينة بلد المقدسة، مدينة سبع الدجيل السيد محمد بن الهادي عليهما السلام، والقريبة من سامراء المقدسة، حيث كنا نتردد على مرقد الإمامين العسكريين (عليهما الصلاة والسلام) للزيارة، وكثيرا ما كنا نجد أنفسنا وحيدين هناك، فالوضع الأمني كان خطيرا للغاية، والإرهابيون كانوا هم أصحاب السيطرة الحقيقية في المدينة. مع ذلك كنا نصر على الوصول إلى الإمامين الغريبين (أرواحنا فداهما) وكنا نرى بأعيننا ما نراه من تهديد للمقام الشريف المتروك في أيدي النواصب الحاقدين من البعثيين القدماء، فتحركنا مع الأخوة أعضاء الهيئة هناك باتجاه الضغط لاسترداد الحرم وتأمين الحماية له محذرين من خطورة بقائه هكذا، لكن أذنا لم تكن تسمع، ولا عينا كانت ترى! إلى أن وقع ما وقع، ولا حول لا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ثم إننا بعد ذلك توجهنا لزيارة العتبات المقدسة في إيران، فانطلقنا بمعية بعض الأخوة الأعزاء إلى هناك، حيث تسنت لنا زيارة إمامنا السلطان الرضا (صلوات الله عليه) في مشهد المقدسة، وأخته السيدة فاطمة المعصومة (صلوات الله عليها) في قم المقدسة، والسيد عبد العظيم الحسني (عليه السلام) في الري، وبعض أولاد الأئمة الأطهار (عليهم السلام) فضلا عن المؤمن المبشر بالجنة أبي لؤلؤة فيروز النهاوندي (رضوان الله تعالى عليه) في كاشان، وكانت هذه هي زيارتنا الأولى له.

ومكثنا في إيران فترة، قضيناها كما قضينا الفترة التي مكثناها في العراق، في التواصل مع بعض الزملاء العاملين في الهيئة، وإعداد المشاريع الدعوية والقيام بما أمكن في سبيل نشر دين الله وولاية أهل البيت عليهم السلام. ثم إننا بعد ذلك ارتأينا الهجرة إلى لندن لمواصلة الدرب في التبليغ الديني، وهكذا ارتحلنا إليها جوا ووصلناها في أواخر العام 2004.

2- ما طبيعة نشاطك الدعوى منذ خروجك من الكويت؟

ج2: نشاطنا حاليا هو القيام بما يمكننا من وظائف في خدمة الإسلام والتشيع، فمنها إمامة المصلين في أيام الجمع، وإلقاء الخطب والمحاضرات، وتدريس الدروس الحوزوية في الفقه الاستدلالي وعلم الكلام، والإسهام في أعمال الهيئة المباركة، والرد على الأسئلة العقائدية الموجهة إلينا عبر المكتب أو موقع القطرة، واستقبال الباحثين في الإسلام والتشيع ومحاورتهم ودفعهم نحو اعتناقهما، والتوجيه والإرشاد وإصلاح ذات البين وما أشبه ذلك من وظائف. ولله الحمد والمنة.

3- هل صحيح أنك تعرضت للضرب من قبل بعض المساجين السنة إبان وجودك فى السجن؟

ج3: لا ليس صحيحا، فإننا قد تنقلنا بين ثلاث سجون، الأول هو سجن المباحث الجنائية، والثاني هو المركزي، والثالث هو طلحة. وفيها جميعا لم أتعرّض إلى أي ضرب أو اعتداء، لا من المسجونين ولا من السجّانين. غاية ما هناك حصول بعض المضايقات، خاصة في السجن المركزي، حيث كان بعض السجّانين حاقدا علينا، وكذا رئيس السجن وكان اسمه فهد الحربي إن لم تخنا الذاكرة، وهو وهابي التوجه، وقد تعمّد وضعنا في البداية في زنزانة انفرادية وفي أسوأ عنابر السجن المخصص لتجار المخدرات والمتعاطين لها، ثم إن السجانين في الأسبوع الأول من انتقالنا إلى هناك علقوا في ممرات السجن وأروقته لافتات تحمل أحاديث مكذوبة في فضل ما يسمى بالصحابة، وكان واضحا أنهم يقصدون من وراء ذلك إثارة أعصابنا واستفزازنا، وتحريض بعض السجناء الآخرين ضدنا، سيما أولئك الذين سُجنوا بتهم الانتماء إلى تنظيم القاعدة الإرهابي، وقد سمعت همهمة من بعض السجناء مفادها أن أولئك يخططون للاعتداء علينا بالسكاكين لقتلنا، وأنهم يروْن في ذلك طاعة لله! وأنهم لا يخشون من العاقبة إذ هم متهمون بما هو أعظم من القيام بأعمال إرهابية إجرامية ولن تزيدهم هذه التهمة شيئا، ثم إن حوادث القتل تحصل في السجن المركزي بسبب نشوب عراك بين السجناء، فيكون الأمر طبيعيا. إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث ولله الحمد، ويبدو أن السلطات كانت على علم بهذه التحركات، إذ قد استدعانا أحد السجانين وأبلغنا أن السلطات العليا قد أوصت إدارة السجن بضرورة ضمان سلامتنا وأخذ الحيطة والحذر.

فهذا كل ما جرى في السجن المركزي، أما في سجن طلحة فكان الوضع مريحا أكثر، ولم يقع أي احتكاك بيننا وبين المخالفين لنا باستثناء أننا كنا نعقد في السجن مع بعض الأخوة الشيعة وغير الشيعة جلسة ليلية، كنا نلقي فيها على مسامعهم بعض روايات أهل البيت (عليهم السلام) في الصبر والتحمل، وقصص مظلومياتهم وما عانوه من قتل وسجن وتعذيب وتشريد وتبعيد إلى ما هنالك، فأثارت تلك الجلسة حنق بعض أولئك سيما وأننا جذبنا بعض غير الشيعة إلى هذه الجلسة، فاستدعانا رئيس السجن ونهانا عنها، فانتهينا كرها. هذا كل ما في الأمر.

4- هل صحيح أنك طالبت شيعة المملكة العربية السعودية بعصيان الدولة والخروج عليها؟

ج4: إن كان قصدك الخروج المسلح عليها فلا، وإن كان قصدك العصيان المدني السلمي فنعم، كنا قد دعونا إلى ذلك وما زلنا ندعو إليه كوسيلة من وسائل الضغط الجماهيري لرفع الظلم وإحقاق الحق والانتصاف من أية حكومة، سواء كانت هذه التي ذكرتها أم غيرها.

وليس هذا جديدا في قاموس أدبياتنا، فقد كتبنا عنه في الصحافة قبل سنوات عديدة من اعتقالنا، غير أن المناوئين لنا من الفرقة الوهابية طاروا فرحا بذكرنا له في إحدى بياناتنا الأخيرة التي أصدرناها بمناسبة ذكرى قيام السلطة السعودية بهدم أضرحة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في البقيع الغرقد بالمدينة المنورة، وهم الإمام الحسن المجتبى والإمام علي زين العابدين والإمام محمد الباقر والإمام جعفر الصادق، عليهم صلوات الله وسلامه. فظنوا أنهم بتضخيمهم للموضوع قد يجرّون تلك الحكومة إلى العمل ضدنا أيضا، وقد زادوا عليه أننا دعونا إلى الخروج المسلح عليها! هذا والبيان موجود ومنشور ومتداول في شبكة الإنترنت، وليس فيه ما زعموا، وإنما المذكور فيه أن على المؤمنين سلوك سبيل العصيان المدني لإجبار الحكومة على إعادة بناء تلك المراقد المقدسة، لأن بقاءها هكذا يمثل تجاوزا على حدود الله تعالى، وجريمة في حق رسوله صلى الله عليه وآله، فإنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد أوصى الأمة بحفظ ورعاية حق عترته، وليس هدم مراقدهم المقدسة إلا مخالفة لهذه الوصية النبوية الشريفة. والمخالفة ذنب عظيم. من هنا نحن ندعو باستمرار لأن يرعى هؤلاء حق آل النبي (صلوات الله عليهم) وعدم استفزاز مشاعر المسلمين، وكان بياننا في هذا الصدد.

وليست الدعوة إلى العصيان المدني بجريمة في عرف القانون الدولي، بل هو وسيلة محترمة من وسائل التعبير الحضاري عن الرفض والمعارضة. ثم إن على خصومنا أن يفهموا أننا لسنا نرتعب من شيء، ولا من أية حكومة قائمة على وجه الأرض، فليضخموا ما شاءوا وليكيدوا لنا بما رغبوا، فإن الله تعالى هو ناصرنا عليهم بإذنه.

5- هل حصلت على اللجؤ السياسى من بريطانيا ؟ وما تفاصيل ذلك؟

ج5: نعم منحتنا الحكومة البريطانية حق اللجوء السياسي والحماية الأمنية بعدما وصلنا إلى لندن بموجب معاهدة جنيف في شأن حقوق الإنسان، وذلك لأننا لم نرتكب ما يستحق أن نُسجن لأجله أو نُضطهد بهذا الشكل الوحشي المروع الذي امتد ليطال عوائلنا في وضح النهار! حينما اقتحم عليهم رجال أمن الدولة والمباحث بيوتهم مسلحين بأنواع الأسلحة بلا إذن من النيابة العامة ولا سابق إنذار وبلا إتاحة فرصة حتى لكي تضع النسوة حجابهن!

لقد رأت الحكومة البريطانية حسب ما ورد في مذكرتها التي أرسلتها إلى الحكومة الكويتية والتي نشرت جريدة "الطليعة" إشارة إليها؛ رأت أن ما وقع علينا من ظلم واضطهاد يتنافى مع معايير حقوق الإنسان، إذا غاية ما صنعناه هو التعبير عن رأينا في بعض المسائل العقائدية والتاريخية، وكان التعبير في مجلسنا الخاص، فعلى أي أساس نُحاكم بتهمة "التحريض على زعزعة استقرار وأمن البلاد"؟! وما أعظمها من تهمة!

ما زلنا نتذكر قول ذلك المسؤول في الأمم المتحدة الذي أجرى مقابلة معنا لأخذ المعلومات عن قضيتنا وتسجيلها في سجل الأمم المتحدة، حيث قال لنا متهكما بعد سماعه لهذه التهمة: "يبدو أن أمن بلدكم هو أمن قوي جدا إلى درجة أنه يتزعزع بسبب محاضرة"!

إن الحكومة الكويتية تعلم يقينا أن الذي خلق هذه الأزمة الداخلية لم يكن نحن، بل الجماعات الوهابية والإخوانية المسيسة، فهي التي استنسخت عشرات الألوف من الأشرطة المسجلة لمحاضراتنا ووزعتها حتى في الشوارع، وهي التي أثارت القضية كل هذه الإثارة للتكسب الانتخابي. لقد قلناها لوكيل النيابة الذي حقق معنا: "انظر إلى الأشرطة التي بين يديك والتي تريدون محاكمتي على أساس أنني نشرتها ووزعتها.. هل تراها تحمل شعار خدام المهدي (عليه السلام) أم شعار جمعية إحياء التراث"؟!

لماذا تعامت الحكومة عن هذه الحقيقة، وهي أن من خلق هذه الفتنة هم الوهابيون لا نحن! إنهم تلقفوها تلقف الكرة مع علمهم بأن القضية تاريخية قديمة، وأن الخلاف بين الشيعة وغيرهم خلاف قديم في مسألة النظرة إلى ما يسمى بالخلفاء والصحابة وأمهات المؤمنين، ففي حين يقدّس غير الشيعة التاريخ ويتعاطون معه بمثالية مفرطة، فإن الشيعة ينظرون إليه بعين النقد والتمحيص ويصنفون رجاله وأفراده إلى الصالح فيحترمونه والطالح فينبذونه، وفي هذا الإطار كره الشيعة أولئك الرجال الذين أحبهم غيرهم، والعكس بالعكس، كما في مثال أبي طالب (عليه السلام) الذي هو عند غير الشيعة كافر والعياذ بالله، في حين أنه عند الشيعة بطل الإسلام والإيمان. وكما في مثال أبي لؤلؤة (عليه الرحمة) الذي هو عند غير الشيعة مجوسي قاتل، في حين أنه عند الشيعة مسلم مؤمن مبشّر بالجنة مقتص ممن ظلم وقتل سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها صلوات الله وسلامه.

من هنا كان يحق لكل فريق من الفريقين أن يعرض أدلته، وأن يطرح المسألة في مجالسه الخاصة، إلا أن الذي حصل هو أن مخالفينا رغم علمهم بأننا لم نطرح هذه المسائل إلا في ما بيننا، لأن ديننا قائم على المناقشة العلمية ونحن لا نربي أبناءنا على التقليد الأعمى؛ رغم علمهم بذلك فإنهم عمدوا إلى تصعيد الموضوع للتكسب الانتخابي. وهذا هو ديدنهم وليس بجديد عليهم، فهم يثيرون دائما قضية من لا شيء، فتراهم يخلقون أزمة سياسية عاصفة ويدخلون البلاد في جو التأزم لمجرد أن طريقة عرض الأذان المسجل في التلفاز قد تغيّر فلم تعد تظهر صورة الكعبة المشرفة في نهاية المشهد! فبالله أي عقل يملكه هؤلاء يمكن احترامه؟!

لقد كان الأجدر بهم أن يجابهوننا بالمناظرة العلمية إن كانوا مقتدرين، لكنهم عمدوا إلى أسلوب خنق الأصوات، وذلك ما يؤكد عجزهم وضعفهم واختلال مذهبهم. حقا لو كنا مكانهم لما فعلنا الذي فعلوه، فإنه عار لنا أن نفزع من طرح الآخر لمعتقداته. وإن المرء الذي يثق بأحقية دينه، لا يفزعه شيء ولا يهوله، أما المهزوز الضعيف الذي يعبد الله على حرف، فتراه بمجرد سماعه لأبسط نقد يتضعضع ويرتبك ويثور وينفجر!

وإننا نظن أن سبب حنق هؤلاء علينا لم يكن لمجرد المحاضرات، بل لمجمل الجوّ العلمي والثقافي الذي خلقناه في البلاد، والذي أدى إلى اهتداء بعض أبنائهم وشبابهم إلى التشيع، وقد كان جمعٌ من هؤلاء يحضرون محاضراتنا أسبوعيا. لعل ذلك هو ما أثار سخطهم وغضبهم إذ ظنوا أننا بذلك قد نغير من الواقع الإثني في البلاد مع مرور السنين، وتخوّفهم في هذا معقول إنصافا، غير أنه كان يجدر بهم أن لا يجابهوا الكلمة بالسجن والاعتقال! بل بكلمة مثلها، فإن التقييد والحبس والاعتقال لن يؤدي إلى نتيجة بل هو يثبت عجز الذي يوقعه على غيره. لقد كان يجدر بهم أن يعرضوا علينا مثلا المناظرة المفتوحة، حتى يثبتوا للعامة أننا على ضلال! لكنهم لم يصنعوا، مع أننا وجهنا لهم دعوات قوبلت بالرفض! فما الذي استفادوه الآن مما أوقعوه بنا؟ ها نحن لا نزال بحمد الله نمارس أعمالنا كما كنا ونتواصل مع الداخل بأقوى تواصل بل ونتلقى اتصالات ورسائل كثيرة حتى من أولئك المهتدين الجدد إلى التشيع.. فهل استطاعوا بهذا العنف والجور أن يقضوا علينا أو على حركة انتقال أبنائهم إلى التشيع؟

وها نحن نجدد الدعوة شخصيا، فنقول لمن عنده الشجاعة العلمية والأدبية أن تعال إلى ساحة المناظرة، ونحن مستعدون لأن تختاروا من بينكم أعلمكم وأكثركم اقتدارا في هذه المسائل لنناظره كتبيا على صفحات الصحف وأمام الملأ، جولة بجولة وصولة بصولة، في موضوع الموقف الصحيح الذي ينبغي للمسلم اتخاذه تجاه ما يسمى بالصحابة والخلفاء، وهل أنهم كانوا جميعا عدولا أم لا؟ وهل أنه يجب الترحم عليهم أم البراءة منهم؟ وما يتصل بذلك من مسائل. فليكن ذلك، حتى نقطع الجدل الدائر ويتمكن الناس من تمييز المصيب من المخطئ. فهل من مبارز؟!

6- هل صحيح أنك تنادى بهدم مساجد السنة ؟

ج6: هذه أيضا من جملة ما افتراه علينا خصومنا ومناوئونا، فإننا كنا قد صدّرنا بيانا بناسبة قيام الزمر الإرهابية المجرمة بتفجير مقام الإمامين العسكريين (عليهما الصلاة والسلام) في سامراء المقدسة، ثم أتبعناه بخطاب ألقيناه، وفي كليهما أشرنا إلى ضرورة أن تقوم السلطات المختصة في العراق أو من يقوم مقامها في حال عجزها بهدم المساجد التي يثبت أن الإرهابيين حوّلوها إلى أوكار لتخزين الأسلحة والمتفجرات وتعذيب الناس وقتلهم وتجنيد المجرمين وتدريبهم، فهذه المساجد تصبح شرعا مساجد ضرار وكفر وتفريق بين المؤمنين، وحينئذ يتوجب هدمها وإزالتها لقطع دابر الإفساد في الأرض.

فهذه هي التي خصّصناها بوجوب الهدم، أما أننا عممنا الحكم وقلنا بأن من الواجب هدم جميع مساجد الطائفة البكرية (المصطلح عليها بالسنة) فلا.. لم يصدر منا ذلك. ولله الحمد فإن البيان موجود ومنشور ومتداول، وكذلك تسجيل الخطاب الذي ألقيناه، وهو يثبت ما قلناه، فقد أكدنا فيه على ضرورة احترام المساجد التي لا علاقة بها بالإرهاب والإرهابيين. غير أن الوهابيين قاموا ببتر التسجيل واقتطاع المقطع الذي يحلو لهم حول الهدم ونشروه في شبكة الإنترنت وعلى الهواتف النقالة! مثلهم مثل الذي يقول: "ولا تقربوا الصلاة.." ثم يسكت! فإنا لله وإنا إليه راجعون.

7- هل تود العودة للكويت؟

ج7: بل نحن واثقون من العودة إن شاء الله تعالى، فالقضية مجرد مسألة وقت إلى حين ما تصل حكومتنا إلى مستوى من النضج والوعي فتفهم أن الأعداء الحقيقيين للبلد هم أولئك الذين يمارسون الإرهاب الفكري ضد الآخرين ولا يحترمون مبدأ التعايش التعددي والتنوع الديني والثقافي. وإن أخشى ما نخشاه هو أن يتسبب هؤلاء بكارثة تندم عليها الحكومة بسبب إتاحتها المجال لهم طوال هذه السنوات حتى فرضوا قوانينهم على الآخرين! على الحكومة أن تفهم أن هؤلاء الذين ترعاهم هم الأعداء الحقيقيون للبلد، ولكن متى تفهم هذه الحكومة؟ ولماذا تستمر في مسلسل الغباء؟ ألا تكفي تجربة الغزو الصدامي للبلاد أوائل التسعينات؟ ألم يكن الشيعة قد بحت أصواتهم وهم ينادون الحكومة بعدم الوقوف إلى جانب صدام التكريتي محذرين من أنه سيكون أول من ينقلب عليها؟ فلماذا الذي حصل؟ ولماذا تنتظر الحكومة أن يحصل شيء مماثل لا قدّر الله تعالى بسبب تجاهلها لنصائح المخلصين؟

ليكن التاريخ شاهدا، فنحن ننصح الحكومة ونحذرها من أن هذه الجماعات الوهابية الإرهابية التي تغذيهم وترعاهم أو على أقل التقادير تحابيهم وتراعيهم، سيكونون أول من ينقلبون على نظام البلد ويهددون أمنه، ودونكم ما يجري في الجزيرة مثالا، فإن أولئك الذين رعتهم الحكومات السعودية ومدتهم بالمال والسلاح أيام حرب أفغانستان ضد السوفييت سابقا هم اليوم من يهدد أمنها بالعمليات الانتحارية والتفجيرات، فلا جميلا راعوا ولا إحسانا ردّوا!

إن الشيعة ليسوا أعداء لأحد، وهم لا يقابلون الإحسان إلا بالإحسان، ويحفظون حقوق الآخرين بل ويصونونهم. إن الشيعة يعرفون رد الجميل، ولو أدركت الحكومات هذه الحقيقة لزالت تخوفاتها الوهمية النابعة من إرث التعصب المذهبي القديم!

8- هل لو عدت للكويت ستكرر نفس الخطاب الدعوى الذى سلكتة قبل خروجك منها؟

ج8: طبعا، فنحن لا نعود إلا بشروطنا، وعلى رأسها حفظ حقنا في التعبير عن آرائنا في العقيدة والتاريخ وغير ذلك. وإننا صادقون في قولنا أن ذلك هو الضمان الحقيقي لأمن البلد واستقراره، لأن البلد الذي يستوعب التناقضات الدينية والمذهبية والسياسية هو البلد الناجح، لا ذلك الذي يحجر على الآراء ويكتم الأصوات ويكون أحادي النزعة. فلتكن الكويت تعددية حتى تنجح وتتطور، وليعتد بعضنا على بعض اعتيادا حتى ولو كان مناقضا له في معتقداته وفكره، وليشترك الجميع في حقوق المواطنة وواجباتها بغض النظر عن الانتماءات الإثنية أو المذهبية أو حتى السياسية. بهذا تتطور البلاد وتتقدم، وبغير ذلك تتأخر وتتراجع إلى عصور الجاهلية الأولى!

9- ما تقييمك لما يحدث الأن على الساحة السياسية الكويتية؟

ج9: تقييمنا هو أن الساحة السياسية وصلت إلى منحدرات خطرة تقتضي التدخل ومن أعلى المستويات لتصحيحها بمؤتمر إنقاذ وطني بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى. لقد استشرى الفساد في أجهزة الدولة، وتفشت المحاباة والمحسوبية والشللية، ولم يعد لأي قانون احترامه في ظل خروقات الواسطة. والحكومة غارقة في التناقضات ومتورطة في التجاذبات السياسية مع النواب والتجار وذوي النفوذ، والبرلمان غارق في الصراخ والاستصراخ والتكسب الانتخابي والاسترزاق السياسي والتسول المصلحي! كلٌّ يجرّ فيه النار إلى قرصه دون التفات إلى مستقبل البلد المظلم!

تجري كل هذه الفوضى وسط تنازل هيبة الدولة، سيما بعد أزمة الحكم الأخيرة، وغرق الشعب في الاتكالية والكسل، واللهو والسفر، والإسراف والتبذير والاستدانة المفرطة.

تناقص الوعي إلى حد مرعب حتى أصبحت عندنا أمية مقنّعة، فالذين يتخرجون من الجامعة مثلا لا يفقهون شيئا في العلم والثقافة والحضارة وإنما مبلغ همّهم وظيفة إدارية في وزارة يحتسون فيها الشاي والقهوة كل صباح! لا إنجاز للبلد في أي ميدان، ولا تطورا في المستوى العلمي والمعرفي، وأصبح الجشع والطمع سائدا عند الجميع إلا من ندر، وأجيالنا المقبلة قد تربّت على ثقافة الخدم والساتلايت والإنترنت والبلوتوث! والتفكك الأسري والطلاق وصل إلى معدلات مفزعة، وحوادث السيارات حدّث عنها ولا حرج، ومجلة (العربي) لم يعد يقرأها من الكويتيين سوى من هم معدودون على الأصابع، وهي للعلم تأكل نسخها الفئران في مستودعات وزارة الإعلام!

نحن في أزمة حقيقية لا يشعر بها أحد، والذين يفترض بهم أن يخططوا تخطيطا استراتيجيا لمستقبل البلاد هم أنفسهم بحاجة إلى من يعلمهم ألف باء التخطيط والإدارة! فلا حكومة واعية عندنا، ولا مجلسا تشريعيا رقابيا حقيقيا يمكنه أن يراقب أداءها ويحاسبها أو يغيرها.

إن على من تبقى من المخلصين في الكويت أن يفكروا جديا في مؤتمر إنقاذ يعيد هندسة نظام البلد بأكمله، دستوريا وقانونيا، فيرسم في إطار دستوري وقانوني جديد علاقة متوازنة بين الحاكم والمحكوم، وبين الكتل السياسية، والتجارية، والدينية، ومؤسسات المجتمع المدني، ويعيد فيها الاعتبار إلى المفهوم الحقيقي للمواطنة، وهو الارتقاء في خدمة الوطن لا الاتكال عليه، وأن يكون معيار التمييز والمفاضلة بين المواطنين على أساس الكفاءة ومدى الإخلاص في خدمة الوطن، لا على أساس الانتماء الطبقي أو العرقي أو الديني أو السياسي أو حتى الشللي.

10- ماذا كنت تقصد من وراء إنشاء هيئة خدام المهدى ؟ وما طبيعة عملها الأن ؟ وما مدى إنتشارها فى دول مختلفة؟

ج10: كنا نقصد من تأسيس الهيئة المباركة تشكيل جهاز إداري يقود العمليات التبليغية والدعوية ويرتبها وينظمها بدلا من أن تتبعثر بلا نظام، وأن تكون الهيئة جامعة لكل من يحمل على عاتقه همّ الدفاع عن حق آل محمد صلوات الله عليهم، ولكل من يقصد السعي لتقريب الناس إلى مقام بقية الله في أرضه صاحب العصر والزمان الإمام الحجة بن الحسن المهدي عليه وعلى آبائه آلاف التحية والثناء وعجل الله فرجه الشريف.

وقد استطاعت هيئة خدام المهدي (عليه السلام) من خلال أعمالها ومشاريعها أن تخلق جوا خاصا على مستوى بقاع عديدة في العالم، أبرزها الكويت باعتبارها بلد المنشأ، فتغيّرت بسبب ذلك ثقافة جيل شيعي واعد أصبح أكثر شجاعة وجرأة في طرح الحق، وأكثر ثقة بالنفس واقتدارا علميا وثقافيا، وأكثر تمرسا عمليا في وسائل وفنون التبليغ والدعوة والهداية.

وشيئا فشيئا أصبح للهيئة جمهورها الحامل لفكرها، المنسجم مع أطروحاتها، المنخرط في مسارها وتحركها. ومع تمدد الهيئة في أكثر من بلد، تكونت لها نواة تيار هي آخذة بالتوسع، بحيث يمكننا القول أنه في غضون السنوات القليلة المقبلة سنلحظ جليا أن هناك تيارا إسلاميا ناهضا بقوة على الساحة حاملا لاسم: خدام المهدي عليه السلام.

أما عن أعمال الهيئة القائمة حاليا فهي كالسابق، ما بين نشر للإصدارات الدورية كمجلة "المنبر" ومجلة "ثائر" و"صدى الخدام" بالإضافة إلى "شيعة نيوز" الصادرة باللغة الإنجليزية، ونشر للكتب والأشرطة والأقراص والتقاويم السنوية كتقويم "الكساء" إلى غير ذلك من وسائل النشر الديني. وما بين إعداد تأهيلي علمي وثقافي ومعرفي للمنضمين الجدد في البلدان في دورات خاصة، وما بين رعاية الأسر المحتاجة ومساعدة الفقراء والأرامل والمساكين والمستضعفين في أنحاء العالم.

أما عن انتشار الهيئة في البلدان، فإن كنت تقصد بالانتشار المعنى الأخص للكلمة وهو وجود الأفرع والمكاتب التنظيمية، فهي موجودة في العراق وإيران ولبنان والكويت والبحرين وبريطانيا. وإن كنت تقصد المعنى الأعم وهو وجود بعض النشطاء العاملين والمناصرين فإن الهيئة تكون منتشرة في كثير من البلدان، فالهيئة كما سبق بيانه ليست تنظيما حزبيا وإنما حالة توجهية عامة، والهيئة تقود هذه الحالة من موقعها بالدعم والمساندة والتنسيق والربط.

ياسر الحبيب
28 من ذي القعدة لسنة 1427 من الهجرة النبوية الشريفة
لندن


شارك الخبر على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp